قانون اضفاء القدسية على الفاسدين!

قاسم حسين صالح
qassimsalihy@yahoo.com

2017 / 5 / 21



قانون..اضفاء القدسية على الفاسدين!.

أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العر اقية

تعدّ حرية التعبيرعن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي اهم متطلبات النظام الديمقراطي،لأن الحكومة فيه تمثل الشعب الذي يعدّ مصدر السلطات،وعليها ان تخدمه وتأخذ رأيه في كل قرار يخص حياته ومستقبله،وان تعدّل او تصحح القرار بما يلبي مطالب منظمات المجتمع المدني والكتّاب والمثقفين،فضلا عن انه حق كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية كالاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

والملاحظ ان مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي كتب بطريقة تقضي على الحقوق التي ضمنها الدستور العراقي في حرية التجمع والتظاهر والمعرفة،حيث ورد في باب الحقوق ما نصه(( تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب، اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون)).وكان على المشرّع تنظيم تلك الحقوق بقانون يضمن ممارستها بما لا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة،بل ان صياغته كتبت بطريقة تضمن للحكومة العراقية (حق) التضييق على الحقوق بذريعة المصلحة والآداب العامة.
وللتذكير فان مجلس الوزراء كان قد رفع في العام (2011 )مشروع هذا القانون الى مجلس النواب ،وجوبه يومها بانتقادات موضوعية اشرّت خللا ،بينها : تكراره لما موجود في قوانين اخرى،وخلطه بين المفاهيم وعدم دقة بعضها ،فيما تقتضي الصياغة القانونية ان لا تكون المفاهيم فيه حمّالة أوجه، فضلا عن انه منح المفوضية العليا لحقوق الانسان حق البت في شكاوى المواطنين الذين رفضت طلباتهم وتنصيبها كجهة قضائية.

لقد ورد في نص المادة 7/اولا ما نصه: (( للمواطنين حرية الاجتماعات العامة بعد الحصول على اذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية قبل (5) ايام في الاقل على ان يتضمن طلب الاذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقده واسماء اعضاء اللجنة المنظمة له)) . ولأنه تجنب مفردة (اشعار او اخطار) الجهة الحكومية المعنية،وهو المعمول به في الحكومات الديمقراطية،فان هذا يعني ان الحكومة العراقية منحت نفسها حصانة السلطة التي لا يحق لك ان تنتقدها او تتظاهر ضد قرار اتخذته بحقك الا بعد موافقتها!.ولأن القانون ورد فيه تعبير (الاجتماع العام)،فان هذا يمكن ان يشمل مجالس العزاء والأفراح بطريقة الكيد،وانها تتوعدك بعقوبة بحسب مزاجها،وربما ستضبطك متلبسا وانت جالس في مقهى مع اصدقائك بجريمة عقد اجتماع غير مرخص به،او اذا كنتم تمشون في شارع سوية فان لرجل الامن الحق في مطالبتكم بترخيض الاذن في تظاهرة..وهي فكرة لكوميديا ساخرة في سهرة تلفزيونية عن الديمقراطية العراقية!.
المثير للتساؤل بكوميديا سوداء ان القانون تضمن تجريما بحق كل من يتناول اهانة الرموز المقدسة او الاشخاص.ومع ان ظاهره يبدو مقبولا في حدود الآداب العامة،لكن مقصده في الحقيقة ابعد واعمق.
ان العراقيين،وليس الحكومات،يحترمون بطبيعتهم الرموز المقدسة وليسوا بحاجة الى توصية من احد او قانون يتوعدهم بعقوبة،لكن القصد منه هو حماية رجال الدين الذين امتهنوا السياسة سواء على صعيد البرلمان او الكتل السياسية او مؤسسات الحكومة.على سبيل المثال،هنالك اكثر من رجل دين معمم يتولى مسؤوليات أمنية،ووارد جدا ان يرتكب اخطاءا او تجاوزات بحكم وضع طائفي وامني مرتبك،فانك ان انتقدت سلوكه او شخصه،فسيعدّ ذلك اهانة رمز مقدس ..وبـ(القانون!)..وياويلك من عقوبة (رجل دين) صار سياسيا.
والمثير للسخرية ايضا،ان رجال الدين من المعممين الذين صاروا سياسيين،يتبادلون التهم بالفساد علنا عبر الفضائيات،فان انت اتهمت احدهم بالفساد فسيقيم ضدك دعوى باهانة رمز ديني..وبـ(القانون) وياويلك ايضا!
والسخرية الأخرى،ان العملية السياسية في العراق لم تفرز رجل دولة،بل (انجبت)فاسدين ورؤساء كتل واحزاب فتحت خزائنها لنهب الثروة في حال ينطبق عليه وصف جهنم..يسألونها هل امتلأت تقول هل من مزيد.وان تلك المادة في القانون صيغت بطريقة تقول لك:ان هؤلاء الساسة يعدّون رموزا وانك تعرف ان الرمز (مقدس)..وعليك ان تسكت حتى لو سرقوك سرّا او علنا.
ليس هذا رأي الكاتب وحده،بل أننا اجرينا استطلاعا شارك فيه أكاديميون ومثقفون اليكم نماذج من اجاباتهم:
• من هي الرموز الوطنية التي يمنع نقدها؟هل من يخرّب الوطن ويدمره يصبح رمزا وطنيا؟
• وهل هناك رمز وطني ظهر بعد( 2003)؟. لدينا رموز طائفية ورموز جنسيات مزدوجة ورموز في السرقات.
• صيغ هذا القانون ضد الكفاءات العلمية ليبقى الجهلة في مناصبهم.

• اذا صدر القانون فلابد ان تلحق به قائمة باسماء الرموز عندها سيكون الوضع اسوأ لان كل حرامي كبير يمني نفسه بنيل هذا اللقب الجديد.
• وهل توجد رموز وطنية كي يمنع القانون من انتقادها؟ لدينا لصوص وعملاء،وانتقادهم وفضحهم فرض عين على كل عراقي شريف وعراقية عفيفة.
ان الديمقراطية لا تقر بمقولة الرموز السياسية،بل تقر بمبدأ أن الجميع متساوون ويخضعون للقانون دون فوراق.والحقيقة المؤكدة ان مشروع هذا القانون الذي يتوحد الآن فاشلو وفاسدو الكتل السياسية للعمل على اقراره،ناجم عن حقيقة سيكولوجية من نوع شرّ البلية ما يضحك..هي ان البرلمان العراقي يخشى الشعب الذي انتخبه!،وان السلطة (الديمقراطية) في العراق صارت تخاف من الشعب،وانها تريد ان تحمي نفسها من غضبه عليها،وانها تدرك ان غضب الناس عليها مشروع، وان انتقامه منها سيكون شديدا لجرائم اكبرها ان الذين استلموا السلطة اعتبروا العراق غنيمة فتقاسموا خيراته وتركوه خرابا..وعزلوا انفسهم لوجستيا ونفسيا في 10كيلومتر مربع.ومع ان الديمقراطية تقر مبدأ تداول السلطة فانهم، يريدون ان يبقوا من خلال هذا القانون الى يوم يبعثون.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن