العلاقات الامريكية السعودية ، من اتفاقية كوينسي الى قانون جاستا ، عرض- استنتاجات- توصيات

اسماعيل علوان التميمي
abusuhaib19@yahoo.com

2017 / 3 / 1

ا العلاقات الامريكية السعودية ، من اتفاقية كوينسي الى قانون جاستا
عرض- استنتاجات- توصيات

اسماعيل علوان التميمي

قبل الدخول في موضوع بحثنا اجد من اللازم ان ابلغ القارئ الكريم بانه قدمنا عرضا تاريخيا سياسيا موجزا للعلاقة السعودية الامريكية ، حاولنا تركيزه في سبع فقرات . ثم اعقبنا ذلك بتقديم استنتاجاتنا وختمناها بأربع توصيات. فاذا وجد القارئ الكريم بانه لا حاجة له الى العرض مع اهميته - على الاقل - من وجهة نظرنا ، فبامكانه الانتقال مباشرة الى الاستنتاجات والتوصيات املين ان يلقى هذا الجهد قبولكم بصرف النظر ان كان يتفق او يتعارض مع وجهة نظركم .
تعود العلاقات الامريكية السعودية الى ثلاثينيات القرن الماضي عندما قامت احدى الشركات النفطية الامريكية وهي شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل كومبني (كاسوك) بالتنقيب عن النفط وفي العام 1938نجحت في حفر اول بئر نفطي(دمام 7) في شرق السعودية بطاقة إنتاج بلغت 1.585 ب/ي على عمق 1.5 كيلومتر تقريبا ، منذ ذلك الوقت بدأ يتضح حجم الاحتياطي النفطي الهائل في السعودية . ومنذ ذلك التاريخ ايضا ادركت الادارة الامريكية الاهمية التي تشكلها السعودية للمصالح الامريكية في المنطقة. وكان من نتيجة ذلك ان اعلن الرئيس الامريكي روزفلت في العام 1943 (ان الدفاع عن المملكة العربية السعودية يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة) ، وفي العام نفسه وافقت السعودية على تأجير قاعدة الظهران شرق السعودية الى الولايات المتحدة الامريكية . وفي 14 نوفمبرمن العام 1945 وفي لقاء سري تم بين الرئيس الأمريكي (روزفلت) العائد من مؤتمر يالطا الذي انعقد بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها . والملك (عبد العزيز) على ظهر الطراد الحربي الامريكي“كوينسي” ، في البحيرات المرة بقناة السويس في مصر . تم فيه التوقيع على اتفاقية بين الطرفين تتضمن: توفير الولايات المتحدة الحماية للملكة العربية السعودية مقابل ضمان السعودية لإمدادات النفط الى الولايات المتحدة . وان مدة هذا الاتفاق 60 سنة، وتم تجديده لنفس المدة اي 60 عاما اخرى في العام 2005 في عهد الرئيس جوج دبليو بوش .
منذ قمة كوينسي بين روزفلت وعبد العزيز في العام 1945 ، بقيت العلاقات السعودية الامريكية متينة وراسخة بوجه عام . حيث حافظت السعودية على علاقاتها الممتازة مع الولايات المتحدة رغم كل ما قامت به اسرائيل من اعتداءات متكررة على الشعب الفلسطيني ودول عربية واحتلالها للضفة الغربية وغزة ، اضافة الى اراضي عربية تعود لمصر وسوريا ولبنان ، بدعم امريكي سياسي واقتصادي وعسكري معلن ودائم وقوي ومؤثر .
أولا-تنامي الدور السعودي بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر
بعد وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وتولي الرئيس الراحل انور السادات مقاليد السلطة في مصر، بدأ الدور السياسي العربي المؤثر لمصر يتراجع . حيث هجر الرئيس الراحل انور السادات سياسة سلفه عبد الناصر بالاهتمام المفرط بالشأن العربي على حساب الشأن الداخلي المصري وبالذات الشأن الاقتصادي الذي كان يئن من وطأة هيمنة القطاع الاشتراكي عليه . فقلب الرئيس السادات تلك المعادلة فاهتم بالشأن الداخلي المصري على حساب الشأن العربي .فأتجه الى اصلاح الاقتصاد المصري من خلال اتباع ما سمي في حينه بسياسة الانفتاح الاقتصادي لاخراج مصر تدريجيا من شرنقة الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق ، حيث تم خصخصة العديد من مشاريع القطاع العام بهدف تنشيط الدورة الاقتصادية والحد من البطالة، فحقق بذلك نجاحات مهمة انعشت الاقتصاد المصري وخفظت معدلات البطالة بسبب نمو القطاع الخاص . وعلى اثر هذا الانشغال المصري بالشأن الداخلي فقد تقاسمت السعودية والعراق( البلد العربي الثاني المنتج للنفط بعد السعودية) مساحة التاثير السياسي الشاغرة في المنطقة . وفي 19 نوفمبر تشرين ثاني 1977قام الزعيم المصري انور السادات بزيارة لاسرائيل ، كان قد اعلن عن نيته القيام بها في التاسع من الشهر نفسه ، في خطوة لم يكن احد في العالم يتوقعها سواه والرئيس الروماني شاوشيسكو. كان من نتائج تلك الزيارة التاريخية توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 ايلول عام 1978 التي تضمنت اعادة جزيرة سيناء التي احتلتها اسرائيل عام 1967 لمصر مقابل انهاء حالة الحرب وقيام حالة السلام بين البلدين . في الثاني من تشرين ثاني نوفمبر من العام 1978 انعقدت القمة العربية في بغداد بحضور الملك خالد ومعظم زعماء الدول العربية وقررت رفض الزعماء العرب لاتفاقيتي كامب ديفيد وقرر المؤتمرون نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس . منذ ذلك التاريخ خلت الساحة العربية تماما من التأثير السياسي المصري ليتم اشغاله من قبل السعودية والعراق( اكبر بلدين نفطيين في المنطقة)
ثانيا-تنامي الدور السعودي بعد توريط امريكا والسعودية لصدام حسين بشن الحرب على ايران
في العام 1980 ورطت امريكا والسعودية الرئيس العراقي صدام حسين لشن الحرب على ايران(حسب اعتراف صدام نفسه في تصريحه الشهير الذي ادلى به بعيد اجتياح قواته لدولة لكويت ) وحسب تعليق الملك خالد بن عبد العزيز على سؤال وجه له عن رايه في قيام القوات العراقية بقيام صدام بشن الحرب على ايران خلال لقاء جمعه مع ابرز افراد الاسرة الحاكمة في اليوم التالي لاندلاعها الذي قال بالنص (قد تموت الافاعي من سموم العقارب ) ( نقلا عن محمد حسنين هيكل في كتابه حرب الخليج ...اوهام القوة والنصر ) ومنذ ذلك العام يمكن القول ان الحقبة السعودية في المنطقة قد بدأت عندما تخلصت السعودية من العراق كمنافس لها في التأثير السياسي بالمنطقة لتورطه في حرب مع ايران استمرت ثمان سنوات خسر فيها الطرفان اكثر من مليون من الضحايا وضعف العدد من الجرحى والايتام والارامل ومازال البلدان يئنان من اثارها . كما استنزفت كل موارد العراق المالية وشلت قدراته في انتاج وتسويق النفط ، فتحول من ثاني اغنى بلد في المنطقة الى البلد الاكثر مديونية في بلدان المنطقة ، ورغم ان السعودية هي التي حرضت وورطت الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين باجتياح الاراضي والمدن الايرانية القريبة من الحدود العراقية عام 1980 الا انها سمحت للطائرات الاسرائيلية المتجهة الى بغداد لتدمير مفاعل تموز بالتحليق فوق اراضيها في الخامس من حزيران في العام 1981 واعطت الضوء الاخضر للكويت لزيادة انتاجها من النفط وبالتالي انخفاض اسعار النفط مع تحذير العراق للكويت بالتوقف عن سياسة اغراق السوق النفطية التي ادت الى انخفاض اسعار النفط الى 11 دولار للبرميل الواحد . في وقت كان العراق خارجا لتوه من حرب الثمان سنوات مع ايران ومدينا باكثر من 120 مليار دولار وهذا كان احد الاسباب التي حفزت صدام لاجتياح الكويت وضمها الى العراق لتكون المحافظة التاسعة عشرة.
ثالثا-تطور الدور السعودي في المنطقة بعد الاجتياح العراقي للكويت
جاء الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990 ليؤكد الالتزام الامريكي ليس بامن السعودية فحسب ، كما نصت اتفاقية كوينسي وانما امتد ليشمل امن الكويت وكل الدول النفطية في الخليج . ففتحت السعودية اراضيها وسمائها ومياهها امام مئات الالوف من القوات الامريكية والدولية والعربية المتحالفة معها ( قوات التحالف ) القادمة لاخراج القوات العراقية من الكويت . وفعلا تمكنت تلك القوات من اخراج القوات العراقية من الكويت وفرض نظام عقوبات دولي صارم وغير مسبوق ضد العراق ، استمر حتى العام 2003 حيث تم احتلال العراق من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة واسقاط نظام صدام حسين . ولم يخرج العراق من الفصل السابع الا في شهر حزيران عام 2013 اي بعد عشر سنوات على سقوط نظام صدام .
رابعا-حدثان صادمان لامريكا في مسار العلاقات الامريكية السعودية
مع قوة ومتانة العلاقات الامريكية السعودية بشكل عام . الا ان تلك العلاقة لم تكن خالية من فترات برود وربما توتر احيانا حول بعض الملفات محل الخلاف بين البلدين، الا انه هناك حدثان فريدان صادمان للولايات المتحدة وقعا خلال الفترة الممتدة من اتفاقية كوينسي الى اليوم حسبا على السعودية وكان لهما وقعا صاعقا وتاثيرا كبيرا على الادارة الامريكية، هما :
الحدث الاول : في 17 اكتوبر من العام 1973وافقت الدول العربية الاعضاء في منظمة اوابك ( تضم الدول العربية الاعضاء في اوبك اضافة الى مصر وسوريا) على استخدام النفط كسلاح في المعركة لمعاقبة الغرب بسبب دعمه لاسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، واوصت بحظر بيع النفط الى الدول الغربية الموالية لإسرائيل . فتم ايقاف ضخ النفط بشكل تام عن الولايات المتحدة وهولندا لدورهما الكبير في تقديم كل اشكال الدعم لاسرائيل اثناء حرب اكتوبر. وعلى اثر هذا القرار ارتفعت اسعار النفط من 3 دولار الى 12دولار اي تضاعف السعر الى اربعة اضعاف في وقت كان سوق الاوراق المالية العالمية يشهد انهيارا كبيرا.

مع ان قرار اوابك باستخدام النفط كسلاح في المعركة وايقاف ضخ النفط الى الولايات المتحدة كان قرارا عربيا ، الا ان الولايات المتحدة كانت على يقين تام ، انه ما كان لهذا القرار ان يمر او على الاقل ان يشكل ذلك القدر من الخطورة على اسعار وامدادات النفط الى الولايات المتحدة واوربا الغربية ، لولا مشاركة السعودية فيه بموافقة شخصية من الملك فيصل على هذا القرار ، الذي نظرت الولايات المتحدة اليه بانه يتعارض مع تعهدات المملكة بموجب اتفاقية كوينسي والخاصة بضمان امدادات النفط الى الولايات المتحدة مقابل الحماية الامريكية لها . وهناك من يقول ان اغتيال الملك فيصل في 25 مارس/ اذارفي العام 1975على يد ابن شقيقه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز ( الذي كان آنذاك يدرس في الولايات المتحدة ) كان بتحريض من وكالة المخابرات المركزية الامريكية ، على خلفية موافقة الملك فيصل باستخدام سلاح النفط في المعركة . وبصرف النظر عن مدى صحة او عدم صحة هذا القول فأن قرار السعودية باستخدام سلاح النفط في المعركة كان فاعلا وترك اثارا اقتصادية عميقة ، كانت قد تناولته وتوقفت عنده اغلب الدراسات الاستراتيجية التي بحثت وقيمت مسيرة العلاقات الامريكية السعودية.
الحدث الثاني : تفجيرات 11 سبتمبر/ ايلول 2001 لبرجي التجارة في نيويورك عندما قام 19 خاطفا 15 منهم كانوا سعوديين واثنان خليجيين وواحد مصري وآخر لبناني، بخطف اربع طائرات امريكية استهدف اثنان منها برجي التجارة الشمالي والجنوبي والثالثة استهدفت االبنتاغون والرابعة استهدفت البيت الابيض ، الا انها تحطمت قبل ان تصل الى الهدف . سقط نتيجة لهذه الأحداث 2973 ضحية 24 مفقودا، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة. بعد ساعات من الحادث وجهت المخابرات المركزية الامريكية اصابع الاتهام الى تنظيم القاعدة وزعيمه اسامة بن لادن ، وهو سعودي من عائلة تعد من اثرى العوائل السعودية من غير الاسرة المالكة ، والذي اعترف شخصيا في اكتوبر من العام 2004 بمسؤوليته وتنظيمه عن الحادث .
خامسا-حدثان صادمان للسعودية في مسار العلاقات الامريكية السعودية
في المقابل هناك حدثان فريدان صادمان للسعودية اتخذتهما الادارة الامريكية كان من شأنهما توجيه ضربة موجعة وغير متوقعة للمكانة التقليدية التي كانت تحتلها المملكة العربية السعودية لدى صناع السياسة الامريكية منذ اتفاقية كوينسي :الاول تبناه الرئيس اوباما وهو الاتفاق النووي مع ايران . الثاني تبناه الكونغرس الامريكي ومرره رغم نقضه من قبل الرئيس اوباما وهو قانون جاستا .
الحدث الاول: في الرابع عشر من تموز عام 2015 وقعت ايران مع مجموعة الدول (5+1) وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا ، بعد مفاوضات شاقة استمرت اربع سنوات عقدت في بغداد وموسكو ثم في جنيف التي عقدت فيها عدة جولات اسفرت في النهاية عن توقيع اتفاق تاريخي متوازن بين الطرفين ، فحواه ان تلتزم بموجبه ايران باخضاع برنامجها النووي الى رقابة تامة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وبما يطمئن مجموعة الدول (5+1) تماما بعدم استخدام ايران المفاعل للاغراض العسكرية ، ويضمن التاكد من عدم تمكين ايران من صناعة القنبلة الذرية والمواد الداخلة في تصنيعها . مقابل ضمان مجموعةالدول(5+1)حق ايران الثابت باستخدام المفاعل للاغراض السلمية . وبذلك حقق الاتفاق مطالب الطرفين المعلنة وجنب المنطقة عواقب حرب عالية الخطورة يمكن ان تطال الجميع .
كل دول العالم رحبت في الاتفاق واعتبرته انتصارا حاسما لارادة السلام على ارادة الحرب في العالم الا دولتين فقط ، هما اسرائل والسعودية . كلاهما كان يأمل ان تمارس الولايات المتحدة واوربا ذات السيناريو الذي استخدمته مع اسلحة الدمار الشامل في العراق . وبذلت الدولتان بكل ما يمتلكان من قوة لاجهاض هذا الاتفاق الا ان الارادة الدولية المؤيدة للاتفاق كانت اقوى .
الحدث الثاني :
قانون جاستا )العدالة ضد رعاة الاعمال الإرهابية ( Justice Against Sponsors Terrorism Act)وهو قانون يضيق المفهوم القانوني لمصطلح (الحصانة )عبر تعديل قانون حصانات السيادة الاجنبية وقانون مكافحة الارهاب بما يسمح لاي امريكي متضرر من تفجيرات الحادي عشر من ايلول بمقاضاة الحكومة السعودية . من جهتها الحكومة السعودية هددت بيع ما يصل إلى 750 مليار دولار في سندات الخزينة الأمريكية من الأوراق المالية وغيرها من الأصول إذا تم تمرير مشروع القانون. الا ان مشروع القانون مرر من قبل مجلس الشيوخ بلا أي معارضة في مايو 2016، وفي12 سبتمبر 2016 مرر كذلك بالإجماع من مجلس النواب. وفي 23 سبتمبر نقضه الرئيس اوباما باستخدامه حق الفيتو الذي يتمتع به رئيس الولايات المتحدة الامريكية . وفي 28 سبتمبر ابطل مجلس الشيوخ فيتو الرئيس في سابقة تاريخية . متن القانون لا يذكر المملكة العربية السعودية بالاسم ، إلا أنه سيسمح ضمنيًا بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل ضحايا 11 سبتمبر وأسرهم .
.هذا التغيير في السياسة الامريكية في المنطقة عبر عنه الرئيس اوباما في مارس/ اذار من العام الجاري لصحيفة (The Atlantic )نقلته شبكةCNN الاخبارية الامريكية. ثم اكد مضمونه الرئيس اوباما خلال حضوره اجتماع القمة الخليجية في السعودية في ابريل نيسان الماضي حين وصف (المنافسة بين إيران والسعودية بانها أدت لحروب بالوكالة والفوضى من سوريا إلى العراق واليمن .وأن على السنة والشيعة التوصل إلى طريقة فعالة للتعايش وحسن الجوار وتأسيس نوع من السلام البارد)


الاستنتاجات
1- ان التطور السريع الذي تشهده تكنولوجيا استخراج النفط الصخري الامريكي الذي يبلغ إجمالي احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية منه أكثر من تريليون برميل بما يساوي أربعة أضعاف احتياطي المملكة العربية السعودية من البترول العادي والذي يبلغ 268 مليار برميل، ويساوي احتياطي البترول الموجود في جميع الدول الأعضاء بمنظمة أوبك للدول المصدرة للنفط. ادى الى تقليص كلف الانتاج والوقت اللازم لحفر البئر الى النصف ، وبالتالي شجع على الاستثمار في مجال النفط الصخري حيث بلغ انتاج النفط الصخري الامريكي 9.6مليون يرميل يوميا في شهر حزيران عام 2015 اي اقل من انتاج السعودية بمليون برميل فقط ويتوقع ان تكون الولايات المتحدة الامريكية المنتج الاول للنفط في العام 2020 ، مما ساهم في زيادة المعروض النفطي في اسواق النفط وبالتالي تراجع اسعاره . مما ادى بالمقابل الى تراجع اهمية امدادات النفط السعودي للولايات المتحدة هذه الامدادات التي كانت السبب الذي دفع ايزنهاور لعقد اتفاقية كوينسي في العام 1945 لا بل اصبحت عبئا على الولايات المتحدة التي ستتحول في العام 2020 الى بلد منتج للنفط (ستنافسه السعودية في سوق النفط) بعد ان كانت مستوردة له . وبالتالي تراجع الاهمية الاقتصادية للسعودية في التأثير على الاستراتيجية الخارجية الامريكية في المنطقة تدريجيا .

2- تولد قناعة لدى صناع السياسة الامريكية - الحكومة والكونغرس - بحزبيهما مفاده ان المذهب السلفي الوهابي الذي يهيمن على السلطة الدينية في السعودية ، يمثل البيئة الحاضنة التي خرجت من رحمها كل التيارات السلفية الجهادية التكفيرية بدءا من تنظيم القاعدة ( الذي شكلته ودعمته الولايات المتحدة الامريكية لقتال القوات السوفييتية التي كانت تحتل افغانستان في ثمانينيات القرن الماضي ) وجبهة النصرة وداعش ، التي تشكل اليوم اكبر خطر عالمي يهدد المنطقة ودول العالم باسرها . وان كل الفتاوى الجهادية التي تصدر من هذه التنظيمات الارهابية تجد اساسها الفكري في المذهب السلفي الوهابي القابض على السلطة الدينية، وفي المناهج الدراسية والخطب الدينية في السعودية . وان السعودية لم تتخذ ما يكفي من الخطوات لتفكيك هذه البيئة الفكرية الحاضنة.
3- ان تمرير قانون جاستا في الكونغرس الامريكي بحزبيه بما يشبه الاجماع يعني بالحد الادنى ان تغييرا حاسما قد طرأ على السياسة الامريكية تجاه السعودية وهذا التغيير ما هو الا واحدا من الاثار السياسية التي ترتبت على تفجيرات 11 سبتمبر وعلى الاتفاق النووي وتراجع الاهمية النفطية التي كانت تتمتع بها السعودية في اسواق النفط العالمية وعدم اتخاذ السعودية الخطوات اللازمة لتفكيك البيئة الفكرية الحاضنة للتنظيمات الارهابية .

4- ان انحسار التاثير المصري بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وغياب الدور العراقي ولا سيما بعد الاجتياح العراقي للكويت قد ساهم في تعزيز الدور السعودي في المنطقة الى حد بعيد .
5- ان السعودية وقعت في سوء تقدير هائل في تعاملها مع العراق وسوريا واليمن ولبنان وكان جدير بها ان تدرك ان اضعاف هذه الدول او زعزعة الاستقرار فيها لايقوي السعودية ولا يضعف الدور الايراني في المنطقة لا بل يقويه ، لان هذه البلدان شاءت السعودية ام ابت او انكرت ام اقرت ، فهذه الدول هي السياج المنيع الحامي للسعودية نفسها واذا انهار لا سامح الله هذا السياج فان داعش ستكون في البلاط الملكي السعودي خلال ساعات معدودة . ولو اخذنا العراق مثالا سنجد ان العراق قد حرص على المحافظة على العلاقات مع السعودية منذ 2003 الى اليوم مع كل ما صدر منها من مواقف سلبية تجاه العراق. كما ان سياسة استعداء حزب الله اللبناني وهو القوة العربية الوحيدة التي استطاعت ان تحطم اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لايقهر وتمكنت من تحقيق نوع من التوازن مع اسرائيل فان استعداء السعودية لهذا الحزب ليس في مصلحة السعودية وليس في مصلحة الامن القومي العربي فاذا كان للعرب والمسلمين في العصر الحديث شيء يفخرون به فهو انجازات حزب الله .
6- ليس من مصلحة السعودية تحويل الصراع العربي الاسرائيلي الى صراع سني شيعي فاذا كان الصراع العربي الاسرائيلي على الاقل يوحد الدول العربية والاسلامية ويمكن ان يؤدي الى الضغط على اسرائيل لايجاد حل للقضية الفلسطينية ، فان الصراع السني الشيعي سيعصف بالمنطقة ويدخلها الى جحيم ازلي لن تخرج منه الا بكوارث لا رابح فيها سوى اسرائيل وسوف تحترق القضية الفلسطينية في اتون هذا الصراع لابل ربما سيشجع هذا الصراع اسرائيل لالتهام اراض فلسطينية وعربية اضافية . . وعليه فمن مصلحة ايران والسعودية قيام حالة من التعاون بينهما لتهدئة ثم تسوية صراعات المنطقة من خلال وضع حلول يربح فيها الجميع . وهذا الامر ليس مستحيل في عالم السياسة ولا في عالم المصالح لان من مصلحة المنطقة هو الاستقرار. وليس الصراع فالاستقرار يولد التنمية والرخاء في دول المنطقة اما الصراع فيقوضها .

7- ان تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بصدد الحماية الامريكية للسعودية ودول الخليج لا تنصرف الى اصل الحماية ، فهي مستمرة الا انها لن تكون مجانية . وانما ستكون مقابل ثمن تدفعه السعودية للولايات المتحدة التي سبق لها ان دفعت كلف باهضة جدا تقدر بترليونات الدولارات تحملها دافع الضريبة الامريكي، حيث كانت هذه الكلف احد اهم اسباب الازمة الاقتصادية التي ضربت امريكا عام 2008 كنفقات حروب عديدة قامت بها الولايات المتحدة في المنطقة ضد العراق لصالح السعودية والكويت ولتي قدرها الرئيس ترامب ب 6 تريليون دولار ، لا بل كانت هذه الاموال والحروب احد اهم الاسباب لنمو التطرف الاسلامي الذي انتج اكبر خطر على البشرية المتمثل بتنظيم القاعدة ومن ثم داعش .


التوصيات

1-يقتضي من السعودية ان تراجع سياستها العربية وخاصة مع اليمن وسوريا والعراق وتقدم لها كل اشكال الدعم والاسناد . فهذه الدول هي التي تشكل الجدار الذي يحمي السعودية من خطر داعش ، ولولا صمود هذه الدول بوجه داعش لاعلن ابو بكر البغدادي مكة المكرمة عاصمة لدولة الخلافة الاسلامية منذ عام 2015 على الاقل .لذا فيقتضي من السعودية ان توقف عدوانها على اليمن وتستبدله بحل سياسي يرضي كل الاطراف وهذا الحل لايمكن ان يبدا الا بوقف العدوان العسكري على اليمن. كما على السعودية ان توقف دعمها لقوى التطرف في سوريا وتستبدله بدعم جهود التسوية السياسية بين الاطراف السورية .وتوقف سياساتها ضد حزب الله فهو ذراع عربي اسلامي ضارب ومجرب وهو الذي اسقط اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر . وهذا الذراع هو الذي يحمي الجميع من خطر اسرائيل بما فيهم السعودية ودول الخليج ..
2-يقنضي من السعودية وايران ان يتوصلا الى تفاهم مشترك حول اهم الملفات الخلافية بينهما وتخميد بؤر الصراع بما يحقق مصالح الطرفين وليس مصلحة طرف على حساب طرف اخر . كما ان زيارة السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودية لبغداد يمكن ان تكون خطوة جيدة باتجاه تطوير العلاقة العراقية السعودية وتخفيف حدة الصراعات الاقليمية في المنطقة. لاسيما ان العراق يمكن ان يلعب دورا مهما في تهدئة العلاقات بين السعودية وايران بحكم علاقته المتوازنة مع الطرفين من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة اخرى .وعليه فان المطلوب من ايران والسعودية التعاون معا لاتخاذ كل ما من شأنه ان يلجم الصراع السني الشيعي في المنطقة لتجنب آثاره المدمرة على البلدين في المنطقة.
3-يقتضي من السعودية ان تدرك بان مسؤولية العراق وسوريا ومصر وليبيا وكل دول العالم الكبرى والصغرى هو الحاق الهزيمة العسكرية بتنظيم داعش .ولكن مسؤولية تفكيك البيئة الفكرية (السلفية التكفيرية) الحاضنة للتنظيمات الارهابية في المنطقة والعالم هي مسؤولية السعودية بالدرجة الاولى وتاتي بعد ذلك مسؤولية الدول الاخرى . واذا لم تنجح السعودية في تفكيك هذه البيئة باعتبارها حائزة لاهم ادوات التفكيك اللازمة لهذه البيئة ، فانه لايمكن ايقاف خطر الارهاب بما فيه خطره على السعودية نفسها وسيبقى هذا الخطر قائما وان كان نائما ما لم يتم تجفيف بيئته الفكرية في السعودية .
4 ان تبادر السعودية ودول اخرى كايران وتركيا في الدعوة الى تشكيل سوق شرق اوسطية على غرار السوق الاوربية المشتركة في المنطقة تنخرط فيها دول المنطقة . ومن شأن قيام هذه السوق ان تحفز جميع الدول على التعاون لاحلال السلام والوئام بين دول المنطقة وبالتالي ستشجع هذه السوق كل الدول على ان تهجر سياسات التصعيد للازمات لتتبنى سياسة تخميد الازمات .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن