غواية البيادق المستعارة...

يعقوب زامل الربيعي
yakoob46@yahoo.com

2016 / 10 / 27

قصة قصيرة
........

ــ " أحيانا، حين أقرأ أو أسمع، بأن شخصا ما، يحس أو يشعر بأنه غير سعيد، يتبادر لذهني سؤال: " كيف لم أعِ مثل هذا الشعور من قبل بصورته المثلى، وحتى لكأني لم أتوقف لبعض الوقت عندها في محاولة لأستنباط ذات الشعور الخفي بداخلي أيضا؟. بيد أني في هذه اللحظة، ولأنني أعيش الحالة، أشعر لأول مرة بأنني غير سعيد تماما ".
سمعتك تقول هذا لشخص ما. وسمعتك أيضا، تضيف له شيئا آخر تعتقده أكثر أهمية وانت تهمس بخفوت:
ــ " أختر الحب .. فمن دون حياة الحب العذبة، تكتسي الحياة عبثا ثقيلا.. "
وحتى لا تترك فاصلة، سمعتك وأنت تبتسم بصوت مسموع:
ــ " هههه .. هذا الذي أضفته توا، ما كان من عندي، لقد قرأته في وقت ما. دائما ما نتركه يلتصق بالذاكرة، هو جزءنا الآخر الذي يخزنه الآخرين في وجدانهم أيضا. إنه العبقرية المتوزعة بين الأحياء المتكاتفين مع بعضهم.. الأكثر دفئا ".
المطرُ ناعمٌ/ سأعفيك من لعبة الهواجس / جسدك كله مرآة/ هل ترى صنبور الماء الذي نسيته مفتوحا وأنت تغادر البيت؟/ أن ترى حبيبتك التي لم تعد تحدثك حتى حلول الفجر؟/ المطرُ ناعمٌ كيف هي اللعبة/ أن تشم عفونة خرسك مثلا؟/ ولم المطر ناعم؟.
هل بدأت تدرك لماذا يبدأ المطر ساعة هطوله ناعماً ثم ينهمر؟.
هل أدركت لماذا وأنت تمرُ أمام شحاذ، كان يتميز عن غيره من الشحاذين بطلعته المربكة، أنك تتمهل أمامه ويداك في جيبيّ بنطالك، كأنك لست أنت؟. كأنك أكثر من أي يوم، أكثر عفّة؟. أتدري أنك أحسست كم هي عفنة رائحة الخرس وأنت تشمها ببطئ؟.
كان لهذا العنصر المفاجئ في نفسه، والغير متوقع، تأثيران متوازيان، تفصلهما الإشارة الغير متوقعة، كي يلتقيان: الأول إحساسه بأنه كان يولي المكان الذي هو فيه، بعض من الأهمية المقصودة، وكأنه يقف في شرفة ما عالية ليرى ما يجري وما يحدث تحته مباشرة. وثانيا كان هو شبيه برجل غريب، في المكان أعم غربة. يمرّ بطيئا وفي نفسة رغبة متمارضة، أن يلتقي بإنسان لا على التعيين، لكنه على وجه الخصوص، سيعطيه وجها ناعما، وقبل أن يوليه ظهره يترك في عينيه أثرا من ود وابتسامة تحمل عنوانه بالكامل.
تمرّ صور الحرب مشوشة، ويمر السلام شبيه بامرأة تجلس في مؤخرة عربة خشبية يجرها حصان ، بين أصابعها عنقود عنب أسود، تتمطقه بتمهل.
وحين تكون ليلا أمام كأس صافية أشبه بالزلال الفضي، وأنت في غرفتك التي تقول عنها محظيتك الأليفة، تروح ساهما مع صوت مطربة عراقية يهودية، تعاني في منفاهها البعيد، تشنجا. أنها وجبتك الممتعة بعد كل نهار مضني.
دوم.. دوم.. دوم.....
المرأة الحنطية الشابة، والنحيفة، وبالرغم من ميلان قامتها للقصر، وهي تمر أمامك، وكأنها شجرة سرو تتوسط شارع عام في مدينة مأهولة بالأشياء وبالناس، كأنها تدرك أهمية قامتها بما حولها. هي لم تكن متأملة، وبالرغم من قلق في داخلها أنها قد تأخرت عن موعد مع شخص ما، إلا انها كانت على ثقة أنها ستلحق به لو تأخر قليلا. لكنها على العموم كانت تخص تفكيرها بناحية هامة، هي: لحظة تصل، ماذا ستقول له من كلمات، وكيف عليها أن تعتذر قبل أن تحضن وجهه بيديها الباردتين، قبل أن ينزويا في وصف من الفتنة الخلابة، والخدر الدافئ الذي يروح يتناسل في روحيهما شراكة ليخلق في كل منهما شخصيتها المتباهية.
قبل أن يفيق من حلم تصوراته، كانت الشابة السمراء القمحية، مثل نقطة فضية متموجة، تندس في نقطة ارجوانية عائمة. لكنها بكل تأكيد، لم تغفل أن تترك أثرها الممغنط في رأسه، لحظة لمت بين أصابعها الدقيقة الناعمة، خصلة سوداء من أمام عينيها السوداوين لتعيدهما، مثل طائر شت غفلة، إلى سربه الأسود المتهدل الذي كان ينسدل على كتفيها الصغيرين. فكر بشعور من الإثارة، أنها ربما كانت تفعل هذا كل 3 ثوان، كأن ذلك بعض من اسلوبها الجسدي الغير مقصود في حل معضلة تكوينية في طريقة استقلالها عن الزمان، وغير عابئة بما يدور حولها. كانت ترتدي بلوزة صوفية برتقالية اللون، وبنطال صحراوي لا يبدو جديدا، كاللذان كانت حبيبته ترتديهما قبل سقوطها في الفضة الشاحبة.
دوم.. دوم.. دو..دو..د..و..م..م.......
تجيء أصابعك على قامتها المريضة/ دوم/ دو/ م/ تجيء الصرخة تتوهج كالنار/ وأنت تجوع لملامسة نهدٍ/ يتعرق تحت خصلات السرو/ دو.. دو..د/ ها أنت تثيرك شبهات العمر/ يفاجئك ذهولك بقع من لونٍ/ ومضلةٍ/ كيف أخفيت النوم/ مثل نقلة خاطئة/ وكالزيت/ ينقعك زيت الرقعة/ وجولات الطعن/ وتبتل بزلة كتمانك/ تتجرأ ثانية / ان تمارس هواجس الخرس/ لتمارس غواية البيادق المستعارة؟!
ولما لم يستطع إدراك سبل مشاعره، برق في باطن ياطنه، ضوء أحمر، ودون أن ينبس بأيما كلمة واضحة، كان بالتأكيد داخل شرنقته، يستمع لموسيقى روحانية عالمية. وفي داخله تسللاً. رغبة لدفءٍ بحضن فراشٍ، في غرفة دافئة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن