ظاهرة دونالد ترامب

حمزة الكرعاوي
aliraqy23@gmail.com

2017 / 2 / 5

السيد دونالد ترامب ، يضع العام على مفترق طرق ، وكل شعوب الارض القوية والضعيفة ، تسعى لإستعادة هويتها القومية والوطنية ، لان العولمة وما بعد الحداثة هي لحظة إشتغلت على مسح الوجوه من ملامحها ، لكي تكون صقيلة إلى حد التشابه ( حسب وصف عراقي قال هذه الجملة في منتدى سياسي على شبكة البالتوك ) ، نوع من الدغم الثقافي و المالي والسياسي في العالم الذي تقوده أمريكا اليوم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، وإنتبهت ( حكومات ) إلى أن هذا المسعى سيذهب بها إلى الكارثة ، واصبحت كل شعوب الارض ملقاة خارج حدودها ، لا بالمعنى المكاني ، بل بالمعنى الشامل للحدود التي تحد الانسان ( ثقافة وقيم وإدارة الذات الخ ) .
الاكاديمي الامريكي روبرت إسحاق في كتابه مخاطر العولمة ، يشكو من إختطاف أمريكا والعالم لصالح الشركات الكبرى ، ويطلق عليها ليلة القبض الملوث ، تلك الليلة التي تم فيها جمع تبرعات لحملة جورج بوش الابن الانتخابية ، حيث تم توقيعه على تسليم مقدرات العالم لتلك الشركات ، ويقول إسحاق : اذا كان هذا حال الناخب الامريكي يصادر صوته في ليلة واحدة ، فكيف نعطي الاخرين الديمقراطية ؟.
بعد تصريحات دونالد ترامب التي أهانت أوربا ، تجتمع أوربا لتبحث عن المشترك فيما بينها ، وهو العرق ، وإذا لم يشتغل العرق ، تراهن دول أوربا على المشترك الوطني .
أمريكا بشرت العالم ونفسها ، بأن هذا القرن هو القرن الامريكي ، وبسلوك ترامب ، تتخلى عن يافطة قيادتها للعالم في القرن الذي بشرت به ، أنه القرن الامريكي .
كل شيء تأجل في العالم بعد فوز ترامب في الانتخابات الامريكية ، الثورات مؤجلة ، الخطط الاقتصادية مؤجلة ، مشاريع أجلت ، الجميع يحبس أنفاسه ، مشاكل بينية بين الدول التي أعصابها مشدودة إتجاه مايمكن أن يحدث .
مسطرة ترامب هي مسطرة ربح وخسارة ، ليس وفق المزاج الشخصي ، وإنما هي مسطرة يمليها الواقع الامريكي عليها ، تمليها العطالة والبطالة الواسعة ، وتراجع النمو الاقتصادي ، وتراكم المديونية الامريكية بإستمرار ، وبالطبع تبدأ زيادة في خدمة المديونية الهائلة المقدرة أن تصل إلى 20 تريليون دولار ، وأمريكا تتحكم ب 40% من التجارة العالمية ، وهناك تهديد غريب من نوعه للصين ، وهو ليس تهديدا من ترامب ، بل هو تهديد الشارع الامريكي ، وأمريكا في النهاية ( بورصة ) ، تهرب منها الشركات ، وهي بالاساس مكدسة خارج الحدود للولايات المتحدة ، وحتى خارج أوربا ، وترامب يقولها بكل بساطة ، وبطريقة فاقعة ، في بداية حملته الانتخابية ، كان يتحدث عن زيادة الضرائب 40% على البضائع الصينية التي تدخل أمريكا ، وفي هذه الحالة هو يشتغل لصالح الصين ، وبعد ذلك صعد خطابه ودعى لافراغ الصين من الشركات الغربية ، وإستعادتها ، وتوزيعها بطريقة أخرى ، إفترضها بنفسه ، لكنه لم يفصح عن كيفية توزيعها في أمريكا ، والمقصود حسب رؤويته ، ورؤية الجهة التي خططت لذلك ، لانه ليس شخصا بل هو ظاهرة موجودة في امريكا .
واذا إستطاع ترامب أن يضغط بإتجاه ترحيل عدد من الشركات من الصين ( وهو يستطيع طبعا ) وأمريكا قادرة على أن تجبر الشركات على ما تريد ، فهل ستأخذ الصين الامر من باب المتفرج ، والحرب معلنة عليها ؟.
دونالد ترامب أعلن الحرب على الصين ، وهو إعلان ليس مبطنا ، إعلان مباشر وصريح من دون تأويل ، لان تراكم الدولار الامريكي عند الصين تراكم مهول ، وظن البعض من الناس ، أن الابتزاز فقط للخليج ، وتصريحه الذي وجهه للخليج ، هو نفسه الموجه الى أوربا والصين والعالم أجمع على قدم المساواة .
مشروع إبتزاز للجميع ، ولن تسلم دولة دون أخرى من الابتزاز الامريكي ، هناك تصريح موجه للاتحاد الاوربي ، هو الاكثر إهانة ، وهي بالغة ، هكذا تصريح هو إعلان أن المؤوسسة العسكرية الامريكية إن إستمرت بهذا الشكل ستتحول إلى ( بلاك ووتر ) شركة أمنية مأجورة ومرتزقة ، وهو ذهب أبعد من فكرة دونالد رامسفلد الذي روج لخصخصة المؤوسسة العسكرية لتتحول إلى شركات أمنية ، وأمريكا بشكل علني ستأخذ على عاتقها وظيفة المرتزقة ، لانها تقدم خدمات مقابل المال ، ولن يهمها من المعتدي والمعتدى عليه ، ولا يهمها أيضا أن التطور هنا أو هناك يضر بها إستراتيجيا ، أو لا يضر لانها غير معنية بهذا الامر .
هناك تغيير كلي لطبيعة علاقات الولايات المتحدة الامريكية بالعالم من جهة ، وتغيير كلي في فهم موقع أية دولة في العالم ، على سبيل المثال : تبحث أمريكا عن منطقة هشة رخوة ( دولة متعبة منهكة ) لتستعرض فيها قوتها ، لإرهاب الاخرين ، وهذا ما فعلته في أفغانستان والعراق ، تدخل عسكريا إلى دولة لاتتوفر على رد حقيقي يوازي القوة الامريكية ، وهي بالاساس تعاني من فائض بالقوة .
وفق توجه ترامب ، أن أمريكا لاتقدم شيئا بالمجاني ، ومسطرته ( ربح وخسارة ) ، من يتصور أن أمريكا يوما ما ، ستخاطب أوربا بهذا الخطاب المهين ، إذا لم تدفعوا ثمن حمايتكم سنتخلى عنكم ؟.
كأن أمريكا تتنبأ بالعدوان على الجميع ، وستهب لحمايتهم ، لم يخطر على بال أحد هكذا تصور ، نعم في السياسة الامريكية مفاجآة ، وماهي الخسائر الناجمة عن هذه السياسات في الداخل الامريكي ؟.
وهذا يعني ضمنا أن أمريكا ستفكك كل إرتباطاتها مع العالم ومؤوسساته الدولية ، ستبدأ من الامم المتحدة وما يتفرع منها ، وجون بولتن أحد الداعمين لتوجه ترامب ، حيث طالب أكثر من مرة إلى الغاء دور الامم المتحدة .
الكثير من الناس توهموا أن ترامب جاء صدفة ، هذا التوجه لترامب ليس جديدا ، سبقه تنظير ، والقصد من توصيف ترامب بالظاهرة ، حتى لايتوهم احد أنه شخص وله مزاج خاص .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن