مناسبات ثورية، وغير ثوريّة

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2017 / 3 / 19

سوف تقدّم الفضائيات تقارير موسّعة عن عيد النيروز، وسوف تقدم فضائيات أخرى برامج كاملة عن عيد الأمّ، ويبكي المطرب من كثرة الحبّ، والحنان، يشاركه الجمهور، ولم يكن نصيب الثورة السّورية أقلّ، فهناك مسيرات اجتاحت العالم ، وكلمة الله أكبر هي الطّاغيّة.
العلم الكردي اجتاح أوروبا مثل علم الثورة السّورية، وتمكن صالح مسلم " بافي شهيد" أن يترأس العمل النّضالي في ألمانيا.
ألقيت نظرة على عناوين الأخبار في الصّحف، ورأيت المناضلين يبثّون أشخاصهم على الهواء مثل المحامي هيثم المالح الذي منحته الثورة الشباب، وبدا في بدلته الرسمية الجديدة كأنّه في ليلة عرس، وقد وعدنا أنّ الله كفيل بحلّ الموضوع.، ونحن هنا لا نقلّل من قيمته، وقد ذكّرنا بسنوات سجنه. كنّا يومها جميعاً سجناء.
وسائل التواصل الاجتماعي لم تترك أحداً من شرّها، فهي تقصّ الدولار صعوداً وهبوطاً، فذلك العجوز يرى فرصته في تخليد نفسه، وذلك الأب يرى فرصة في تزويج ابنته فيعرضها لايف، وتلك الفتاة تطمح في الجاه والمال، ولا تجد مكاناً يحتويها فتعرض لنا أفكارها مباشرة، وهذا حقّها.
ما لفت نظري وأنا أراقب البثّ الحيّ من قبل الأشخاص الثّوريين "وأخصّ هنا بالذكر السوريين العرب، والأكراد" فكلّ ما ميّز بثّهم الحيّ هو الدبكة، أو الرّقص، أو النّط "وهم يعتقدون جادّين أنّ العالم مبهور بتراثهم، أمّا ثوريو الدّاخل فقد كان القفز على أنغام الله أكبر.
ماذا نقول اليوم لمن يحيون ذكرى نضالهم. هل يمكن أن نقول كل عام وأنتم بخير؟
لمن نقولها؟
الأمّهات السّوريات لسن بخير. فهذه أمّ شهيد، وتلك زوجة قتيل ، وفي أحسن الأحوال هنّ في وضع لا يحسدن عليه.
من تضرّر من تلك الحرب في سوريّة؟
الفقراء من المدنيين، والشباب الذي ثار سلمياً، والسجناء. أما الذين يقيمون أعراس الثورة سواء بالكتابة عن أمريكا، وتحليل سياستها ضدّ " المعارضة" أو من الكتّاب الذين يحملون الكيس على أكتافهم ويقولون " من مال الله" هؤلاء خافوا على أنفسهم فتركوا سوريّة. من انشق عن النّظام حقيقة قتل. خارج سورية أو داخلها.
بالنسبة لي. لم أقرأ عن تلك الأحداث أكثر من نصف ساعة، وقضيت يومي بين أشجار غابة قريبة أفكّر في شعب سورية الأعزل، والذي لم يستطع مغادرتها بسبب عدم كفاية المال، أو بسبب قناعته بأنه لن يترك المكان الذي ولد فيه وبعضهم يملك قدراً من المعرفة والعلم، لكنّ ذلك البوط الذي أصبح رمزاً لموالي الدكتاتور هو من يدوس على رقاب السّوريين.
بينما كنت أتأمّل في الأحداث التي وضع لها مئة عام حتى تثمر. رأيت صديقتي. قالت لي: أن ابنها قد نجح في الهرب إلى اليونان، وترغب أن تدفع صدقة عنه علّه يصل إلى السّويد. ترغب أن تدفع مئة دولار. سألتني هل أدفعها لفريق ملهم التّطوعي. قلت لها: أنت حرّة، لكن كيف يمكن أن يكون ذلك الفريق التطوّعي قد أصبح طاقمه يشبه الممثلين في لباسهم وشكلهم؟ أشّك في مصداقيتهم. أعطيتها عنوان ورقم هاتف عائلة مشرّدة في سورية. قلت لها: يمكنك سؤالهم.
قد تستغربون لو قلت بأنّني لا أستطيع قراءة المقالات السّياسيّة حول سورية، أو ترامب، أو القضية الكردية. إنّني مؤمنة بأنّ الثورات لا تنجح إلا بعد زمن بعيد من قيامها، وأكبر مثال حيّ لدينا هو الثورة الفرنسية التي نجحت بعد مئة عام. هو قدر الشّعوب.
الثورة السّورية لم تمت، وهؤلاء المتاجرون لا يعبّرون عنها. فهي أعمق من ذلك بكثير. قد نراها في عيون البسطاء من أهل الوعر في حمص، والذين هم أصل سكان المنطقة. تلك المنطقة التي كان لها الحظّ الأوفر من تعدّي النّظام عليها، وتعدي الأفراد الموالين له. الدكتاتور سوف يسقط، وإرادة الشعوب لن تقهر، وسوف يزول ذلك الزّيف من طبقة سياسية لن تستمرّ طويلاً لأنّها بكلّ بساطة عاجزة عن التعبير عن عمق مشاعر السّوريين.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن