تراعيني قيراط أراعيك قيراطين

فاروق عطية
bastota@yahoo.com

2016 / 10 / 26

اتصلت بي إحدي القارئات الصديقات وفي صوتها رنة حزن دفين تطلب نصيحتي، قالت: قررت السفر لمصرنا الحبيبة لزيارة الأهل والأحباب وقضاء بضع أسابيع والعودة. سألتها عن نبرة الحزن التي تشعّ من صوتها، أجابت بصوت متهدج حزنا ولوعة: أنا أواجه مشكلة، قد يراها البعض بسيطة إذا كان مسافرا بمفرده، ولكنها ليست كذلك بل هي في غاية التعقيد إذا كان المسافر في ظروفي الآنية، كما تعلم أن إبنتي ذات الثلاث سنوات تعاني من مرض نادر ولا تتحمل الإرهاق. المشكلة أنني حجزت للسفر علي طائرة الخطوط اليونانية (أوليمبيك) لرخص أسعارها، سيكون هناك عشر ساعات ترانزيت ليلا بمطار أثينا. وحيث أنني لست مواطنة كندية بعد، ولكني حاصلة علي الإقامة الدائمة، ولا أحمل جواز سفر سوى الجواز المصرى، نصحني مكتب السفريات بالتوجه للسفارة اليونانية وطلب فيزا حتي أتمكن من قضاء فترة الترانزيت بالفندق الخاص بخطوط طيران أوليمبيك بأثينا بدلا من قضاء هذا الوقت الطويل بأرض المطار، وهذا شاق وشديد الإرهاق لطفلتي بظروفها المرضية. ذهبت للسفارة اليونانية ودفعت رسوم الفيزا ( 60 دولار) وفوجئت برفض إعطائي الموافقة دون إبداء الأسباب، وعلمت أن هناك أكثر من 50 رفضا لمصريين مثلي خلال هذا الشهر، مما يوضح أن هناك نعنت بيّن ضد المصريين بالذات. بعد لحظة تفكير نصحتها بالتوجه إلى مكتب جوازات السفر الكندي وتقديم طلب الحصول علي وثيقة سفر كندية (ترافيل دوكيومنت) التي يمكن استخدامها كبديل لجواز السفر حتي الحصول علي الجنسية، وبها يمكنها الدخول إلي اليونان بدون فيزا كأي مواطن كندي.
رحت أفكر، لماذا يعامل المصريين بالذات هذه المعاملة السيئة خاصة من الدول الصديقة التي نعامل رعاياها بكل الحب والاحترام؟ ولا أدري لماذا خطر علي بالي بيت شعر للمتنبي منقوش علي قبره: هذا جناه علي أبي ... وما جنيت علي أحد. ووجدتني أستبدل كلماته لتكون: هذا جناه علي وطني ... وما جنيت علي أي وطن.
لقد هُنّا علي وطننا حتي أصبحنا فيها بلا كرامة مهما كان السن أو المركز إلا من رحم ربي، وأصبحنا نُعامل معاملة يأباها دعاة الرفق بالحيوان أن يعامل بها أحقر حيوان. إذا دخلت أي مخفر للشرطة حتي لو كنت مجرد شاهد، أو مقدم مظلمة، تعامل معاملة المجرمين وإن حاولت الاعتراض يلقي بك في الحجز أياما وتلفق لك التُهم ولا تجد طوقا للنجاة. لو اعترضت علي سلوك تراه خاطئا للرئيس أو أي من حاشيته فالاعتقال وراء الشمس حتي يبان لك صحاب. لو دخلت مكتبا حكوميا خدميا لانجاز خدمة ضرورية تقف ساعات في طوابير مالا نهاية لها أو تدفع المعلوم، أو علي رأي القول البلدي الشائع: إذا أردت أن تنجز فعليك بالونجز" والونجز لمن لا يعلم هي نوع من أنواع السجائر"..!! إذا كان هذا واقعنا وحالنا في وطننا الذي نعيش فيه وندفع ضرائبه، هل تتوقع أن يعاملك الغير بالأفضل؟ خاصة وهم يعلمون مهما أساءوا إليك فلن يتحرك ساكن في وطنك للدفاع عن حقوقك، فيزيدهم ذلك جبروتا.
تغتح بلادنا أبواب موانيها ومطاراتها مرحبة بكل من هب ودب للدخول بدون فيزا مسبقة بدعوي تشجيع السياحة بل يحصل عليها فور الوصول دون معوقات (ذلك قبل انخفاض عدد السياح بل ندرة تواجدهم الآن لما تعانيه مصر الآن من مؤامرات إخوانية بعد ثورة 30 يونيو وعزل الملحوس) رغم أن ببلادنا ثلثي آثار العالم، وبها أجمل الشواطئ والمنتجعات علي البحرين الأحمر والمتوسط، وبها أيضا أقوى مقومات السياحة الثقافية والدينية. لو كانت حكوماتنا تحافظ علي كرامة المواطن المصري وتعامل الدول التي تسيئ إليه بالمثل، وتطالب رعاياهم بالحصول علي الفيزا مقدما وترفض من لا يحترم تراثنا وتقاليدنا وقيمنا، لعملت تلك الدول ألف حساب لنا.
خبر آخر لِما وصل له حال المصري في بلاد الخليج من هوان، طالعناها بجريدة الأهرام منذ فترة، مواطن مصري هانت عليه نفسه وهانت عليه حياة أولاده وزوجته الطبيبة والأستاذة الجامعية، لدرجة أن يضعهم في صناديق من الكارتون في السيارة مخاطرا بحياتهم وبحياته أيضا، هربا من جحيم كفيله في إحدي دول الخليج، الذي أبى أن يسمح لهم بالعودة إلى مصر بعد أن صادر جواز سفر زوجته وهددهم بالثبور وعظائم الأمور، فلم يجد الرجل أمامه طريقا للخلاص إلا بهذه الطريقة الشديدة الخطورة، التي نشرتها جريدة الأهرام القاهرية وتناقلتها الفضائيات العربية كقصة مثيرة وغريبة. لو أن هذا المواطن المصري المتعلم والمثقف شعر أن وراءه حكومة قوية تحمي ظهره وتدافع عن حقوقه المغتصبة، وتحميه من قرصنة بدو الصحراء المتوحشين، لما فكر مجرد تفكير في تعريض حياته وحياة أسرته لخطر داهم كما فعل هذا المواطن المصري عبد اللطيف محمد صبري. ومثل هذه الواقعة العشرات من المأسي النتكررة، فالمصريون في دول الخليج يواجهون ظروف عمل صعبة للغاية، غير أن أغلبهم مضطرون إلي القبول بهذه الظروف الغير إنسانية، أملا في تحسين ظروفهم المادية وأحوالهم الحياتية والهرب من حالة الفقر التي يعيشون.
أيضا أتذكر ولا أستطيع نسيان عودة النعوش الطائرة، التي كانت تحمل داخلها عشرات الجثث لقتلى مصريين العائدة من عراق صدام حسين يوميا، ولم يعرف أحد أين أو كيف أو لماذا قتلوا؟ وأغمضت حكومتنا الوطنية أعينها حتي لا تجعل من مثل هذه الأحداث التافهة من وجهة نظرها قضية مع العراق الشقيق، بدعوي أن هناك قضايا استراتيجية أهم من حياة المصريين التي أصبحت لا تساوي شروى نقير في داخل مصر أو خارجها. فهل من الرفاهية أن نطالب بحماية المغتربين في الدول الشقيقة ؟ ولماذا تدافع الحكومة عن المواطن؟ هل هذا المواطن هو الذي اختار الحكومة وأتي بها لسدة الحكم ؟ بالطبع لا. هل تحرص الحكومة علي مصالح المواطن وتحاول جهدها إرضائه لأنه هو من اختارها، ولديه الفرصة أن يقيلها ؟ بالطبع لا. فإذا كان المواطن- أي مواطن لم يلعب دورا في اختيار الحكومة أوالوزارة، فمن المنطق أن لا الحكومة ولا الوزارة يشعرون بالامتنان لهذا المواطن، وبالتالي من المنطقي والطبيعي ألا يدافعوا عنه أو عن مصالحه وقضاياه، فقط يدافعون عن مناصبهم ومصالحهم الخاصة.
بعد قيام الشعب بثورتين، أولهما 25 يناير 2011 التي أطاحت بالمعزول لكن ركبها الإخوان، والثانية 30 يونيو 2013 التي أنهت حكم الإخوان وأطاحت بالملحوس، وعاد الجيش للسلطة مدعوما بالسلفيين الوهابيين الأشد مكرا من الإخوان. وبعد فترة انتقالية تولي عبد الفتاح السيس سدة الحكم تحقيقا لرغبة الشعب، لكن مازال المواطن لا يشعر بأنه سيد الموقف كما كان يريد يثورتيه وعادت الأمور كما كانت عليه. مجلس النواب بدلا من كونه ممثلا للشعب رأيناه مطبلا ومزمرا للسلطة أسوأ مما كان أيام الحزن الوطني. وسائل الميديا المفروض أن تكون صوتا ونفيرا للشعب لكنها للآسف صوت سيده بوقا يردد ما يريده النظام. السلطة لا هي ديكتاتورية خالصة ممسكة بتلابيب القوة والقدرة علي إنهاء للانفلات والقلاقل التي يسببها الإخوان في الوادي والحركات الجهادية في سيناء، مرخية حبل الأمان للسلفيين يبعثرون في الوحدة الوطنية ويقلعونها من جذورها، وأخشي أن يلتف حبلها حول الرقاب، ولا هي ديموقراطية تترك الفرصة للمعارضة أن تكشف الأخطاء وتنير الطريق للإصلاح، بل تنفر من الرأي الآخر وتطيح بكل من يتجرأ بالانتقاد. يفعلون عكس ما يقولون، علي سبيل المثال يدعو السيد الرئيس لتصحيح الخطاب الديني واحترام المواطنة، ويُسجن كل من يحاول ذلك ومنهم إسلام البحيري وسيد القمني وفاطمة ناعوت والخوف أن يطول العقاب صوت الشعب النابض ابراهيم عيسي.
ذهبت إلي الفراش لأستريح من عناء اليفكير فيما كان وما يجب أن يكون، واستغرقت في نوم عميق، وقمت فزعا علي صراخ أم العربي، هدأت روعها وحين هدئت قالت: حلمت أنك ذهبت إلي العراق لتصوير معركة استرداد الموصل، وأنك تقدمت بعيدا عن القوات العراقية فقبض عليك الدواعش، وألبسوك الحُلة البرتقالية وقاموا بقطع رقبتك، فصرخت رعبا وخوفاعليك. طمأنتها وربت علي ظهرها وعدت للرقاد ورحت في نوم عميق




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن