43 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 7/7

ضياء الشكرجي
dia.al-shakarchi@gmx.info

2017 / 2 / 22

43
هذه هي الحلقة الثالثة والأربعون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة»، حيث خصصت سبع حلقات بدلا من ثمان، كما كان مقررا في البداية، هذه الأخيرة منها، لنشر مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم، عام 2013، لكن ليس كمناقشة، وإنما كموضوع مستقل، وهي تناقش أفكار المناظر المسلم آنذاك كنموذج لهذا النوع من المحاججة عند المسلمين، دون التعميم، آملا أنها لم تكن مملة.
في تلك المناظرة بين الربوبي، أي الإلهي اللاديني الذ هو شاب في مقتبل شبابه، تعرفت عليه لاحقا، رأيته مؤدبا خجولا رقيقا نهم القراءة الفلسفية، ترك تجربة سلفية وراءه، والديني المسلم المدافع عن الإسلام، كان قد وجه المحاور اللاديني الشاب مجموعة أسئلة إلى محاوره المسلم، لم يكن قد أجاب إليها، لذا رأيت أثناء مناقشتي لمناظرتيهما أن أقوم بالإجابة على بعضها وفق لاهوت التنزيه. لكن سأتناولها ليس بصيغة سؤال وجواب، بل كموضوعات، تصب في نقد طروحات الدين، حسب الموضوعات التي أثارها الشاب الربوبي.
1- إن الله لا يحتاج إلى تلك المخلوقات المسماة بالملائكة، لأن الله غني غير فقير، لكن لا يجب أن يكون خلق الملائكة، إذا ما افترضنا وجودهم، من موقع حاجة خالقهم إليهم، بل يمكن أن يكون لحكمة ما نجهلها، وهكذا بالنسبة لخلق الجن. فمثل هذه المخلوقات، بقطع النظر عن التوصيف التفصيلي لهم في الأديان؛ دعونا نساير الأديان على نحو الافتراض، ونقول إن وجودهم هو من الممكنات العقلية، أي لا هو ممتنع عقلي، ولا واجب عقلي. ولكن بما أنه لم يخبرنا أحد عنهم غير الأديان، وبما أن الأديان غير إلهية المصدر، وبالتالي غير موثوقة الخبر، وبما أن الأديان أخبرتنا عن الكثير من اللامعقول، بل من الممتنع عقليا أو علميا، تبقى دعوى وجود مخلوقات من هذا القبيل أمرا لا نملك ما يثبت صدقه، ولا نفيه، إلا بمقدار نفي الجهة القائلة به، ولذا يكون النفي عندنا أرجح بكثير من الإثبات.
2- إن الله لا يحتاج إلى العبادة، فهو غني عن العباد، والدينيون يقولون أيضا بأنه غير محتاج لها، لكنهم يجعلونها سببا للنجاة والنعيم الأبدي، وتركها سببا للخسران الأخروي المؤبد والعذاب اللامنتهي، لاسيما حسب شريعتي موسى ومحمد، اللتين توجبان حزمة من العبادات الواجبة. مع هذا أقول إن ممارسة بعض العبادات قد يكون مفيدا للعابد، لا للمعبود، إذا استحضر فلسفتها، وانعكس ذلك الاستحضار على سلوكه في الحياة، مع ملاحظاتي على العبادات المفروضة من الدين، ولي بحث تفصيلي في ذلك ضمن بحوث كتابي الرابع من مجموعة «كتب لاهوت التنزيه»، ألا هو «الدين أمام إشكالات العقل»، حيث أعدد أسباب اعتباري إن العبادات الواجبة في الإسلام تحتوي على الكثير من عديم الجدوى، بل مما فيه من الأضرار على أكثر من صعيد. ولو إن لي شخصيا مع هذا صلاتي التنزيهية الخاصة بي، التي أستمتع بها، وأؤديها مرة واحدة في اليوم لوحدي، ولم أطلب من أحد قط أن يقتدي بي فيها، فهي شأن شخصي محض يخصني في علاقتي مع ربي التي أصوغها بنفسي، مستغنيا عن رسول مرسل وكتاب منزل وحكم شرعي مستنبط من فقيه، مع إن أهم ما في صلاتي هذه أنها ليست واجبة، بل طوعية، مؤكدة لتنزيه الله عما نسبت إليه الأديان، ومركزة على البعدين العقلاني والإنساني، وليس فيها مبالغة في طولها أو في عددها.
3- إن الله الذي أؤمن به ليس من النوع الذي يغضب ويفرح ويتغير مزاجه، ويتصف بالروح الانتقامية، كما يمكن أن يفهم من الكثير من النصوص الدينية، كما إن هناك الكثير من الأوصاف لا تليق به تألقت آيات جماله، كالمتكبر، والمنتقم، بل حتى و(القاتل) و(الرامي) بحكم النص القرآني «فَلَم تَقتُلوهُم وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُم، وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ، وَلكِنَّ اللهَ رَمى»، مما يصرح به الدين، أو ما يستوحى منه. مع هذا يمكن أن نغض النظر عن هذه التعبيرات، إذ يمكن أن تكون مقصودة بالمعنى المجازي لتقريب المعنى، لولا وجود الكثير من النصوص مما يخدش من عدل الله ورحمته وحكمته.
4- إن الأزلية من شروط واجب الوجود، لأنه لو كان حادثا لاحتاج إلى علة لوجوده، وهذا يجعله محتاجا ومعلولا وممكنا، وممكن الوجود لا يمكن أن يكون واجب الوجود، فالممكن يتساوى فيه إمكان الوجود وإمكان العدم، بينما واجب الوجود لا يمكن إلا أن يكون موجودا، وفي نفس الوقت يأخذنا ذلك إلى التسلسل اللانهائي للعلل، وهذا محال عقلا، إذ لما كان شيء موجودا قط. وهو لا يتشابه في ذلك مع الملائكة المفترضين، ولا مع البشر، ولذا لا يمكن اتصاف بعض مخلوقاته بالأزلية، رغم أنه يمكن القول إن فعل الخلق أزلي، لأن القدرة أزلية، ومنها القدرة على الخلق، فالخالقية بالتالي أزلية، ولا معنى لوجود القدرة مع انعدام الفعل المقدور عليه. مع ملاحظة أن الكلام هنا عن الأزلية أي اللابداية واللاحدوث، والأزلية غير الأبدية، لأن الأبدية هي اللانهاية، يعني الامتداد الزمني اللامحدود في المستقبل، والأزلية هي الامتداد الزمني اللامحدود في الماضي. من هنا يمكن أن يقال، كما أشرت، إن الله كونه أزليا، فكل صفاته أزلية، أي صفة الخالقية تخضع أيضا للأزلية، وإذا قصدنا أن الخالقية هي فقط القدرة على الخلق، وكان هناك زمن لم يستعمل الله هذه القدرة، فهذا هراء، فهل اكتشف الله قابلياته في وقت متأخر، كما حصل معي مثلا؟ أكيد لا، إذن بما أن قدرته على الخلق أزلية، ففعله للخلق لا بد أن يكون أيضا أزليا. وهذه بعض إشكالات اللاإلهيين، وهم محقّون في إثارتها، لأننا يمكن أن نواصل البحث عن إجابات، ولكن كل إجابة تفتح بابا لسؤال جديد. أنا شخصيا أقر بعجزي عن إعطاء إجابات نهائية، لكن مع هذا عندي أدلة وجود الله تفوق أدلة عدم وجوده بأضعاف لا أريد أن ألزم نفسي بذكر رقم لها، قد تكون عشرات المرات، مئاتها، آلافها، لا أدري. ولا يتأتى للإنسان أن يجيب على كل الأسئلة، مهما تفكر وتدبر وتعمق وتألق في فكره.
إن دعوى خلق الله لإبليس، وبالتالي تحميل البشر غلطة مخلوق غريب كإبليس، وبالتالي دخول الأكثرية الساحقة من البشرية نار جهنم بسبب إبليس هذا، لشيء لامعقوليته تفوق افتراض تحققه مئات المرات. مع هذا دعونا نقول إن خلق إبليس أيضا من الممكنات العقلية، لكن لامعقوليتها وخرافيتها أرجح بكثير، لاسيما أن مصدر الإخبار عنها غير موثوق، ثم ما الذي ينفعنا الإيمان بوجود هذا الكائن أو عدم وجوده، وما الفائدة يا ترى من تصديع رؤوسنا في البحث عما إذا كان من الجن من البداية، أو كان من الملائكة، ثم استحال جنّا بعدما عصى أمر الله له بالسجود لآدم، وبعدما أغوى آدم وزوجته حواء، ليخرهما من الجنة حسدا منه. وفي كل الأحوال بقيت أدبيات الدين من قرآن وحديث وأدعية تراوح بين تحميل مسؤولية نوازع الشر إبليس أو الشيطان أو أحيانا الشياطين، ويضاف إلى شياطين الجن شياطين الإنس أحيانا، بمعنى حقيقي أو على الأرجح مجازي للشيطان والتشيطن هنا، وأحيانا تُحمَّل النفس الأمّارة بالسوء مسؤولية نوازع الشر هذه، ويستعاذ من شرور الأنفس في بعض الأدعية، ويحث النبي على مجاهدة النفس، وسمّاه بالجهاد الأكبر، وهو معنى جميل على أي حال، ولم يقل مجاهدة الشيطان. المهم موضوعة الشيطان لا معنى لها، ولا أثر عمليا لها في حياتنا، سواء وجد أو لم يوجد.
5- من غرائب مقولات الدين كون الله يجلس على عرش تحمله الملائكة، وهكذا نجد في قصة المعراج أن الله يسكن في السماء السابعة. فالإسلام وقع في تناقض، فمن جهة ينفي الزمان والمكان عن الله، ويؤكد على أن ليس كمثله شيء، ومن جهة أخرى له عرش يجلس عليه، وللعرش مقاسات. لذلك ذهب العقليون من علماء الكلام إلى إعطاء هذه النصوص معنى مجازيا، فالعرش عندهم رمز للقدرة، وهناك الكثير من الرمزيات والكنايات في أدبيات الدين، لكنها بقيت غير موضحة، مما جعل المسلمين يختلفون اختلافا كبيرا، فاختلفوا ما إذا كان لله يد، فنفى العقليون ذلك، واعتبروه من قبيل الكناية، وأصر النصيون (أو النقليون) على أن له يدا، ثم رأوا أنفسهم متورطين، فحاولوا إيجاد مخرج لهم من ورطتهم هذه، بقولهم «له يد لكن بلا كيف»، وهذا لا يقتصر على الإسلام، فلعل في غيره أكثر من هذا، كما في العهد القديم، كما أتصور أن المقولة المسيحية ببُنوّة عيسى لله يمكن أنها كانت ابتداءً مقصودة بالمعنى المجازي، كتعبير عرفاني جميل، ثم تحولت إلى فكرة لاهوتية بالمعنى الحقيقي. وللإنصاف والموضوعية، نقول يمكن أن يكون أكثر ما روته كتب الحديث موضوعا، ولا علاقة له بالإسلام، لكن القرآن ليس منزها من الكثير من اللامعقول أو اللامفهوم أو حمّال الأوجه.
6- جرى الاختلاف في فهم نصوص تشير مثلا إلى أن الله سيأتي يوم القيامة كما يقول القرآن «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»، أو إنه ينزل في الثلث الأخير من الليل. شخصيا كنت أقرأها «وَجيءَ ربُّك ...»، خاصة بعدما سمعت أحد مقرئي القرآن يقرأها بأكثر من قراءة، منها "جيءَ" بدلا من "جاءَ"، أي أن نأتي نحن اللهَ، وكنت أؤوّل ذلك لا إلى معنى أن نجيئه مكانيا، بل بمعنى أن تنكشف لنا يومئذ حجب الغيب، ونقف بين يدي الله، وكأننا نراه، ولكن لعله بحاسة غير حواسنا التي نعرفها في هذه الحياة. والعرفاء يقولون بالتوحُّد مع الله، ويعبّرون بذلك عما يسمونه بوحدة الوجود، وهو كلام من الصعب عليّ شخصيا استيعابه، ولا أشعر بحاجتي لأصدّع رأسي بمحاولة فهمه، إذ أني لا أشعر بحاجتي لفهمه. وهكذا كنت أتعامل مع الحضور المكاني في الحج، حيث بيت الله وحرم الله، والحضور الزماني في رمضان، حيث شهر الله، وكذلك الوقوف بين يدي الله في الصلاة، أو التوجه إليه باستقبال بيته، فهي كلها كانت بالنسبة لي عبادات رمزية، وفيها استحضار مجازي للمكان والزمان اللذين يتعالى الله عنهما، ولكن لحاجة الإنسان المؤمن لاستحضار الغيب اللامحسوس في عالم الشهادة المحسوس شُرِّع كل ذلك، حسب تأويلي آنذاك. ولكن كم هم الذين يفهون هذه الممارسات على هذا النحو؟ لا أدري. وحتى لو وجدنا فهما مجازيا وراء كل هذه النصوص، فبلا شك هناك كثير من النصوص التي تثار عليها أسئلة واستفهامات، والتي يُشرّق ويُغرّب، ويُشمّل ويُجنّب المسلمون ومذاهبهم ومدارسهم و(علماء؟)ـهم في كمّ هائل من صور الفهم اللامتجانسة، بل المتناقضة والمكفِّر بعضها الآخر.
رأيت أن أختم بهذه الحلقة السابعة، فجعلتها سبع حلقات بدلا من ثمان، كما كنت قد قسمتها ابتداءً، لأني رأيت حذف البعض مما أدرجته، واختصار البعض الآخر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن