الشمس قد تشرق .. من تونس!! ....( 7والأخير).... عصر أنوار مغاربي عربي جديد!!

خلف الناصر
kh_anaseeratamyme@yahoo.com

2017 / 2 / 21

وإذا كان هذا العالم صناعة [ نيلية رافدينية] كما يعتقد " بيير روسيي".. فلابد إذن من أن يكون ((لهذا العالم (الرافديني النيلي) الواسع مركز وأطراف.. مركزه يتشكل [من الماء إلى الماء] أي من المحيط الأطلسي وبحر الظلمات، إلى الخليج العربي وبحر العرب ومحيط الهنود، بينما يشكل باقي العالم أطرافه المتناثرة!.
هذه هي الحقيقة التاريخية، حتى وإن اختلت هذه المعادلة التاريخية الآن وفي بعض مراحل التاريخ المختلفة، وتغيرت أقطابها بالضد من طبيعة نشأتها وتكوينها البنيوي بنسبة %180 درجة.. وكما هي مختلة بشدة الآن!.
ولهذا المركز (النيلي الرافديني) الممتد من الماء إلى الماء (نواة صلبة) تتكون من أقطاره (النيلية الرافدينية) الأصلية في "المشرق العربي" وهي [مصر والعراق وبلاد الشام] التي شكلت نواة هذا العالم.. وَطِيِنَتَهُ التي صنعت حضارة البشر!.))

وأن هذه (النواة الصلبة) ـ أي مصر والعراق وبلاد الشام ـ تمر الآن في حالة انكسار ودمار، أو هي على وشك الدمار.. وآن الأوان الآن، للمغرب العربي أن يلعب دوره التاريخي المعتاد الذي كان يلعبه دائماً، عندما يحدث فراغ أو تراجع في المشرق العربي، يؤدي إلى تعطل دوره التاريخي!.
والمغرب العربي ـ كما تقول معادلات هذا المركز وجدلياته التاريخية ـ كان دائماً هو الذي يملأ الفراغ الحاصل، كلما تراجع المشرق العربي عن أداء التاريخي المعتاد في هذا المركز والعالم..وهو الذي سيملأ الفراغ الحالي حتماً، الذي سيتركه دمار أو تراجع المشرق العربي أو توقفه عن لعب دوره الريادي والقيادي المعتاد، في محيطه العربي والإسلامي وحتى العالمي!.

وملأ الفراغ هذا بين المشرق والمغرب العربي، كان (معادلة تاريخية) أخرى حكمت وتحكمت بالعلاقات بين الطرفيين..وما كانت الدول العديدة التي قامت في المغرب الكبير، إلا تعبير عن (ملأ فراغ) نتج عن تراجع أو تخلي أو ضعف للمشرق العربي ودوره القيادي الشامل في بعض مراحله!.
وبهذا المعنى يمكن أن نفهم قيام عدة دول مغاربية في فترات متعددة زمن الدولة العباسية: كالدولة الإدريسية (985-788م) في المغرب، والدولة الأغلبية فى تونس (909-800 م) ثم قيام الدولة الفاطمية على أنقاضها عام (909 م) في مدينة المهدية في تونس، ثم دولة المرابطين (1147-1056) وبعدها دولة الموحدين (1130م) وقبل هئولاء جميعاً كانت الدولة الأموية التي استقلت بالأندلس!.
إذن هذا الدور هو دور تاريخي قديم، وليس غريباً وليس جديداً على المغرب العربي!.
***
والمغرب العربي مؤهل للعب هذا الدور الكبير لعدة مميزات ومؤهلات موضوعية تتوفر فيه!. ولتونس بالذات دور قيادي (تنويري) كبير، وسط هذا الدور ألمغاربي الكبير!.)):
 وأول هذه المميزات: أن المغرب العربي صاحب تجربة تاريخية طويلة في التعامل مع أوربا، وهو أقدر ثقافياً وفنيا من المشرق العربي في التعامل معه على جميع المستويات!.
 وثانيهما: إن المغرب العربي يمتلك قاعدة ثقافية واجتماعية، أكثر انفتاحاً من المشرق العربي، تمكنه من هضم واستيعاب وتمثل القيم العصرية الحديثة للحضارة الغربية ومنجزاتها، بكل مستوياتها العلمية والتكنولوجية !.
 وثالثهما: إن للمغرب العربي مجموعة من رواد ورموز الثقافة والتجديد، من ذوي التفكير الجذري المشبع بنكهة مشرقية مغربية، وبروح وأساليب البحث والاستنباط العصرية: أمثال محمد عابد الجابري والمهدي المنجرة ومحمد أركون، ومن سبقهم كمالك بن نبي وغيرهم كثيرون أحياءٌ وراحلين!.
 ورابعهما: إن المغرب العربي يكاد أن يكون متجانساً وخالياً من فوضى هذه الفسيفساء الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية، التي يعج بها مشرقنا العربي، والتي تكاد أن تمزقه الآن إرباً أرباً.. فهو على العكس من هذا، متكون من دين واحد ومذهب واحد تقريباً، ومن قوميتين اثنتين فقط.. هما العربية وأمازيغية في معظمها مستعربة!.
 وخامسهما: يقع المغرب العربي جغرافياً بجوار أوربا المتقدمة علمياً وتكنولوجياً وحضارياً، وعلى احتكاك ثقافي واجتماعي وعملي وحضاري مباشر معها!.
وواحد من شروط النهضة لأي بلد أو شعب أو مجتمع يريد أن ينهض ويرفع عن كاهله غبار قرون التخلف، أن يكون على احتكاك وتفاعل واستعداد للتعلم من مجتمع أكثر منه تقدماً.. وهذا هو قانون حضارة ونهوض البشر الدائم!.

والأهم من كل هذا هو: أن المغرب العربي في هذه الحالة يمارس دوره الطبيعي المعتاد في قيادة الأمة، والذي مارسه عبر التاريخ مرات عديدة، عند تراجع أو نكوص أو تعطل المشرق العربي عن أداء دوره المعناد!.
***
ولتونس دور قيادي (تنويري) وسط هذا الدور المغاربي الكبير!.
فتونس بالنسبة للمغرب العربي كلبنان في المشرق العربي.. ولبنان ـ كما هو معروف ـ قد قاد ما يسمى بــ (النهضة العربية) أو (حركة الإحياء والتنوير العربي).. لكن الفرق بين تونس ولبنان هنا هي: أن النهضة التي قادها لبنان كانت نتيجة عرضية ـ وليست مقصودة لذاتها ـ لحركة تبشيرية واسعة امتدت لأكثر من قرنين سبقتها في بلاد الشام، وعلى مسرح الحروب الصليبية نفسه، الذي دارت على مسرحه وقائعها المدمرة، وكانت في حقيقتها ليست نهضة لأمة، إنما هي تمهيد لاستعمار واحتلال بلاد الشام والمشرق العربي برمته فيما بعد.. والإرساليات التبشيرية كما هو معروف عنها، كانت دائماً تمثل طلائع للاستعمار في أية أرض تطأوها أقدامها.. وقد تبين فيما بعد ـ للذين يقرأون التاريخ جيداً ـ أنها كانت (نهضة كاذبة) لم نتج سوى الاستبداد والتخلف وجميع الكوارث التي يعيشها المشرق العربي اليوم!.

أما بالنسبة لتونس، فيمكنها أن تقود (نهضة حقيقية) ـ في الإطار المغاربي والعربي ـ مبرأة من شبهة التبشير و (الإرساليات التبشيرية) والعناصر المرتبطة بها، وتكون نهضة نابعة من تجربتها الذاتية وحقيقتها القومية، ومن تراثها الحافل بمحاولات نهضوية جريئة، ومن تراث مغربها الكبير وتراث أمتها الأكبر!.
وأهم المحاولات النهضوية التجديدية في تونس تمثلت رمزياً بالآتي:
 أن تونس مثلاً قد ألغت الرق قبل الولايات المتحدة بسنوات عديدة، رغم أنها بلد شرقي والرق منشر في جميع مناطق الشرق الجغرافية تقريباً!.
 إنها قامت في (عهد البايات) وبقيادة بعضهم، بعدة محاولات تحديثية وإقامة مؤسسات تمثيلية وفصل بين السلطات واستقلال القضاء قبل قرن ونصف من الزمان.. كما أن باياتها قد أصدروا في منتصف القرن التاسع عشر عدة دساتير عصرية وتقدمية، كدستور 1857م ودستور 1861م .
 وفي تونس وضع (خير الدين باشا) أو خير الدين التونسي كما هو معروف في المشرق "مشروعاً نهضوياً" متكاملاً، وباشر بتنفيذ بعض بنوده عندما كان وزيراً أولاً في الدولة التونسية.. وهو المشروع النهضوي الوحيد المتكامل بعد مشروع (محمد علي باشا) في مصر..وهذان المشروعان لا زالا أهم مشروعين نهضويين عربيين، ولا زالت بنودهما صالحة للتطبيق!.
 إن كل تلك التشريعات والمحاولات التحديثية والنهضوية ـ رغم فشل أغلبها ـ قد ترسبت في اللاوعي لأجيال تونسية كثيرة، وأتت أكلها بعد الاستقلال على شكل تشريعات قانونية وإجراءات تنفيذية جريئة، خصوصاً في مجلات المساواة بين الجنسين، وفي إقامة مؤسسات تمثيلية ونقابات مهنية وجمعيات أهلية ومنظمات مجتمع مدني، عصرية قوية وشبه مستقلة كـ " الاتحاد التونسي للشغل " مثلاً، وما شابهه من مؤسسات!.
 إن قادة تونس بعد الاستقلال ـ رغم التحفظات الكثيرة عليهم ـ لم ينشغلوا بالإيديولوجيا كثيراً، وكانوا أناساً برغماتيين وعمليين، وكان لهم دور كبير في تحديث تونس والمجتمع التونسي في العمق، مما أدى إلى اختفاء صفة البداوة عن غالبيته، وجعله مجتمعاً عصرياً متحضراً خصبا،ً وقادراً على النهوض والتجدد وفق معطيات العصر الحديث ومتطلباته، أكثر من غيره من المجتمعات العربية الأخرى!.

والأهم أن تونس بكل هذا، استطاعت أن تكسر القيود العربية والدكتاتوريات العربية، بــ "ثورة كبرى" أطاحت بوحوش وكروش وعروش أصنام عربية كثيرة .. ولا زالت مفاعيل هذه الثورة الكبرى مستمرة دون توقف!!
ورغم أن هذه الثورات قد فشلت في أن تكون ثورات حقيقية ذات أبعاد اجتماعية نهضوية وعصرية، وتحولت ـ بفعل فاعل ـ إلى كوارث وفواجع ومجازر عربية جماعية.. لكن ـ وهذا قد يخالفنا فيه الكثيرون ـ جوهرها الأصلي الذي فجرها، يبقيها (ثورات شعوب) وذات أبعاد تاريخية، لابد أن تصحح نفسها في النهاية، وترجع إلى مساراتها الأصلية التي تسببت في تفجيرها!.
وأن كل ما نراه اليوم من فواجع وكوارث هذه الثورات العربية، هو عبارة عن (عملية قيء) اجتماعية لكل عقد وأوساخ وقاذورات الماضي، و (النفس الأخير) لقيم مجتمعات قديمة قبل موتها، لتولد من رحمها مجتمعات جديدة متخففة من أثقال ذلك الماضي، وعلى مستوى العصر الحديث ومتطلباته الجبرية!.
وهكذا كانت دائماً الثورات التاريخية الحقيقية: فعلم الثورات يقول: الثورة الفرنسية احتاجت إلى ملاين الضحايا وقرن كامل من الزمان، حتى استقرت وأعطت للعالم فرنسا الحديثة الحالية... وكذلك كانت ثورة أكتوبر الروسية العظمى والثورة الصينية، وجميع ثورات الشعوب الحقيقية..والثورات العربية تأخذ الآن نفس مسارات هذه الثورات العالمية، وهي ليست بدعاً جديداً بين ثورات العالم!!

ومع هذا، وحتى إذا كانت الثورات العربية قد فشلت في كل مكان وتحولت إلى كوارث حقيقية، فهي في تونس (موطنها الأصلي) قد نجحت، وهذا النجاح يؤهلها لأن تكوم أنموذجا لنجاح ثورات الآخرين.. كما كانت أنموذجاً للثورات الشعبية!.
وهذا بالتالي يؤهل تونس وشعبها العظيم ليكونا أنموذجاً عربياً فريداً، لديه إمكانيات فعلية لصنع (عصر أنوار عربي جديد) يشع مغاربياً وعربياً، ويصنع (نهضة عربية) حقيقية .. وليست (نهضة كاذبة) خدعنا بها لأكثر من قرن ونصف من الزمان!!
kh_anaseeratamyme@yahoo.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن