توصيات الصناديق الائتمانية الدولية و عرقلة الاقلاع الاقتصادي بالمغرب

جلال مجاهدي
jalalmejahdi@gmail.com

2016 / 11 / 27

أصبح اللجوء إلى الاستدانة من الخارج سياسة اقتصادية روتينية تلجأ إليها الحكومات المغربية المتعاقبة لتغطية فشلها الاقتصادي و عجزها عن تغطية مصاريف تسيير شؤون الدولة فمنذ انخفاض سعر الفوسفاط إلى 30 دولار للطن سنة 1978 ظهر عجز كبير على مستوى التوازنات الاقتصادية الكبرى حيث كانت إيرادات مادة الفوسفاط تشكل 50% من إيرادات الدولة و التي استنزفت استثمارات المخطط الخماسي الصناعية و الزراعية مواردها فتم اللجوء أكثر من السابق إلى الاستدانة الخارجية لتغطية هذا العجز والذي وصل إلى حوالي 38% من الناتج المحلي الإجمالي في هذه السنة , ثم ارتفع الدين الخارجي إلى أكثر من 68% من الناتج المحلي الإجمالي نهاية سنة 1982, وهكذا إضطرت الدولة إلى طلب إعادة جدولة الديون الخارجية بموافقة من صندوق النقد الدولي وذلك بموجب اتفاقيتان للتمويل امتدتا من سنة 1982 إلى غاية سنة 1985 وأرفقتا بإجراءات برنامج التقويم الهيكلي , طلب إعادة جدولة الديون لدى الأبناك التجارية الخارجية كان يقتضي التفاوض مع الابناك المذكورة بواسطة نادي باريس أو نادي لندن واللذان كانا يشترطان حينها توقيع اتفاقية برنامج التقويم الهيكلي مع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي , و هكذا فرضت الصناديق الائتمانية الدولية ممثلة في البنك الدولي و صندوق النقد الدولي على المغرب مجموعة من التدابير و الاجراءات للاستفادة من التمويل و من إعادة جدولة ديونه , برنامج التقويم الهيكلي و كما يستشف من إسمه كان يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد تحت إشراف و مراقبة البنك الدولي و ذلك عن طريق القيام بإصلاحات عميقة و إدخال تغييرات على البنيات والاختيارات التي تقف وراء مظاهر الاختلال الاقتصادي والمالي للدولة على المدى المتوسط و الطويل , برنامج التقويم الهيكلي الذي طبق على المغرب كان بمثابة حجر على الدولة التي لم تعد تسير شؤونها الاقتصادية بنفسها و ضرب لمصداقية كفاءاتها و نخبها و مسيريها ,حيث كان يتميز هذا البرنامج عن باقي البرامج كالتقويم الظرفي , بكونه أشد البرامج وصاية و مصادرة لسيادة الدول على اقتصاداتها و سياساتها , فما كان يميزه هو أن إجراءات التقويم كانت تحل محل السياسات الاقتصادية و البرامج السياسية الوطنية فكانت تصادر استقلالية الدول في اتخاد قراراتها المتعلقة بالتوجهات السياسية و الاقتصادية , لكن ما يلاحظ أن الاقتصاد المغربي و رغم تجاوزه لمرحلة التقويم الهيكلي ,لم يتعافى و لا زالت الحكومات المغربية تلجأ إلى الاستدانة من الخارج وخاصة من البنك الدولي و من صندوق النقد الدولي و اللذان لا زالت قروضهما مشروطة بشروط تنتهك فيها سيادته الاقتصادية و السياسية على نحو لا يختلف عما كان مقررا إبان مرحلة التقويم الهيكلي , فالمؤسستان الائتمانيتان لا زالتا تعتبران المغرب و الدول المستدينة دولا قاصرة و غير قادرة على تسطير سياساتها الاقتصادية و السياسية لوحدها و لا زالتا تحتفظان بنفس النظرة إلى الدول المستدينة , لذلك فالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي حين يقدم قرضا لدولة ما مثل المغرب فهو فهو حسب نظرته الرأسمالية , يشخص بأن المشكل لديه هو مشكل اختلال بنيوي و هيكلي لما هو اقتصادي و سياسي و إداري حسبما يراه خبراؤه الرأسماليون , لذلك فهو لضمان تسديد القرض و لعدم ثقته في كفاءات الحكومات و قدرتها على التخطيط و التنفيذ ولعدم ثقته كذلك في امتلاكها الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات ذات طابع رأسمالي محض يغيب فيها ما هو اجتماعي , فهو لايقتصر فقط على التوجيهات ذات الطبيعة الاقتصادية البحتة بل يشمل أيضا التوصيات ذات الطبيعة السياسية و الادارية و يتبع ذلك بمراقبة خاصة و عامة , مراقبة خاصة تهم تنفيذ التوصيات و البرامج و مراقبة عامة حيث يقوم البنك الدولي بمراقبات دورية للأداء الاقتصادي للدول المستدينة , الاستفاذة من قروض جديدة رهين بالانصياع التام لتوصيات الصناديق الائتمانية المذكورة و هو ما يجعل من هذه التوصيات تعليمات ذات طابع إجباري , هذه التعليمات يمكن اختزالها في تعليمات تقشفية وتعليمات رأسمالية , فالتعليمات التقشفية تتجلى في التقليص من نفقات التسيير و من نفقات الاستثمار و من نفقات التحويل خاصة منها نفقات الاستغلال المقررة للمقاولات ومن نفقات الدين و توصيات ذات طابع يكرس الرأسمالية الليبيرالية المتوحشة كانتهاج الخوصصة و التدبير المفوض للقطاعات العمومية و تحرير الأسعار و تحرير التجارة الخارجية و تحرير العملات و تحويل الديون الخارجية إلى استثمارات خارجية و ما إلى ذلك , هذه التعليمات الإجبارية بالنظر لطابعها التقشفي و الرأسمالي و التي لا تغلب الجانب الاجتماعي و خصوصيات الدول أدت إلى اتخاذ الحكومات المغربية المتعاقبة لمجموعة من القرارت التي أضرت بشرائح عريضة من المجتمع المغربي الذي تعرض لصدمات تقشفية و رأسمالية متتالية و هو ما جعل الشارع المغربي يعرف احتجاجات تلو الأخرى على قرارات الحكومات اللاشعبية و غير الاجتماعية وعرض هذه الأخيرة لانتقادات واسعة عبر الصحف و مواقع التواصل الاجتماعي , تقليص النفقات العمومية و تحرير السوق كعنوانين عريضين للسياسات المفروضة من طرف الصناديق الائتمانية الدولية على المغرب منذ ما يقارب أربعة عقود, لم تستطع إخراجه من أزماته الاقتصادية و الاجتماعية المستمرة , تجربة أربعة عقود برهنت كفاية بأن الصناديق الائتمانية تتعاطى مع الدول بمنطق الممول البنكي و توصياتها لا تخرج عن إطار معالجات ظرفية وظيفية محدودة تروم ضمان تسديد الديون و ضمان استمرار الدول المستدينة في الاستدانة ولا تروم الاقلاع الاقتصادي و الاستقلال المالي لها او تحسين الظروف الاجتماعية كما تدعي ذلك تقارير البنك الدولي السنوية , البنك الدولي حين يطرح استراتيجيات للتعاون مع المغرب كما يسميها , يربط هذه الاستراتيجيات ببرامج قروض تتراوح ما بين 250 و 350 مليون دولار سنويا , هو لا يقدم استراتيجيات اقتصادية دون ربطها ببرامج قروض و بالتالي فكل استراتيجياته تروم تقديم القروض لتحقيق الربح و ضمان الأداء و ضمان استمرار الاستدانة مستقبلا , الاقلاع الاقتصادي لم و لن يكون باتباع تخطيطات خبراء الابناك الممولة التي هي في الأخير تبقى مؤسسات ربحية و ليست خيرية , خروج المغرب من أزمته أكبر من أن تكون وصفات ملغومة جاهزة يسوقها البنك الدولي، وأكبر من أن تكون مقاربات ترمي إلى الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية كما تدعي الحكومات المتعاقبة والتي لا تسعى بتبنيها لهذا الطرح سوى لإرضاء المؤسسات المقرضة الدولية لضمان الاستفادة من القروض مستقبلا , تحقيق الاقلاع الاقتصادي لا يكون باتباع توصيات تدعوا إلى تحرير التجارة الخارجية في غياب كبير لقطاعات انتاجية مؤهلة لمجابهة المنافسة الدولية , تحقيق الاقلاع الاقتصادي لا يكون باتباع توصيات تدعوا إلى تغييب دور الدولة كفاعل تنموي و اقتصادي وتحويل هذا الدور للقطاع الخاص الذي لم يستطع بعد النهوض من مشاكله الخاصة و الذي لا زال بحاجة إلى دعم الدولة فبالأحرى أن يعول عليه , تحقيق الإقلاع الاقتصادي لا يكون بطرح استراتيجيات مرتبطة ببرامج تؤدي إلى مزيد من الاستدانة كما لا يكون بانتهاج تدابير تؤدي إلى إضعاف القدرة الاقتصادية للطبقة المتوسطة و إلى سحق الطبقة الفقيرة . بالنسبة للمغرب و على غرار تركيا مثلا , فالخروج من بوثقة التبعية للصناديق الائتمانية الدولية بالنظر لموارده لا يتطلب سوى جهدا بسيطا بالقيام بإجراءات تتسم بالواقعية تتمثل أولا في ترشيد نفقاته و ميزانيته بالتوزيع الرشيد لها وبالكف عن التبدير و بالقطع النهائي مع سياسة الإفساد و الفساد التي كانت منتهجة عمدا فيما سبق ومن جهة ثانية باسترجاع الدولة لدورها كفاعل اقتصادي و تنموي للقيام بدور القاطرة التنموية و لمساعدة القطاع الخاص و لتحفيزه و من جهة ثالتة بالتخطيط السليم على المدى المتوسط و الطويل و بالتركيز على تنمية القطاع الصناعي الذي يتسبب في كون واردات المغرب ضعف صادراته و بالنظر لكون مداخيل القطاع الفلاحي و السياحي تتسم بالتقلب حسب وتيرة سقوط الأمطار و توافد السياح و رابعا وهو أهم شيء بالاهتمام الجدي بالتعليم و التكوين لتوفير كفاءات عالية تستفيذ منها القطاعات الاقتصادية لزيادة إنتاجها و تنافسيتها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن