رهان إنتخابات الجزائر-النزاهة في مواجهة المال الفاسد-

رابح لونيسي
lounici.rabah2008@yahoo.fr

2017 / 3 / 16

رهان إنتخابات الجزائر

-النزاهة في مواجهة المال الفاسد-


لعل تفاجأ البعض بالبروز القوي لأصحاب الأموال المشبوهة على الساحة السياسية الجزائرية، فشرعوا في شراء كل شيء وإفساد الحياة السياسية والإجتماعية، فهم يزحفون شيئا فشيئا للسيطرة على كل دواليب الدولة الجزائرية التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء، فبعد ما كنا نردد ونفتخر بمقولة البطل الوطني يوغرطة "روما للبيع فمن يشتري؟"، أصبح هؤلاء يرددون "الجزائر للبيع فمن يشتري؟".
لكن بإمكان المتتبع لعلم إجتماع الثورات وتطوراتها أن يتنبأ بذلك، ويحد منه في حينه، ولايتركه يستفحل، فقد توصل عالم إجتماع الثورات كرين برنتون في دراساته وتتبعه لتطور الثورات إلى نتيجة مفادها أن الثورات عادة ما تقوم بدورة، فبعد ماتحقق خطوة خطية إلى الأمام في البدايات إلا أنها بعد فترة من الزمن تقوم بدورة، وتعود إلى نفس الأوضاع الإجتماعية التي انطلقت منها، لكن بأشكال أخرى، وبمفهوم آخر، فإن الثورات الناجحة عامة تحدث تطور خطي إلى الأمام، وتقوم بدروة في نفس الوقت، وقد أوضحنا المسألة بنفس الشكل تقريبا بالنسبة لحركية التاريخ في مقالتنا "حركة التاريخ بين سدنة المعبد وورثة الأنبياء".
يبدو أن الثورة الجزائرية التي أستهدفت تحقيق الديمقراطية والعدالة الإجتماعية بالقضاء على النظام الإستعماري الإستغلالي قد عادت في السنوات الأخيرة إلى نفس نقطة البداية، فجزائر اليوم متجهة إلى إقامة نظام جديد، ستكون فيه السيطرة لرجال المال، الذين سيأخذون مكان المعمرين الأوروبيين في الماضي، وسيكون لهم نظاما لحمايتهم، كما كان النظام الإستعماري يحمي المعمرين الأوروبيين الإستغلاليين، وسيكون هذا النظام مرتبط بالمركز الرأسمالي وعواصم الدول الرأسمالية الكبرى كباريس وواشنطن، كما كان النظام الإستعماري مرتبط بباريس، ويعود هذا الإرتباط إلى أن الطبقة الجديدة المسيطرة هي طبقة الكمبرادور، وبمفهوم بسيط هم المستوردون لسلع مصانع الرأسمالية العالمية خاصة الغربية، ويعيدون تسويقها في أسواقنا، فلهذا فمصالحهم مرتبطة بهذه القوى الرأسمالية على حساب مصالح الشعب، وقد بدأت مظاهر بسيطة لهذه السيطرة في تفاوت طبقي حاد في الجزائر، فنجد على سبيل المثال لا الحصر بروز أحياء راقية جدا شبيهة بأحياء الكولون في العهد الإستعماري الفرنسي، كما هي محروسة ومعتنى بها بعناية مقابل أحياء شعبية، يتآكل سكانها فيما بينهم لأسباب تافهة، تغذيها بعض عناصر من النظام، ولا تتدخل السلطة إلا بعد تعفن الوضع، وتزداد الأحقاد، كما وقع في غرداية ومناطق أخرى.

يبدو للعيان في الظاهر أن الإنتخابات التشريعية في ماي2017، ستفرز برلمانا تحت سيطرة هذا المال الفاسد، وهو ما يظهر بجلا ء من إصرار هؤلاء على الترشح على رؤوس القوائم سواء في أحزاب الموالاة أو حلفائهم، لكن فعلا إذا لم يقف الشعب كرجل واحد لسد الطريق أمامهم بالإنتخاب على الكثير من المرشحين النزهاء، فهو من المنتظر أن يسيطر رجال المال الفاسد على البرلمان القادم بشكل جلي.

فقد أخذ المال الفاسد أبعادا خطيرة في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك في نظرنا إلى إدراك البعض أن حركة التاريخ ستتجه حتما إلى نظام لبيرالي بشقية السياسي والإقتصادي كما تحدث عن ذلك فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ"، وكذلك صموييل هننتغتون في ما أسماه ب "موجة الديمقراطية"، لكنها ستكون ديمقراطية تحت سيطرة رجال المال الفاسد الذي سيكون لهم اليد الطولي فيها، فبدأ توزيع الريوع والإستيلاء عليها بأشكال مشبوهة وعلى أسس موالاتية لمجموعات دون أخرى، وذلك بهدف ضمان السيطرة لمدة طويلة على دواليب الدولة، لكن بطرق "شرعية شكلية"، كما تقتضيها مطالب الغرب بإدخال دولا في ما تعتبرها "إصلاحات ديمقراطية"، ولا يمكن ضمان ذلك إلا بسيطرة مالية، فظهرت نتيجة لذلك أوليغارشية مالية قوية ومهيمنة، بل كان لها دور فاعل في كل الإنتخابات الأخيرة، وطبعا تحتاج هذه الأوليغارشية المالية إلى إعلام وأحزاب وغيرها من الأذرع التي تخدمها.

وإذا لم يقف الشعب ضد المال الفاسد في هذه الإنتخابات بالذهاب بقوة للإنتخاب على الكثير من المرشحين النزهاء، فإن شعبنا سيعرف مأساة كبرى خاصة في مجاله المعيشي والإقتصادي والإجتماعي، فالبرلمان سيصبح منبرا وأداة لوضع قوانين لصالح المال الفاسد على حساب المواطن البسيط خاصة، لكن للأسف عادة ما يوجه الجزائري من هؤلاء الفاسدين إلى خيارين لاثالث لهما، وهما إما المقاطعة متناسيا أن ذلك في خدمة هؤلاء بدل الإنتخاب على المرشحين النزهاء أو جعله يعتقد أنه لا خيار له إلا أحزاب الموالاة وحلفائهم، وينسى وجود قوى سياسية وقوائم إنتخابية أخرى نظيفة ونزيهة، فلنشر بأن المال الفاسد وبعض أذرعه الإعلامية يروج بان ليس للمواطن إلا هذه الخيارات المحدودة، وذلك بغرسها في الأذهان بأساليب نفسية خطيرة بان لاخيارات أخرى أمامه إلا الإنتخاب على هؤلاء الفاسدين أو المقاطعة مغيبا قوى أخرى بديلة لهؤلاء أو ترويج إشاعة بأن الجميع فاسد، وهو ليس صحيح على الإطلاق.

ويذكرنا هذا الترويج لفساد الجميع بمقولة وزير الدفاع هواري بومدين في المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني في أفريل 1964 "من الطاهر أبن الطاهر الذي سيطهر؟"، لكننا لم نستوعب أبعاد تلك المقولة إلا بعد عقود ونمو ظاهرة الفساد، ولو أنه يقصد آنذاك بمقولته الرد على مطالب بتطهير الجيش من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، لكن يبدو أن هذه الفكرة تطورت فيما بعد، وأخذت أبعادا أخرى، خاصة في إيامنا هذه بتعميم الرشوة والفساد على الجميع بأشكال مختلفة، وتتحول إلى أسلوب لشراء الذمم، مما يصعب المحاسبة، وعم الشك في أغلبية المواطنين دون تمييز بين من أخذ ملايير ومن أخذ فتاتا ومن بقي نزيها، فتعاد نفس مقولة بومدين اليوم، لكن بالنسبة لتعميم الفساد "من الطاهر ابن الطاهر الذي سيطهر؟".
وما يؤسف له ان الأدوات الأيديولوجية للسلطة، ومنها بعض وسائل الإعلام أرادت أن تقوم بعملية تعميم هذا الفساد المالي غلى كل الأحزاب ومرشحيهم للإنتخابات التشريعية في ماي2017، لكن في الحقيقة هي مغالطة كبرى تمارس لأن هذا الفساد يخص أحزاب الموالاة وكذلك حلفائهم في التحالف الرئاسي، لكنه لايخص البديل الوطني الديمقراطي والإجتماعي إطلاقا التي تسعى بعض وسائل الإعلام إلى تغييبه تماما في خطابها ونقلها للأخبار كأنه غير موجود في هذه الإنتخابات، وتسعى بذلك إلى دفع المواطن بأساليب نفسية إما إلى المقاطعة أو الإختيار بين هذه الأحزاب الفاسدة، لأنه في ذهنه لايوجد بديل ثالث آخر، وما يؤسف له ان هذا الفساد عم أحزاب الموالاة وحلفائهم من الإسلاميين، خاصة الذين كانوا في التحالف الرئاسي، كما يمس الفساد بشكل أكبر حزب يدعي أنه محرر البلاد بالرغم من أنه لم يقم إلا بسرقة رمز تاريخي هو "الأفالان"لتوظيفه فيما بعد للتسلط والنهب والإستغلال في الوقت الذي حافظ البديل الوطني الديمقراطي والإجتماعي على قيم الثورة، لكن أعطى إسما آخر له في بداية إسترجاع الإستقلال وهو "الأفافاس" بقيادة حسين آيت أحمد المؤسس الفعلي للمنظمة الخاصة إلى جانب محمد بلوزداد، والذي أنبثقت عنها جبهة وجيش التحرير الوطنيين التي فجرت ثورة التحرير الوطنية في 1954، وهو ما جعل عبدالحميد مهري يقول عن هذا البديل أنه الإستمرارية الحقيقية للآفالان التاريخي أي مشروع الثورة الجزائرية، ويعمل هذا البديل جاهدا من أجل تجسيد قيم ومباديء الثورة على أرض الواقع، ومنها الدعوة لتحقيق إجماع جديد أو ثان بين الجزائريين يتمثل في جمع كل القوى بما فيها السلطة والمعارضة والنقابات والمجتمع المدني لتجسيد الدولة الديمقراطية والإجتماعية، لأن الإجماع الأول بين الجزائريين بكل أطيافهم لم يحقق إلا إسترجاع السيادة الوطنية في 1962، لكنه تكسر، وفشل في تحقيق الأهداف الأخرى للثورة بعد إنقلاب مجموعة وجدة على المؤسسات الشرعية للثورة، مما أدى إلى الإنسداد وماتعيشه جزائرنا اليوم من ترد في كل المجالات، ونحن بحاجة اليوم إلى إعادة بناء الإجماع الوطني بين كل الجزائريين كي تعيش الجزائر ودولتها الوطنية التي ضحى من أجل إقامتها ملايين الشهداء، ونجنبها الخريف الدموي الذي عرفته عدة بلدان في منطقتنا.

وإن لم يسد الناخب الجزائري الطريق على هؤلاء الفاسدين في التشريعيات القادمة، فإن البرلمان الجزائري سيكون بداية من2017 تحت سيطرة رجال المال، خاصة المستوردين الذين سيكتسبون الحصانة تمنع محاسبتهم على أموالهم المشبوهة، وسيعملون من أجل تمرير قوانين في خدمة كبار المستوردين المرتبطين ماليا وإقتصاديا بالقوى الرأسمالية العالمية الكبرى، ومنها فرنسا وأمريكا، وسيكونون في خدمة هذه القوى ليس فقط على حساب الإقتصاد الوطني المنتج، بل أيضا على حساب مصالح الجزائر كلها، فهل يدرك شعبنا مامعنى صياغة قوانين وما تأثيرها على التحولات الإجتماعية؟ فهل لايعلم بأن مصالحهم ومصالح كل المجتمعات تتحدد بواسطة القوانين؟، وهل يدرك أهمية القوانين والتشريعات في صنع التحولات الاجتماعية؟ هل يعلم مثلا أن السلطات الاستعمارية قلبت كل الموازين داخل المجتمع الجزائري لصالح الكولون بواسطة قوانين وتشريعات صيغت بعد تغييب الجزائريين؟، ألا يخشى الجزائري أن يكرر أصحاب المال الفاسد الذين نهبوا ثرواته بالأمس بإسم الإشتراكية أن يحدثوا تحولات إجتماعية في الجزائر بعد سيطرتهم على الهيئة التشريعية، وتكون تحولات شبيهة بالتي أحدثها المعمرون الأوروبيون في الماضي الإستعماري البغيض؟ هل سيقفون يتفرجون على سيطرة هؤلاء على الجزائر أم يقلبون عليهم الطاولة بالتصويت على مرشحين نزهاء، فيعجز النظام على التزوير بشكل مفضوح لصالح المال الفاسد؟.
وفي الأخير نقول أن لكل إنتخابات رهاناتها، فرهان الإنتخابات التشريعية القادمة في الجزائر هو العمل من أجل إيصال أكبر عدد ممكن من النزهاء إلى البرلمان، كي يتكتلوا ويقفوا في وجه المال الفاسد الذي بدأ ينخر مؤسسات الدولة ويهددها بالإنهيار بسبب خدمة مصالحه الضيقة على حساب الجزائر والبسطاء من أبناء هذا الشعب الذي سيعاني من ويلاته إذا لم يقف في وجههم بالإنتخاب ضدهم مهما تستروا بأحزاب ثبتت مسؤولياتها فيما وصلت إليه الجزائر اليوم من تقهقر في كل المجالات.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن