تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2016 / 10 / 26

تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي

نجحت كل الأنظمة العربية في رحلة دفاعها المستميت عن وجودها اللا عقلاني في فرض سياسة التأزيم والإشغال المزدوج، وأختلاق سلسلة من الدوامات اليومية والتي تشتت الوعي الفردي والجمعي للمجتمع، وتعميق الشعور العامة بالخيبة الأكيدة من الواقع والفشل التام في التغيير، هذه السياسة التي تضرب صميم الواقع الأجتماعي وتخلق حالة من اللا توازن في صفوف المجتمع وتفقده القدرة على التركيز والبحث الجاد عن حلول، اخترعت مفهوم طارئ وسعت للنجاح ببديل أسمه (عيشني اليوم وموتني غدا)، هنا نسجل لكل الأنظمة العربية مع تأكيدنا على غبائها المزمن أنها تفوقت (بذكاء غير معتاد) حتى على الشيطان في تطبيق هذه النظرية والأنتصار على شعوبها يوميا.
لقد تبنت النظريات الأجتماعية السياسية ومنذ القرن التسع عشر وصعودا فهما متصاعدا مع تطور مفهوم ودور الدولة الحديثة، وتطور النظريات السياسية التي تهدف من ممارسة السياسة من جعلها أداة حكم وسيطرة إلى وظيفة إدارة مجتمع وتقديم أفضل خدمة ممكنة تجعل من الإنسان المجتمعي قدس الأقداس لديها، لذا فهي بالدوام تبحث عن كل الوسائل العملية التي تؤكد منهجها الساعي لذلك، حتى الديمقراطية التي بدأت في مراحلها الأولى بمفهوم حكم الأغلبية إلى مفهوم أوسع وشمولي هو الخضوع للإرادة الخالقة لتساوي الفرص داخل المجتمع الواحد للوصول إلى حفظ حقوق الإنسان الأساسية ومحاولة إشباع الحجات الضرورية للفرد والمجتمع بعيدا عن مفهوم ودلالات الأغلبية والأقلية.
السياسة الوطنية وإدارة المجتمعات في ظل التطورات الفلسفية الواقعية اليوم لا تنظر لموضوع السلطة على أنها أمتياز أو مكافئة للأيديولوجية، ولكنها تقر أولا أن كل الأفكار السياسية هي بالأخر جزء من محاولة الحل وطريقا للبداية، فلم تعد الأيديولوجيات وصفات جاهزة ولا هي وسائل لتثبيت السلطة وتدعيم حقها بالحكم وفق نظرية جزئية، لترغم المجتمع على الخضوع لقانونها الخاص ولقانون المنفذ كونه الأعلم والأجدر والذي لم تنجب الأرض مثله، بهذا الفهم القاصر الديكتاتوري تتمثل إشكالية ومأزق السلطة المأزومة في نظرتها الدونية للمجتمع، لذا لم يصل الفكر السياسي العربي لمعنى الإدارة الديمقراطية الإنسانية الحديثة ولن يدركها من قريب، طالما أن الحاكم السلطوي العربي يفكر بدل الجميع ويقرر بمكان المجتمع، ولأنه المختار الأوحد كما ينظر لنفسه أنه أبن السماء المبعوث للناس.
مثلا في الدستور الوطني لمعظم المجتمعات العربية هناك نص أو معنى يقوم على مفهوم يقول إن السلطة بكل أجهزتها في خدمة الشعب، وهذا الإقرار لا يشكل حقيقة ملزمة وإن كان نصا أو مبدأ دستوريا يجب أن يكون كذلك، ولأن في الواقع هناك واقع اخر يقول الشعب بمجمله ما هم إلا عبيد في خدمة السلطة والسلطان، لسبب بسيط يعود لقراءة رجل السلطة ومنظومة الحكم المتخلفة هكذا تجسد الحق الدستوري، وهكذا يقرأ السياسي السلطوي العربي عامة والعراقي خاصة وظيفته ووجوده في رأس وعلى قمة المسئولية، دون أن يقرأ مبادئ روح الدستور ويحرص على تطبيقها بحذافيره.
في الانظمة الشمولية الديكتاتورية التي تعودت البقاء تحت قوة السلطة وقهرها لا بد لها من وسيلة عملية تغيب وتقصي الوعي الأجتماعي عن تلمس الحقوق والواجبات التي من المفترض أن تكون السقف الذي تتحرك من تحته السلطة، العلة التي تدفع بهذا الأتجاه الديكتاتوري هو تحجر السلطة وفلسفتها وأدواتها تحت مفهوم الملك العضوض، الملك الذي لا ينبغي للغير أن يتمتع به وبأي علة ولأي سبب، أما في تفكير الأنظمة التي تعتمد الديمقراطية بصفتها حل إنساني أجتماعي وضروري، تتحول السلطة إلى أداة إدارة ووظيفة أجتماعية لخدمة المجتمع، وتكون طبيعتها تداولية تتحرك مع تحركات الوعي الجمعي وتتبدل مع تحولاته وأنتقالاته دون حصانة أو معصومية.
من الإشكاليات الأخرى في الفكر السلطوي العربي هو عدم التفريق بين الدولة وبين السلطة، وما زال الأعتقاد لويسيويا (أنا الدولة والدولة أنا)، فعندما تمارس السلطة ديكتاتوريها تتوهم أنها تمارسها باسم الدولة، ديكتاتورية الدولة بالفكر المعاصر وفي ظل مفاهيم الفلسفة الحداثية لا تعني بالضرورة ديكتاتورية السلطة ولا تتطابق معها، الدولة الحديثة عندما تمارس ديكتاتوريتها إنما تمارس الواجب الأجتماعي الإنساني الضروري في توازن بين الواجب والحق، كديكتاتورية للقانون مقابل مفهوم السلطة الأمرة الناهية قانون يصنع مجتمع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن