حرف السين

محمد البوزيدي
bouz1972@gmail.com

2017 / 4 / 17

حرف السين
محمد البوزيدي
في لمحة من ازدحام الحياة المريب، توقف سعيد لحظة ليحاول استرجاع واستيعاب أكسير الزمان الغريب الذي يتحرك بقوة دون توقف، والذي تتوقف أشغاله على تسويفات غير مفهومة لأصحابها .
ورغم مواظبته على الالتزام بكل ما طلب منه في التعامل اليومي ، فالتماطل واختلاق الأعذار والمبررات أصبح نكهة يومية مملة يتلقاها مع كل اتصال هاتفي جديد .
فقبل شهر، اتفق مع كهربائي على إصلاحات بالطابق العلوي لمنزله ، رافقه إلى التاجر الممون وطلب منه تزويده بكل الحاجيات وأعطى له تسبيقا من النقود، ومنذ ذاك العهد ومع كل اتصال هاتفي يهيء مبررا لتأخره باشتغاله في منزله وبإكراهات صحية وهمية.... وبأنه سيبدأ الأشغال هذا الأسبوع وذاك اليوم ....
وقبل أسبوعين وعده أحد أصدقائه بإعداد ملصق دعائي لنشاط جمعوي هام ، قدم له التصميم والمضمون، وأبلغه أن النشاط متوقف على الملصق، وأن هناك التزامات أخلاقية تجاه مؤسسات معينة تفترض أن يكون العمل جاهزا، وكما لم يتوقع مر أسبوع ولا التزام بمواعيد تتجدد مع كل اتصال هاتفي.. كانت الإحراجات بليغة مع المؤسسات الشريكة ،وفي أحد المساءات الممطرة وبينما هو يفكر في تأجيل النشاط أصلا ،مر أمام أحد المحلات التجارية المختصة بالماركوتينغ ،ولجها كأنه يكتشفها لأول مرة وطلب البضاعة ، وكانت مفاجأة له أن السكرتيرة تطلب منه العودة بعد 30 دقيقة، حيث وجد ما طلبه جاهزا ..أدى الثمن وغادر المكان بفرح طفولي وكانت مصداقيته ستفقد لو لم يعلق الملصق في الغد لينفذ النشاط بعد الغد .
ومر أسبوع وبعث له صاحبه رسالة نصية تجدد الاعتذار وتعد بإتمام العمل بعد يومين، لم يرد مطلقا... كان الدرس بليغا واللبيب بالإشارة يفهم.
وقبل يوم واحد وصله خبر وفاة والد أحد أصدقائه طلب من جار له تزويده برقم الصديق للتعزية انتظر دون جدوى ونسي الموضوع .
كل هذا وغيض من فيض جعله يدق جدران الذاكرة بقوة ويقسم على عدم تصديق اي وعد كيفما كان إلا حين يراه ناجزا
حين حكى الأمر لأحد الشيوخ المتقدمين في السن التقاه صدفة في مقهى ،كان رد العجوز بليغا : ومالعيب في ذلك؟ ألا ترى أن كل ما يمر أمامك كلام في كلام دون أفعال ،وعدت الدول العربية الفلسطينيين في زمان ما وبقوا ينتظرون في الشتات سنوات عديدة ، ونعد أبنائنا وبناتنا ولا نفي بوعودنا ،وتعد الدولة مواطنيها وتوقع محاضر تبقى حبرا على ورق ،وتعد الإدارة المرتفقين ويتوجهون بعد ذلك إلى القضاء الاداري لرفع الدعاوي عليها، فكيف تنتظر ممن رضع حليب التسويف في الحياة العامة أن يلتزم بشيء ما ولو كان بأجرة ، ألا تدري يابني أن الناس قد حفظ جيدا حروفها السين وسوف وس....
ابتسم سعيد برقة لدقة تشخيص العجوز ... وقال :صدقت صدقت..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن