الدين : التاريخ ، الجيوسياسة و العلاقات الدولية

مباركي سعاد
sou26-2010@hotmail.fr

2017 / 1 / 29

الدين : التاريخ ، الجيوسياسة و العلاقات الدولية
إن الباحث في ميدان العلاقات الدولية لا يمكنه أن يهمل أي متغير أو عامل من شأنه أن يقدم تفسيرا أو تحليلا للظواهر والتفاعلات في العلاقات الدولية ،و عليه بذلك إعطاء الأهمية لدراسة كل متغير و معرفة حجم الدور الذي يقوم به في التأثير على مجرى الظواهر ،و من جهة أخرى نجد إن حقل العلاقات الدولية معقد و تتداخل فيه المتغيرات و تتعقد معها التفاعلات و يصعب بذلك تحديد حقيقة الأسباب و الدوافع ، لقد ارتبط الدين بالحياة البشرية منذ الأزل و ظاهرة التدين ظاهرة قديمة تواجدت في كل الحضارات التي عرفتها البشرية ،
و من اجل معرفة دور الدين في المسار التاريخي للعلاقات الدولية و التفاعلات الجيوسياسية و استوجب طرح السؤال الإشكال التالي:
هل يمكن اعتبار الدين متغيرا مستقلا في السيرورة التاريخية للعلاقات الدولية ؟
1- من الناحية التاريخية :
أ‌- الإمبراطورية الرومانية:
يمكن أن نقول بأن للدين دور كبيرا في سياسية الإمبراطوريات سواء في التأسيس أو التوسع ، في حالة الإمبراطورية الرومانية نرى أن الديانة المسيحية لعبت دورا هاما خاصة بوصول إمبراطور متدين إلى سدة الحكم الذي ساهم في انتشار الدين في كل أنحاء الإمبراطورية و توسع نفوذها إلى غاية تبدل كل السياسات في داخل الإمبراطورية ، فيما بعد أدى الاختلاف المذهبي إلى انقسام الإمبراطورية إلى إمبراطوريتين تحت حكم كنيستين ، شرقية بروتيستنانتية ، و غربية كاثوليكية ، و تواصل الصراع بينهما إلى غاية كل من الإمبراطوريتين ، غير أنه و بالرغم من كل ماسبق لا يمكننا الجزم بان الدين و الاختلافات المذهبية كان العامل الحاسم في سقوط الإمبراطورية الرومانية بالنظر إلى حجم الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية التي كانت تعيشها عجلت بسقوطها و لم يكن بالتالي التناحر المذهبي هو الأساس
ب‌- الإمبراطورية العثمانية : لقد أدى التحالف بين الدين و السلطة إلى نشأة الدولة العثمانية لتتحول فيما بعد إلى إمبراطورية عظمى استمرت حوالي 6 قرون من الزمن ، نشأت الدولة العثمانية في بيئة متنافسة جيوسياسيا بين المماليك : العربية ،المغولية ،الفارسية لكل بيئة تفسيرات مختلفة للعقيدة و في ظل ضعف كل هذه المماليك كانت سياسة التوسع حتمية بالنسبة للعثمانيين ،
توسعت الإمبراطورية العثمانية نحو الغرب و ساعدها في ذلك قربها من أوروبا أين كان السياسة التوسعية مصبوغة بصبغة جهادية مقدسة وصلت بهذه السياسة إلى حد فينا ووصولها هذا مثل عقدة بالنسبة لأوروبا لم تتمكن من تجاوزها لحد الساعة .
كما أنها توسعت في الشرق حاملة لواء الخلافة العثمانية و اعتبرت نفسها حامية الدين و جعل الإمبراطور من نفسه خليفة للمسلمين ، بل ظل الله في الأرض ، كما وظفت الدين في الداخل العثماني من خلال الطرق الصوفية الذي ساهم في احتواء كل الرعايا ، من خلال ماسبق يظهر جليا طموح الإمبراطورية كانت تود بسط نفوذها و تعزيز قوتها و الاستفادة على كل الخيرات الموجودة على الأرض
ت‌- الحروب الدينية
لابد أن لا ننسى الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا غير فترات متفرقة نجد الحرب الصليبية التي كانت في سبيل تحرير بيت المقدس و حماية بيزنطة غير أن إهمال العامل الاقتصادي و الإطماع المادية لا يمكننا من رؤية الصورة بوضوح حول حقيقة الحروب الصليبية
ث‌- حرب الثلاثين عام : الحروب التي مزقت أوربا لمدة 30 سنة اشتعلت باسم الدين و لكن تغيرت ظروف الحرب و تغيرت معها الأسباب والأهداف و تحولت إلى صراع جيوساسي فيما بعد تحالف فيه الإخوة الأعداء ضد بعضهم البعض ،
2- من الناحية الجيوسياسية :
يقصد بجيوسياسية الدين تلك المنافسات الإقليمية التي تنشأ بين الدول على الأرض و التي تدعي فيها هذه الدول صراحة أو ضمنيا بأن هناك لا تماثل ديني ، و أن هذا اللاتماثل هو أساس التنافس الذي قد يصل إلى حد الصراع و كأقوى مثال عن ارتباط الجيوسياسة بالدين هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، و يتجلى هذا في بعدين الأول يتعلق بقيام دولة قومية لليهود على الأراضي الفلسطينية على أساس ديني ، هذا اللاتماثل أدى إلى تقسيم الجغرافيا و ادعاء كل طرف الأحقية في قيام دولته على الأرض و رسم حدوده الجغرافية و السياسية
يمكننا كذلك اعتبار الأديان السماوية الثلاثة التي خرجت من معاقلها التاريخية لا تعترف بالحدود عكس الدول التي تضبطها الحدود
3- من ناحية تفاعلات العلاقات الدولية :
من خلال تحليل المدارس الفكية الكبرى في العلاقات الدولية يمكننا معرفة المكانة التي يحتلها الدين و مدى الاتكال على المقاربة الدينية في فهم حقيقة و طبيعة تفاعلات العلاقات الدولية
• تفترض الواقعية بان المصالح هي المحرك الأساسي للدول في العلاقات الدولية حيث همشت أي دور للدين و يقول في هذا الشأن هانس مورغاتنو أب الواقعية بأن الدول لا تتحرك من اجل الاعتبارات الإيديولوجية أو القيمية ، و من هنا يمكننا أن نستشف أنه من المنظور الواقعي الصراع بين الدول هو صراع مصالح .
• من المنظور المثالي تستمد المدرسة المثالية معظم أفكارها من الأفكار الفلسفية المثالية و حتى من الديانات السماوية التي تدعو إلى كرامة الإنسان و السلم و التعاون العالمي ، و التعارف بين الشعوب و تعتبر المدرسة المثالية أن الأديان يمكنها أن تقرب بين الشعوب و الدول باعتبار أن كل الأديان هدفها واحد هو الرقي بالإنسانية و حفظ كرامة البشر و تجلت هذه الأفكار في العديد من المبادرات التي ترعاها الأمم المتحد كحوار الأديان ، حوار الحضارات ، و التقارب بين الحضارات ،
• الاتجاه البنائي : تحاول البنائية تقديم تفسيرات لسلوكيات الدول خاصة فيما يتعلق بالهوية و الثقافة حيث ترى هذه المدرسة أن الهوية تسبق المصلحة ، و أن الدول لا يمكنها تحديد مصالحها قبل أن تعرف من تكون ، و تذهب إلى حد القول بأن الدول التي تتشارك بالهوية لا يمكنها أن تتواجه عسكريا والحديث هنا عن الهوية يمكن أن يضم كل مكوناتها من ثقافة ، ديانة ،لغة .. الخ
في الأخير و من كل ما سبق يمكننا أن نلاحظ حضور الدين في ككل المراحل التاريخية و الصراعات الجيوسياسية ، غير أننا لا يمكن اعتباره عاملا مستقلا في العلاقات الدولية ، خاصة و أنه يتم توظيفه كغطاء من اجل تبرير و إضفاء الشرعية على الأهداف الحقيقة من جهة يمكن اعتبار الحربين العالميين الأولى و الثانية خير دليل على عدم ارتباط الدين بأي بظاهرة الصراع في العلاقات الدولية و ذلك بالنظر إلى أهداف الحربين و دوافع نشوبهما و كذا الآثار التي يمكن أن تخلفها حروب لا يمكن وصفها بالدينية على الاطلاق .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن