نكبتي ولجوئي : عزيزه هي السبب

عطا مناع

2017 / 5 / 21


كان للفقر جذوراً ضربت عميقاً في مجتمع المخيم الصغير، الفقر لم يكن مدعاة للخجل، لأنه وبكل بساطة قد دخل كل بيت، اقول كل بيت تجاوزاً، لأننا كنا نعيش بأشباه بيوت، تحشر العائلة نفسها في غرفة واحدة قوامها ستة عشر متراً مربعاً، وكانت تلك الغرفة كل شيء للأسرة، كانت غرفة نوم وغرفة استقبال ومطبخ وكان للاستحمام، اما بالنسبة للحمام فهذا حديث اخر سأتحدث عنه لاحقاً.

بالرغم من وجع تلك الايام ينتاب الواحد منا نوبات من الضحك ونحن نتذكرها، لا اعرف لماذا نضحك ونعبر عن اعتزازنا بها ونحن نستذكرها، قد نكون بحاجة لطبيب نفسي، وقد يكابر بعضنا ويقول انت تبالغ، لا انا لا ابالغ، فطبيعة الانسان وعقله الباطن يتسلح بمفاهيم الدفاع عن الذات، خذوا هذا المثال، في السجون كنا نتناول البيكا، والبيكا نوع من الحبوب تقدم للحيوانات وبالتحديد للبقر، اجزم ان تلك الوجبة مقيتة، لكن وبعد الافراج عن الاسير من السجن يحن للبيكا ويتمنى ان يتناولها، هكذا ندافع عن انفسنا كي نستمر في الحياة.

في المخيم لم يكن ممارسة مفهوم الاقتصاد البيتي قد تجسد بعد، وكان من المحال ان يتجسد، لان الواقع المعاش والظروف البيئة تناقض هذا المفهوم، كان المحظوظ يربي بضع دجاجات بهدف تناول البيض، وكان من الممكن زراعة البصل او البندورة او العدس، لكن تلك الزراعة كانت محدودة كما البيت الذي تعيش فيه الاسرة، ويبدو ان ممارسة شبه الزراعه تلك بمثابة تعويض لأجدادنا الفلاحين عما فقدوه، يريدون ان يقنعوا انفسهم بأنهم ما زالوا فلاحين.

اذن كان المخيم يعيش على الكفاف، وكانت حدود العالم لهذا التجمع البشري لا تتعدى حدود المخيم، وكان الناس لا زالوا يعيشون الصدمة التي اقتلعتهم من ارضهم، لم يفكر الناس بطبيعة ما يتناولوا من طعام، كانوا يتحدثوا عن القرية وخيراتها، وأتخيل انهم كانوا مرتاحين لفقرهم ومؤمنين بهذا العقاب الرباني على تركهم قراهم التي يصفونها بالجنة او اجمل.

كان المخيم يعيش الوحدة في كل شيء، تخيلوا ما شئتم، لكن هذا هو المخيم، لم يكن في المخيم سوى بضعة دكاكين توفر الشاي والسكر وبعض المستلزمات الاساسية، وكان الفلاحين يوفرون الخضار والفواكه كل صباح حيث يتواجدوا في سبه سوق قوامه مساحة مقابل الشارع الرئيسي للمخيم.

كانت بعض السيارات التي تحمل سلع غذائية تجوب المخيم لتسويق سلعه بدلاً من اتلافها، ومن ضمن هذه السلع الدجاج العتاقي، والدجاج العتاقي هو الدجاج البياض الذي لم يعد يبيض لمرور سنوات على عملية الانتاج، وكان الدجاج العتاقي بحاجة لفترة اطول كي بنضج، وكان الناس يقبلون على شراء هذا الدجاج لسبب بسيط يتمثل في ثمنه البخس مقارنة بالدجاج اللاحم، وكنت اذا مشيت في شوارع المخيم تجد كل البيوت تطبخ العتاقي.

للفقر احكام، هذا يعني ان المرأة كانت تطبخ الدجاجة من رأسها حتى اخمص قدمها، كان على الاسرة ان تأكل الدجاجة مشمولة بالرأس والرجلين، حتى اللحظه افكر ماذا وكيف كنا نأكل رأس الدجاجة ؟؟؟؟ ماذا يؤكل في الرأس ؟؟؟؟ لكن عمليات الترهيب والترغيب كان لها فعلها ولذلك كان اكل الرأس ممتع.

لماذا تذكرت هذه الحيثية من حياتنا الزاخرة بخيبات الحياة، اليوم ومع اقتراب شهر رمضان الذي لن يكون مباركاً علينا طالما اسرانا يخوضون اضراب الكرامة عن الطعام وأيام تفصلهم عن الشهر الفضيل، وفي رمضان كما تعرفون ترتفع الاسعار بحكم العرض والطلب، لان الناس يقبلون عن عمليات الشراء وكأننا على شفير الحرب، اليوم وبالصدفة التقيت احد تجار ومربي الدجاج الكبار، وكان السؤال التقليدي عن الاسعار في رمضان، فقال لي ستنزل اسعار الدجاج في الحضيض، استغربت واستفسرت عن السبب، فجاني الجواب عزيزه هي السبب.

طبعاً انا اعرف عزيره جيداً، عزيزه يا سادتي تعبير عن احتكار الدجاج في الضفة الغربية المحتله، وعزيزه عبارة عن شركة لإنتاج الدجاج الفقاسة حتى المسلخ ، وكنت اعرف انها تنتج مئات الالاف من الدجاج اللاحم والحبش، والحديث يجر الحديث فانا اذكر عندما عقد المؤتمر الاقتصادي الثاني الذي كان ينظمه رئيس الوزراء السابق سلام فياض اتخذ قرار بدعم الاقتصاد الوطني المتعلق بالدجاج وبشكل خاص الحبش، ويبدو ان عطاء الدعم رسى على عزيزه.

بعدها قادتني الصدفة الى مدينة اريحا وبالتحديد منطقة العوجا، هناك رأيت مساحات شاسعة تستغل لتربية الدجاج، دفئيات الدجاج تدفعك للغيرة نظراً للاهتمام بها، وعندما سألت عن اصحاب تلك الدفئيات قالوا عزيزه، من يملكها ؟؟؟ انه اقتصادي عاشق عشاق برنامج محبوب العرب.

عزيزه تنتج حوالي مليون طير في الشهر، ولعزيزه مصنع اعلاف، ويقول تجار الدجاج ان فلسطين هي المنطقة التي تفرض ضريبة قيمتها 300 سيكل على طن العلف، وطبعاً المربي الصغير والذي لا يستطيع المنافسه سيدفع الثمن، وبالعودة لعزيزه لديها مصنع اعلاف وفقاسه ومسلخ للدجاج.

بالمجمل هناك سيطرة شاملة لعزيزه على اقتصاد الدجاج في البلد، وهي التي تقرر ان يأكل الشعب الدجاج، ويذكر بعض الفلسطينيين موجة ارتفاع اسعار الدجاج عندما تجاوز سعر اكيلو 20 سيكل أي خمسة دولارات للكيلو، طبعاُ عند عزيزه الخبر اليقين.

لكن ما علاقة المخيم واللجوء والدجاج العتاقي بعزيزه، انها علاقة جوهرية وتاريخيه، فعزيزه موجوده في كل زمان ومكان بالنسبة للفلسطينيين، صدقوني عزيزه كانت موجوده في ثورة ال 36 ، وعزيزه هي التي كانت تسوق لنا الدجاج العتاقي، وعزيزه اطلقت الثورة وانقلبت عليها، عزيزه تفاوض، وعزيزه تصنع ابجديات المقاومه، عزيزه هي الدجاج والدخان والبنوك والاتصالات ومحبوب العرب، وعزيزه هي من خلق منا عبيد في هذا الوطن.

عزيزه هي النكبة والنكبة عزيزه، وعزيزه هي التي تشبعنا وتجوعنا، وهي التي تضحكنا وتبكينا، وعزيزه ايها الناس هي الصخرة الرابضة على صدورنا من ايام النكبة، عزيزة تسرب الاراضي وتشيد المدن، وباختصار عزيزه تجمع ما بين البناء الفوقي والتحتي لمجتمعنا، هي صانعة الادباء والمفكرين والصحفيين، وهي الداعم الكبير لمؤسساتنا، عزيزه هي التي وجدت معنا منذ ولادتنا حتى مماتنا، وللأمانة بقي شيء واحد لم تعمله لنا عزيزه ألا وهو انشاء مقابر الخمس نجوم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن