دوما بوليغين - البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
internationalist1848@yahoo.co.uk

2017 / 1 / 4

البلشفية طريق الثورة

الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

دوما بوليغين



ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

اتضح ضعف الحكم المطلق في بيان 06 غشت الذي وعد بالبرلمان: مجلس الدوما (دوما بوليغين). الليبراليون البرجوازيون استقبلوا انتهاء الحرب وإعلان الانتخابات بالكثير من الفرحة. وقال أحدهم: «لن يدخل اليابانيون الكرملين، لكن الروس سيدخلونه!»[1]. إلا أن التدقيق في تفاصيل مقترحات بوليغين سرعان ما صبت الماء البارد على ذلك التفاؤل المتسرع والساذج. لقد طرح بوليغين، الذي هو صنيعة الحكم المطلق، ما وصفه لينين بأنه "الدستور الأكثر رجعية في أوروبا". لقد أعطى الحق في التصويت لكبار مالكي الأراضي والبرجوازية والفلاحين مالكي الأراضي والطبقة الوسطى الحضرية، في حين أن العمال وفقراء القرية والنساء والجنود، أي الأغلبية الساحقة من السكان، تم إقصاؤهم. ولزيادة الطين بلة، لم يعط لمجلس الدوما سوى صلاحيات استشارية فقط! كان ذلك الدستور مجرد كذبة وخداع، وراءه كان كل شيء سيستمر كما كان من قبل.

منذ تلك اللحظة فصاعدا، احتل نقاش الموقف من الدوما مكانة مركزية في النقاشات التكتيكية بين جميع تيارات الاشتراكية الديمقراطية. تبنى البلاشفة على الفور سياسة "المقاطعة النشطة"، بينما كان موقف المناشفة غامضا. وفي القوقاز، معقل الجناح الأكثر تخلفا وانتهازية بين المناشفة، دافعوا علنا عن المشاركة. ومع ذلك فإنه بشكل عام، كان المزاج السائد بين قواعد المناشفة ضد المشاركة. اقترح البلاشفة على المناشفة والمنظمات الاشتراكية الديمقراطية من مختلف القوميات تشكيل جبهة موحدة لتنظيم حملة المقاطعة. على المستوى المحلي اشتغل العمال البلاشفة والمناشفة في انسجام تام. وقد دافع الاشتراكيون الثوريون البرجوازيون الصغار بدورهم عن المقاطعة، بل حتى الليبراليون أعضاء "اتحاد النقابات" اضطروا للوقوف موقف المعارضة، على الأقل بالكلمات.

سماح الحكومة للجامعات بنوع من التسيير الذاتي، الذي كان في حد ذاته يبدو إجراءا ثانويا، شكل نقطة تحول رئيسية. فأبواب مؤسسات التعليم العالي انفتحت فجأءة ومن خلالها تدفقت الجماهير المتعطشة للأفكار والمستعدة للمشاركة في ساحة النقاش العام. حتى تلك اللحظة كان الطلاب يخوضون إضرابات طلابية محضة ويرفضون التوجه نحو الطبقات. كان ذلك الإضراب يكاد يتوقف عندما أخذت كل الحركة اتجاها مختلفا تماما. فطوال فصل الخريف كانت الجامعات وقاعات المحاضرات بؤرا محورية لمناقشات ساخنة. وصلت تلك النقاشات التي أطلقها الطلاب للعمال الذين سرعان ما فهموا أن الجامعات وسط يمكنهم فيه أخيرا أن يجتمعوا ويناقشوا دون مضايقة من طرف الشرطة. كتب شاهد عيان قائلا: «جنبا إلى جنب مع الطلاب بزيهم الرسمي في قاعات المحاضرات، صار من الممكن رؤية أناس بملابس عادية، وحتى بوزرات العمال، بشكل متزايد باستمرار».[2]

أظهر الغليان الذي عرفته الجامعات أن البندول كان ما يزال يتجه بسرعة نحو اليسار، مع دخول فئات جديدة الى ساحة الصراع. كان ذلك هو الاعتبار الأساسي الذي حدد موقف البلاشفة من مسألة المقاطعة في هذه المرحلة، على الرغم من أنه أثناء المؤتمر الثالث أكد لينين على ضرورة أن يبقي الحزب خياراته مفتوحة بشأن هذه المسألة. لقد فهم لينين، أكثر من أي شخص آخر، الحاجة إلى المرونة القصوى في جميع المسائل التكتيكية والتنظيمية وعدم الانسياق وراء المزاجية اليسراوية المتطرفة التي لن تؤدي سوى إلى فصل العناصر المتقدمة عن بقية الطبقة.

في ذلك الوضع المحدد كانت مقاطعة دوما بوليغين موقفا صحيحا بشكل كامل. كانت الموجة الثورية ما تزال تستجمع قواها. وقد جاءت مضامين الدستور الجديد أقل من التوقعات بشكل كبير حتى أن قسما من الليبراليين وقف موقف المعارضة. لقد اصطدمت التطلعات الديمقراطية للجماهير بحائط النظام البوليسي البيروقراطي الصلب. وحدها الإطاحة الثورية بالنظام القيصري وإحداث قطيعة جذرية مع الماضي من كان في إمكانها كنس الأرض لإقامة ديمقراطية حقيقية. كانت طبيعة التحول ودور الطبقات المختلفة في الثورة موضوع نقاش محتدم داخل صفوف الحركة العمالية، وهو ما سنتطرق له لاحقا. إلا أنه كان واضحا للجميع، ما عدا الإصلاحيين العميان، أن المهمة على جدول الأعمال ليست النزعة البرلمانية بل الإضراب العام الثوري والعصيان المسلح للإطاحة بالحكم المطلق. لقد تأكد هذا المنظور بشكل كامل في المد الثوري الذي بشر به إضراب أكتوبر في سان بيترسبورغ وبلغ ذروته في انتفاضة دجنبر في موسكو.

هوامش:

[1] Pares, op. cit., p. 485.

[2] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 1, p. 73.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن