يين الاجتماعية الديمقراطية واليسار الجذري /حدود حزب العمال بقيادة كوربين

رشيد غويلب
rachidlu@t-online.de

2016 / 12 / 24

اعيد انتخاب جيرمي كوربين رئيسا لحزب العمال البريطاني بنتيجة افضل من تلك التي حصل عليها في المرة الأولى، حيث حصل على قرابة 62 في المائة من الأصوات. ومثل هذا الفوز لجناح الحزب اليساري وللسياسة التقدمية في بريطانيا انتصار مهم، الإنتصار الذي احتفلت به جميع قوى اليسار.
وبيّن انتصار كوربين تصميم الناخبين على تغيير مسار حزب العمال، وانهم يريدون تغيير ميزان القوى داخل المجتمع، بعيدا عن النخب السياسية والاقتصادية التقليدية وصولا الى أغلبية لتعزيز دورالعاملين والسكان الذين يعانون بشدة من استمرار الهجوم على دولة الرفاه.
ومن الواضح أن كوربين يحاول إحداث تحول في حزب العمال: انه يريد اعادة الحزب الى منطلقاته الأصلية في دعم مصالح العاملين والدفاع عن منجزهم الأهم: دولة الرفاه. وضرورة تحقيق تقدم في المواقع التي تحقق حتى الآن، القليل فيها. وينبغي ان يكون حزب العمال حزبا للسلام والعدالة العالميين، ويتبنى مواقف ضد سياسة التدخل العسكري البريطانية، وضد الحروب وانتشار السلاح النووي. وكل الذين يقفون وراء هذه الأولويات يدعمون كوربين والمقربين منه، ويعملون على تحقيق تحول في حزب العمال في سبيل تنفيذ جزء من هذه السياسية او مجملها.
ان الاقبال الشديد للذين يشاركون كوربين رؤيته السياسية على الانتماء إلى الحزب مثير للانتباه. وعلى الرغم من ذلك بينت تجربة السنة الماضية وجود عوائق كبيرة تقف في طريق احداث التحول في الحزب. سواء كان في ادارات الدولة البريطانية او داخل حزب العمال، فقد جرت محاولات لمحاصرة كوربين واقصائه عن زعامة الحزب. وعلى الرغم من فشل هذه المحاولات، الا ان الجناح اليميني في الحزب منع تنفيذ العديد من مشاريعه. وهناك الكثيرمن العوامل التاريخية والسياسية تحول دون تحقيق تحول شامل في الحزب، كما تتمناه قوى اليسار الجذري.
برنامج اعادة البناء والتحول في بريطانيا
لقد اكد كوربين في كلمته في المؤتمر الاخير، التي عرض فيها برنامج النقاط العشر، على ان حزب العمال غطى دائما مساحة واسعة من ساحة اليسار قادرة على خلق شعور بالانتماء المشترك إلى الحزب مصحوبا بوعود سياسية مقبولة من الأغلبية الساحقة فيه، على ان تكون تقدمية، وفي اطار تقاليد حزب العمال:

1 - عمل واقتصاد للجميع

خلق مليون فرصة عمل عالية الجودة في جميع مناطق البلاد ، وضمان فرص عمل مناسبة للجميع بواسطة استثمار 500 مليار جنيه استرليني في البنى التحتية، التصنيع، وتقنيات المستقبل، وبناء اقتصاد عالي الجودة، عالي التكنيك، وحام للمناخ، اقتصاد لا يترك أحدا خلفه وينهي سياسة التقشف. وسيساعد بنك استثمار عام وبنوك محلية على تنفيذ هذه الخطة. وسيتم الاستثمار في تكنولوجيا النطاق الواسع، الطاقة، المرور، وبناء المساكن، لتوفير الظروف الملائمة لازدهار المصانع وخلق جيل جديد من التعاونيات.

2 - ضمان مساكن آمنة

وبواسطة استراتجية الاستثمار ستبنى خلال خمس سنوات مليون وحدة سكنية اجتماعية جديدة. وسيتم رفع معاناة المستأجرين بواسطة قوانين تحدد سقف الإيجارات وتضمن عقود الايجار، واصدار نظام قانوني للإيجار، وتسهيل عملية الحصول على مساكن باسعار ميسرة.

3 - ضمان فرص العمل

وستعزز حقوق العمال من منذ يوم العمل الأول، والغاء عقود العمل المؤقتة وتعزيز عقود عمل جماعية لعمال القطاع المعين، والحفاظ على الزام الشركات التي تشغل 250 عاملا فما فوق بالتفاوض الجماعي مع ممثلي العمال بشأنها. وخلق فرص عمل جديدة وحقوق نقابية جديدة، لتوفير مزيد من الضمان لفرص العمل، وارتفاع الأجور وتوفير ظروف عمل أفضل للجميع. تعزيز مشاركة العمال في اتخاذ القرار في المصانع وتوسيع حرية التنظيم النقابي. وفي مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، ستكون النقاط المركزية الدفاع عن الحقوق الاجتماعية وحقوق العمال، والوقوف ضد الاغراق في خفض الاجور، وضد عدم الالتزام بمعايير ظروف العمل في المنطقة المعينة، واستغلال العاملين من اصول غير بريطانية.

4 - نظام صحي واجتماعي مضمون

التوجه لإنهاء الخصخصة في القطاعات الصحية، ودمج جميع الخدمات الصحية في نظام صحي وطني يعتمد على التمويل العام. وتوسيع الضمان الصحي والاجتماعي للمسنين والمعوقين، وتوفير العيش الكريم لهم، وتقديم الرعاية الصحية والنفسية على قدم المساواة.
5 - نظام تعليم للجميع
انشاء نظام تعليم وطني مجاني جديد متاح للجميع طوال حياتهم. وتوفير نظام عام لرعاية الطفولة مفتوح للجميع، لتوفير بداية حياة جيدة للاطفال. تسهيل دخول النساء الى الحياة المهنية، وتوزيع افضل لمسؤوليات الرعاية. واعادة العمل بنظام حرية الحصول على التاهيل، وضمان فرص تاهيل مهني عالي الجودة، وكذلك تاهيل الكبار.

6 - حماية البيئة

العمل بنشاط لحماية مستقبل الأرض، انطلاقا من العدالة الاجتماعية، والاسهام في الوصول الى أهداف مؤتمر باريس لحماية المناخ. والبدء بالخطوة الأولى لمتابعة أهداف قانون تغير المناخ بجدية. تسريع الانتقال إلى اقتصاد تنخفض فيه نسبة ثاني
اوكسيد الكربون، وتسريع وتيرة التوسع في "الاقتصاد الأخضر" وما يتصل به من فرص عمل مستدامة. وسيوفر بنك الاستثمار الوطني الأموال اللازمة لتمويل الطاقة المتجددة المطلوبة لتنمية المرافق العامة ومرافق البلديات. وسيتم انتاج الطاقة النظيفة وتحديد سقف ارتفاع تكاليف الطاقة في بريطانيا، والأمر يتعلق بـ 60 مليون بريطاني وليس بـ 6 شركات كبرى للطاقة. وسيتم الدفاع عن تدابير حماية البيئة المقرة في الاتحاد الاوربي وتوسيعها.

7 - استعادة دور القطاع العام في الاقتصاد

اعادة بناء قطاع الخدمات العامة وتوسيع المشاركة الديمقراطية. واستعادة دور القطاع العام في الاقتصاد، وتمكين السكان من لعب دور اكبر في البلديات، وتعزيز الديمقراطية في المناطق والوحدات المحلية. اعادة بناء الاقتصاد بواسطة التمويل العام لتحقيق الرفاه للجميع. اعادة دمج الخدمات العامة السابقة التي جرى تفكيكها، وتسهيل الاستفادة من المرافق الترفيهية، الرياضية، والثقافية في جميع انحا البلاد، وتوسيع شبكة النقل العام.اعادة السكك الحديد الى الملكية العامة، واخضاع مصادر تزويد الطاقة للرقابة الديمقراطية العامة.

8 - الحد من عدم المساواة في الدخل والثروة

بناء نظام تصاعدي قائم على فرض ضرائب عادلة على الثروة واصحاب الدخول المرتفعة. اتخاذ اجراءات ضد رواتب اعضا مجالس الادارة الفلكية، وتقليص الهوة بين الرواتب المرتفعة والمنخفضة. ان المداراء التنفيذيين لاكبر 100 شركة بريطانية يتقاضون 183 ضعف معدل ما يتقاضاه العامل البريطاني. وفي بريطانيا بوجد اكبر فارق في الأجور والرواتب داخل الاتحاد الأوربي. وسيتم العمل على رفع الحد الادنى للاجور، وانهاء الفجوة في الأجور بين الجنسين.

9 - ضمان قيام مجتمع عادل

العمل على احترام حقوق الانسان لجميع المواطنين وحمايتهم من التمييز والتحيز. ومكافحة العنف ضد النساء والاطفال، والعنصرية، والتمييز لاسباب دينية. ضمان حقوق المثليين والمعوقين. الدفاع عن مضامين لائحة حقوق الانسان، ومنح حقوق واسعة لمواطني بلدان الاتحاد الأوربي المقيمين والعاملين في بريطانيا، لتجنب استخدامهم كرهينة في المفاوضات الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي.

10 - السلام والعدالة دعامات مهمة في السياسة الخارجية

حل النزاعات الدولية وحقوق الإنسان على راس اولويات السياسة الخارجية، والالتزام بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة ، لانهاء كل دعم لحروب التدخل العدواني واتخاذ تدابير فعالة للتعامل مع أزمة اللاجئين. ولم تكن السياسية الخارجية البريطانية منذ زمن طويل مستقلة حقا ، ولم تكن متعاونة عالميا. ولهذا كان البلد غير آمن وشخصيته الدبلوماسية والأخلاقية مقوضة. دمج حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في السياسة التجارية والالتزام بالاتفاقات الخاصة بنزع السلاح النووي. وتشجيع الاخرين على فعل الشيء نفسه.
هذه الالتزامات البرنامجية لا يمكن ان توصف الا انها ممتازة، ولهذا رحبت اوساط واسعة من قوى اليسار بعودة حزب العمال اليها.
لا تلقى المواقف السياسية لكوربن والجناح اليساري، مثل الموقف المعادي للحرب، الناتو، الدعم من يمين حزب العمال، وجرى وضعها جانبا او التخلي عنها، كما هو الحال غالبا مع مواقف سياسية اخرى في تاريخ الحزب. ولهذا ستقف القيادات اليمينية الى جانب قرار الحكومة اليمينية فيما يتعلق بنزع السلاح النووي وبالضد من الالتزام الذي اعلنه كوربين، على الرغم من وقوف اكثرية القاعدة الحزبية الى جانبه. كان كليمنت أتلي، رئيس وزراء بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تبنت حكومته نموذج دولة الرفاه، قد ساهم في تأسيس حلف شمال الأطلسي وأمتلكت بريطانيا في عهده السلاح النووي. والعديد في قيادة حزب العمال، في النقابات، وفي الكتلة البرلمانية، وفي قواعد الحزب يدعمون الموقف المؤيد لامتلاك السلاح النووي، او على الأقل يقبلون به مقابل الوصول الى تحول في الملفات الاخرى الأقرب الى التيار الرئيس في الحزب، مثل تأميم السكك الحديد.

وهناك قضايا اخرى مثيرة للجدل، وتقف عوائق هيكلية في طريق اجراء تحول تقدمي، كما هو الحال مع التوجه الذي اقره المؤتمر الأخير والقاضي بثني مجالس البلديات عن التصويت ضد تخفيض الميزانية.ان هذا الخفض المرجو هو الحل الصعب لاخراج ميزانيات هذه البلديات من العجز الدائم الذي تعانيه، وبالتأكيد سيتقاطع آنيا مع المصالح الفردية المباشرة. ان هذا الموقف الافتراضي سيجعل حزب العمال بنظر العاملين ومحيطهم الاجتماعي جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.
ان قوى اليسار الجذري لا تنظر إلى التطورات الجارية في حزب العمال من زاوية هل سيصبح الحزب معاديا للرأسمالية، لان تصورا كهذا خارج الممكنات السياسية. ان محاولة قسم من قوى اليسار الجذري التشديد على معاداة الراسمالية سيلحق الضرربفرص كوربيين لتحقيق تغيير في حزب العمال. ان السؤال هو: هل ينجح كوربين وقيادته في اعادة الحزب الى تبني اجندة اصلاحات اجتماعية ديمقراطية. ان تطورا كهذا سيكون غير مسبوق، وسيكون ذا اهمية سياسية قصوى داخل اوربا وخارجها، وسيكون له تأثير على الاحزاب المماثلة في اوربا كالحزب الاجتماعي الديمقراطي في المانيا، والحزب الاشتراكي في فرنسا.

منذ التسعينيات رحبت هذه الأحزاب بالليبرالية الجديدة باذرع مفتوحة. ففي حين قاد بلير هذه العملية في بريطانيا، فعل الشيء ذاته جوسبان في فرنسا وشرودر في المانيا، وسار على نهجهم سياسيون اخرون. لم يجر التراجع عن هذه السياسة حتى الآن.
ان قوى اليسار الجذري خارج حزب العمال التي تمثل بديلا لليبرالية الجديدة، لاتستطيع بسب النظام الانتخابي البريطاني الحصول على التأييد الكافي.
ان هذه الإمكانية تبدو في بريطانيا الان واقعية، فكوربين يتمتع بتأييد كبير مضاد لليبرالية الجديدة، هذا التاييد الذي منح حزب اليسار اليوناني (سيريزا)، وحزب بودموس اليساري في اسبانيا اصواتا كثيرة. فاذا استطاع كوربين توظيف هذا المزاج في التغيير والعودة الى القيم الاجتماعية الديمقراطية، فان ذلك سيعني بالنسبة للبريطانيين تقدما كبيرا، ويمكن ان يكون قادرا على التأثير على الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية الكبيرة في البلدان الأخرى.

موقف قوى اليسار الجذري

الكثير من اليسارين انظموا الى حزب العمال لدعم هذا التوجه. واخرون يرون ضرورة استمرار وجود قوى يسار جذرية الى جانب الجهود المبذولة في حزب العمال، وان من الاهمية بمكان وجود بديل يساري مناهض للرأسمالية والامبريالية، كما هو الحال في السياسة البريطانية والعالمية منذ اكثر من قرن. بمعنى آخر ان دعم مشروع تقدمي او يساري لا يلغي تعدد منهجيات قوى اليسار. والغرض من ذلك هو ليس فقط تبيان ما هو ممكن وضروري للتحول الفعلي للمجتمع والإنسانية فضلا عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضا التنفيذ العملي للسياسات المطروحة ، هو ما يمثل هذه الرؤية. وضرورة ملء الساحة السياسية على يسار حزب العمال والاحزاب الاجتماعية الديمقراطية في بريطانيا واوربا والعالم، وفقا للتجربة التاريخية وتوازن القوى وطبيعة البدائل المطروحة في البلد المعين.
ان قوى اليسار في بريطانيا والعالم الداعمة للتطور الحاصل في حزب العمال، تدرك جيدا ان المشاكل في بريطانيا لا يمكن حلها داخل الاطار الوطني فقط. فهذه المشاكل منهجية وشاملة، وتتطلب تنظيم العاملين عالميا ايضا. ومن الضروري التأكيد على مناهضة الامبريالية، واستخدام لغة واضحة، واتخاذ مواقف صريحة ضد الحرب وضد الاسلحة النووية، وان يعمل حزب العمال ومعه جميع قوى اليسار في بريطانيا من اجل ان تتخذ البلاد مواقف مغايرة في السياسة الدولية قائمة على العدل والمساواة بين الدول، وعدم ممارسة الاستعمار الجديد.
ولاغنى عن دور اليسار في النضال ضد العنصرية والتمييز، والتضامن مع المهاجرين واللاجئين وحرية الحركة، وليس فقط الدفاع عن حقوق العمال، بل النضال من اجل حقوق النساء والفتيات والمعوقين، وجميع الذين يعانون في العالم جراء السياسات التي ينفذها المتسلطون.
وقوى اليسار تشدد ليس على ضرورة طرح البديل، وانما ضرورة النشاط من اجل تحقيقة، في الاحياء السكنية وفي مواقع العمل وفي محيط الناشطين الاصغر. ان هناك امكانيات متعددة للانخراط في النضال في سبيل مجتمع عادل ومنصف وهذا هو طريقنا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن