مرتضى مطهري والموسوعات الفكرية ذات النزعة الإيرانية المركزية

علي المدن
almadan.2009@gmail.com

2017 / 3 / 23

بالقدر الذي توجد فيه مشاريع فكرية في العالم العربي هدفها إعادة قراءة التراث ونقده والكتابة عن المناهج الملائمة لتحديث الفكري الديني يوجد في إيران توجه نحو كتابة (دوائر المعارف) و (الموسوعات الكبرى) حول الثقافة الإسلامية بأصنافها كافة. في كل مؤسسة وجامعة وكلية ومعهد رغبة جامحة نحو كتابة هذه الإعمال .. بعضها بمستوى جيد علميا، وبعضها مجرد مشاريع استنزافية للوقت والمال والجهود الفكرية، بعضها يكون بدوافع علمية وبعضها بدوافع اخرى شتى، إيديولوجية وسياسية وتربوية ..
أكبر تلك المشاريع (دائرة المعارف الإسلامية الكبرى) وهي تكاد تمثل "خلاصة" لكل ما كتبه الباحثون المسلمون من عرب وأتراك وإيرانيين أو مستشرقين وغيرهم. لديّ على هذا العمل ملاحظات كثيرة متفرقة في هذا الجزء او ذاك، حول هذه الترجمة او تلك، بخصوص هذا الرأي والموضوع أو ذاك، وفِي دقة نصها العربي المنقول، ولكنني لست في معرض الحديث عن هذه النقطة. وإنما أنا في سياق الحديث عن نقطة "عامة" حول هذا العمل الكبير تتكرر في كل أجزائه. وهي انه عمل مكتوب بنزعة مركزية إيرانية لا تخطئها العين ابدا، هناك مسعى عاما يحكم الكتابات كلها أو جلها وهي (أيرنة) كل شي يمرون عليه!! بعبارة اخرى: كتاب تاريخ المسلمين الفكري وكأنه تاريخ لعقول ومفكرين إيرانيين!! والسعي حثيث لجعل كل ما يمكن (ايرانيا) .. كل ما ليس عربيا صلبيا وواضحا بنحو لا يرقى اليه الشك فهو إيراني!! الإسقاط التاريخي يبلغ حدا ينفي الهويات القديمة ويجعل القدماء بين نوعين: (عرب أقحاح بنحو يقيني مئة في المئة)، و (ما عداهم فهم "إيرانيون" بلا أدنى شك!!) .. مثلا لا وجود لسكان العراق الآخرين ممن استعربوا منذ وقت بعيد او قريب كالسومريين والبابليين والكلدانيين والأكاديين والاشوريين وغيرهم .. هؤلاء يتحولون الى فرس او (حتى ايرانيين!!! ونحن نعلم ان هذا تعريف سياسي حديث) بجرة قلم!!
يمكن ان نعتبر (دائرة المعارف الاسلامية الكبرى) هي ما كان يحلم به الراحل مرتضى مطهري وهو يكتب كتابه الخدمات المتبادلة بين الاسلام وإيران!! ففي ذروة صعود التيارات القومجية العنصرية المتطرفة في ايران وشنها هجوما كاسحا على الاسلام وثقافته ودعوتها لقطع كل صلة لإيران بالإسلام ووصفها للعرب بكل رذيلة وموبقة .. في ظل هذا الوضع كتب مطهري كتابه ليقول إن القطيعة مع الاسلام هي قطيعة مع أهم واغزر إنتاجات وإبداعات العقل الايراني!! اننا نتخلى بذلك عما هو لنا؛ لانه بالقدر الذي اخذنا (نحن الايرانيون) من الاسلام فاننا منحنا الاسلام ايضا، منحناه علماء وفقهاء ومفسرين وغيرهم، وتفريطنا بهذا التاريخ هو تفريط بهؤلاء .. لقد لعب كتابه (خدمات متبادل) دورا هائلا في إرساء تقليد في الدراسات الإسلامية الإيرانية غير علمي وغير تاريخي، يغذي مركزية ثقافية قومية "ايرانية". وانا أقول "ايرانية" للأن مطهري يقول ذلك ويفعله عن وعي وقصد! هو مهتم بخلق اتجاه ثقافي يدمج الإيرانيين ويوحدهم في هوية قومية واحدة من جهة، ولا تفرط بمكتسبات الانتماء للاسلام من جهة أخرى. ولهذا فهو لا يتحدث عن (فُرس)، بل عن "إيرانيين، لأنه يصرح بأن التأكيد على القوميات الفرعية يمزق المجتمع الايراني ويفرقه، وهذا مناقض للهدف الذي يطمح إليه مطهري. كما أنه يعلم أن فكرة "تفريس" تاريخ وعلوم الإسلام فكرة غير واقعية؛ لأن إسهام غير الفرس من شعوب إيران في تاريخ الاسلام وثقافته أكبر بكثير ممن ينتسبون من تلك الشعوب للفرس. يمكن مقارنة كتابات مطهري هذه بأدبيات بعض القوميين العرب، لاسيما المسيحيين منهم، ممن يدمجون الاسلام، بالمعنى الثقافي والاجتماعي واللغوي، في تاريخ العرب المعاصر، ويتحدثون عن المسلمين بوصفهم عربا وليس بصفتهم العقائدية كمسلمين. على أن كلام هؤلاء أعمق وأدق (عرقيا ولغويا) من كلام مطهري، وإن كان هو الاخر ليس حديثا علميا مرضيا تاريخيا ..
من هنا نجد مطهري، في كتابه هذا وفي جميع محاضراته و كتبه الأخرى، منخرطا في مشروع له بداية ولا نهاية له، وهو (أخذ الجمل بما حمل)!! والسعي بنحو حثيث عن الأصول القومية لجميع الشخصيات التي يترجم لها، وبالتالي جعل جميع من يمر بهم، ويمكن تحويلهم إلى (ايرانيين) ... جعلهم (إيرانيين) بنحو نهائي وأبدي!! على العكس من موقف شريعتي الذي بقي خطابه أمميا لا يكترث للخطابات القومية البالية.
يمثل كتاب (خدمات متقابل بين اسلام وإيران) اليوم البيان التدشيني لكتابة تاريخ الإسلام وثقافة المسلمين وفقا لهاجس النزعة القومية المركزية في الدراسات الفكرية المعاصرة في إيران ... كما أن دائرة المعارف الإسلامية الكبرى هي المسرد التفصيلي لذلك البيان في مجلدات ضخمة ومطولة ...
الوعي التاريخي وحده من يحررنا من مخالب هذه المتاهة الزائفة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن