كم هدى عمّاش لدينا في العراق الإسلامي!!؟؟

زكي رضا
rezazaki@hotmail.com

2016 / 12 / 1

أفاقت محكمة الجنايات المختصّة بقضايا النزاهة من نومها اللذيذ بعسل الإمتيازات المافيوية لتصدر حكما بحقّ " المدانة هدى صالح مهدي عماش التي كانت تشغل منصب وكيل وزير التربية في فترة حكم النظام السابق يقضي بالسجن مُدَّة خمسة عشر عاماً؛ لتجاوزها على المال العامِّ". جميل جدا موقف المحكمة هذا وهي تبحث عن اللصوص وان مرّت على سرقاتهم عشرات السنين، فالمحكمة الموقّرة لا تأخذها في الحقّ لومة لائم وهذا دلالة عن حرصها على المال العام.

وكانت المحكمة قد إستندت في قرارها على التحقيقات التي أجرتها دائرة التحقيقات بقضايا النزاهة التي توصلّت الى إستغلال المتهمة الهاربة من العدالة "هدى صالح مهدي عمّاش" لمنصبها الوظيفي كوكيل وزير التربية وقتها وإستحواذها دون وجه حق على "خمس سيّارات حكومية نوع بيك آب دبل قمارة" تابعة للوزارة!!!.

هل "هدى عمّاش" إستغلّت موقعها الوظيفي وقتها؟ لسنا بحاجة ونحن خبرنا حكم سنوات البعث الفاشي التي إمتدّت لما يقارب الأربعة عقود، من أنّها وغيرها من مسؤولي النظام البعثي كانوا يستغلّون مواقعهم الوظيفية لنهب المال العام وخصوصا إثناء فترة الحصار. ولسنا بحاجة أيضا لنعرف إن كنّا منصفين في تقييمنا لسنوات السبعينات من أنّ إستغلال الوظيفة لنهب المال العام كان حكرا فقط على دائرة مقرّبة من القيادة البعثية وأجهزتها الأمنية، إذ كان الفساد حينها على مستوى مقبول في بلد كالعراق مقارنة بما نحن عليه اليوم.

الأمر المثير للعجب هو أنّ محكمة الجنايات المختصّة بقضايا النزاهة التي تذّكرت "هدي عمّاش" عندما كانت وكيل وزير التربية بالعهد البعثي، لا تتذكر مطلقا نهب المال العام في هذه الوزارة عهد العراق الإسلامي! فالمحكمة وهيئة النزاهة ينامون نومة أهل الكهف عندما يتعلق الأمر بقضية المدارس الهيكلية التي نهب منها "خضير الخزاعي" عشرات ملايين الدولارات حينما كان وزيرا للتربية بعد أن أسند مهمة "بناء" تلك المدارس لشركة إيرانية نصبت الهياكل وسرقت كما الخزاعي أموال شعبنا. ومحكمة الجنايات المختصة بهيئة النزاهة مرّت مرور الكرام على ملف عدم توزيع المناهج الدراسية لما يقارب الستة ملايين تلميذة وتلميذ العام الدراسي الجاري، ولم تفتح أي تحقيق في هذه الأمر الذي يعتبر وصمة عار في جبين سلطة المحاصصة. ونفس الهيئة لا تفتح أي تحقيق في إنتشار المدارس الطينية أو تلك التي في الهواء الطلق!! على الرغم من الميزانيات الفلكية للحكومات العراقية المتعاقبة منذ الإحتلال لليوم، والهيئة أصيبت بالعمى عندما لا ترى طلبة العراق يفترشون الأرض في العديد من المدارس لنقص في المستلزمات!.

أنّ القضاء العراقي بقراره هذا يدين نفسه بنفسه ويؤكد من أنّه قضاء غير نزيه وغير عادل ومرتشي ويقف الى جانب ناهبي ثروات شعبنا، فقضايا الفساد وهدر المال العام ليست حالة في العراق اليوم بل ظاهرة واسعة الإنتشار أبطالها معروفين ومنهم وللأسف الشديد السلطة القضائية نفسها، التي أدانت متّهمة سرقت "خمس سيارات بيك آب" ولا تدين متّهما كعبد الفلاح السوداني سرق المليارات على سبيل المثال!!

تحضرني هنا كناية بغدادية تنطبق على الآلاف من أمثال "هدى عماش" في عراق اليوم وهي (إيده خفيفة) والتي تقال عن اللص الذي يستطيع أن يسرق، وأن يخفي ما سرقه عن عيون الناس، على الرغم من أننا نستطيع رؤية السارق والمال المسروق. وفيها هجا الفرزدق "عمر بن هبيرة الفزاري"، لمّا ولّاه يزيد بن عبد الملك العراقين، أذ قال ...

أمير المؤمنين، وأنت عفّ ..... كريم، لستَ بالطبع الحريص
أولّيت العراق ورافديه ............... فزارّيا، أحذّ يد القميص
ولم يك قبلها راعي مخاض ......... ليأمنه على وركي قلوص
تفيهق بالعراق أبو المثّنى ............... وعلّم أهله أكل الخبيص

يريد بقوله: أحذّ القميص، أنّ ردن قميصه مقطوعة، ليتمكن من تحريك يده عند السرقة كيفما أراد (*) .

أننا اليوم لسنا بحاجة لشاعر كالفرزدق لنرى المتفيقهين من المتوضئة أياديهم ممّن تولوا أمر العراق ورافديه، من الذين لم يكن أحدهم قبلها راعي مخاض لنكتشف أصولهم وسرقاتهم.

أن تسرق خمس سيّارات بيك آب جريمة لا تغتفر وأن تنهب المليارات مسألة فيها نظر... وعذرا للشاعر أديب أسحاق



(*) الأغاني ج 21 ص 311



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن