2017 / 3 / 2
الدين وموقف العقلانية منه
أنتهت مرحلة العقل الخالق وبدأت مرحلة العقل المخلوق العقل الذي أباح للخيال والتأمل أن يتحول إلى واقع بدلا أن يمتحنه كما كان يفعل سابقا، وتراجع دور العقل لمصلحة العالم المواز وأصبح التفسير والتعليل متعلقا بقدرة العوالم الموازية وليس بقدرة قوانين الواقع الوجودي ولا خضوعا للمعايير المادية التي تحكم حركة المادة والطاقة، لقد فرط الإنسان من خلال تسليمه وخضوعه لفكرة العوالم الموازية بحرية العقل كما فرط بحريته الشخصية، وأصبح يدور في ثانائية جديدة هي ثنائية الصراع بين الواقع المادي والواقع المفترض، وتحول من مكافح لأجل أن يجيب على أسئلته القديمة متى وكيف ولماذا وأين إلى أنتظار أجابات جاهزة تأتيه من عالم الغيب عالم أفترضه وخلقه وصنعه ورمزه هو، فلا مندوحة أمامه في كل مرة أن يقبل أي فكرة تفسر أو تعلل أو تخبره عن أجابة أو عن رؤية طالما أن صاحبها زعم أنها جاءته من عالم الغيب أو عالم المرموز المواز.
من الطبيعي أنه لا يمكنه نكران ما تسالم يقينيا عليه ومن الطبيعي أن لا ينكر أي فكرة تكون خارج نطاق الواقع تحمل له تصور متسق ومتلائم وموافق لطريقة البناء الأولى التي أعتمدها في خلق العالم الأخرى، لا يريد العقل أن يقول أنه خدع ذاته ولا يمكنه في كل مرة أن يجري البرهان على موضوع أصلا قرر أنه غير خاضع للبرهنة لا على مستوى الكيف ولا مستوى الكون لأنه أغلق باب الكيف والكون على مماثلة الشيئية الواقعية، هذه إحدى إشكاليات العقل اللاحقة والتي لم يحسب لها حساب حين أفترض نظريته هذه ولم يجد لليوم تبريرا مقنعا يسد فيه أبواب التناقض بين قانون المادة والطاقة وبين فكرة العوالم وكلاهما في حساب التقدير لديه يتمتعان بقدر واحد من القبول والتمسك.
في الوقت الذي لم يكن هناك قوانين علمية صارمة ولا معرفة حقيقية بواقعية الوجود كان العقل البشري ينسب أي حدث أو فكرة أو تغير إلى تلك العوالم وتم تركيم وتجميع الكثير من هذه الأحداث والأفكار المتشابهة في العلة المفترضة أو تخضع للغيبية في كل مرة لتشكل له منظومة معرفية تنتسب إلى الغيب تقيد بها وأحترمها وأطرها في نطاق موحد أسماه معرفة فوقية أسرة ومؤثرة وخالقة وصانعة لكل التحولات الخارج الإرادة البشرية المختارة، ومنحها تفويضا من العمل والفعل لشعوره الذاتي أنها لا تقاوم، فخضع شيئا فشيئا لها وأطاعها دون أن يتمكن من مواجهتها بالواقع، هذا الخضوع والتسليم قاد لفكرة الدين بأعتباره إرادة قاهرة إرادة تفعل من غير سؤال وأحيانا كثيرة من غير توقع، كان على الإنسان هنا أن يتجاوب معها ويسترضيها ويفعل كل ما يمكن من طقوس كي يكسبها لصفه وأنتصارا على كل التضادات والتناقضات التي يعيشها على مستوى الفرد والجماعة.
هنا جعل الإنسان من هذه المنظومة المخلوقة خالق وفاعل والهدف دائما كان البحث عن أنتصار، لم يبحث الإنسان المتدين الأول عن الفضيلة وعن المثل العليا بقدر ما كان يبحث عن الأنتصار وعن القوة والقدرة في المواجهة والمقاومة ضد الأخر، ضد نفسه وضد واقعه ليتمتع بقدر أكبر من أشتراطات الأنا وأشتراطات العيش المريح، عندما أبتكر الطقوس أبتكر فكرة المصلحة أو سخر فكرة المصلحة لفكرة التدين باشر من حيث لا يعلم بممارسة التحريض وأستعداء هذه القوى ضد خصومه وضد من يشكل له خطر أيا كان شكل الخطر هذا، فأخذ يهره لرموز هذا العالم في أنتظار تدخلها لمصلحته أو أنتظارا لأجوبة محددة، كلما زادت ثقة الإنساس بالعالم الأخر كلما تخلى عن العقل ونظامه الخالق والمنشيء وركن إلى أن القوة ليست ذاتية أبدا بل هي من مصدر خارجي غير مدرك الحدود وغير واضح المعالم في التعامل، وهكذا أنتقل من مرحلة القوة الفاعلة إلى مرحلة الضعف المفعول وفقد حريته وجزء كبير من عقلانيته الأولى.
من المؤكد أن ثمن التحولات الأولى لم يكن هينا مع هذا التدرج في عدم العقلانية التي أعقبت كون الإنسان الأول كان عاقلا بما يكفي لنسميه إنسان كامل، قد لا يجد البعض سببا وجيها بهذا التحول وان الكمال لا يمكن أن يرتد نكوصا طالما أن الكمال بمعناه الفلسفي هو عدم الإنجرار وراء النقص أو حتى حدوث تصوره، الجواب أن الكمال الفلسفي يعني أرتقاء الإنسان بفعله العقلي القمة الهرمية التي ليس من بعدها أي تطور، أي وصوله للنهائية في التعقل التي تقوده لأختراق ما حول الهرم الوجودي، هذا الأختراق يقوده للتساؤل لماذا وكيف ومتى وأين تسكن حوهرية ما بعد واقع الهرم، ومن هنا بدأ التحليق عاليا وخروجه من عالم الكامل إلى حالية أخرى لا تنتمي للكمال بل بداية جديدة في مرحلة مستجدة قادته إلى تسليمات جديدة في عالم أخر سميناه عالم مواز وهي عالم ما حول الهرم الطبيعي.
https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن