من قسم البشر إلى كفار ومسلمين؟

سعادة أبو عراق
saadairaq@gmail.com

2016 / 12 / 15

من قسم البشر إلى كفار ومسلمين؟
إن ما أنزل من آيات قرآنية في مكة والمدينة ، كان خطابا في الدرجة الأولى إلى الذين اسلموا، وأصبحوا النواة التي تقع على عاتقها حمل رسالة الإسلام، لذلك كان خطابا يتفق مع مفاهيم وثقافة ومعرفة العرب في بلاد الحجاز، فالقرآن نزل بلهجة قريش لكي يكون مفهوما تماما في أذهانهم، لا لبس فيه ولا تأويل لهؤلاء الناس الذين اختصهم الله برسالته، لذلك علينا أن نفهم خصوصية هذا الخطاب، الذي كان يميز فيه بين هذه الفئة الناشئة من المسلمين وغيرهم من الذين يناوئوهم العقيدة عن جهل أو عناد، ولكن للأسف فقد استمر هذا التمييز بين المسلمين وغيرهم إلى يومنا هذا، على انه تفريق ما بين الكفر والإيمان.
بداية لم يكن من عداء واضح يمكن تلمسه في فترة السنوات الثلاث الأولى من البعثة بين الذين أسلموا والذين لم يسلموا بعد، ذلك أن الدعوة في هذه السنوات كانت مستترة، وكان طبيعيا كما في كل مجتمع أن يتلقى الناس الأفكار الجديدة بكثير من الحذر والتشكك والتهيب وقليل من العداء، وكانت التوازنات ما بين العشائر تحفظ لرسول الله مكانته العشائرية، ولكنها ترى في دعوته الجديدة إخلالا محتملا بهذه التوازنات القائم عليها بنيان الواقع الاجتماعي والسيادي المتواضع عليه .
والدعوة الإسلامية في هذا السنوات الثلاث الأولى وما تلاه من سنين عشر مكية, كان نهج الدعوة هو الترغيب والترهيب، ولم يدخل بكثير من الجدل الفكري وتصويب الرؤيا ،فالوثنية لم تكن متغلغلة في المجتمع القرشي خاصة والعربي عامة، فكانت معظم السور المكية القصيرة ذات خطاب شامل يؤكد على وجود إله واحد مطلق القوة والقدرة، ومن ينكر وجوده سوف يلقى بعد الموت عذابا شديدا وتعذيبا بأشد ما كانوا يتصورنه، ونعيم مقيم مترف للمسلمين الذين يؤمنون بوجوده ، وبناء على هذا التقسيم الذي سيكون في الآخرة انعكس تقسيما على الأرض، حيث تم كما في التحولات الفكرية والاجتماعية، أن يختلف الأب مع ابنه والزوج مع زوجته، كل يتخذ موقفة حسب قناعته وفهمه، فالصحابي صهيب اختار الإسلام ومفارقة عائلته المنعمة.
إذن فقد تخلخلت المنظومة الاجتماعية في قريش، شعر المسلمون معها بثقة عميقة بما يؤمنون به، وأنهم سيكونون أصحاب حظوة كبيرة لدى الله، وأن الجنة الموعودون بها، تحتوى كل الأمنيات التي يصبون إليها، وهذا الشرخ النفسي انعكس شرخا سلوكيا تطور إلى عداء واحتكاكات ومصادمات أدت بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم للتفكير بنقل الدعوة إلى مكان أكثر أمنا، حين وجد في الحبشة ملاذا يمكن أن يلجأ إليه بعض المسلمين، لكن الرسول من الناحية الفعلية كان يفضل الوسط العربي، فحاول أن يذهب إلى الطائف لكن محاولته فشلت ثم حاول الانتقال إلى يثرب فكانت فكرة ناجحة.
في المدينة المنورة أصبح الإسلام هوية اجتماعية خارج الهوية القبلية، وأصبحت الدعوة تتبلور بشكل واضح ومؤكد، جعل منهم هدفا واضحا لأعدائهم بعد أن كانوا أفرادا لا يشكلون قوة، وأصبحوا بمقدورهم أن يواجهوا أعداءهم كقوة متماسكة، إذن نستطيع أن نقول أن المسلمين أصبح لديهم مفهوما عن أنفسهم، وأنهم يملكون رؤية أوضح وأعمق للحياة والموت وما بعد الموت، بالإضافة للأخلاقيات الإسلامية التي تم تحديدها بالحلال والحرام ، وعليهم أن يناجزوا من يمنعهم من واجب يقومون به, وهو نشر العقيدة الإسلامية بين الناس كافة.
حدثت معارك كثيرة وغزوات كان الأعداء فيها من قبائل لم تستجب للدعوة الإسلامية, ويهود المدينة والمنافقين والروم في بلاد الشام والفرس في العراق .
انزل الله آيات تحدد العلاقة بين كل هذه الفئات بشكل عام وبشكل تنظيمي في مجال الحرب والسلم :
1 - اعتبر القران الكريم أن من آمن بالله واليوم الآخر من اليهود والنصارى والصابئة مؤمنين لهم أجرهم، أي ليسوا كافرين {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62
2 - دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى الوقوف على أرض مشتركة مع المسلمين وهو الإيمان بالله, والتفاهم على الموضوعات المختلف عليها {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64 {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
هناك ملاحظات أو عتاب على مواقف وسلوك بعض أهل الكتاب الذي لم يسلموا {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }آل عمران70
3 - لم يصف الله أهل الكتاب بأنهم مشركون أبدا، إنما اعتبر بعضا منهم وليس جميعهم من الكفار, بل سيؤمنون حينما تأتيهم البينة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }البينة1
4 -اعتبر ما غير ذلك من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر كفرة ومشركين وجب قتالهم {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29{ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}{ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً}
5 - وهناك نص قرآني يستخدم في غير سياقه، مما بوحي بالقطيعة من أهل الكتاب {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دينكم }آل عمران73, و قطيعة أخرى اجتماعية مع المشركين {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم )
6 - اعلان الحرب على المشركين والكفار بلا هوادة{ ْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً}{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28{{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5
واضح من هذه الآيات التي اجتزأتها من آيات القرآن الكريم التي ما كانت إلا توجيهات لمعالجة الظروف المستجدة في حياة الرسالة ،فمن الواضح أن هناك يهود غير مطمئنين لهذه الدين الجديد ،وهناك مشركون يعبدون آلهة متمثلة في أصنام ، وهناك كفار لا دينيين يستكبرون أن يؤمنوا كغيرهم من الناس, ولكننا نلاحظ أيضا عدم العداء العقائدي مع اليهود والمسيحيين بل اعتبارهم من المؤمنين ، لهم أجرهم على عملهم الصالح ، وأن قتال بني قريضة وبني النضير من اليهود كان الاستثناء وليس القاعدة.
ونلاحظ أن الآيات التي كان فيها الحث على القتال واعتبار من هو غير مسلم وغير كتابي هو مشرك أو ملحد أو لا ديني هو خطر على المجتمع الإسلامي الذي يتكون في حينها ، ومن هنا كان الحث على مقاتلة هؤلاء النفر وإدخالهم في الدين ليكون هذا المجتمع هو النواة الصلبة التي لا خبث بها ولا عوار.
وبناء على هذا الفهم للأسباب الموجبة إلى قسمت المجتمع ما بين مسلم وكتابي وكافر ، كانت مقتضيات مرحلية لا يمكن أن تطبق على مدى الدهور وفي كل الظروف، وتجعل العلاقة متوترة وعدائية مع غير المسلمين، ففي هذا العصر هناك مجتمعات لها أديان مختلفة، وإنها لمجتمعات ليس لها شأن مع الإسلام ، فهل من الجائز أن تبنى فتاوى الجهاديين عل آية وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة.
على الذين يعتقدون أن إتِّباع ما جاء في القرآن الكريم واجب يقتضي تنفيذه، أن يفهموا ما هو ابعد من النص المباشر، بأن الله قص علينا كفاح كثير من الأنبياء، ومعاناتهم، ووقف مع كل واحد بطريقة مختلفة عن الأخر، وذلك لطبيعة الزمان والمكان، وها هو قد وقف مع سيدنا محمد يعينه ويرشده، بمواقف مختلفة عما سبق أن وقفه مع من سبقه من انبياء، وها هو زمن الدعوة قد مضى، وجاءت أزمان وظروف مختلفة، علينا أن نختلق الأساليب والصيغ العصرية المناسبة مع غير المسلمين، فلا يصلح أن نتعامل مع دول عظمى ومجتمعات متطورة باستراتيجية الغزو، {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ }
وأخيرا أي فهم لهذا الدين السمح الذي أنار أذهان البشرية, بأنه يحض على العدائية والقتل وتشكيل العصابات؟ وأي إسلام سينتشر بهذا الأسلوب العدائي مع البشرية، الذي يمارسه مختلون عقليا من المسلمين..!!!؟؟؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن