البلشفية طريق الثورة - الثورة بدأت

آلان وودز
internationalist1848@yahoo.co.uk

2016 / 12 / 6

البلشفية طريق الثورة

الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

الثورة بدأت

آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

قبل يومين فقط عن الأحد الدامي، كتب الليبرالي والماركسي السابق ، ستروفه، في مجلته أوزفوبوجيدني: "لا يوجد بعد شعب ثوري في روسيا"، وهو ما رد عليه تروتسكي بانتقاد لاذع، في سياق حديثه عن الليبراليين، قائلا: «إنهم لا يؤمنون بالدور الثوري للبروليتاريا. وعوض ذلك يؤمنون بقوة عريضة الزيمستفوات [في إشارة إلى حملة المأدبات والعرائض التي أطلقها، خلال الخريف الماضي، الليبراليون المنظمون في الزيمستفوات]، في وايت وفي سفاتوبولك ميرسكي، في صناديق الديناميت، لا توجد أوهام سياسية لا يؤمنون بها. أما إيماننا بالبروليتاريا فهو الشيء الوحيد الذي يعتبرونه وهما»[1]. وقد كانت تلك الحركة الرائعة التي قامت بها البروليتاريا هي الجواب النهائي على جميع المشككين.






متراس في سان بيترسبورغ والتي بدأت بالظهور مباشرة بعد الأحد الدامي - الصورة لويكيميديا كومنز

في 10 يناير، ظهرت المتاريس في سان بيترسبورغ. وبحلول 17 يناير كان 160.000 عامل قد انخرطوا في الإضراب في 650 مصنعا في العاصمة. واجتاحت الحركة الجماهيرية العفوية التضامنية مع عمال بطرسبرغ البلاد كلها. تسببت أحداث الأحد الدامي في رد فعل فوري من جانب الطبقة العاملة. وفي شهر يناير وحده شارك أكثر من 400.000 عامل في إضرابات في جميع أنحاء روسيا. وخلال الفترة الممتدة ما بين 14 يناير و20 منه، كانت العاصمة البولونية في قبضة إضراب عام ثوري شارك فيه عمال المصانع وسائقو الترام وسائقو الحافلات وحتى الأطباء. صارت المدينة، التي احتلت من طرف القوات الروسية، تشبه ساحة حرب. في 16 يناير دعت الجماعات الاشتراكية إلى مظاهرة شارك فيها 100.000 عامل. القوات التي أرسلت لتفريق الحشود أطلقت 60.000 رصاصة. وفي غضون ثلاثة أيام، وفقا للأرقام الرسمية، سقط 64 قتيلا وجرح 69 توفي منهم 29 في وقت لاحق. وفرضت حالة الحصار.

منطقة البلطيق بدورها اجتاحها التيار الثوري. وشهدت ريغا وريفيل وجميع المدن الأخرى حركات ثورية جماهيرية. كان مركز الحراك هو مدينة ريغا حيث نظم 60.000 عامل إضرابا سياسيا عاما، في 13 يناير، ونظم 15.000 عامل مسيرة احتجاجية. أمر الحاكم العام الروسي، أ. ن. نيلر- زاكوميلسكي، القوات بإطلاق النار على الحشود، مما أسفر عن مقتل 70 شخصا وجرح 200. وبالرغم من القمع الشرس، واصلت حركة الإضراب الامتداد كالنار في الهشيم عبر بولونيا ودول البلطيق. وقد برزت حالة مماثلة في منطقة القوقاز حيث اندلع إضراب عام سياسي بها. عبرت الحركة جميع الحدود القومية، حيث عبر العمال، البولونيون والأرمن والجورجيون والليتوانيون واليهود، عن تضامنهم مع إخوانهم الطبقيين الروس بالطريقة الأكثر عملية، أي بالنضال ضد النظام الاستبدادي الروسي الممقوت. والأخطر من ذلك كله، من وجهة نظر الحكومة، اندلاع إضراب للسكك الحديدية في ساراتوف، في روسيا الوسطى، يوم 12 يناير، والذي سرعان ما انتشر إلى خطوط السكك الحديدية الأخرى، مساهما في امتداد الموجة الثورية إلى المحافظات الأكثر تخلفا.

كان لحركة العمال تأثير على جميع الطبقات في المجتمع. فالتراجع العام للنظام شجع ليس فقط العمال، بل أيضا الطبقة الوسطى والبرجوازيين الليبراليين والطلاب. «لقد عزز نضال العمال موقف العناصر الراديكالية بين صفوف المثقفين، مثلما كان مؤتمر الزيمستفو، في وقت سابق، قد وضع ورقة رابحة في أيدي العناصر الانتهازية»[2]. أثارت هذه الحركة الرعب في الدوائر الحكومية. بعد يوم الأحد الدامي، أرادت الزمرة الحاكمة التحرك بسرعة في اتجاه الردة الرجعية، كما دلت على ذلك إقالة الليبرالي سفاتوبولك ميرسكي وتعيين البيروقراطي المحافظ بوليغين، ومنح صلاحيات ديكتاتورية، غير محدودة تقريبا، للجنرال تريبوف. لكن كل حساباتهم سقطت في حالة من الفوضى. وتحت ضغط حركة الإضرابات المتزايدة، أصدر القيصر، في 18 فبراير، أول بيان له، ألمح فيه إلى الدستور والتمثيلية الشعبية. من خلال نضالها الموحد، تمكنت الطبقة العاملة من أن تحقق في أسبوع واحد أكثر مما تحقق خلال كل سنوات الخطب والعرائض والمآدب التي نظمها البرجوازيون الليبراليون.

موجات الصدمة التي تدفقت من 09 يناير دفعت الحركة بأكملها نحو اليسار. بدأ المد يتدفق بقوة لصالح العمل الثوري والاشتراكية الديمقراطية الثورية. والعمال البلاشفة والمناشفة، الذين تجنبهم بالأمس زملائهم في العمل وشككوا فيهم، صاروا الآن في القيادة بجميع المصانع. لا يمكن للمرء أن يغفل الدور الهام الذي لعبه هؤلاء المحرضون العماليون الواعون في تطوير موجة الإضرابات، على الرغم من طابعها العفوي ظاهريا. وقد لاقت أنشطة الثوار مساعدة كبيرة من طرف الجنرال تريبوف الذي تفضل بنفي أعداد كبيرة من "مثيري الشغب" من سان بيترسبورغ إلى المحافظات الأخرى، حيث شكلوا خميرة للحركة الثورية فيها.

بعد يوم الأحد الدامي، شهد الوضع تغيرا جذريا. وكانت الفرص التي تكشفت الآن أمام الماركسيين الروس هائلة. لكن الحزب، الذي كان ما يزال يعاني من آثار الانقسام، يعيش حالة سيئة للغاية تمنعه من الاستفادة من تلك الفرص. وتوضح لنا نظرة خاطفة على مراسلات لينين في ذلك الوقت الحالة المزرية للمنظمة، ولا سيما فيما يتعلق بالاتصال بين المناضلين البلاشفة داخل روسيا وبين مركز القيادة في الخارج:


«هذا لطيف: نتحدث كثيرا عن التنظيم وعن المركزية، بينما في الواقع هناك تفكك للتنظيم وسيادة الهواية حتى بين أقرب الرفاق في المركز، إلى حد أن المرء يشعر بالرغبة في البصاق اشمئزازا. فلنلق مجرد نظرة على البونديين: إنهم لا يثرثرون حول المركزية، لكن كل واحد منهم يكتب إلى المركز بشكل أسبوعي وتتم المحافظة بالفعل على الاتصالات... حقا، أعتقد أحيانا أن تسعة أعشار البلاشفة هم في الواقع شكلانيون [formalists]. إما أن نوحد في منظمة حديدية قوية فعلا جميع الذين يريدون النضال، من أجل خوض المعركة، بهذا الحزب الصغير لكن الحازم، ضد عناصر الإيسكرا الجديدة [أي المناشفة] المترهلة المتنافرة، أو سنثبت بسلوكنا أننا نستحق أن نختفي لكوننا شكلانيون حقيرون...

يمتلك المناشفة مبالغ أكثر من المال وأعدادا أكبر من الإصدارات ومن وسائل النقل ومن الكوادر و"الأسماء"، وفريقا أكبر من المتعاونين. سيكون من الصبيانية التي لا تغتفر ألا نرى ذلك»[3].

وفي حين يمكننا التغاضي عن بعض عناصر المبالغة في مشاعر لينين الطبيعية بالإحباط ونفاد الصبر، فإن الاتهام بالنزعة الشكلانية الموجهة ضد فئة من المحترفين البلاشفة في روسيا لم يكن على الإطلاق من قبيل الصدفة. أعضاء اللجان البلاشفة، الذين انطلقوا من موقع متفوق بشكل واضح بين مناضلي الحزب داخل روسيا، عندما واجهتهم بشكل غير متوقع حركة الجماهير المتفجرة عجزوا عن التفاعل معها بالمرونة اللازمة، وبالتالي ارتكبوا الأخطاء، وكثيرا ما فقدوا زمام المبادرة. في الوقت الذي كان فيه مئات الآلاف من العمال والشباب يدخلون إلى الحياة السياسة ويبحثون عن الطريق الثوري، كانت الحاجة ملحة إلى فتح أبواب الحزب، والسماح بدخول على الأقل أفضل العناصر بين الجماهير. لكن أعضاء اللجان، الغارقين في عادة العمل السري والعمل داخل الحلقات الصغيرة، ترددوا في السير قدما وإفساح الطريق لدخول فئات جديدة شابة. لقد وجدوا مئات الأعذار لعدم الانفتاح: العمال ليسوا على استعداد للانضمام و"ضرورة الحفاظ على الأمن"، وما إلى ذلك. وقد فكروا بالطريقة التالية: «قبل كل شيء، ألم يكن الخلاف الأساسي بين لينين ومارتوف، خلال المؤتمر الثاني، يدور حول ضرورة الحفاظ على نقاء الطليعة الثورية من خلال عدم إغراقها بالكثير من العناصر الجاهلة والمتخلفة؟ يجب علينا أن لا نتساهل في مسألة العضوية!».

صحيح أن لينين قد دافع، عام 1903، عن تقييد عضوية الحزب، لكنه دافع الآن، بشدة أكبر، عن ضرورة فتح أبواب ونوافذ الحزب وترك أكبر عدد ممكن من العمال والشباب يدخلون. قال:


«نحن بحاجة إلى قوات شابة، أنا مستعد لإطلاق النار فورا على أي شخص يزعم أنه لا يوجد أناس. يوجد الكثير من الناس في روسيا: كل ما علينا القيام به هو كسب المزيد من الشباب على نطاق أوسع وبجرأة أكبر، بجرأة أكبر وعلى نطاق أوسع، ومرة أخرى بجرأة أكبر دون الخوف منهم. هذا زمن الحرب. والشباب - الطلاب وبشكل أخص العمال الشباب - هم من سيقررون مصير الصراع كله. تخلصوا من كل عادات الجمود القديمة واحترام التراتبية وهلم جرا. شكلوا مئات الحلقات للفبريوديين [أي البلاشفة] بين الشباب وشجعوهم على العمل بكل حيوية. وسعوا حجم اللجان ثلاثة أضعاف بقبول الشباب داخلها، أنشؤوا عشرات اللجان الفرعية، "استقطبوا" كل شخص نزيه ونشيط. اسمحوا لكل لجنة فرعية بكتابة ونشر منشورات دون أي روتين (ليس هناك ضرر إذا ارتكبوا الأخطاء: نحن في فبريود سوف نصححها "بلطف"). يجب علينا، بسرعة هائلة، أن نوحد جميع الناس ذوي المبادرة الثورية ونجعلهم يعملون. لا تخافوا من افتقارهم إلى التدريب، لا ترتعشوا من انعدام خبرتهم وضعف تطورهم... [لأن] الأحداث نفسها سوف تعلمهم أفكارنا. إن الأحداث تعلم الجميع بالفعل أفكار فبريود، على وجه التحديد.

فقط يجب عليكم أن تتأكدوا من تنظيم وتنظيم وتنظيم المئات من الحلقات، وتدفعوا إلى الوراء تماما بكل العادات وبتفاهات اللجان (الهرمية). هذا زمن الحرب. إما أن تبنوا منظمات كفاحية جديدة وشابة وحيوية في كل مكان، من أجل العمل الاشتراكي الديمقراطي الثوري من جميع الأصناف ومن جميع الأشكال وبين جميع الشرائح، أو سوف تهلكون وأنتم تحملون اسم بيروقراطيي "اللجان".»[4]

وليذكر رفاقه بأن "قوة المنظمة الثورية تكمن في عدد من علاقاتها"، كتب لينين إلى غوسيف، في 15 فبراير:


«يجب على الثوري المحترف أن يخلق عشرات العلاقات الجديدة في كل مكان، ويضع كل العمل بين أيديهم بينما هو معهم يعلمهم ويحفزهم ليس عن طريق إلقاء المحاضرات عليهم، بل من خلال العمل. ثم عليه أن ينتقل إلى مكان آخر، وبعد شهر أو شهرين يعود للاطمئنان على الشباب الذين حلوا محله. أؤكد لكم أنه يوجد بيننا نوع من الحماقة والخوف من الشباب، الجدير بأشباه أوبلوموف. أناشدكم: حاربوا هذا الخوف بكل قوتكم».[5]

تكشف هذه السطور بشكل لافت للنظر جوهر أسلوب لينين، ولا سيما في ما يخص المسائل التنظيمية. فمع تأكيده على ضرورة وجود منظمة ثورية قوية ومركزية، كان موقف لينين بخصوص المسائل التنظيمية مرنا للغاية دائما. بعد المؤتمر الثاني، حاول المناشفة تشويه صورة لينين باتهامه بأنه بيروقراطي يسعى لبناء حزب مكون من نخبة من الثوريين المحترفين والمثقفين، والذي من شأنه استبعاد العمال العاديين الذين عليهم تنفيذ الأوامر القادمة من "المركز المطلق القوة". هذا الكاريكاتير، الذي تكرر بشكل خبيث ومبالغ فيه من قبل المؤرخين البرجوازيين، هو عكس الحقيقة، كما يوضح بشكل لا يقبل الجدل الاستشهاد أعلاه – والذي يعود لتلك الفترة التي نتحدث عنها -.

هوامش:

[1] Trotsky, 1905, p. 95.

[2] Ibid., p. 96.

[3] LCW, A Letter to A. A. Bogdanov and S. I. Gusev, February 11, 1905, vol. 8, pp. 143-5.

[4] Ibid., p. 146.

[5] LCW, To S.I. Gusev, February 15, 1905, vol. 34, pp. 296-7.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن