الوهابية المغيرة واختنا أميرة

فاروق عطية
bastota@yahoo.com

2017 / 4 / 3

ماذا حدث لمصر التي كانت أول من علّم العالم الحضارة والمدنية ؟ ماذا جري للمحروسة التي كانت منارة الدول الناطقة بالعربية ورائدة الحداثة وحقوق الإنسان ؟ ماذا حدث لمصر التي كانت أول دولة شرق أوسطية في تحرير العبيد وإلغاء الرق وإلغاء الجزية تلك الوصمة التي ابتدعها العرب الغزاة لامتصاص موارد البلاد الاقتصادية وإذلال مواطنيها وهم يدفعونها للأسياد الحفاء وهم أذلاء صاغرين ؟ كانت مصر أول دولة من الدول التي غزاها بدو الصحراء تلغى الجزية عن أقباطها المسيحيين واليهود عام 1855 فى عهد سعيد باشا، وكانت الجزية فى مصر هى الرافد الرئيسي لمرتبات مشايخ الأزهر ونفقات الجامع وطلَبته حينذاك.
كل ما جري من انهيار أخلاقي وانحطاط تربوي وتدني للقيم الدينية والتمسك بتلابيب المظاهر أدى لفقدان مصر وسطيتها التي كانت سائدة، حدث كل هذا بعد هزيمة 1967 التي واكبها نزوح العمالة المصرية إلي الدول البترولية وعلي رأسها المملكة السعودية الوهابية، ليعودوا بقيم وأخلاق صحراوية بدوية غلوائية. ثم تلاها فترة حكم الرئيس المؤمن الذي أطلق الحبل علي الغارب للجماعات التكفيرية والجهادية المتطرفة، وبشر بخلاص مصر من أقباطها المسيحيين خلال عشر سنوات ومن يتبقي منهم سيكونون ماسحي أحذية. تحالفت هذه المجموعات الوهابية العائدة من مجاهل أرض الظلام مع من أُطلِق يدهم من عتاة التكفيريين، فملأوا مصر الطيبة بكل ما هو خبيث وغريب عن الحياة المصرية فكانت النكسة الحقيقية، نكسة أخلاقية.
انتشرت السلفية الوهابية كالنار في الهشيم، التى جعلت من الإسلام السمح ديناعنصريًّا يكره غيره ويحتقره، وطائفيًّا لا يطيق الآخر ولا يفكر إلا فى سحقه ومحقه، إما أن يرضخ الآخر المسيحى أو اليهودى ويتضاءل جدًّا ويدفع الجزية صاغرا مطأطئ الرأس مسلوب الكرامة، والتعامل معه كمواطن درجة ثالثة أو رابعة، إما أن يدخل الإسلام مُكرَهًا، مُدَّعيًا حبّه، وإما أن يتم ذبحًه أو تهجيره قسرا. وليتها اكتفت يذلك، لكنها جعلت الإسلام مذهبيًّا لا يقبل إلا مذهبًا واحدًا، يكفّر أى مخالف أو مختلف حتى لو صلَّى وصامَ وزكَّى وحج، فأى مسلم غير وهابى عند الوهابىيون كافر، الشيعي كافر والعلوي كافر والسُني غير الوهابي كافر، والدرزي والأحمدي والبهائي كافر، ومن يترك الصلاة كافر، ومن يروم التعلّم غير العلم الديني الوهابي كافر، وكل من كفّروه يُستحلّ دمه ويُذبح أو يُقتل بأبشع الطرق الإجرامية الوحشية.
الحقيقة السافرة التي لا يمكن إنكارها أن الإرهاب في مصر وفي كل بلاد العالم إرهاب وهابي النشأة والتوجه. لا يوجد إرهاب إلا كانت التعاليم السلفية الوهابية مبدعته. أي فتنة طائفية أو مذهبية تنتهى إلى عنف وقتل وتفجير، ابحث عن الوهابي المختبئ خلفها. أي ذئب منفرد في أي بقعة كانت آمنة وفجأة يتحوَّل من شخص عادى إلى قاتل وحشى باسم الدين وتصبح بقعة ملتهبة، تجد الوهابية محرضته. تعددت أسباب الإرهاب قد تكون اقتصادية أو سياسية أو ناتجة عن فقر وبطالة، هذا محتمل، لكن الأصل والفصل، الجذر والساق الأفرع هو أستغلال الوهابية لكل ذلك ببث الفهم الوهابى المتذمت والإرهابى الموجود في كتب التراث للدين الإسلامي الذي يُدرّس لطلاب المعاهد والكليات الأزهرية.
كان لابد من هذه المقدمة لمعرفة أسباب أحداث رهيبة حدثت خلال هذا الشهر (مارس)، ما حدث بمنطقة نجع المهيدات بالعديسات قبلى التابعة لمدينة الطود جنوب الأقصر، أحداثًا ملتهبة، إثر خروج أهالى المنطقة (الخميس 23 مارس) للتجمهر أمام منزل أحد أقباط النجع؛ للمطالبة بالكشف عن مكان إحدى الفتيات المسيحيات، عقب اختفائها، إثر إشاعة أطلقها شاب عاطل يدعى ابراهيم محمد احمد نور 19 سنة عن اعتناقها الدين الإسلامي. توجه هذاالشاب إلى منزل أسرة القاصر أميرة جرجس خليل، البالغة من العمر 17 عامًا (طالبة بالصف الثالث الثانوى) ليؤكد لأفراد أسرتها أنه متزوج من ابنتهم، ويطالبهم بالكشف عن مكانها مدعيا أنهم قد أخفوها بعد علمهم باعتناقها الدين الإسلامي، إلا أن أسرة الفتاة، أنكرت إسلامها كما أنكرت معرفة مكان ابنتهم.
قام هذا الشاب مع أربعة أصدقاء له هم: 1- عمار حباشى احمد مزارع 2- احمد جمال حماد مزارع وتاجر 3- حسين سيد درويش عامل اجرى 4- رأفت محمد ادم مدرس انجليزى ببث هذه الإشاعة بين شباب القرية والقري المجاورة لتحريضهم علي التجمهر حول مساكن المسيحيين (7 أسر) نصرة للإسلام ولاسترجاع أختهم أميرة. كان الشيخ هيثم بكري، إمام مسجد بقرية «المهيدات» يقود المتجمهرين رافعا شعارات "وا إسلاماه، أعيدو أميرة إلي الإسلام، أميرة مسلمة" ومعه أحد أعضاء البرلمان السابقين وكبار ممثلى العائلات بنجع المهيدات، محاولين حل المشكلة عرفيا. هذه التحركات العرفية أسفرت عن تشكيل وفد من كبار العائلات لسؤال «أميرة»، أمام أهالي النجع، وتخييرها بين اعتناق الإسلام أو استمرارها مسيحية، إلا أن أسرتها لم تنصع لهذا «المطلب الشاذ». وكالعادة لم يتدخل الأمن في الوقت المناسب لمنع ما قد ينجم عن هذا التجمهر تطبيقا لقانون منع التظاهر، رغم طلب الأسر المسيحية الحماية خوفا مما قد يحدث بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي. أكد أيمن ظريف المحامى، أن هذه الواقعة ما هى إلا محاولة لخطف فتاة مسيحية باسم الدين الإسلامى، مشيرًا إلى أن هناك بعض العناصر الإخوانية، التى تحاول بث الفتنة فى نفوس المواطنين، موضحًا أن تلك محاولة من جانب البعض لإفشال مراسم تنصيب مدينة الأقصر كعاصمة للثقافة العربية، إضافة لتأليب أقباط المهجر لمنعهم من الترحيب بالريس عند زيارته المرتقبة للولايات المتحدة.
استغل «المتشددون» المشكلة واعتبروها غزوة، مطالبين بتسليم أختهم أميرة، ومع رفض الأسرة تداعت الأحداث، وصولاً إلى تجمهر المئات وخروجهم عقب صلاة الجمعة، لغزو منزل «الفتاة» لتحريرها، أو إرغام أهلها للإرشاد عن مكانها، صارخين بحناجرهم، وهاتفين بأعلى الصوت «عايزين أختنا أميرة»، فكان العنف والاشتباك مع الشرطة التي تصدت لهم، بما إلحق الإصابات بـأربع ضياط وثماني مجندين وتحطيم بعض سيارات الشرطة وحرق عربة إسعاف.
غياب «الحسم السريع» ساهم في تفاقم المشكلة، مع محاولة تعطيل القانون بالتدخلات العرفية، أملاً في احتواء الأزمة وديًّا. علما بأن «التدخل العرفي» في المسائل الشائكة كنزاع بين طرفين مسلمين، غالبا ما يكون منحازًا للطرف الأقوى حتي ولو كان ظالمًا، فما بالكم في حالتنا هذه، بين غوغائية المتشددين وأسرة أميرة المسيحية، لإرغامها على قبول إملاءاتهم في النجع وجيرانه من النجوع والقرى، سواء كانوا سلفيين، أو إخوانًا، أو كليهما، وعوام الناس السائرين خلفهم، استدراجاً بحجة «نصرة دين الله».
الغريب أن يتجمع في هذه الغزوة الغير مباركة من هم يعتبرون أو يجب أن يكونوا أبعد الناس عن الغوغائية، حيث نجد «نائب» للشعب يلعب على وتر المشاعر الدينية المشحونة بالباطل، و«مدرسة» لأميرة المفترض أنها تربوية تتناسي ذلك وتحرض علي الفتنة، و«إمام» مسجد المفترض فيه أنه يدعو الناس إلي السماحة والطريق المستقيم، يدلا من استغلال موقعهم ومكانتهم السياسية والتربوية والدينية، يتناسون ذلك ويكونوا أول مشعلي الفتنة.
نسي الجميع أو تناسوا أن أميرة جرجس «قاصر» لم تبلغ سن الرُشد القانوني لتكون حرة في تصرفاتها، فلو سلمنا جدلًا بأنها أشهرت إسلامها، فهذا الإشهار باطل قانونا لا يعتد به كونها ليست راشدة. والمختص بـ«إشهار الإسلام» هو الأزهر الشريف، وليس شيخ القرية أو أحد أإمة جوامعها، ولا نجد سببا منطيقيا لصمت الأزهر وشيخه الطيب عن وأد الفتنة قبل اندلاعها إلا إذا كان متواطئا لإحراج السيسي عند زيارته للولايات المتحدة، حقا «لقد أتعبتنا يا مولانا». كما أن حدوتة زواجها من ذلك المدعي العاطل لو صحت، تكون أيضا باطلة، كونها «قاصر» لا يجوز لها تزويج نفسها شرعا، وتكون الفتاة في حُكم المُغرر بها من الناحية القانونية. لآ أدري كيف غاب كل ذلك عن الأمن والسيد المحافظ القائمين بإدارة هذا الملف منذ تسرب هذه الشائعة والإسراع بتوجيه إنذار شديد اللهجة لرؤوس الفتنة المعروفين بأسمائهم فردا فردا، وإفهامهم أن مصر دولة مؤسسات، وأن القانون له أنياب لا ترحم من يخالفه، لكننا نعلم للأسف من كثرة تكرار مثل هذا الأمر دون أن نجد حسما، مدي تغلغل الجماعة المحظورة وسيطرتها علي الكثير من مناح الإدارات الشرطية والدواوين الحكومية المصرية ..!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن