قراءة ثانية في رواية ألف شمس مشرقة

آرام كربيت
hadad_kiven@hotmail.com

2017 / 4 / 21

من المؤسف أن الكثير يتعامل مع الأدب بحرفنة أو بحرفية عالية، وكأنها صنعة أو تكرار لما هو موجود. إن الحرفة عمل يقوم على التقليد، بمعنى أن البناء العام، الهيكل مصنوع بشكل مسبق مثل رسم "كروكي" لمبنى، ثم يمرر المهندس الخطوط على المجسم ليسقطه على الواقع، الذي يبدو من الخارج أنه جميل، بيد أنه جرى هندسته في المكتب، ويمكنك أن تنتج على مقاسه أبنية كثيرة ومتعددة في أماكن كثيرة من هذا العالم. هذا ما وجدته في عمل الروائي الأفغاني خالد حسيني "ألف شمس مشرقة"، وفي "لقيطة استانبول" للروائية آليف شافاك، ورواية "يريفان" لجيلبريت سينويه، بالرغم من الرموز الكثيرة التي أسقطتها شافاك على عملها ببراعة وجمال، بيد أن الصنعة الأدبية التي تناولت عملها تجعل القارئ يدرك أنه أمام عامل محترف، مشغل أو عامل في ورشة، يقدم عمله دون إبداع رغم أنه يبدو جميلاً من الخارج، وهذا ما رأيته في رواية "يريفان" بالرغم من الكم الهائل من الأحداث والحقائق، وقدرة الروائي على تعرية السلطنة، ودور حكومتها في إبادة قومية بالكامل، وترحيلها قسرياً من أرضها وتراثها وتاريخها، ثم قتلها سواء جوعاً أو برداً أو من التعب والإنهاك، وعمل الأديب خالد حسيني، "ألف شمس مشرقة"، الذي مارس لعبة التورية في تغييب الحقائق؟
صحيح أنه سلّط الضوء على حركة طالبان عندما دخلت كابول من الباب الواسع، وأن المجتمع الأفغاني في العاصمة نثروا الرز عليهم، وانتشرت أصوات المفرقعات في فضاء المدينة على إيقاع النشيد الوطني من المسجلات التي كانت تتنافس مع أبواق السيارات تحت صيحات كلمات الله أكبر، وهم يمرون بسياراتهم "التويوتا" ذات الدفع الرباعي، وأنهم نتاج اللجوء في المخيمات في الباكستان، وأغلبهم من قبائل الباشتون الذين هربوا خلال الحرب ضد السوفييت، درسوا الشريعة على يد الملالي في الباكستان الديمقراطية جداً، والحليف الوضيع لتسويق السياسات الأمريكية. ما أريد قوله إن الروائي كتب عن هذه العاهات الموجودة في أفغانستان بيد أنه لم يذكر في الرواية أي شيء عن أسباب تنمية الفكر الديني التقليدي وانتشاره في هذه البلدان، ومن وراءه ومن يغذيه بالمال والسلاح، ونشر الكتب التي تشجع على الإرهاب، وأنهم مقدمة لإنتاج فكر جهادي سيجتاح دولاً ومجتمعات كثيرة في العالم. اكتفت الرواية في صب جام غضبها على المهمشين والفقراء، المتمسكين بالعادات والتقاليد القديمة دون الإشارة إلى القوى التي أرادت التحديث، وجرى قمعها وتدميرها على يد المجاهدين المدعومين من المخابرات الأمريكية، لم يذكر ما هو هدف هؤلاء، وماذا يريدون بالضبط؟
خيانة الكتابة تكون عندما نزيف الجوهر، ونحلل الشكل دون الدخول في عمق الأزمة المنتجة للأزمة التي تعيشها بلاده. بمعنى أن ما يكتبه الروائي المحترف شاهد حقيقي على عصر ما، وزمن وناس محددين ببنى اجتماعية وسياسية واقتصادية وتاريخية، وضمن إطار سياسي محكومين فيه.
يمكننا أن نطرح الكثير من الأسئلة والاستفسارات عن مهمة الأدب في هذا العصر، ودوره ومكانته في معالجة الأزمات التي يعانيها هذا العالم، وانحسار دور القراءة، والاهتمام بالشأن العام، سواء داخلياً أم محلياً أو عالمياً، وهل هو قادر على العطاء أم سيتوقف؟ هل مهمته أن يرصد ما هو قائم أم مهمته أضحت أوسع وأشمل بعد أن أخذ علم الاجتماع والتاريخ هذه المهمة على عاتقه، ووجود وثائق ودراسات أكاديمية تتناول الأحداث التاريخية، كما أن دخوله في ممرات النفس الإنسانية أضحت ضعيفة بعد أن توسعت مجالات علم النفس وتخصصاته، ودخول هذا العلم في كل مفاصل النفس الإنسانية المعاصرة والقديمة، واستخلاص العبر من الميثولوجيا وتفرعاتها.
قلنا سابقاً إن الأدب هو الميدان الأكثر حرية في هذا العالم لتكسير البنى التقليدية وقيمه وماضيه وحاضره، والبناء عليه ببنى أكثر قرباً من عالم الإنسان الطبيعي القريب من عالم الطبيعة وبقية الكائنات. بمعنى أن نعري البشاعة فنياً بعيداً عن التقرير التاريخي أو غيره عبر الأدب لنبي أشكالاً جمالية مكانه. فالإبداع هو الذي يفسح المجال للذهن أن يخرج عن التقليد، ويذهب بالخيال إلى عوالم أجمل وأكثر رقياً. وهذا الإبداع وحش جميل كاسر يقتحم المألوف والمعلن والمكرر ويكسره، يكسر المقدس والعوالم القديمة والطقوس المبرمجة ليبني على أنقاضه عالماً آخر، أي أنه فعل تعرية جميل، يخاطب النجوم والكواكب والحيوانات كما يخاطب الإنسان. بمعنى، للأدب قدرة كبيرة على فتح مجرى للتاريخ فيما إذا استطاع الأديب قراءة زمنه من منظور معمق.
لم يعد الإنسان وحده مظلوماً من الإنسان في هذا العالم نتيجة سلوكه وممارساته العدوانية، إنما هناك اعتداء على الحجارة والأنهار والقمر والغلاف الجوي والسماء والأرض والطقس. إذاً هناك ميادين كثيرة على المبدع تناولها وتعرية النشاط الإنساني القائم على التدمير الممنهج لكل أشكال الحياة، كالأشجار والحيوانات والبحيرات والأسماك والحيتان والطيور.
أن يكون خروجاً عن المألوف. فالأدب في محنة حقيقية، ومن ليس لديه مسوق قوي عليه أن يفكر جيداً قبل العمل، فإما أن يكون عملاً مميزاً وجديداً، ويكسر جدران التقليد أو يصمت ويجلس في مكانه. هناك تلوث أدبي يعاني منه الأدب نتيجة ابتذال العمل واستسهال الكتابة سواء في الشعر أو القصة أو الرواية. وهذه الأعمال يجب ألا تكون لحظة انفجار خاطر أو ضغط أزمة نفسية أو اجتماعية أو تاريخية، إنما ثقافة وبحث جاد وإطلاع عميق على ثقافات العالم بكل ألوانها سواء الفنية أو الأدبية أو الاجتماعية أو التاريخية. فلا يغرنكم الأسماء المشهور، فإنها ستنتهي بموت أصحابها، وستبقى الأسماء البراقة كالذهب الصافي مثل شكسبير وهوميروس وجلجامش وسرفانتس والطيب الصالح وغيرهم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن