لعنة الذهب الاسود - 16

كامل علي
kamilali19@gmail.com

2016 / 12 / 25

شاركني زملائي في محل عملي فرحتي بقدوم الوليد وعبروا عن مشاركتهم بالهدايا وكانت مبادرة رئيس القسم الأستاذ هنري زفوبودا بتقديمه خلخالا من الفضة كهدية للوليد من اغرب الاحداث في ألقسم المعماري، حيث عُرف عنه إبتعاده عن مثل هذه المجاملات الإجتماعية أو هكذا كان ألإنطباع ألسائد عنه عند معظم المنتسبين.
كان الأستاذ هنري من الشخصيات الفريدة ألتي عرفتها، وبالرغم من دخوله العقد الخامس من عمره فقد ظل مضربا عن الزواج، وكان مهندسا معماريا بارعا وناقدا من الطراز الأول وتميز نقده للتصاميم المقدمة من قبلنا في كلية الهندسة عندما كان أستاذا في القسم المعماري بسخرية لاذعة محببة إضافة إلى كونه مهيب الجانب وعادلا أثناء تقييم المشاريع ومحترما من قبل جميع الطلبة والطالبات لأنّه لم يكن يحابي الطالبات مثل بعض أساتذة القسم.
خصلة واحدة من خصال الأستاذ هنري لم تعجبني اثناء ممارسة عمله في رئاسة القسم المعماري في المركز القومي للإستشارات الهندسية والمعمارية، هي إستحواذه على وضع الفكرة التصميمية لمعظم المشاريع التي كنا نكلف بتصميمها، ومن هذه النقطة بدأ الخلاف يدب بينه وبين المهندسين المعماريين الشباب المتحمسين للعطاء لأن المهندس المعماري فنان ينشد الخلق والإبداع ويعتبره وسيلة من وسائل خلود الذكر ويشعر بالغبن من حرمانه هذا الحق.
أحس المدير العام للمركز بمعاناة المهندسين المعماريين وحاول الحد من إحتكار الأستاذ هنري وكحل للإشكال قرر إجراء مسابقات معمارية لبعض المشاريع المعمارية بين المهندسين المعماريين.
في صيف من عام 1978 سافرت مع زوجتي إلى تركيا للسياحة وزيارة زوجة شقيقي أورخان وولده وبنته ألذين أستقروا في أسطنبول بعد وفاة شقيقي.
في شهر شباط من عام 1979 رزقنا بوليد ثاني سميناه يلدرم، وفي نفس السنة تلقيت دعوة لخدمة الإحتياط في الجيش لفترة تدريبية أمدها خمسة وأربعون يوما، قضيتها في في كتيبة هندسة الميدان العاشرة التي كانت مقرها في معسكر الرشيد في بغداد.
بالرغم من كون صنفي أثناء الخدمة العسكرية الإلزامية هو صنف الأشغال العسكرية والتي قضيتها في معاونية أشغال القوة الجوية في مطار مثنى العسكري ببغداد، فإن قيادة الجيش قررت تغيير صنفي مع زملائي المهندسين إلى صنف هندسة الميدان.
تلقينا أثناء فترة الإحتياط دروسا وتدريبات عملية المتعلقة بهذا الصنف كخصائص الألغام وكيفية زراعتها ورفعها وكذلك إنشاء الجسور وكيفية تفجيرها وأنشاء التحصينات الميدانية.
كانت بوادر أحداث جسام تبدو في الافق في تلك الفترة، ففي البلد المجاور أيران عصفت ثورة إسلامية بالشاه رضا بهلوي وبحكمه بقيادة آية ألله الخميني وتم إعلان ألجمهورية الإسلامية في ذلك البلد، هذا الحدث أعطى الأمل لبقية التنظيمات الإسلامية لتحقيق أهدافهم في إرجاع الحكم الإسلامي في بلادهم وتحقيق حلم الخلافة.
إيران بقيادة الخميني رفع شعار تصدير الثورة الإسلامية إلى البلدان ألتي اكثريتها من المسلمين وبالاخص إلى العراق الذي يتالف من غالبية شيعية، وبتأثير نظام الخميني تأسس في العراق حزب سري تحت تسمية حزب الدعوة وبدأوا بمعارضة حكم حزب البعث الإشتراكي.
في تلك الأثناء حصلت في بلدنا تغييرات في قيادة الحزب الحاكم، حيث أستلم نائب مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهورية صدام حسين السلطة من رئيس الجمهورية ألمهيب أحمد حسن البكر بعد عزله وأعلن رئيس الجمهرية إستقالته في حديث متلفز مبينا بأن الداعي لتقديم إستقالته هو المرض ولكن الجميع كانوا يعلمون بأنه أرغم على الإنسحاب من قبل نائبه صدام حسين.
رافقت عملية التغيير هذه تصفية لبعض العناصر البارزة في القيادة والحزب بعد إتهامهم بمحاولة قلب الحكومة وإغتيال النائب صدام حسين بالتعاون مع نظام حكم حزب البعث العربي الغشتراكي في سوريا بقيادة الرئيس حافظ اسد.

فبعد اسبوعين تقريبا من اجبار احمد حسن البكر على التنحي من مناصبه واستيلاء صدام حسين على الحكم كرئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة ، وفي ظل الحاجة الماسة لتعزيز سلطاته الجديدة والقضاء على أصوات المعارضة وازاحة خصومه ، أعلن صدام عن اكتشاف محاولة انقلابية يدبرها بعض قادة حزب البعث في العراق كان من بينهم خمسة من القيادة القطرية لحزب البعث في العراق بدعم من سوريا وألقي القبض على المدبرين وحوكموا محاكمة عسكرية انتهت بإعدام 17 من قادة وكوادر الحزب واستمرت الحملة التي أطلق عليها وقتها حملة التطهير فشملت قرابة 450 من قادة الجيش والحزب .
ففي آب 1979 أعلن صدام حسين من قاعة الخلد ببغداد عن اكتشاف مؤامرة دبرها حافظ الأسد للإطاحة بنظامه في بغداد . فتم اعدام العديد من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ومجلس قيادة الثورة ، وحكم بالسجن على مجموعة كبيرة من الوزراء والقادة السياسيين والعسكريين. مثلوا أمام محكمة الثورة التي رأسها حينذاك نعيم حداد، ومن أعضائها سعدون غيدان وتايه عبدالكريم وحسن العامري وسعدون شاكر وحكمت العزاوي . بعد ذلك تم تنفيذ مشهد أشد وقعا في قسوته عندما أمر الرئيس بان يقوم رفاق وربما كانوا أصحاب واصدقاء الامس باعدام رفاق لهم، حيث أمر الرئيس صدام بان يقوم بتنفيذ الاعدامات اعضاء من الحزب يمثلون كل محافظة من محافظات العراق، كي يكون تحذيرا للاخرين من عدم المس بكرسي القائد الاوحد.
ذكرني هذاالاسلوب في إختيار فرقة الإعدام بما ورد في التراث الإسلامي حول محاولة قريش قتل النبي محمد حينما أختاروا شابا من كل قبيلة لتنفيذ الإغتيال حتى يتفرق دم النبي بين القبائل.
من الذين اعدموا وهم أعضاء القيادة القطرية: عبدالخالق ابراهيم خليل السامرائي ومحمد فاضل وعبدالوهاب كريم وكريم الشيخلي وصلاح صالح وفليح حسن الجاسم ومحمد عايش حمد ومحيي عبدالحسين مشهدي الشمري وعدنان حسين عباس الحمداني ومحمد محجوب مهدي الدوري وغانم عبدالجليل سعودي ومرتضى سعيد عبدالباقي الحديثي (قتل في السجن) وكردي سعيد عبدالباقي الحديثي(قتل في السجن)، والفريق الركن وليد محمود سيرت عضو قيادة المكتب العسكري للحزب وهوأحد قادة فيالق الجيش العراقي.

يتبع
من مسودة كتاب (لعنة الذهب الأسود)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن