الله في فكر عمر الخيام20/ 25

داود السلمان
dawdbagad@yahoo.com

2017 / 5 / 26

مفهوم السعادة
يقول الخيام:
وأسعد الخلق الذي يرزق
وبابه دون الــورى مغلق
لا سيدٌ فيهـــــم ولا خادم
لهم، ولكن وادع مطــــلق
وهنا، يحق لنا أن نتساءل: متى يكون الانسان سعيداً؟. وطبعا تتحقق السعادة للإنسان من خلال امور كثيرة يبحث عنها طيلة حياته، فإذا تحقق جزء منها فأنه يشعر بسعادة. فمثلا: إن الطالب اذا نجح من المرحلة الدراسة المتوسطة وذهب الى مرحلة الاعدادية، فأنه يشعر بسعادة ما بعدها سعادة. كذلك اذا نجح من الاعدادية وذهب الى الجامعة، فأنه يشعر بسعادة اكثر من شعوره من تلك السعادة، وهكذا. كذلك التاجر حينما يشتري بضاعة بكل ما يمتلك من نقود ويكسب ربحا وافرا من وراء ذلك، فأن سعادته ذلك الحين لا تدانيها سعادة. ونستطيع أن نأخذ مثالا آخر، من كثير من الامثلة، وهو الرجل الذي يتزوج ولم ينجب، وبعد سنتين أو ثلاث أو اربع أو اكثر، ثم تخبره زوجته انها حاملة بجنين، فأن سعادته لا اعتقد تدانيها سعادة؛ وهكذا.
والسعيد يشعر بأن السعادة كنوع من اللذة بحسب مسكويه، و" تكون لذته ذاتية لا عرضية وعقلية لا حسية وفعلية لا انفعالية والهية لا بهيمية. (مسكويه، تهذيب الاخلاق ص 142)
*ما هي السعادة؟
السعادة، لها عدة تعاريف ومفاهيم طرحها الفلاسفة، قديما وحديثاً واجابوا عنها في كتبهم ومصنفاتهم، والانسان دائما يبحث عن السعادة ويتمنى أن يكون دائماً سعيداً، لا تكدّر صفه الاحزان والاشجان، فهناك من يرى سعادته بكثرة امواله، وغيره من يرى سعادته بكثرة ذريته وبنيه، وغيره من يرى سعادته بكثرة علمه، وغيره من يرى سوى ذلك. وهناك اسباب ومسببات قد يشعر من خلالها الانسان انه سعيد، فمثلاً: أن الشخص الذي يصاب بمرض ما، ومن ثم يتماثل للشفاء، بعد أن يلم به المرض ويرقده على الفراش شهور او سنين، وربما قد يصل الى الموت، وحينما تجلو سوداوية غيوم المرض عن سماء جسده، وتحلُ فيه روح الشفاء كنسيم عذب، فأنه يشعر بسعادة ما بعدها سعادة. فأذن العافية: هي مصدر من مصادر السعادة، لكن الانسان لا يدرك كنهها، ولا يشعر بوجودها، الا حين يصاب بوعكة صحية، او بداء عضال، او بأزمة جسدية تداهمه على حين غرة.
يقول ابن مسكويه: أن السعادة ألذ الأشياء وأفضلها وأجودها وأوضحها وجب أن يبين وجه اللذة فيها بأتم بيان.
"أن اللذة تنقسم إلى قسمين: أحدهما لذة انفعالية والأخرى لذة فعلية أي فاعلة. فأما اللذة الإنفعالية: فهي شبيهة بلذة الإناث واللذة الفاعلة تشبه لذة الذكور. ولذلك صارت اللذة الإنفعالية: هي التي تشاركنا في الحيوانات التي ليست بناطقة، وذلك أنها مقترنة بالشهوات ومحبة الانتقام وهي انفعالات النفسين البهيميتين. وأما اللذة الأخرى فهي الفاعلة وهي التي يختص بها الحيوان الناطق ولأنها غير هيولانية ولا منفعلة انفعالا لأنها صارت لذة تامة وتلك ناقصة وهذه ذاتية وتلك عرضية. وأعني بالذاتية والعرضية: أن اللذات الحسية المقترنة بالشهوات تزول سريعا وتنقضي وشيكا بل تنقلب لذاتها فتصير غير لذات بل تصير آلاما كثيرة أو مكروهة بشعة مستقبحة وهذه أضداد اللذة ومقابلاتها.
وأما اللذة الذاتية فإنها لا تصير في وقت آخر غير لذة ولا تنتقل عن حالتها بل هي ثابتة أبدا. وإذا كانت كذلك فقد صح حكمنا ووضح أن السعيد تكون لذته ذاتية لا عرضية وعقلية لا حسبة وفعلية لا انفعالية والهية لا بهيمية.
ولذلك قالت الحكماء أن اللذة إذا كانت صحيحة ساقت البدن من النقص إلى التمام ومن السقم إلى الصحة.
وكذلك تسوق النفس من الجهل إلى العلم ومن الرذيلة إلى الفضيلة. إلا أن ههنا سرا ينبغي أن يقف عليه المتعلم، وهو: أن ميله إلى اللذة الحسية ميل قوي جدا وشوقه إليها شوق مزعج ولا تزيد العادة في قوة الطبع الذي لنا كبير زيادة لفرط ما جبلنا عليه في البدء من القوة والشوق. ولذلك متى كانت هذه اللذة حسية قبيحة جدا، ثم مال الطبع إليها بإفراط وانفعل عنها بقوة استحسن الإنسان فيها كل قبيح وهون على نفسه منها كل صعب ولا يرى موضع الغلط ولا مكان القبيح حتى تبصره الحكمة.
وأما اللذة العقلية الجميلة فأمرها بالضد. وذلك ان الطبع يكرهها فإن انصرف الإنسان إليها بمعرفته وتمييزه احتاج فيها إلى صبر ورياضة حتى إذا تبصر فيها وتدرب لها انكشف له حسها وبهاؤها، وصارت عنده بمكان في الحسن". (ابن مسكويه كتاب (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الاولى بتحقيق ابن الخطيب ص 111- وما بعدها).
ولذلك يحرص الانسان دائما على أن يكون سعيدا، فيحاول أن يبعد القضايا التي تكدر صفوه، وتجلب له النحاسة والكدر، وتجعله أن يعيش في حالة قلق مستمر، وخوف من المجهول.
يقول احد الشعراء المتشائمين:
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٌ ..... يرجى فأن صار جسماً ملّه البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً .........حتّى اذا جاءه يبطئ ويعتكرُ
لم يسعد الناس الا في تشوّقهم .......... الى المنيع فان صاروا به فتروا
والتشاؤم دائما ما نراه يجلب الحظ السيء، وبدوره يحول الحياة الى جحيم لا تزوره السعادة، ولا تطرق باب منزله.
*نظرية السعادة عند ارسطو
كتب الدكتور حسن كامل إبراهيم (أستاذ الفلسفة في كلية التربية- جامعة الملك سعود– المملكة العربية السعودية) دراسة بعنوان" نظرية السعادة عند أرسطاطاليس" وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية (النت).
اكد فيها أن أرسطاطاليس تناول "مسألة السعادة أو نظرية السعادة في أكثر من مؤلف من مؤلفاته، لكنه أفرد لها في مؤلفه الأخلاق النيقوماخية مساحة كبيرة، حيث بين أن كل سلوك يقوم به الإنسان إنما يكون هدفه السعادة، وأشار إلى تعدد الآراء حول مسألة السعادة، من حيث طبيعتها، والشروط التي تتطلبها، ووضح أن السعادة تكون مرتبطة بالفضيلة واللذة والصداقة، وبحث عما إذا كانت السعادة مرتبطة بالنفس الشهوية أم الغضبية أم العاقلة، وما إذا كانت السعادة تكون للحيوانات مثلما هي تكون لكافة بني الإنسان، وعما إذا كانت السعادة تكون في ما هو مادي أم في ما هو روحي، أعنى هل السعادة تكون في الخيرات الخارجية كالحسب والنسب والمال أم أنها تكون في التعقل، وهل السعادة تكون في الدنيا فحسب أم لها وجود في عالم ما بعد الموت".
واشار الباحث الى "إن الطابع العام للأخلاق عند اليونانيين هو السعادة، ولذلك يمكننا القول – دون أن نجانب الصواب – أن الأخلاق اليونانية هي أخلاق السعادة. فالسعادة هي الهدف النهائي والأسمى الذي يسعى إليه اليونانيون. ويعتبر أرسطاطاليس من أفضل فلاسفة اليونانيين الممثلين لهذا الاتجاه الأخلاقي في مؤلفه الأخلاق النيقوماخية".
وتوصل الباحث في نهاية بحثه الى أن خمسة نقاط اعتبرها هي خلاصة رأي ارسطو حول نظرية السعادة:
1. أعتقد أرسطاطاليس أن هدف كل فعل وسلوك يقوم به الإنسان هو تحقيق خير ما. والسعادة هي الخير الأعظم والفضيلة الكاملة التي يسعى إليها جميع البشر بكل ما أوتوا من القوة.
2. تؤثر السعادة لذاتها دون أن تكون وسيلة لتحقيق هدف آخر غيرها، أما ما عداها من الخيرات والفضائل فإنها تؤثر من أجل السعادة. تلك السعادة التي ترتبط بالفضيلة، فهي الفعل طبقًا للفضيلة التامة أو الكاملة، والسعادة التامة تكون في ممارسة الجانب العاقل من الإنسان للتفلسف أو التعقل والتفكر.
3. الإنسان عامة لا يمكنه أن يعيش بمفرده كذلك الإنسان السعيد لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن الآخرين. وتعتبر الصداقة من العوامل الأساسية التي تعين الإنسان الذي يرغب في السعادة على تحقيق سعادته.
4. تلعب الخيرات الخارجية دورًا مساعدًا في تحقيق السعادة للإنسان - تلك السعادة التي تكون للإنسان وحده دون غيره من سائر الحيوانات التي لا عقل لها.
5. سعادة الإنسان تكون في الحياة الدنيا فحسب لأن أرسطاطاليس لم يعتقد أن النفس الإنسانية خالدة، تلك السعادة التي تعد مما يمدح في مقابل الفضيلة – وأشباهها – التي تعد مما لا يمدح.
*خلاصة:
وهذا المعنى الذي اكده ارسطو ومن ثم مسكويه حول السعادة، هو عين ما يذهب اليه الخيام في رباعيته هذه والتي اختصرها في هذا الكلام المنظوم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن