الرد على اسئلة الداعية الاسلامي ( د. هيثم طلعت ) / الجزء الثالث والاخير

رياض العصري
riadalasri@yahoo.com

2017 / 4 / 21

س8 ) كيف ظهر نظام التشفير داخل خلايا الكائنات الحية ـ الجينوم- ؟ فمن المعلوم أن التشفير لابد له من مشفر، ووضع معلومة داخل الجينوم تهدف لرمز معين يؤدي وظيفة محددة – تكوين العين مثلاً - هذا أمر لا يقوم به إلا صانع قادر حكيم، فالمعلومة هي معلومة.
ج8 ) لمناقشة مسألة مصدر نظام التشفير الموجود داخل خلايا الكائنات الحية يستلزم القاء نظرة سريعة على مسألة مصدر الحياة ذاتها ، من الناحية التاريخية فان ظاهرة الحياة انبثقت على كوكب الارض قبل 3,5 مليار سنة وفقا لتقديرات العلماء ، وكانت بدايات الحياة في ذلك الوقت تتمثل في ظهور كائنات احادية الخلية ذاتية التغذية ، حيث ابتدأت الحياة بابسط الكائنات الحية وهي البكتريا الخضراء المزرقة ( السيانوبكتريا ) والتي تصنع غذائها بمساعدة ضوء الشمس وبوجود الماء وثاني اوكسيد الكربون وتقوم باطلاق غاز الاوكسجين كناتج من هذه العملية ، ثم اخذت تتنوع وتتعقد تراكيب الكائنات الحية بالتدريج وخاصة مع توفر المزيد من الاوكسجين في الجو نتيجة زيادة اعداد هذه البكتريا ، وهذا ما ساعد على توفر الظروف الجوية للمزيد من الكائنات الحية التي هي غير ذاتية التغذية ، ان التفسير العلمي لآلية حدوث التغيير في تراكيب الكائنات الحية انما منشأه يعود الى مبدأين من مباديء عمل قوانين الطبيعة وهما : 1 ) حدوث تغيير تدريجي وفقا لمبدأ ( التراكم الكمي Quantitative accumulation والتغيير الكيفي Qualitative change ) اي ان التراكم الكمي ( كثرة عدد النوع الواحد ) تؤدي مع مرور الزمن وعند بلوغه المعيار اللازم الى احداث تغيير في تركيب النوع ، فيكون النوع الجديد منافس للنوع القديم ثم يزيحه عن المشهد ، فيأخذ النوع الجديد في التراكم الكمي مرة اخرى ليحدث لاحقا تغيير في النوع وفقا لنفس المبدأ ، وهكذا تستمر عمليات التغيير والتطوير التدريجي . 2) حدوث تغيير مفاجيء وفقا لمبدأ الطفرات الوراثية ( Mutations ) فينتج تغيير مفاجيء في الشكل الخارجي او في المكونات الداخلية ، فان كان التغيير الحاصل لا يتعارض مع قوانين البيئة فان الكائن الجديد قد فاز بالبقاء ، وان كان التغير يتعارض مع ظروف وقوانين البيئة فان الكائن الجديد يخسر فرصته في الحياة وينقرض ، وهكذا كانت تجري عمليات التطور بين الكائنات الحية ، وان انتقال الصفات والخصائص من جيل سابق الى جيل لاحق كان يتم بموجب الشفرة الوراثية ( Genetic code ) التي هي سجل لصفات وسلوكيات الكائن الحي والتي تتحول الى صيغة بيانات مشفرة تتخزن في نواة الخلية للكائن الحي ، وتتميز بانها قابلة للانتقال من كائن سابق الى كائن لاحق اما بعملية الانشطار او بالتزاوج ، الكائن الجديد يرث من اسلافه الشفرة الوراثية التي تم تخزين البيانات والسلوكيات والصفات الشكلية فيها ، وهذا ما يمكن ملاحظته في انتقال الصفات والتصرفات بالوراثة من الاباء الى الابناء ، ان اللغز الذي ما يزال قيد البحث من قبل العلماء هو كيفية تكون الشفرة الوراثية لاول مرة ، وكيفية تحول المعلومة المخزنة في الشفرة الى شكل مادي معين ، بالنسبة لالية تحول تصرفات الكائن الحي وسلوكه وصفاته الشكلية الى بيانات مشفرة تخزن في الجينات الوراثية فاننا لا نمتلك كل المعلومات الدقيقة والتفصيلية عنها ، اما نظام نسخ البيانات في الشفرة فهو يخضع لقوانين الطبيعة التي انتجت ظاهرة الحياة وما نجم عنها من ملايين الكائنات الحية وعبر مئات الملايين من السنين ، اؤكد مرة اخرى بان انتقال البيانات المخزنة في الشفرة الوراثية يشمل الصفات والسلوك من الجيل السلف الى الجيل الخلف ، وهذه العملية بمجملها خاضعة لقوانين الوراثة وهي من قوانين الطبيعة الثابتة ، كل الحيوانات وكل النباتات لها DNA خاص بها والذي يتشكل من القواعد النتروجينية الاربعة ( جزيئات A و Tو C و G ) وأن سلاسل القواعد الاربعة ذات البعد الواحد تشكل خريطة DNA التي تقوم بتشكيل الجسم الحي بالكامل ، في الحقيقة أن كتاب الحياة مكتوب لجميع الكائنات الحية بواسطة ألحروف الاربعة المذكورة آنفا ، والاختلاف بين انواع الكائنات يعتمد على تتابع تلك الحروف الاربعة التي يختزنها DNA ، فمثلما نكتب نحن كتباً ورسائل وصحفاً وأشعار بعدد محدد من الحروف الهجائية .. فان كتاب الحياة مكتوب بأربعة حروف ( A ،T ، C ، G ) ان تفسيرنا لوجود نظام التشفير الحالي مبني على كونه قد نجح في البقاء من بين العديد من انظمة التشفير التي انتجتها ظاهرة الحياة بشكل عشوائي منذ نشأتها ، حيث لم ينجح سوى هذا النظام الذي يوصف بالرباعي نسبة الى الحروف الاربعة ( A-T , C-G ) اما باقي انظمة التشفير التي ظهرت فقد فشلت في البقاء وانقرضت ، ونحن نعتقد ان لا ضرورة لوجود مصمم لهذا النظام لان قوانين الطبيعة هي اشبه بفلتر Filter لا يسمح بمرور سوى من يتطابق مع خصائص الفلتر ، ومعلوم ان البيئة التي يحيا فيها الكائن الحي هي التي تقرر طبيعة الجينات الوراثية التي يحملها الكائن الحي والتي تنسجم مع خصائص تلك البيئة ، اما من تتعارض صفاته الجينية مع خصائص البيئة فيكون مصيره الموت والانقراض والاندثار .. وهكذا على مدى عمر الحياة على كوكبنا لم يفوز بالبقاء سوى الكائنات التي امتلكت شفرات وراثية مناسبة للعيش في البيئة التي تواجدت فيها ، وان عملية نسخ المعلومات من خلية الى اخرى تجري وفقا لقوانين الطبيعة بشكل تلقائي ، اننا نقر بوجود تعقيد غريب وغموض في كيفية نشوء السلاسل في شريط DNA وفي طريقة تركيب القواعد النيتروجينية الاربعة ( A,T,C,G ) المكونة لتلك السلاسل ، وكيفية التقاء خمسة عناصر كيميائية ( الكربون ، الهيدروجين ، الاوكسجين ، النتروجين ، الفوسفور ) وفق نظام معين يؤدي الى تكوين الحمض النووي الذي هو اساس نشأة الحياة ، ولكننا في نفس الوقت نرى بان محاولة استغلال وجود اللغز والغموض في تكون الشفرة الوراثية وتسخير هذا اللغز للدعاية الدينية واقحام اسم اله الاديان في هذه القضية الغامضة ان هي الا محاولة فاشلة لاننا سبق ان اوضحنا في رد سابق بعدم وجود دليل على ان هناك غاية لخلق الحياة ، وبالتالي لا يمكن القبول بفرضية ان خالق الكون هو ذاته من قام وبشكل مباشر او غير مباشر بتركيب القواعد النتروجينية وتصميم الشفرات الوراثية للكائنات الحية ، في الختام نرى ان السؤال ( كيف ظهر نظام التشفير داخل خلايا الكائنات الحية ؟ ) لن يشكل تحديا لمعارضي الفكر الديني لان مثل هذا السؤال سيقود الى سؤال اخر وهو : لماذا خالق الكون يشغل ذاته العظيمة بوضع نظام للتشفير وتنظيم تتابع جميع الاحماض الامينية في جزيء البروتين لتكوين خلية حية واحدة بهدف انشاء حياة على كوكب صغير في هذا الكون المليء بمليارات المليارات من الاجرام السماوية ؟ ولماذا قرر هذا الخالق خلق الحياة على كوكب الارض بعد مرور عشرة مليارات سنة على الانفجار العظيم ؟ هل ان خالق الكون يخضع لقوانين الطبيعة كما هو حال مخلوقاته ولا قدرة له على خرق هذه القوانين وبالتالي لم يستطيع تحقيق رغبته في خلق الحياة الا بعد مرور 10 مليار سنة عندما توفرت شروط ومستلزمات الحياة وفقا لقوانين الطبيعة ؟
س9 ) كيف تبرر وجود الأخلاق والمعنى والقيمة من خلال الإلحاد ؟ فالإلحاد يعتبر العالم مجرد ذرات متلاطمة بلا معنى ولا غاية. وهذا أكبر دافع لتسميم الأخلاق وتدمير معنى الآخلاق. فإذا كانت الأخلاق موجودة فالإلحاد غير صحيح .
ج9 ) الاخلاق هي معايير اجتماعية لضبط سلوك افراد المجتمع ، اما الالحاد فهو موقف آخر لتفسير الوجود وليس عقيدة اجتماعية ، موضوع الاخلاق له علاقة بالمجتمع .. نحن نحيا في مجتمع يشاركنا فيه اناس اخرون لهم احتياجاتهم ولهم مصالحهم كما هو لنا احتياجاتنا ولنا مصالحنا ، وان عيشنا المشترك في بيئة اجتماعية يستوجب تنظيم هذه البيئة واخضاع افرادها لمنظومة مفاهيم سلوكية تحقق ضبط المجتمع والحفاظ على ركائزه ، اما مسألة اعتبار الكون مجرد ذرات متلاطمة بلا معنى ولا غاية فذلك لاننا نجهل غاية الخالق من خلق الكون وبالتالي فهو في نظرنا مجرد مواد وطاقات وقوى طبيعية يتحركون بلا هدف ، ان التزامنا بالاخلاق ليس نابعا من الالتزام بالحقائق العلمية او تطبيقا للقوانين العلمية ... مفهوم الاخلاق لا علاقة له بالفكر العلمي ، العلم مجرد اداة في خدمة من يجيد استخدامها بغض النظر عن طبيعة اخلاق المستخدم ، اما القيم الاخلاقية فهي نتاج الحياة الاجتماعية للبشر، ظهرت الحاجة الى اختراع مفهوم الاخلاق او الفضيلة نتيجة ظهور صراع الانسان ضد الانسان بدوافع حب السيطرة والتملك في المجتمعات البشرية الاولى ، وان نظرية ربط الغاية من وجود الانسان بعبادة رب في السماء لكي ينال الثواب والجزاء في الحياة الثانية بعد الموت نراها نظرية غير واقعية ولا تعبر عن الحقيقة ، اننا نعتقد بان الحياة بعد الموت هي مجرد وهم من صنع خيال الانسان القديم الذي عاش حياته وهو يجهل الكثير من الحقائق حول طبيعة البيئة والكون والوجود من حوله .. فكانت فكرة اختراع الحياة الاخرى بعد الموت هي نوع من السلوى والعزاء لمن عاشوا حياتهم معذبين مظلومين ، اننا نرى بانه على الرغم من كون ظاهرة الحياة على كوكب الارض نشأت بالصدفة دون ارادة من احد في الارض او في السماء ، وان جميع الكائنات الحية هم من منتوجات ظاهرة الحياة ، الا ان وجود الانسان ليس عديم المعنى او الغاية ، اننا نرى ان المعنى او الغاية تتمثل في خدمة مجتمعه في اي مجال من المجالات التي تحقق التقدم والرخاء والازدهار فيكون ذلك مبعث فخر واعتزاز له ولاسرته واهله ووطنه .. وبالتالي ينال شرف الانتماء الايجابي الى الانسانية ، وان مقدرة الانسان على خدمة مجتمعه باخلاص وتفاني تستلزم قبل كل شيء ان يحيا حياته في المجتمع بكرامة ودون ظلم ، الحق والكرامة اسمى القيم الانسانية ، اننا نرى بان الحياة هي مجرد فرصة اتيحت لنا دون وعي او ادراك منا ، وان هذه الفرصة التي لن تتكرر قد تحولت الى حق مقدس لا يجوز الاعتداء عليه ، ومن منطلق الانتماء للانسانية والايمان بحقوق الانسان .. فاننا نؤمن بحق كل انسان في ان يحيا حياته بكرامة ودون اعتداء على حياته او ممتلكاته لكي يتمكن من تحقيق معنى او غاية وجوده .
س10) ملخص الاستدلال ضد الإلحاد : بما أن هناك ضوء إذن بالإدراك العقلي المباشر هناك مصدر للضوء ، بما أن هناك ظل إذن هناك جسم ، بما أن هناك موجودات متقنة من الكوارك إلى المجرة إذن هناك موجِد ، هذا هو الاستدلال القرآني وهو أيسر الاستدلالات وأقلها في الخطوات. ولذلك قال الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يُصرفون. الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا". سورة غافر ، أنى تُصرفون ؟ وإلى أي دليل مقابل تلجئون ؟ فليس أمام الملحد إلا العماء والعدم والعبث والإيمان بالمحالات.
ج10) ان الاستدلال على وجود مصدر للضوء من ضوئه ، وعلى وجود الجسم من ظله ، وعلى وجود الموجد من موجوداته انما هي استدلالات منطقية لا نختلف حولها ، بما ان هناك نتيجة اذن هناك سبب ... ولابد من وجود المسبب الاول لكل شيء موجود في الكون ، ولكننا نختلف عندما نصل الى فكرة توصيف طبيعة هذا الموجد ، ذكر الدكتور بان الاستدلال القرآني هو أيسر الاستدلالات وأقلها في الخطوات ، طيب هنا نطرح السؤال الاتي : ما الذي يبتغيه الخالق العظيم ... الذي خلق الموجودات المتقنة من الكوارك الى المجرة .. من خلقه للبشر على كوكب الارض ؟ وما الذي يستفيد منه هذا الخالق عندما يكافيء فريق من البشر بمنحهم الاقامة الدائمية في جنته .. ويعذب فريقا آخر منهم بنار جهنمه عذابا ابديا ؟ ان كان هذا الخالق يتصف بالرحمة والمغفرة الا يتوجب عليه ان يحسن في صفات مخلوقاته لكي لا تكون هذه المخلوقات ذات طبيعة متمردة عاصية فيكون مصيرها نار جهنم ؟ واذا كان الخالق قد خلق مخلوقاته على سجية الخير والطيبة وفقا لمشيئته فما الذي يجعلها تتحول الى سجية الشر والفساد ؟ هل يتفق منطق الاستدلالات والادراك العقلي ان نطلب من الجسم المصنوع منحرفا ان يكون ظله مستقيم ؟ اننا نرى ان محاولة القاء اللوم على الانسان لكونه يجادل في ايات الله ويكذب بالكتاب انما هي محاولة لاتهام بريء وتبرئة متهم ؟ ما نراه ان فلسفة الفكر الديني فشلت في تفسير مسألة الوجود .. وفشلت في تبرير خطيئة الانسان ... ( لَقَدْ خَلَقنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقوِيم ) ثم بعد ذلك ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ) اننا لا نتفق مع الفكر الديني في توصيف طبيعة الخالق وصفاته ، ونعتقد انه لا يمكن التعرف الى صفات الخالق والى طبيعته والى مصدر نشأته ووجوده ، وحيث انه مجهول الصفات والطبيعة لذا فان البشر ليسوا ملزمين بالايمان وعبادة خالق مجهول الطبيعة والصفة ، وانما يبقى الموضوع في اطار الاعتقاد الذي ينتظر التحقق منه .. وهذا متروك للزمن ولا حاجة للجدال فيه في الوقت الحاضر ، في الختام اود ان انوه بان ردودي على اسئلة الدكتور لم تكن من منطلق الدفاع عن الفكر الالحادي ... وانما كانت من منطلق بيان عدم اهلية الفكر الديني للدخول في تحدي مع الاخرين الذين يختلفون معه في الرؤية ، وان من كان بيته من زجاج عليه ان لا يرمي الاخرين بالحجر . انتهى



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن