الشاعر الفَرَنسي فرنسوا دو كورنيَّر Le poète Français François De Cornière

رابحة مجيد الناشئ

2017 / 4 / 15

الشاعر الفَرَنسي فرنسوا دو كورنيَّر
Le poète Français François De Cornière

عاشِ بيت الشعر لمِدينة ﭘﻭاتيه – La maison de la poésie de Poitiers امسيةً شعرية رائعة ، بحضور الشاعر الفرنسي فرنسوا دو كورنيَّر.

ولدَ الشاعِر عام 1950 في نورماندي، وَيَعيش الآن في مَدينة كايَن - Caen وَهوَ يُعتَبَر أحد كِبار الشُعراء لِسَنَوات التسعين في فرنسا، وَقَد نَشَرَ أكثر مِن عِشرين كِتاباً، في الشِعرِ وَفي النَثر.

كانَ الشاعِر يُنَظِّم لِقاءات للقِراءات الشعرية معَ الشُعراء وَمعَ الفَنانين، وقَد حَصَلَ على جَوائِز عَديدة، مِنها جائزة ‹ جورج ليمبَر › ، وَجائِزة ‹ أﭘﻭلينير ›.

تَوَقَفَ الشاعِر عَن الكِتابة لمُدة عَشرة أعوام لمُرافَقة زوجته والعِناية بها، لِحَد وَفاتِها في عام 2013، بعدَ صِراعٍ طَويلٍ معَ المَرَض. وَبعدَ هذا الصمت، عادَ فرنسوا دو كورنيَّر للكِتابة من جَديد، ليقدِمَ للقُراء كِتابين رائِعين في غاية التأثير هُما :

- تِلكَ الأوقات - Ces moments – là
ـ سَبّاح الفجر - Nageur du petit matin ، الذي أهداه الى زوجته المُتَوَفاة صوفي :

لأجلكِ، يا مَن في الرُقاد
أسبَحُ هذا الصَباح
كَمَن يُريدُ الفوز
لكِنَهُ يَضيعُ قَبلكِ

تَحَدَثَ الشاعِر عَن بِداياتِهِ الشعرية، عَن حبهِ للشِعر، عَن ماضيه وَعَن حاضِره وَعَن عَودَتِهِ للكِتابة، وعن المَشروع الذي تَبناه لأجلِ الخَلاص، للخُروج مِن مِحنَته وَكَوَسيلَةٍ للتَعافي : ‹‹ مَشروعي هوَ تَدوين أوقات مِنَ السَعادة، منَ المُعاناة، منَ الشَك ،منَ الخوف وَمِنَ الحُب الى جانبِ تِلكَ التي كانَت زَوجَتي والتي رافقتها، والتي رافقتني عشرَ سَنواتٍ من الكفاح ضِد مَرَضِها العضال...››. ثُمَ يُواصِل : ‹‹ أردتُ أن تَكونَ قَصائدي، كَنوعٍ من قِصة، مِن كِتابٍ بالإمكان قَلبَ صَفحَتِهِ الأخيرة، أن تكونَ استِحضاراً لِحَياةٍ عادية، كَوَسيلَةٍ للتَنفُس او لِحَبسِ الأنفاس، مِثلما أفعَل حينَ أسبَح، أُحافِظُ على الاتِجاه حتى لا أغرَق..››.

في قَصائدِ كِتابهِ الأخير ″ سَبّاح الفَجر ″ يَسحب الشاعِر القُراء نحوَ سَنَواتٍ وجودٍ وَمَحَبَةٍ مُشتَرَكة، يَخلِق التَعاطف، يُثير المَشاعِر وَيَجعَل الدموع تَنهَمِر، كما هوَ الحال في قَصيدَته ″ الاحتِفاظ بِساعتكِ ″( تَثبيت المَرَض)، وفيما يلي تَرجَمة عن الفَرَنسية لِبَعض ابيات هذه القَصيدة :

Garder Ta Montre
الاحتفاظ بِساعتكِ

كُنتُ أُفَكِرُ في بَحرِنا نَحنُ
بِميناءِ بروتون الصَغير
الى حيثُ رافقتُكِ
لِنَذهَبَ للسِباحةِ
مَعاً لِلمَرَةِ الأخيرة.

كُنتُ مُتَقَدِماً قَليلاً
حَولَ ذاكِرَتي – أنتِ تَعرِفين
وَكُنتِ تُريدينَ
الاحتِفاظَ الى النِهايَةِ
الاحتِفاظَ بِساعَتِكِ
في معصَمِكِ.

وَيَصِفُ الشاعِر في قَصيدَةٍ أخرى، الدَّوار الذي يُصاحبهُ في كثيرٍ مِنَ الأحيان، وَلأجلِ مُواجَهة هذا الدَّوار وَمُقاوَمتهِ، يَذهبُ للسِباحة :

La Tête Arrière
الرأسُ الى الخَلف

إنَهُ هذا الفَراغ الكَبير
في تَجويف البَطن
هذا الشعور بِكوني ‹‹ نِصفاً ››:
صَفْقَ جَناحٍ لِحَمامة
سِنجابٌ في الحَديقة
وَردة صَفراء جاءَت في الليل
أُغنيةٌ في الراديو
فِلمٌ يُعرَضُ في التَلَفزيون
صَفحَةٌ لِكِتابٍ مُعلَن
اقتِباسٌ مِن جورج هالداس
قَرأتَهُ لكِ وانتِ على السَرير.

إنَهُ هذا الدّوار، هذهِ الهوِّة
التي تُرافقَني أحياناً
وَبِمُواجِهَتِها وَلأجلِ المُقاوَمة
سوفَ أذهَبُ للسِباحة.
مِثلَ هذا الصَباح ﻠِ 29 آيار.
الطَقسُ جميلٌ جداً
ليسَ هُناكَ مِن أثَرٍ على الرَمال
وَلَم يُغادِر الميناء أي قارِب
الهدوء الأزرَق والصمت المُطبَق
مَسافة طَويلة باتجاه عرض البَحر
وَالعَودة، والعودة
وَعلى الظَهرِ الخُصَل الأخيرة
رأسٌ الى الخَلف.
كُنتِ قَد أكمَلتِ الثالثة والستين من العمر
عيدُ ميلادٍ للسَماء.

هكَذا يَشرَح الشاعِر هذا الطَقس ″ السِباحة عِندَ الفَجر ″ الذي يَقومُ بِهِ كُلَ صَباح على مَدار السنة في شاطئ بروتون القَريب مِن مَنزِله. وَبِحَساسيةٍ مُتَناهِيَّة، يُبدي الشاعِر أرقَ علامات الحُب والاحتِرام لصوفي، حينَ يُعَبِّر عن الشدَّة والانحصار والمُعاناة عِندَما يُغادِر المُستَشفى بَعدَ زِيارَتهِ للزوجة الحَبيبة في قَصيدَتِهِ ″ على النافِذة ″ :

Ᾱ la fenêtre
على النافِذة

عِندَما أتركَكِ مَساءً
في المستَوصِف
بَعدَ العمليات التي تُجرى لكِ
كُنتُ دائماً أعبر الشارِع
بِدَراجَتي

وَمِنَ الرَصيف المُقابِل
كُنتُ أبحَث عَن نافِذةِ الهبوط
في الطابِق الثالِث أو الرابِع
نافِذة مُستَطيلة الشَكِل
في الأعلى تَماماً.

بِمُجَرَد أن تَعودي وقوفاً
كُنتُ أعلَمُ أنَ ذلِكَ سَيكون.
كُنتُ اراكِ هُناك
تُؤشرينَ لي.
وَكُنتُ أُجيبكِ بإيماءات
وَبِقُبلَةٍ يَدٍ.

كانَ الليل قادِماً
وكانَ الظَلام مَوجوداً
رَكبتُ دَراجَتي حَتى المَنزِل
الذي كانَ كالشِتاء
معَ هذِهِ الصورة لَكِ
على نافِذةِ المُستَوصِف

هذهِ الصورة تُؤلمني
لكِنَني لَن أنساها أبداً.
ما دُمتِ في الأعلى
وَما زِلتِ تتَصلينَ بيَ.

فرنسوا دو كورنيَّر ، شاعِرٌ يَعرِفُ كيفَ يَجعَل الزَمَن ملموساً مِن خِلال مَنحِ كُلَ لحظَةٍ معاشه، القُوة والضُعف في آنٍ واحِد. وَقَصائدهِ أكثرَ من مؤثِرة وَمملوءة بِمَشاعِر الحُب والاشتِياق والألم وتُلامِس الروح والمَشاعِر. شاعرٌ يَمتَلِكُ القُدرة على الاحتِفاظ بالريق وبالرغوة للتَمَسُك بالحَياة مِن جَديد، حيثُ يَقولُ في احدى قَصائِده ‹‹ الى نَفسهِ المَرءُ يَعود ...››. بِدونَ شَكٍ اقتنع فرنسوا دو كورنيَّر في نِهاية المَطاف، بِأنَ الحَياة هيَ هُنا، وَبِأنَهُ لا يمكِن لَه أن يَسمَح للكَوارِث والانهيارات أن تَنتَصِر على حُب الحَياة والابداع والمُواصَلة، وهكذا نراه يَعود الى الشاطئ في الميناء الصَغير، للتَحدُث الى حَبيبته الراحِلة صوفي، بِطَريقَةٍ أُخرى، و ليَقولَ لها في أذنِها ما أصبَحَ عَليهِ الحال. أتركُ القُراء مع هذه التَرجَمة لِآخرَ قَصيدة في كِتابهِ الأخير ″ سَبّاح الفَجر ″ :

Ce qu’on est devenus
ما أصبحنا عَليه

وَأنا أمشي على الشاطئ
فَكرتُ :
بإعطائكِ الأخبار.
أن أقولَ لَكِ بأنَني بِعتُ
بَيتنا في المَدينة
وَبِأنَني أعيشُ الآن
هُنا كُلَ العام.

وَبأنَني أجريتُ أعمالاً
وَضعتُ زُجاجاً مُزدَوَجاً
وَمَصاريعَ جَديدة
وَبأنَ المَوقِد بِواسطة الخَشَب
يقوم بتدفِئة المَنزِل بِأكمَلِه
وَقَد كانَت هُناكَ عَواصِف كَبيرة
وَبِأنَني حَققتُ مَسيرات طَويلة
هذا الشِتاء في مَهَب الريح
وَبِأنَ لي أصدِقاء جُدُد
وَبِأنَ الأبناء يَتَصلونَ بيِّ
وَسوفَ يَأتونَ هذا الصيف
وَبِأَنَني أسبَحُ كُلَ يوم
وَلا أّذهَب بَعيداً جِداً
وَبِأنَني أعتَني بالحَديقة
وَقَد شَذَبتُ شَجَرة الرَند َ
أقَل بِقَليل مِن ذي قَبل
وَبِأَنَ تَماثيلَكِ مَوجودَةٌ هُنا
وَهيَ تُرافِقَني
وَبِأنَني لَستُ وَحيداً دائِماً
وَأستَمِعُ الى العَزفِ على البيانو
لِديدِيه سكيبان
وَ قَد عُدتُ الى الكِتابةِ
وَبِأنَكِ تَعودينَ في قَصائِدي
وَبِأَنَني أذهَبُ الى البَحرِ
لأَجلِ أن أَقولَ لَكِ في الأُذن
ما أصبَحنا عَليه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن