مسائل التجديد الديني

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2017 / 3 / 7

مسائل التجديد
لا بد بعد أن حددنا المفهوم وفرقنا بين ما يعرف بالتحديث وبين التجديد وتعرضنا للمشروعية التجديدية ومنهجنا العلمي فيه، هنا علينا في ختام هذا الفصل وقبل الولوج في صلب البحث التجديدي أن نتعرض بالدراسة للمسائل التي يمكن أن تكون محلا وموطنا للمشروع لنفرق بين ما هو القابل بالقوة للتجديد وبين الممتنع طبيعيا عنه، مع ملاحظة أن العلم عموما لا يمكن أن يؤمن بالثابت المطلق ما لم يكن هذا الثابت يتمتع بالقدرة على البقاء على حاله دون أن يتعارض مع السنة الكونية ومستجيب طبيعي لأحكام الضرورات، هذه المسألة التي شغلت بال الكثير من الذين يظنون أن عملية التجديد التنويري تستدف الكل الديني دون أن يمتنع عنها ما يعرفونة بالثابت والمتحول أو المطلق والمتغير.
الحقيقة الأكيدة والمؤكدة أن التجديد الديني بكل ما فيه وما يريده ليس أكثر من محاولة معاصرة لإكتشاف الدين كسياق معرفي شابه في الصورة الذهنية وليس في الأصل التكويني أهتزاز، وعدم تطابق بين الشعار والممارسة، هذا الأكتشاف أو المحاولة فيه يجب أن تتعدى مضمون التغير البنائي وتركز على مفهوم التفاعل بين الأصل والصورة المصداقية التي يجب أن تكون، هنا يمكننا أن نقدم الدين كما هو ولكن بعقول وعيون وقراءات أقرب للعصر وأقرب للعقل في راهنيته المعاصرة وإمكانياته المتطورة التي تتعاظم مع كل تراكم معرفي وعلمي يجري في الوجود.
هذا الأكتشاف وتوضيح المعالم الأصلية في الدين لا بد أن يقودنا أو إلى تحديد المادة الأساسية التي ستكون محلا للتجديد، فالدين اليوم ليس فقط الرسالة المنزلة من الله بكتاب محدود، بل تحول الدين مع مرور الزمن إلى منظومة متضخمة من المعارف ومتشبعة بالفروع البحثية والأصول، كما أن الكثير من المفردات التي تتعلق بما يعرف بالدين واقعا من عبادات وطقوس وملحقات أستثمارية على شكل أفكار ورؤى تتبع منهجا دينيا كما تزعم أصبحت كلها تشكل الأطار العام للدين في المجتمع، فمثلا الفقه والعقيدة وعلوم الحديث والقراءات القرآنية وعلوم اللغة والمنطق والفلسفة الإسلامية، مضاف لها علوم ذات صلة منها نظرية الحكم والأقتصاد الإسلامي ومناهج التبليغ وحتى الطب الديني وتفسير الأحلام، كلها أنضوت بشكل أو أخر تحت مفهوم الفكر الديني، وأصبحت عبء أضافي على الإنسان المتدين الذي يبحث عن الخلاص من خلال الدين.
هذه الحقيقة أشار لها أحد الباحثين ضمن مجموعة عمل تتناول مسائل التجديد في الفكر وكيفية الوصل للقضايا الأهم ومن ثم معالجتها كما ينبغي بعد التفريق بين ما هو ديني فعلا وبين ما هو فكري ديني ترسخ نتيجة التعامل مع الدين على أنه المحرك الأساسي والحاسم في حياة البشر، فيقول (لعل السبب الأكثر شهرة في طرح القضية -على اختلاف العصور- ما تتجدد في كل زمان من نوازل وقضايا فقهية وعقدية وفكرية. ولكنها اليوم ليست كذي قبل، بل اليوم اتسعت نطاقاتها ودوائرها، إذ الرقعة الفكرية اتسعت) .
إلا أنه في ذات الوقت ينتقد طرق المعالجة ليس من كونيتها الذاتية فحسب، بل لأن الدعاة للتجديد الديني لا يؤتمنون بغالب الأحيان على القضية لكون الدوافع المحركة ليست بالضرورة دوافع إصلاحية حتمية، فيذكر التبرير نصا (وباتت تضم المختصين وغير المختصين، وتنطلق من خلفية -في غالبها- ليست إسلامية ذات ثقل معرفي، بل تنطلق -في أكثر أحايينها- من خلفيات حداثية وعلمانية، والتي لم تعي التراث بكامل صنوفه وعلومه) ، فهو يشك أو على ما يبدو من دوافع المجددين وجهلهم بما يسميه التراث وعلومه، فهو مع التجديد الكلي للمعرفة الدينية ولكن تحت عباءة نفس المؤسسة الضامنة للدين والمهيمنة على الفكر الديني وهذه إشكالية المدرسة المحافظة التي تحد من كل محاولة أو مشروع تجديدي لأنه مشكوك في نواياه أصلا.
فالحل المقترح والمطروح إذا كما يقول دعاة مدرسة التجديد المحافظة أن يكون المشروع ذاته متعلقا بالتراث ومنسجما مع فهمها له وليس بناء على الضرورة والسنة التأريخية الكونية، فهي تركز على خط التجديد في محور واحد وحصري يتمثل في نظرتها لمعنى الدين، بمختصر شديد تحدده بما يلي، (كليات الدين ومقاصده، لا سيما التي تمثل صورة مشوهة في نظر البعض عن الإسلام، كنظرة الإسلام للإنسان والوجود والحياة، ونظرة الإسلام للعقل وحرية التفكير، وأيضا لا بد من التركيز على مقاصد الدين العقدية، والتي رأسها وذرة سنامها تخليص الإنسان من عبوديته لذاته ولنظائره من الخلق إلى عبوديته لله وحده، ولا نغفل في هذا المقام التنبيه على ضرورة اشتمال الخطاب الديني على مزجه بين مخاطبة العقل والروح معا، لا التركيز على جانب واحد) .
الكلام المطروح هنا يعني في مجمله العودة في التجديد إلى مسائل كلية تتناول علاقة الإنسان بالدين أولا وكفى، وهذا يقودنا للتساؤل حول ما قيمة التراث الفكري كله وعلاقته بالمسائل الكلية من جهة أخرى؟ وهل يتضمن ذلك أصل الرسالة وما يسمى الثابت والمتحول، منها أم يقتصر على النتائج المتعارضة في القراءات المتنوعة وما جرته من تضخم لمنظومة الدين الفكرية، فإذا كان خيارنا الأول هو الأساس هنا علينا أن نتجاوز التراث وعلومه والعودة إلى المربع الأول الذي نشأت كل المنظومية الفكرية منه، وجعل التجديد كمشروع يبدأ من حيث بدأ الدين، أما لو كان الخيار الثاني هو المطلوب فسنقع في المحذور الذي يقودنا إلى نتائج ربما تزيد من حدة الخلاف الفكري ونستعيد من جديد عوامل التشطي الحزبوي والمذهبي بأعتبار أن التراث الفكري وعلومه نشأة نتيجة منطقية لها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن