تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(4).

ماجد الشمري

2017 / 3 / 12

البسملة:هي لازمة تتكرر في كل المدونة القرآنية وفي مفتتح كل السور بأستثناء سورة التوبة-التي كان فيها الله متوترا وغاضبا،فلم يعير التفاتا لايراد اسمه في بداية نص التوبة!-،فهي متربعة في صدر السور كعنوان جبري-ضروري !لامناص منه لبدء القراءة.فبأسم الله تبدأ سور الله،وبأسمه تنزل تياعا،وبتنجيم استمر مايقارب الربع قرن.ولانها كذلك فسنتجاوزها عابرين الى المقطع الذي يليها:"الحمد لله رب العالمين،الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين".فماذا تعني كلمة (الحمد)؟.ان من معاني الحمد:الثناء والشكر والامتنان،والاقرار بالفضل.وكل هذه المعاني متعلقة بالناس وحاجاتهم المطلوبة،في انتظار تلبيتها،او بعد تحققها وحدوثها.وهي قطعا دعاء وطقس ديني صاعد نحو الرب من عبد الرب.ومن اللامعقول ان ينزل الحمد من الله على مخلوقاته؟!.فالله لايحمد نفسه!.فهل يحمد الله نفسه هنا؟!-لوافترضنا انه كلام الهي وليس بشري!-.ام هو الله يحمد الها اخر غيره-الآخرالغائب-؟!...الحمد لله....الله الحاضر المتكلم يحمد الله الغائب المشار اليه ب:الحمد لله رب العالمين!.فهل يستقيم الخطاب المنطوق على هذا النحو الغامض؟!.فهل هناك ألهان:احدهما يحمد والآخر يتلقى الحمد والشكر الذي يسبغه عليه الاول؟!.سنتخيل الله عند ذلك: ممسكا مرآة يحدق فيها مخاطبا صورته قائلا:الحمد لله رب العالمين!.فهل كان الله نرجسيا،عاشقا لذاته،يتمحور حول اناه؟!.هذه الاسئلة يفرضها منطوق ودلالة الآيه،وليس من مجيب!.لذا يصبح النص متهافتا عسير التصديق والفهم،فيما لو كان سورة،ولكن اذا قلبناه الى دعاء -صلاة يصبح واضحا وسهلا على الاسماع لانه منطلق ومتوجه من مؤمن عابد الى الهه المعبود.
المؤمنون الخاشعون المتقون الحامدون الشاكرون هم لاغيرهم من يحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين،وليس الله من يقوم بذلك،فهو الاله يدرك ذاته وصفاته!.فالله يعرف نفسه جيدا كرب للعالمين وكرحمن وكرحيم وكمالك ليوم الدين وغني عن قوله.فهذا مايؤكده ويردده كتسبيح كل الداعون الممجدون والمعظمون لله.فهذا واجبهم كخشوع وعرفان وامتنان وشكر على النعم والاحسان والعطايا السابقة واللاحقة،فيكون الحمد ديدنهم في الدعاءوالصلاة.
ان محمد النبي بقدر ماجرد الله ونزهه في توحيده كواحد احد لدرجة الرفعة السامية والقداسة،والمفارقة والتفرد عن سائر مخلوقاته:"ليس كمثله شيء".بقدر ذلك التجريد الوحداني الخالص،قام ايضا وبأتجاه معاكس،فجسد الله وجسمه وجعله قريبا من الانسان:"فأذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعان".فأصبح شبيها بالانسان،وتم حشوه بالحواس والاعضاء!.فهو يملك اطرافا وعيون وسمع ويتحدث العربية، اله قبليا يجوب اطراف يثرب ،يراقب ويتدخل حتى بالصغائر والتوافه والترهات:"الغائط"و"الحيض"و"النكاح"...الخ مما حفل به القرآن من شخصي حميمي،ويومي وعابر وفردي خاص!.فبات واحدا من اهل يثرب:يجالسهم ويسترق السمع مطلعا على اسرارهم،وما يفعلون حتى على اسرة نومهم من اشتباك جنسي!.
في الجزء الثاني من الفاتحة نقرأ:"اياك نعبد واياك نستعين".ومعنى هذه الآيه:أياك انت..الله..ربنا.نحن عبادك:نعبدك،وأياك انت:الهنا وربنا وخالقنا،نحن عبيدك،مخلوقاتك،نحن العاجزون المستعينون بك،وبك فقط نتمسك ونستعين راجين عطفك ورحمتك.ليس هناك ابسط واوضح من ذلك في التعبير والافصاح عن دعاء الداعين وصلاة المصلين وتوسل المؤمنين،ورجاء الضعفاء والتماس الخاشعين،اكثر دلالة من هذا النداء البشري المعلن،هناك بون شاسع وبعيد عن ان يكون هذا القول كلاما الهيا موجها للبشر،فهو كلاما بشريا بأمتياز وخالصا في مغزاه ودلالته كدعاء لمؤمن بمادة ايمانه.."اياك نعبد واياك نستعين"سيكون هذا القول طرفة سمجة لو قالها الله!.فهل يعبد الله نفسه وبذاته يستعين؟!..
نمضي الى ختامية النص،المقطع الاخير من(الكافية):"اهدنا الصراط المستقيم،صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".وهنا ايضا نجد سياق ومضمون المقطع،يبدو متماهيا ومنسجما في دلالته على الدعاء،ولايخرج عن ذلك.فهو ايضا نداء بشري مرفوع الى الكائن العلوي الاسمى.وطلب ورجاء وسعي للهداية والسداد والاستقامة."اهدنا":انت يا ربنا وبارينا..ارشدنا وقدنا وخذ بيدنا نحن المحتاجين لرشادك واشارتك لانارة دربنا الى صراطك المستقيم،ولتنجينا من هوة الضلال والضياع والخسران.كما فعلت من قبل مع الذين شملتهم بعنايتك ولطفك ونعمك،وجنبنا مصير من حل بهم غضبك ونقمتك،وكانت مشيئتك ان يسدروا في غيهم وضلالهم حتى تعاقبهم بنار جحيمك وسعيرها الابدي..اليست هذه العبارات هي مادة القول الجوهرية التي تلهج بها كورالات المؤمنين،وبأيدي مفتوحة ومرفوعة نحو السماء هي الصلاة- الدعاء النموذجي بكل ابعاده الايمانية؟!.واذا لم يكن الامر كذلك،فكيف ستكون صيغة الدعاء وشكله؟!. لم يعد واردا،او مثمرا او صالحا للمجادلة والخلاف اعتبار الفاتحة دعاءا بشريا منطلقا من العالم السفلي الى العالم العلوي،من الارض الى السماء،ومن التحت الى الفوق.نابعا من قلوب وارواح ووجدان الخائفين والحالمين والطامعين برضى الرب،مالك الدين والعبيد، وتعبيراعن الضعف والمسكنة،ترفعه ارواح معذبة محرومة حزينة،آملة بخير الدنيا وعقبى الآخرة.تبتهل وتتوسل الخالق بالشفقة والرحمة،ليعوضها عن بؤسها وذلها الدنيوي المقيم،بنعم ومسرات خالدة حتى ولو كانت مؤجلة لحياة آخرى كلها رفاهية وبلهنية ولكن بعد الموت!.ذلك النداء وصرخة الروح في عالم بلا روح.ذلك الدعاء-التنهيدة الحرى والتي تخفق به قلوب مؤمنة مجروحة،ترجو وتحمد وتعبد وتستعين بربها الاوحد ليقودها لسبل الرشاد والحق وجزاء العمل الصالح-العبادة-ويجنبها الضلال والانحراف عن صراط ربها،لينالوا بركته،ويأمنوا غضبه وعقابه.او العكس وعدها سورة هبطت وتنزلت عليهم وحيا سماويا من الاعلى،ومن خلال نبيهم الاسمى...من الله...الى نبيه..ومن ثم الى اتباعه الذين اهتدوا بدينه..فالامر سيان!.فقد تداخلت السورة بالدعاء والدعاء بالسورة،وانتهى الامر..
فهل كان عمل الخليفة عثمان هو مجرد اجراءا شكليا،وقرارا سلطويا بأدراج الفاتحة نصا قداسيا في مدونته؟!.او كان اقتناعا صادقا وسلوكا نابعا من خشوع وايمان بصحة ما اقدم عليه؟!.ام كان شكلا من الصراع السياسي والايديولوجي اتخذ مظهرا دينيا اصوليا بكتاب الدين الجديد الذي صار دستورا-حمال اوجه يصلح لاستنباط الاحكام والقوانين الملائمة للسلطة الزمنية والسيطرة الايديولوجية للمجتمع اليثربي الذي اخذ في التوسع والامتداد الى الخارج من خلال الغزو والفتح المسلح؟!.هل حرف عثمان قرآنه:اضاف او حذف او عدل او غير صيغ الآيات ونصوص القول النبوي؟!.ام كان عثمان امينا مخلصا لدين نبيه وصاحبه،وفعل الصواب بجمعه القرآن ككتاب مقدس اسوة ببقية اديان الكتاب ؟!..او لاهذا ولاذاك بل هي اعتبارات اخرى،فرضت نفسها تماشت مع الظرف ليستجيب لمستجدات جديدة؟!.هل تشابه الامر واختلط الكلم النبوي بين مانسب لله ومانسب اليه،.بين من قال ورتل ودعا اول مرة،وبين من شرع وقنن ودون وأمر اخر مرة وفي مابعد؟!.
كل هذا الفيض من الاسئلة لم يعد جديرا بالطرح وفات اوانه. على ازمنتنا الحديثة.فقد تحولت الى اشباح واخيلة،ولكنها حاضرة تجوب في العقول،وتلتصق بالذاكرة، وتموربها اغوار النفس المتراكمة والمعتمة.فهي فوق طاولة التاريخ وصالحة للنبش والاجترار واعادة انتاجها وتوظيفها بطرق شتى.فعشرات الاجيال رحلت وبلت،ولا زالت تلك الاطياف المروية عصية على الاندثار تتفرع وتتجذر وتخلد كتراث ميت-حي،يحكم الاحياء الاموات!!.في تأملاتنا لنص(الحمد)السورة-الدعاء-الصلاة لم يكن هدفنا اثيات او نفي شيء من التاريخ،ولم يكن لنا قصد او هدف لتفنيد او دحض،ولااقرار او تأكيد فكرة او تأويل حيثيات وتفاصيل ذلك النص الخلافي،ومحاولة التوفيق بين الاراء ومادة البحث.كل هذا لم يرد في ذهننا،بقدر ماهو مراجعة وتشكيك ونقد لكل ماورد في المرويات التراثية-هذا على فرض تاريخيتها كوقائع!-والتي اتخذت سمة الايقونات،او اللعنات حسب المذاهب والنحل.واهملت في تعصبها اسس وغايات التجارب الدينية،لتلد مسوخ من تلك التفرعات التي ابتعدت عن الاصل لتسود الكراهية والصراعات الدموية،ورفض الآخر المختلف داخل العقيدة او الدين الواحد.ومابدأ(ثورة)او اصلاحا ورغبة في التغيير على مستوى الفكر ومباديء الاخلاق وخير الانسان.انتهى للجمود والتعصب والمصالح والعنف الدموي والتهتك!.فلنصفي حسابنا مع الماضي،ونلتفت لحاضرنا المتداعي بالتأسيس،حتى يكون لنا مستقبل..ولنفكر بعيدا و خارج الصندوق!!!.
..........................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن