الطفولة العراقية وتحديات البقاء

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2016 / 11 / 25

الطفولة العراقية وتحديات البقاء

لا ينكر أحد في العراق عموما وفي المجال المختص منه أن (الطفولة) كشريحة وطنية مميزة وذات حساسية في رسم مستقبل المجتمع وبناء ركائز التطور والتحديث فيه، هي الخاسر الأكبر والنسيج الأهم الذي تعرض للأضرار الجسيمة والتي لا يمكن أصلاحها في المدى المنظور، من جراء الإرهاب والعنف والتطرف والسياسات الأقتصادية واللا توازن في العلاقات والقيم الأجتماعية، أضافة إلى إهمال قصدي وموضوعي في الجانب الأهم والمحوري والذي قد يمثل نوعا من الترميم في هذا الشرخ الأجتماعي الخطير ألا وهو التربية والتعليم والصحة.
ومع الأرقام الوطنية والأممية والإحصاءات الدقيقة المقدمة عن واقع الطفولة الراهن في العراق وما يمثله من أتجاه نحو كارثة وطنية وإنسانية تنتظره وتؤثر على بقاءه كدوله ومجتمع، لم نشاهد في الواقع العملي ما يشير إلى أستجابة حقيقية لكل النداءات والصرخات التي لا تنقطع لغياب أي أستراتيجية محددة لا في المعالجة ولا في التصور النظري، هناك عجز وفشل حقيقي في الجانب النظري وفي الشق العملي ممكن أن يساهم في التخفيف من وطأة الكارثة والتخطيط لعمل مستقبلي منظم وواضح، ووفقا لألتزامات العراق كدولة مع تشريعات حقوق الطفل العالمية ولا ألتزاماتها المنصوص عليها في الأعلان العالمي لحقوق الطفل والإنسان، ناهيك عن المصلحة الوطنية المباشرة في تبني هذه الأستراتيجية لحماية المجتمع العراقي ذاته من الأخطار المحدقة به على المدى القريب والمتوسط، أو في مجال معالجة الواقع العالي المحصور بين العنف والعنف المضاد والجريمة المنظمة والأجرام السلبي.
كل ذلك لم ولن يدفع المؤسسة الرسمية (الحكومة والنظام التشريعي) مع خطورة ودقة الموقف في أن تلتفت للكارثة القادمة، ولا حتى المؤسسة الأكاديمية البحثية نجحت في جرها إلى العمل الجاد والمخلص وفق رؤية شمولية لتصحيح المسارات الوطنية فيما يخص إشكالية الطفولة ومستقبلها في ظل سياسات آنية ومرتجلة ومبتورة، كل ما يحصل الأن مجرد أجراءات وحلول شكلية مؤقتة وغير متواصلة لا تراع جوهر القضية الأساس، المتمثل بغياب رؤية وطنية متكاملة تجمع بين المعالجة الجذرية للمشكلة والتخطيط البعيد بمسارين، الأول معالجة الخلل البنيوي والثاني منع حصوله مع أتخاذ الخطوات التحصينية، بل جل ما يمكن أن تنجح فيه السلطة السياسية ومؤسسات الحل هي الأستجابة لبعض التطورات التي تنشأ نتيجة أفعال وقتية وبمعالجات وقتية أو تحت ضغط ما لغرض التبرير أحيانا وسد الذرائع في أحيا أخرى.
إشكالية الطفولة في العراق يمكن أجمالها في قضيتين مهمتين تتفرع من كل قضية أساسية جملة من القضايا الفرعية، التي تتشارك جميعا في ضياع المستقبل الواضح وتمثل في ذات الوقت دوافع لتعميق الأزمة وكما يلي:
• القضية الأساسية والتي تتفرع من قضية المجتمع العراقي عموما، وهي عدم القدرة الفاعلة على تحصين الأمن الأجتماعي وفقا لنظرية الأمن القومي.
• غياب المشروع الوطني الخاص ورؤيته للمستقبل الأجتماعي للمجتمع ككل، وعدم خضوعه لقانون التطور المرسوم بخطوط واضحة وتحت مديات معلومة ومنسقة المراحل.
من قراءة القضيتين نلاحظ أن أزمة الطفولة فرع مهم وأساسي من جملة أزمة الوضع العراقي ككل، ففي الجانب الأول تشكل الحروب بشكل أساسي والعنف الأجتماعي والسياسي والأرهاب والجريمة المنظمة، والأعتداء على أساسيات حقوق الإنسان ومن أهمها حق الحصول على الأمن والأمان، هي العنوان الأبرز والأهم والأخطر في مجمل الإشكالية، فقد تعرضت الطفولة وعلى مر الفترة الممتدة من عام 1958 ولهذا اليوم إلى ألوان وأشكال متعددة من الانتهاكات الأمنية المباشرة والغير مباشرة، أما نتيجة حروب أو أعتداءات عسكرية طالت مناطق وفئات عرضت الطفولة للعنف ومشاهد العنف الدموي، أو نتيجة الترحيل القسري وعدم تمتع الطفل بالقدر الأساسي والمهم من الأستقرار والعناية اللازمة.
كذلك تعرضت الطفولة للكثير من مظاهر العنف الأجتماعي والأسري والأعتداءات المتمثلة بالضرر الجسدي والنفسي وعدم الحصول على الفرص الأساسية للتعليم والصحة والتربية الأساسية، أضافة إلى تعريض الطفل وخضوعا للأعراف الأجتماعية والدينية للكثير من مشاهد العنف والدماء والأعتداءات المبررة لتزرع في مخيلة الطفل العنف اللا واع وتجذر لديه أستسهال العنف مستقبلا.
في القضية الثانية بغياب تشريعات متطورة مع رؤية بعيدة المدى لخلق عالم خال من العنف والأهمال والضياع بضمان حق التعليم والتربية الأساسية والصحية، ومعالجة الخلل في الجانب الأجتماعي والقانوني الذي يجعل من الأسرة والطفولة النقطة الأضعف في البنيان الأجتماعي، تسبب في هذا التخبط والعشوائية في المعالجات المبتسرة والهامشية لقضية تمس مستقبل ووجود المجتمع العراقي أصلا.
من هنا يمكننا أن نحدد للمجتمع والسلطة السياسية وللمؤسسة التشريعية مقدمات أساسية مهمة تمهد للبدء بالمعالجة كحل أولي مع البدء بوضع أستراتيجية متطورة وممنهجة على مراحل وخطوات عملية، تهدف أولا لترسيخ قيم جامعة تنظر للطفولة على أنها مسئولية مشتركة بين المجتمع والسلطة، وثانيا على أنها خيار وجودي للعراق، تتمثل هذه الرؤية أيضا بركنين مهمين ركن التشريع المجسد لحقوق الطفل وحماية الأسرة والمستقبل، والثاني مأسسة نظام أو خلق منظومة تخصصية تمنح المرتبة الأعلى بالاهتمام والتقدير وحرية العمل، وأعتبارها واحدة من أهم مؤسسات الدولة والمجتمع، يناط بها المسئولية في محاربة ومنع الأنتهاكات ضد الأسرة والطفل بموجب حقوق دستورية كاملة، وثانيا تتولى الأشراف والمتابعة والتطوير للعمل على حماية أمن الطفولة ومستقبلها.
إن النظر إلى قضية الطفولة على أنها قضية فرعية يمكن معالجتها بقليل من الأهتمام وبعض التصريحات والندوات والكتابات، تمثل أستهانة بالواقع والمستقبل العراقي، وفشل أكيد للمجتمع في حماية وجوده من خطر محدق وقادم لا محال مع هذا الأهمال والتقصير، ودون إدراك للمخطط والسياسي والأجتماعي أن العراق على شفا جرف من الوقع بالزلزال الأجتماعي المتفجر مع تزايد العنف والجريمة والشعور بالضياع وعدم القدرة على التوافق والتلائم الأجتماعي، لنكون غدا أمام جيل لا يملك المؤهلات اللازمة ليكون جزء من النسيج الطبيعي الأجتماعي الذي يحرص على حماية نفسه والمجتمع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن