الكون عديم الداخل.. عديم الخارج!

جواد البشيتي
jawadlbsht996@gmail.com

2016 / 11 / 24

جواد البشيتي
افتراضٌ (ليس إلاَّ) أنْ نقول إنَّ الكون هو كوننا فحسب، وإنَّ الكون الآخر (أو الأكوان الأخرى) لا وجود له. وافتراضٌ، أيضاً، أنْ نقول إنَّ كوننا هو أحد الأكوان.
افْتَرِضْ أنَّ كوننا هو أحد الأكوان، فما هو هذا "الشيء" الذي يَضُمُّ الأكوان جميعاً؟
ثمَّة مثال شهير يعيننا على فَهْم الأمر، وهو "مثال النملة".
إنَّها نملة تسير على سطح كرة مُنَقَّط (مليء بالنُّقَط). وهذا السَّطح هو مكان من بُعْديْن اثنين (الطول والعرض).
وكَوْن هذه النملة إنَّما هو "سطح" الكرة فحسب.
أرادت النملة أنْ تسير حتى تصل إلى "نهاية" كَوْنها، فسارت في مسارٍ مستقيم، تارةً في بُعْد الطول، وطوراً في بُعْد العَرْض، فعادت، أخيراً، إلى النقطة (أو الموضع) التي منها بدأت السَّيْر، فتأكَّد لها أنْ لا نهاية لكَوْنِها (فلا نهاية للسطح الكروي).
الكرة كانت تَكْبُر حجماً في استمرار؛ ولقد رَأَت النملة "النتيجة"؛ فالمسافة بين كلِّ نقطتين تتَّسِع، في استمرار، وكلُّ النُّقَط التي حولها، أيْ حَوْل النقطة التي فيها تُوْجَد النملة، تبتعد (وترتد) عنها، والنقطة الأبعد (عنها) هي الأسرع في ابتعادها، أو ارتدادها، عن نقطتها. وبهذا المعنى، قالت النملة بـ "تمدُّد الكون"، مُعَرِّفةً الكون (أيْ كونها) على أنَّه "سطح مِنْ بُعْدين اثنين (طول وعرض) ويتمدَّد في استمرار".
نِسْبَةً إلى النملة (وإنَّ من الأهمية بمكان ألاَّ نَضْرِب صفحاً عن عبارة "نِسْبَةً إلى..") لا معنى، ولا وجود، لـ "البُعْد الثالث (من أبعاد المكان)"، وهو "الارتفاع"؛ أمَّا أنتَ (الكائن البشري) فترى هذا البُعْد في كَوْن النملة، ويسهل عليكَ، من ثمَّ، تفسير وتعليل ظاهرة "اتِّساع كَوْنِها، والتباعُد بين كل نقطتين (على سطح الكرة)".
إنَّكَ ترى هذا "البُعْد الثالث" في "الفضاء الذي فيه تتموضَع هذه الكرة، وتَكْبُر حجماً"؛ وتراه، أيضاً، في "جَوْف وباطن الكرة؛ في مركزها، وفي قطرها، أو نصف قطرها"؛ فالكرة ليست سطحاً فحسب؛ وسبب تمدُّد سطحها إنَّما يكمن في هذا "البُعْد الثالث (بوجهيه)". وأنتَ، الكائن البشري، تستطيع أنْ ترى الكرة كلها، وأنْ تقول إنَّها جسم، أو شيء، محدود، وتتمدَّد في "البُعْد الثالث"، وإنَّ "الانفجار الكبير" Big Bang الخاص بكَوْن النملة يَكْمُن، أو يتموضع، في "مركز" الكرة، الذي هو، أيضاً، يُمثِّل "البُعْد (المكاني) الثالث".
النملة، في وجودها، لا تحتاج أبداً إلى أنْ تعي وجود "البُعْد الثالث"، ولا إلى أنْ تكون لها صلة به؛ وهي بحُكْم تكوينها عاجزة تماماً عن وعي وجوده، والاتِّصال به؛ فليس كل ما هو موجود يُمكننا (أَكنَّا نملاً أم بشراً) إدراك وجوده، والاتِّصال به.
هذا "البُعْد الثالث"، ومن وجهة نظر النملة، لا وجود له، وليس بجزء من كَوْنها؛ إنَّه المكان، أو الفضاء، المنفصل تماماً عن كَوْنِها.
والدليل على ذلك أنَّ كَوْناً آخر (أو أكوان أخرى) يمكن أنْ يكون موجوداً على مقربة من كَوْن النملة، أو بعيداً عنه، من غير أنْ تعي وجوده.
أمَّا كَوْننا (أو الكون) فيختلف عن كَوْن النملة في أنَّ له ثلاثة أبعاد (طول وعرض وارتفاع). وهذه الأبعاد (المكانية) الثلاثة يشتمل عليها "السَّطْح" من "كُرَتنا (أو بالوننا) الكونية"؛ فَكَوْننا، أيْ الكون كله، إنَّما هو "السَّطح"، والسَّطح فحسب، من "الكرة الكونية".
وكَوْننا يتمدَّد في "البُعْد المكاني الرابع (Hyperspace)"؛ أمَّا "الانفجار الكبير" Big Bang الخاص بكَوْننا فيَكْمُن، ويتموضع، في "المركز" من "كُرَتنا الكونية"، والذي هو، أيضاً، يُمثِّل "البُعْد (المكاني) الرابع". وإذا كانت النملة لا تعي وجود "البُعْد الثالث" فإنَّ البشر لا يَعون وجود "البُعْد الرابع"؛ فهذا البُعْد ليس بجزء من كَوْننا، الذي كله، وبكل ما فيه، يَقَع على "السَّطْح" من "كُرَتنا الكونية".
أنتَ الآن في مركبة فضائية تسير في الفضاء بين النجوم، أو بين المجرَّات. إنَّكَ تستطيع السَّيْر إلى الأمام، وإلى الوراء؛ إلى اليمين، وإلى اليسار؛ كما تستطيع السَّيْر إلى أعلى، وإلى أسفل؛ فإذا سِرْتَ، في مسارٍ مستقيم، في أيِّ اتِّجاه من هذه الاتِّجاهات، فإنَّكَ تعود، في آخر المطاف، إلى النقطة التي منها بدأ سَيْرَك.
مهما تقدَّمْتَ في سَيْرِكَ إلى أعلى، فإنَّك لن تغادِر الكون؛ ومهما تقدَّمْتَ في سَيْرِكَ إلى أسفل، فإنَّكَ لن تصل إلى مركز الكرة الكونية؛ والفضاء الذي تسير فيه إلى الأمام، وإلى الوراء، إلى اليمين، وإلى اليسار، إلى أعلى، وإلى أسفل، إنَّما هو جزء من كَوْننا، الذي يَقَع كله على "السَّطح (بأبعاده المكانية الثلاثة)" من "كُرَتنا الكونية"، التي على مقربة منها، أو بعيداً عنها، قد يَقَع "كَوْن آخر (أو أكوان أخرى)"، في "البُعْد (المكاني) الرابع" Hyperspace؛ فإذا وُجِد فلن نعي وجود؛ كما لا يمكننا أبداً الاتِّصال به. إنَّ "البُعْد الرابع"، وبكل ما فيه، ليس بجزء من كَوْننا؛ لا صلة لنا به، ولا يمكننا إدراكه؛ فَنِسْبَةً إلينا يستوي وجوده وعدم وجوده.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن