إعادة التوحيد - البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
internationalist1848@yahoo.co.uk

2017 / 2 / 22

البلشفية طريق الثورة

الفصل الثالث: مرحلة الردة الرجعية

إعادة التوحيد
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي
على الرغم من الزحف الوحشي للردة الرجعية، فإن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي استمر محتفظا بهياكله وكوادره الأساسية سليمة طيلة عام 1906، بل وتمكن حتى من الاحتفاظ بمنظمة مفتوحة. في مذكراته، يصف أوسيب بياتنيتسكي منظمة موسكو، حيث كان يعمل في عام 1906، والتي من الواضح أن المبدأ الانتخابي كان ما يزال معمولا به فيها في ذلك الوقت: «تم تقسيم بعض الدوائر إلى دوائر فرعية. وكانت الدوائر والدوائر الفرعية مرتبطة باجتماعات المصانع (التي صارت الآن خلايا) ومع لجان المصانع والمجالس (التي صارت الآن خلايا الشُعب). كان ممثلو لجان المصانع يستمعون لتقارير لجان المناطق ولجنة موسكو، وينتخبون لجنة المنطقة ويرسلون ممثلين للمؤتمرات المحلية حيث كان يتم انتخاب لجنة موسكو، في الفترة من 1906 إلى ما يقرب من نهاية عام 1907».[1]

في ظل الظروف السائدة آنذاك كانت أهمية العمل في المنظمات الشرعية وشبه الشرعية، من جميع الأنواع، أمرا بديهيا. شارك الحزب في جميع أنواع العمل، ليس فقط في النقابات، بل أيضا في التعاونيات وجمعيات التأمين العمالية وأيضا الأنشطة الثقافية التي مكنته من الحفاظ على علاقاته مع الجماهير. قام كل من البلاشفة والمناشفة بالاستفادة بشكل جيد من الأندية، التي شكلت واجهات لعمل الثوريين. تتذكر إيفا برويدو: «كانت أنديتنا هي أهم مراكز العمل الحزبي، وقد ركزنا فيها كل أنشطتنا الدعائية: كانت دعايتنا توزع فيها، وكان العمال يأتون إليها لسماع محاضرات عن الأحداث الجارية. وإلى هناك أيضا كان يأتي أعضاؤنا في مجلس الدوما ليقدموا لنا تقارير عن عملهم. عمليا كان كل العمل التنظيمي ممركزا حول هذه النوادي، كانت الاجتماعات الحزبية الخاصة والعامة تعقد هناك، وكان توزيع منشورات الحزب يتم من هناك، وكانت هي "عناوين" الفروع الجهوية والمحلية، وهناك كان يتم تجميع كل الأخبار المحلية، ومن هناك كان يتم إرسال المتحدثين في اجتماعات المصانع. وكانت تلك أيضا هي الأماكن حيث يمكن الالتقاء بالعمال المستنيرين لتبادل ودي للأفكار وقراءة الكتب والصحف. كانت كل الأندية تهدف قبل كل شيء إلى امتلاك مكتبات جيدة. كما أنها شجعت الفن، وكانت هناك مجموعات للموسيقى والغناء وما شابه ذلك».[2]

أثارت الثورة في أذهان العمال تعطشا كبيرا للأفكار من كل نوع، ليس فقط الأفكار السياسية بالمعنى الضيق، بل أيضا العلم والأدب والفن والثقافة بشكل عام. وتوضح برويدو ذلك قائلة: «في البداية اقتصرت الأندية على السياسة بشكل حصري، لكن سرعان ما تغير طابعها. أفسحت اجتماعات الدعاية المكان لمحاضرات ومناقشات ذات طابع عام، وأصبحت الأندية "جامعات" ماركسية. كان ممثلون من جميع لجان النادي يجتمعون لعقد محاضرات منتظمة، ولتوفير وتوزيع الكتب اللازمة وتوفير قوائم بعناوين الكتب. وسرعان ما بدأت مجموعة من العمال تطلب تنظيم دورات في المواد العلمية». وبالفعل في شتاء 1906-1907 تضمنت البرامج محاضرات عن الفيزياء والرياضيات والتكنولوجيا، إلى جانب الاقتصاد والمادية التاريخية وتاريخ الاشتراكية والحركة العمالية. «وبالإضافة إلى الأندية، كانت هناك العديد من المدارس المسائية ؛ لقد تزايدت أعداد المنخرطين فيها إلى درجة أنها أثارت انتباه الشرطة، وكثيرا ما تعرضت للإغلاق. وشملت هذه المدارس المسائية بعض الدورات للأميين والتي غالبا ما كان يحضرها عمال وعاملات كانوا يلعبون بالفعل أدوارا مؤثرة في الحركة»[3]. وقد استمرت تلك الأندية تعيش في ظل شبه شرعية غير ثابتة إلى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى.

دفعت الثورة عمال فصيلي الحزب إلى التقارب مع بعضهم البعض. وخلال النصف الثاني من عام 1905، انطلقت سيرورة مستمرة وتلقائية من التوحيد من الأسفل. ودون انتظار أية إشارة من أعلى، اندمجت منظمات الحزب البلشفية والمنشفية ببساطة مع بعضها. عبر هذا الواقع جزئيا عن ميل العمال الفطري الطبيعي نحو الوحدة، لكنه في الواقع عبر أيضا، وكما رأينا سابقا، عن أن قادة المناشفة اتجهوا إلى اليسار بفعل الضغط من طرف قواعدهم. وبحلول دجنبر 1905، اتحدت القيادتان فعليا. تشكلت آنذاك لجنة مركزية واحدة متحدة. أعلن عن تنظيم مؤتمر توحيد وصدر العدد الأول من جريدة مشتركة، أطلق عليها اسم بارتينيي إزفستيا (أخبار الحزب). كان في هيئة التحرير ثلاثة بلاشفة (لينين ولوناتشارسكي وب. أ. بازاروف)، وثلاثة مناشفة (دان ومارتوف ومارتينوف). لكن أحداث دجنبر ضربت الروح المعنوية لقادة المناشفة الذين صاروا بالفعل يتحركون للعودة إلى اليمين، مما وضع علامة استفهام كبيرة على آفاق الوحدة.

كان لينين مؤيدا للوحدة التنظيمية، لكنه لم يتخل ولو للحظة عن الصراع الأيديولوجي، وحافظ على موقف حازم بخصوص جميع مسائل التكتيكات والمنظورات الأساسية. كان ذلك من أبرز سمات تصور لينين: أقصى ما يمكن من المرونة بشأن جميع المسائل التنظيمية والتكتيكية، إلى جانب أشد الحزم بخصوص جميع المسائل المبدئية والنظرية. لكن علينا أن نحرص على ألا ننظر في تاريخ مساعي البلاشفة وأفكارهم بناء على معرفتنا للأحداث اللاحقة. لسنوات عديدة، قدمت الروايات التاريخية السوفيتية الرسمية دور لينين وكأنه قائد يرى كل شيء ويعرف كل شيء ويتوقع كل شيء مسبقا، وقاد الحزب بيد ثابتة نحو النصر النهائي الأكيد. بهذا النوع من السير لا يمكن تحقيق أي معرفة بلينين الحقيقي. يبقى كل تاريخ البلشفية محاطا بالسرية والغموض، مثله مثل قصة خرافية أو أسطورة دينية. لكنه لم يكن كذلك. في الواقع لم يكن لينين يملك فكرة واضحة تماما عن أين هو ذاهب في ذلك الوقت، وكان ما يزال غير متأكد بخصوص الكيفية التي كانت ستسير بها الأمور. لقد كان، بطبيعة الحال، واضحا جدا بخصوص الحاجة إلى الموقف الحازم تجاه الأفكار الأساسية والمبادئ الثورية للماركسية، وأيضا بخصوص الحاجة إلى الحفاظ على البلاشفة باعتبارهم الجناح الثوري الحازم داخل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. لكن دعمه لإعادة التوحيد لم يكن موقفا صوريا ولا مناورة. كان المناشفة قد انتقلوا، بفعل الثورة، نحو اليسار، ولم يكن واضحا على الإطلاق كيف من شأن هذا أن يتطور في النهاية. لم يكن قد اتضح للينين بعد أنه من الضروري إجراء قطيعة تامة، ولم يصل إلى هذا الاستنتاج إلا عام 1912. هذا هو الواقع ومن غير الصحيح تماما تقديم الصورة بأي طريقة أخرى.

رغم أن الحزب كان موحدا رسميا، فإنه كان منذ البداية منقسما إلى تيارين متعارضين: الجناح الثوري والجناح الانتهازي. الإصلاح أم الثورة، التعاون الطبقي أم السياسة البروليتارية المستقلة: كانت هذه الأسئلة الأساسية التي فصلت البلشفية عن المنشفية. ظهرت تلك الاختلافات الأساسية فورا في الموقف من مجلس الدوما والأحزاب البرجوازية. تبنى المناشفة موقف الاستسلام للبرجوازية الليبرالية والتي كانت قد انتقلت في الواقع إلى الملكية الدستورية وأخضعت نفسها للحكم المطلق. لمدة شهرين دارت مناقشة ساخنة حول قرارات مختلفة. دعمت المراكز العمالية الرئيسية الموقف البلشفي. لكنه كان حزبا مختلفا جدا عما كان عليه في الماضي. حتى المناقشات التي تمت خلال المؤتمر الثالث، قبل سنة واحدة، صارت تبدو الآن مثل تاريخ قديم. كان يبدو كما لو أن مرحلة تاريخية كاملة قد تكثفت في 12 شهرا. لم يعد يمكن الحفاظ على هياكل وعقلية الحلقات الصغرى القديمة. وقد أزيح أعضاء اللجان جانبا بشكل متزايد من طرف عمال وشباب جدد. حشدت الثورة الملايين حول راية الاشتراكية الديمقراطية. وصار من المستحيل وغير المرغوب فيه الحفاظ على النظام القديم، حيث كان يتم انتخاب المندوبين من قبل مجموعة ضيقة من الثوريين المحترفين ("اللجان"). صار يتوجب الآن تنظيم الحزب على أساس أوسع بكثير، وعلى أساس مبادئ ديمقراطية صارمة. يتضح الحجم الذي وصله الحزب آنذاك من خلال نسبة المندوبين المشاركين في المؤتمر الرابع: مندوب واحد عن كل 300 عضو.

عقد المؤتمر الرابع "التوحيدي" خلال الفترة ما بين 10 و25 أبريل 1906 بستوكهولم، حيث استضافهم الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي. الشروط العامة المتميزة بمد الردة الرجعية تسببت بلا شك في تشوه تمثيل التيارات المختلفة. بعض الفروع البلشفية لم تتمكن من إرسال مندوبين بسبب الصعوبات المالية، كما خلق القمع صعوبات أخرى. المناطق التي يسيطر عليها المناشفة، التي كانت مراكز صناعية صغيرة وبلدات صغيرة، لم تتضرر بشكل كبير عموما من ضربات الردة الرجعية، على عكس ما حدث للبلاشفة. الاعتقالات والسجن والتعطيل العام لفروع الحزب أدى إلى أن البلاشفة كانوا ممثلين تمثيلا ناقصا في المؤتمر الرابع، الذي سيطر عليه المناشفة. كان هناك ما مجموعه 112 مندوبا بحق كامل في التصويت و 22 مندوبا بصوت استشاري، يمثلون 62 منظمة. كما حضر أيضا ممثلو المنظمات الاشتراكية الديمقراطية الوطنية (بولندا وليتوانيا ولاتفيا وفنلندا وأوكرانيا والبوند وأيضا الحزب الاشتراكي الديمقراطي البلغاري). كان البلاشفة 46، والمناشفة 62. وبالإضافة إلى ذلك كان هناك عدد قليل من التوفيقيين. أما تروتسكي فقد كان في السجن. بين صفوف الوفد البلشفي كان هناك لينين وكراسين وغوسيف ولوناتشارسكي وشوميان وبوبنوف وكروبسكايا وليادوف وأ. إ. ريكوف وأ. ب. سميرنوف وفرونز ودزيرجينسكي وشاب جورجي مجهول باسم مستعار، كوبا، والذي صار يعرف، في التاريخ فيما بعد، باسم ستالين.

كانت القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش في مؤتمر ستوكهولم هي: البرنامج الزراعي، والوضع الراهن ومهام البروليتاريا، والموقف من مجلس الدوما، والانتفاضة المسلحة، وحركة الأنصار (The partisan movement)، والنقابات العمالية، وطبيعة المنظمات الاشتراكية الديمقراطية، وقوانين الحزب. ولم يضيع المناشفة وقتا لانتهاز فرصة أغلبيتهم العددية. أشار لينين في تقرير عن المؤتمر، كتبه في ماي 1906، إلى أن: «الانتخابات في المؤتمر أخذت بضع دقائق فقط. عمليا كان كل شيء قد رتب قبل الجلسات العامة. تولى المناشفة جميع المقاعد الخمسة في هيئة تحرير الجريدة. أما فيما يتعلق باللجنة المركزية، فقد اتفقنا على انتخاب ثلاثة أشخاص إليها، أما السبعة الآخرون فكانوا مناشفة. وحده المستقبل من سيوضح لنا ماذا سيكون موقف هؤلاء الثلاثة، الذين هم بمثابة مشرفين وحراس على حقوق المعارضة».[4]

هوامش:

[1] O. Piatnitsky, op. cit., pp. 101-2.
[2] Eva Broido, Memoirs of a Revolutionary, p. 133.
[3] Eva Broido, op. cit., p. 133.
[4] LCW, Report on the Unity Congress of the RSDLP, vol. 10, p. 375.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن