بوتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي(2)

وديع العبيدي
wdobd14@gmail.com

2016 / 12 / 1

وديع العبيدي
بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (2)


الدكتور صلاح نيازي نهر عميق وهادئ وصافٍ في بحر الشعرية العراقية والعربية، شاعر وأديب أكاديمي، صاحب ورئيس تحرير أول مجلة أدبية في المهجر(الاغتراب الأدبي) {1985-2001} صدرت له عدة مجموعات شعرية ودراسات نقدية. ولد في ذيقار/ جنوب العراق(1935)، وعاش في بغداد؛ ومنذ 1965 يقيم في لندن حيث عمل وأكمل دراسته العليا. وحسب تصنيفه فهذه المسيرة/النهر تتكون من فرعين أو رافدين رئيسين: الثقافة والتراث العربي؛ الثقافة والحضارة الغربية. ومن هنا تبدو ضرورة الفصل والربط أو التمييز بين نغمتين في سلّمه الشعري.
بعبارة أخرى أن نثرية نيازي الانسيابية العالية لا تقلّ عن شعره الخليلي أو التفعيلي الضارب بعيداً في أرض الستينيات الشعرية لما زخرت به من تجربة وتأصيل لقصيدة الجيل السابق. لكن ما يثير التساؤل ليس فقط اغترابه الأدبي والشعري في مسيرة الثقافة العربية؛ انما ذلك النفي الذي اختاره أو فرض عليه من ساحة الشعر والنقد في العراق؛ وعدم تعكّسه على ركيزة في بلده بعد إقامته{1965} المبكرة في لندن.
مجموعته الشعرية الأولى جاءت بعد خمسة عشر عاماً{1977} على قصيدته البكر، وبعد إثني عشر عاماً على رحيله القسري. اثنا عشر عاماً مدة كافية للتأمل والمراجعة ومناقشة الألوان والمشاعر، فكان العنوان جامعاً شاملاً،هجرته خارج الجغرافيا انما أهّلته لهجرة أكثر أهمية وعمقاً نحو الداخل.
شاعر مقل في النشر كثير التأمل، بطيء في الكتابة، عميق في المعاينة، دقيق في التعبير. هاجسه الكلمة والحركة والهمسة والنأمة. كان يحفظ ديوان الشعر العربي ويطرب للايقاع وتفتنه الصورة؛ فإذا وقف أمام الحضارة الغربية اعترف بالقصور وعاود تلقيح شجرته الثقافية بغصن غربي مشبّع برائحة الموسيقى الكلاسيكية وغنى المدارس الفنية في الرسم ومقومات الشخصية الغربية المفطورة على النظام والتدوين واحترام الآخر.
(غصن مطعم بشجرة غريبة) يتضمن نبذة وافية عن أفكار المؤلف في الحياة والسياسة والثقافة أكثر مما يفترض من السيرة الشخصية. ولذلك، رغم أن تقسيم الكتاب الى فصول تحمل أسماء المدن التي شهدت خطواته، يشي بما يشبه السيرة، إلا أنه لم يضفْ إلى عنوان الكتاب- كما هو مألوف في هذه الأحوال- سطراً يشير الى مضمون الكتاب (سيرة أو فصول من سيرة) أو أن السيرة [ذاتية أو أدبية].
وقد اعتمد ضمن ما اعتمد المنهج المقارن في الكتابة مما يعد جديداً في كتب السيرة، فيصور مدن الشرق بمنظور الغرب ويقدم صورة الغرب (لندن) بمنظور الشرقي. ولعل في ذلك مما ينبه إلى نواقص التكوين الشرقي على الصعيد المدني والفردي.
ومن هذا المنظور-المقارن- تضمن القسم الشرقي للكتاب من السيرة الشخصية وسيرة المكان أكثر من السيرة الأدبية، والعكس من ذلك في القسم الغربي منه، الذي ركز على الملامح الثقافية المقارنة ولم يكشف من الجانب الشخصي غير ما تفترضه الضرورة أو يرد عبر السياق.
ورغم أنه وصل لندن الباردة بملابس صيفية، فلا نعرف كيف حصل على غرفة لدى العائلة الانجليزية دون معونة من أحد أو لغة. ولا يفصح عن سبب سفره بمفرده تاركاً زوجته التي [تتكلم الانجليزية بطلاقة] وطفلته الوحيدة. وأسرف في وصف معاناة العوز والغربة التي قتلها بالانصراف لتعلم اللغة والتعمق فيها، ويفجؤنا قبل نهاية الكتاب بحصوله على درجة الدكتوراه دون ذكر اسم الجامعة او الأستاذ او الاطروحة؛ هذه الدرجة العلمية اذا لم تدخل في السيرة الشخصية فهي تشكل جزء أساسا من السيرة الأدبية والثقافية.
فالسيرة – أية سيرة- وإن ارتبطت بالفرد وخصوصياته فانها عندما تكتب تصبح مدينة للتأريخ، ومن حق القارئ، أن يقرأ سطوراً كاملة غير مجزوءة أو مجتزأة. ذلك ما جعل هذا الكتاب المهم في اسلوبه، والمتفرد في تجربته غير مكتمل، ويعاني من فراغات كبيرة. نتمنى رؤيتها مكتملة وبالشكل الذي يقدم بيوغرافيا كاملة وتجربة شعورية ووجودية كشف الكتاب طرفاً منها. وذكر الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في جريدة الزمان اللندنية [8-11/15-11/22-11-2002] بعض ما يدعم تلك السيرة المشتركة.
ليس تواضعاً أن يحجم المثقف العربي عن الاهتمام بسيرته- عندما يكون له دور اجتماعي أو ثقافي أو سياسي- وهو من حق القراء عليه ومن حق التاريخ كشف الحقائق، لمعرفة صانعيه، وتعرف الأمة أبناءها، وتتميز الأخطاء من المحاسن، ويتمكن من له صلة من الإضافة أو المحاججة.
ان كتب السيرة في الغرب تتصدر قوائم أفضل المبيعات وتحظى بالتقدير والعناية من قبل الناشر والقارئ ولكن قبل ذلك من المؤلف نفسه. أما على الصعيد العربي فلم يظهر الكتاب الذي يستولي على اهتمام مثيل. لأن معظم من قدموا سيرهم من السياسيين أو الأدباء، تعاملوا بأنصاف السطور والحقائق، متحاشين إغاضة هذا وعامدين مجاملة ذاك، على طريقة مؤرخي العصر العباسي، فطمست حقائق وضاعت شواهد، ونمت شجرة التاريخ العربي وفيها زيغ ونواقص ومناطق داكنة.
الدكتور صلاح نيازي شخصية ثرة وعميقة، ولكنها لا تتكشف بسهولة، ولا تمنح نفسها لأي عابر سبيل. وهو حريص وحذر الى حد مؤلم، في استخدامه للمفردات وعرضه للافكار، وفي ذلك أسباب وظروف ومبررات وحديث آخر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن