تعالوا الى كلمة سواء ... وكلمة : فلسفة ؟؟

محمد ليلو كريم
mohemmedlilocream@yahoo.com

2016 / 11 / 27

تعالوا الى كلمة سواء ... وكلمة : فلسفة ؟؟

لماذا لم ترد كلمة فلسفة في القرآن ؟؟.
أهمية هذا السؤال إنه يواجه عقيدة ايمانية عند المسلمين فالقرآن عندهم كتاب منزل من الله الى كل العالم بواسطة شخص بشري بعنوان نبي (( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين )) فيكون النبي – الرسول وهو من الحجاز رسولا" عالميا" لا تحده جغرافيا ولا اسوار قومية أو دينية , فالإسلام يجب ما قبله , وهو دين الخيارات الثلاث ( الدخول في الاسلام أو دفع الجزية أو القتل ) وجميع المذاهب الاسلامية متفقة في هذا الشأن , ولكن هذه العقيدة الحدية لا تتفق مع رحابة الفلسفة التي هي نتاج عقلي لا وحياني , أي أن الفلسفة ليست دين ونص مقدس والفيلسوف يستخدم عقله أما النبي فلا يدعي أن ما جاء به نتاج عقله بل تنزيل من إله عن طريق وحي ( مجهول عند الناس معلوم عند النبي ) وهو معلوم عند النبي بحسب ادعاءه وإلا فالوحي مجهول ولم يظهر لنا سوى النص المنقول وهذا ما لزم أن نلتفت له كناظرين ( عقلاء ) في النص الذي هو على شكل كتابة نطقت بلسان العرب (( بلسان عربي مبين ))1 , (( أنا انزلناه قرآنا" عربيا" لعلكم تعقلون ))2 , وقد تعرض هذا النص لتفسيرات متباينة وتأويلات متناقضة وقراءات عقلية متفاوتة كما حصل مع كل النصوص , ولكن الحال اختلف مع النص المقدس فهو مارس العنف تجاه اللغة3 , وحتى مع العقل (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ))4 , ويمكن اعتبار هذه القطعة النصية مدخل لما يمكن أن نطلق عليه ( عنف الكتابة المقدسة ) وأعني بها النصوص في الكتب المقدسة التي تحمل عنوان ( كلام الله ) فتعلو بهذا العنوان فوق كلام البشر فالاعتقاد بعصمتها جازم وعدم تقيدها بزمان ومكان لأن قائلها ( رب العالمين ) فهي ( ذكر للعالمين ) وعالمية القرآن العربي ترفض المحليات اللغوية (( ولقد نعلم أنهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يُلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين * إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ))5 , إن سياق النص يبين أن اللغة المرسومة كتابةً كنص مقدس مُنزل هي آيات الهية , مقدسة بقدسية الله , ولا تفلسف في هذا الشأن ( الإدعاء ) أي ليس لأحد من حق في طرح السؤال ( الذي ليس له نهاية ) حول النص المقدس لأنه النص المقدس جاء بجواب شامل (( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا" عربيا" غير ذى عوج لعلهم يتقون ))6 , ومع هذا الجواب الشامل سلطة مطلقة (( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد ))7 , فكما أن الله واحد فالنص واحد جامع مهيمن على كل نص مقدس سابق (( وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا" لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا" عليه )) 8 , (( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )) وهنا نتوقف , لنتذكر أن لكل نص ثغرات تستفز العقل وبقوة تضطره للتساؤل , فبعد آخر نصٍ ذكرناه وهو من سورة ( فصلت ) الآيات 41 – 42 ننتقل الى الآية 43 لنقرأ (( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك )) 9 , إذن ؛ لماذا لم يستشهد القرآن نصيا" بما (( قيل للرسل من قبلك )) ؟ . كما قلنا فالنص مارس عنف الكتابة على اللغة , أو بالأحرى على اللغات الاخرى غير العربية , وكذلك مارس النسخ بحق ما سبقه من نصوص كتابية هي ايضا" مقدسة وتطور هذا النسخ الى ما يُعرف بنظرية التحريف (( قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا" وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا)) 10 , (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا" مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير )) 11 , والى هنا نتوقف لنتساءل : إذا كان النص القرآني قد تعامل بهذه الطريقة الاقصائية مع النص المقدس الذي سبقه فكيف له أن يتقبل الفلسفة , وهي النص الغير مقدس ؟.
لم يكن محمد بن عبد الله النبي في احتكاك مع الفلسفة اليونانية بنفس مستوى الاحتكاك الذي كان به المسيح وانبياء اسرائيليون بحكم الموقع الجغرافي وخلفية الاتباع العرقية والفكرية وحتى المدرسية لاسيما وأن طابع التنوع الثقافي لتلاميذ المسيح كتبة الاناجيل 12 , يبرز في النص الانجيلي وهذا الطابع الانساني فُقد في القرآن أو لم يُعمل به كأسلوب لتدوين اعلان السماء مع أن القرآن كُتب بلغة البشر وبأيديهم ولم يُدعى أنه الواح كُتبت بأصبع الله .
أن أمعنا النظر في النصوص القرآنية لعثرنا على لمحات واشارات نحو الفلسفة ولكن أحدى المشاكل الكبرى التي تواجه الباحث في القرآن أنه يُعيد صياغة مرويات سابقة وردت في كتب ونصوص سابقة فيُغير في الأصل حذفا" وإضافة ويستبعد الاستشهاد بالمصدر مما يضع القارئ في حيرة وضياع مما يجده من قطيعة مع الاصل جزئية أو كلية والشواهد كثيرة , فالقرآن ذكر ابراهيم الذي جاء ذكره في التوراة ولكن زيادة عجيبة يسردها القرآن دون استشهاد بنص سابق . جاء في النص القرآني قصة تحير ابراهيم (( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) )) 13 . لم ترد هذه القصة الموجزة في أي نص سابق فوجدت في القرآن دون الاشارة لمصدر بعينه , وهذه احدى مشاكل القرآن الكبرى . ومشكلة أخرى تتراءى لنا في هذا النص ؛ فهل هو نص ينقل قصة حدثت أم هو نص مجازي أو رمزي يراد به مقاصد ومعاني أخرى ؟؟ . وشيء آخر : نلاحظ أن هذا النص استخدم الاستقراء المنطقي وهو أحد حقول المنطق اليوناني 14 , وابراهيم هنا استخدم المنطق الصوري بينما في نص آخر استخدم المنطق العلمي (( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ( 260 ) )) 15 , وهذا النص ايضا" لم يرد في نص سابق للقرآن ولم ترد إشارة الى مصدر .
يؤشر المفكر التونسي يوسف الصديق لوجود 800 كلمة جاءت رأسا" من اليونانية الى القرآن (( فعلى سبيل المثال قول النص ( سيماهم في وجوههم ) حيث غياب الهمزة العربية المضمومة في كلمة ( سيماؤهم ) غيب الأصل العربي للنص ))16 , وبنبرة الناقد يشير يوسف الصديق الى (( ثلاث آفاق موجودة في القرآن , وفي التفسير : الأفق الجنوبي حيث الحبشة , واصحاب الفيل . الأفق الغربي ؛ مصر . الأفق الشرقي ، بابل . ولكننا اهملنا الأفق الرابع وهو الاتجاه الشمالي اليوناني الذي في افكاره يزخر به الاعجاز القرآني ))17 , ويأتي الصديق بمثال مقتطعا" كلمة ( حاور ) التي وردت في القرآن مع أن ليس لها وجود في اشعار العرب وخطبهم , (( كلمة ( حاور ) تدل على أن الاعجاز القرآني اتصل ولمس الفلسفة والافكار اليونانية المبنية على الحوار )) 18 , إذن ؛ هناك اهمال للأفق الرابع , الاتجاه الشمالي , اليوناني , ولهذا يلتبس على المتفحص في القرآن الشخصية الدينية بالفلسفية ويعسر التفريق بينهما , ويتعمق الالتباس في الشخصية الملتبسة المقروءة فالنص مفتوح بلا حدود أو خاتمة محددة وكأنه شأن فلسفي ما , شأن الشك أو الحيرة أو التتبع المنطقي , وهذا ما نلتمسه في النص القرآني وهو يسرد حيرة ابراهيم , وإذا علمنا أن ولادة ابراهيم سبقت عهد فيثاغورس عرفنا أنه ( أي ابراهيم ) عاش ومات قبل أن تستخدم كلمة ( فلسفة ) من قبل فيثاغورس واصفا" نفسه أول مرة في تاريخ القدماء , وهذا ما التفت له النص القرآني , ونضيف ؛ أن الفلسفة اليونانية انتقلت وبقوة الينا في عصر الترجمة في عهد الدولة العباسية مع أن رأي آخر يرجعها الى أول العهد الأموي , وفي كلا الحالتين تكون حركة الترجمة متأخرة عن حركة القرآن وهي من تبعات الفتح الاسلامي (( عندما ظهر الاسلام وفتح المسلمون فارس والعراق والشام في القرن 7 ميلادي , رؤوا ما في هذه البلاد من مدارس , مثل مدرسة الاسكندرية ( تأسست 331 ق . م ) ومدرسة انطاكيا شمال الشام ( تأسست 300 ق . م ) تحتضن حضارة اليونان وفكرهم , ولم يكونوا على جهل بهذه الثقافات جهلا" تاما" , لأن بعض المؤثرات الثقافية من المدارس السابقة تسربت اليهم )) 19 , وقد حاول النص القرآني وبهمة عالية أن يستقل بشخصيته الأدبية والمعرفية عن كل الأنساق الموجودة (( قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله )) 20 , وبالعودة الى النص الذي يسرد حيرة ابراهيم فهو قد جاء بما يشبه الاستقراء ( ولربما يكون النص مختصر لعملية استقراء اكثر طولا" ) ولكنه استقراء بالتفاضل , أي أن ابراهيم ينتقل تباعا" الى اعتقاد أفضل من سابقه وكأن هذا النص جدلية فلسفية على شكل استقراء بالتفاضل , فمن الكوكب كأول نقطة ضوء في جُنة الليل , الى القمر لأنه بازغ , الى الشمس لأنها وبالإضافة لبزوغها فهي أكبر , وهكذا .
رغم أن القرآن لم يذكر كلمة ( فلسفة ) إلا انه تفلسف , وتمنطق , ولكنه تفلسف وتمنطق بأسلوب حاول فيه أن يكون مستقلا" يضاهي الأصل في تحصيل الحقيقة والعلم والمعرفة وجودة اللغة والتشريع .
أما سؤالنا في افتتاحية هذا المقال ((لماذا لم ترد كلمة فلسفة في القرآن )) فجوابه يحتاج لجهد أكثر في التقصي . . . .
1 سورة الشعراء 195
2- سورة يوسف 2
3- يقلل القرآن من شأن كل ما عداه من انساق لغوية اصطنعها البشر كالشعر مثلا" (( والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون & من سورة الشعراء )) وهو كذلك يقلل من شأن كل لغة غير العربية (( لسنا الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين & من سورة النحل )) فهل مارس التوراة والإنجيل مثل هكذا عنف تجاه اللغات الأخرى ؟ وهل كانت اللغة مقدسة بقدسية اللغة التي جاء بها النص في الاديان الاخرى ؟ . لقد ورد في الانجيل أن تلاميذ المسيح حين حل عليهم يوم الخمسين (( ظهرت لهم ألسنة من نار , وقد توزعت وحلت على كل واحد منهم , فامتلأوا جميعا" من الروح القدس , وأخذوا يتكلمون بلغات أخرى & الانجيل , اعمال الرسل , من الاصحاح الثاني )) وقد تساءل الحضور (( أليس هؤلاء المتكلمون جميعا" من أهل الجليل ؟ فكيف يسمع كل واحد منا لغة البلد الذي ولد فيه ؟ فبعضنا فرتيون , وماديون , وعيلاميون , وبعضنا من سكان ما بين النهرين , واليهودية , وكبدوكية , وبنتس , وأسيا , وفريجية , وبمفيلية , ومصر , ونواحي ليبيا المواجهة للقيروان . وبيننا كثيرون من الرومان الزائرين , يهودا" ومتهودين , وبعض الكريتيين والعرب . وها نحن نسمعهم يكلموننا بلغاتنا عن اعمال الله العظيمة & الانجيل , اعمال الرسل , من الاصحاح الثاني ))
4- سورة آل عمران 59
5- سورة النحل 103 – 104
6- سورة الزمر 27-28
7- سورة ابراهيم 52
8- سورة المائدة 48
9- سورة فصلت 43
10- سورة الانعام 91
11- سورة المائدة 15
12 – (( وبينما كان بولس ينتظرهما في اثينا رأى المدينة مملوءة اصناما" فتضايقت روحه . وأخذ يخاطب اليهود والمتعبدين في المجمع , ومن يلقاهم كل يوم في ساحة المدينة . وجرت مناقشة بينه وبين بعض الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين & الإنجيل , اعمال الرسل , الاصحاح 17 : 16 – 18 )) (( واليونانيين يبحثون عن الحكمة & الانجيل , رسالة كورنثوس الأولى , من الاصحاح الأول ))
13 – سورة الانعام 75 – 78
14 - الاستقراء أو الاستدلال الاستقرائي أو أحيانا" المنطق الاستقرائي (تصميم أسفل أعلى) هو أحد أشكال الاستدلال وبتعبير منطقي هو الاستدلال الذي ينتقل من الجزئي إلى الكلي. أي أنه الحكم على الكلي بما يوجد في جزئياته جميعها، وهو الاستقراء الصوري الذي ذهب إليه أرسطو وحده وسمّاه "القياس المقسّم Epagoge" أو الحكم على الكلي بما يوجد في بعض أجزائه، وهو الاستقراء القائم على التعميم. (المعجم الفلسفي (PDF) , مجمع اللغة العربية، القاهرة، جمهورية مصر العربية: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية , 1983م - 1403 هـ, صفحة 12 ) .
15 – سورة البقرة 260 .
16 – برنامج فسحة فكر , يوتيوب , لقاء مع المفكر التونسي يوسف صديق .
17 – المصدر السابق .
18 – المصدر السابق .
19 – مقال , حركة الترجمة ودورها في الحضارة الاسلامية , سعيد عبد الفتاح عاشور , موقع قصة الاسلام , نت .
20 – سورة الأسراء 88 .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن