أغلقوا حساباتكم

حسن الشرع
hasan.alsharaa@gmail.com

2017 / 1 / 14

بخلاف عادته رجع إلى منزل عائلته حيث يشترك في غرفة واحدة مع أخيه الذي يصغره لبضع سنين ..هو شاب صغير ملامحه عتيقة ...كل شيء حتى الحكايات حوله لا تمت بصلة إلى الحاضر..مازال المكان يتحدى الزمان.. إبراهيم يشتم التاريخ لدرجة تجعل اللون الأصفر الذي يلف المشهد برمته يشعر بالحرج الشديد.الشمس والتراب والسماء والتبن والدواب والدجاج والطعام أكواخ القرية الفراتية .المكان بأسرة انحنى خجلا ..وبات الزمان مرفوعا متباهيا كعاهر بحضن قديس وبحضرة جن لارسا..لا يجرؤ إبراهيم أن يلعن انكيدو خشية أن يقرمطه القديس أو أن يفسقه الشيخ..ملامح إبراهيم لاتجعل الزمان مطمئنا ولا توحي باحترام للمكان.
رن هاتفه وهو يتعثر على عتبة باب غرفته البني المتهدل ..وبقدر ما تبهره هذه النغمة الجنائزية فقد استغرب من قسوة الصوت الذي يجبره على الخضوع ،ففي قريته نصرة الظالم واجبة ..انا مبلغ المحكمة اسمي مزهر...انتظرك في قهوة الحي ولك عندي بلاغ..
مازال الوقت ظهرا..ومازال صوت أبيه يعلو متهجدا يملأ أرجاء المنزل الهجين الرطب..تعلو نبرة الكلمة لتثنيه عن الخروج سبحان الله..انتظر قليلا..الصمت هو الآخر هجين ومستهجن ..
مبلغ المحكمة شاب ملتح لاتخلو خطوط وجهه الهزيل من إيحاءات مسمارية ..حضورك مطلوب أمام المحكمة بالوقت المحدد في هذا البلاغ.
ربما كنت مخطئأ ..انا إبراهيم وبسرعة أجاب مزهر:لا.انا اعرف الواجب والعنوان وقراءة الحرف كيفما كتبوه.راح يطيل النظر في الورقة. لامناص من الحضور وسابلغهم انه لا بد اني لست المعني .
هل أنت إبراهيم. .؟نعم .. انت متهم بالطعن بشرف أحد المسؤولين. ماذا؟.الشرف..هذه من أخطر التهم..لقد شكاك ممن بين أيديهم الحل والعقد بالطعن في شرفه الشخصي و المهني؟ دون تحديد.يطالبك بتعويض بمليار دولار تعويضا لما الم به من ضرر بسبب ما قلت عنه أن فلانا أشرف منه ،ذلك منشور في صفحتك المشعولة...
استمر الحوار بين القاضي وإبراهيم .. ظن الأمر سهلا لكنه أدرك أن لامناص من توكيل محام، فالكلام في الشرف لاتجاريه متعة نشر رأي في حساب تواصل وثمنه يفوق انتصارات آلهة سومر وانكيدو وإبراهيم الذي وفى ...
آخر دعابة كتبها كانت حول الحمارين وحقوقهم وابتزازهم..استوحى دعابته
من نصوص فريدريك دورينمات وانحيازه لطبيب الأسنان في محاكمة حول ظل الحمار حيث يطلب الحمار أجرا إضافيا عن جلوس الطبيب تحت ظل الحمار المستأجر في ظهيرة يوم قائظ .ابراهيم يقف في محكمة دون محام..الحمار أكثر عدلا من المسؤول..فقد طالب ببعض الدراهم وليس الف الف الف من الدنانير...
خطر هذا كله في ذهنه وهو ينظر إلى محام المسؤول لم يكن يعلم أن لحظة التنوير في ذهنه أوحت لصيرورة شرف سفلي
ضع إمضاءك هنا فقد رفعت الجلسة.
صاح المنادي..وصاح أحد الحاضرين أغلقوا حساباتكم قبل ان يشكوكم المسؤولون عند القضاة فهذيانكم يزعج الآلهة ويستنفر الحمر ..
انصت أيها المسؤول واعلم إنك أن استحوذت على دنانير إبراهيم فليس بمقدورك إحراق جسده.. أغلقوا حساباتكم أيها المسؤولون.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن