العرقيون

نعيم إيليا
nilia15@gmail.com

2016 / 10 / 21

نظرية الأعراق البشرية نظرية قديمة جداً، غير أنها لم تنزلق إلى القبح والشناعة والإجرام إلا بعد أن تعززت الداروينية بين الأوربيين وبعد أن انحرف بها نفر من علماء الاجتماع عن جادتها إلى جادة الصراع بين البشر. وكان من النتائج غير المباشرة لذلك الانحراف حربان عالميتان، وكان من نتائجه المباشرة إبادات لمجموعات بشرية في أفريقيا على الأخص.
إن مفهوم العرق في ذاته، ليس من القبح والشنوع والإجرام في شيء، فما هو سوى وصف لسمات خارجية أكسبتها الطبيعة خلقاً من خلائقها من لون وهيئة وتقطيع وجه وساق لغاية شريفة هي التكيف مع البيئة، ولكنه يقبح ويجرم حينما يغتنمه قوم في التفاضل بين الأعراق تفاضلاً يمنح عرقاً حق البقاء أو حق الكرامة، ويسلب من عرق حق البقاء أو حق الكرامة.
وقد أفادت الماركسية من نظرية التطور الداروينية؛ فاستلهمت منها مبدأ صراع الكائنات من أجل البقاء، وطبقته في الميدان الاجتماعي ولكن في صورة صراع طبقي. فخلت الماركسية بذلك كل الخلو من أي إشارة إلى صراع بين البشر على أسس عرقية، بل (حرمت) هذا اللون من الصراع تحريماً.
بيد أننا لا نعدم وجود (ماركسيين) بيننا يتبعون منهجاً من مناهج الحجاج يقربهم من العرقيين من حيث لا يدرون أو من حيث يدرون ولا يكترثون. يظهر ذلك عندهم أكثر ما يظهر لدى معالجتهم للمسألة اليهودية. فإنهم لكي يثبتوا أن لا حق لليهود في أن تكون لهم دولة، يخوضون في مستنقع العرقية المكروه لديهم (أصلاً) خوض غير الكاره له.
وكيف ذلك؟
للجواب عن هذا السؤال، أسوق للقارئ كلاماً جاء في رواية أفنان القاسم (بيروت تل أبيب) على لسان شالوم وهو شخصية من شخصياتها تذكرنا في هذا المكان بالمؤرخ الماركسي شلومو زاند:
((لستُ يهودي تحت معنى أن كل واحد منا ليس بالضرورة عبراني، رد شالوم. صحيح فقدت الذاكرة لكن ليس الرأس، فلا أتوقف عن التفكير في حالي، في النظر حولي، في مساءلة كل هذه الوجوه المختلفة التي يجمعها الدين كجامع واحد مشترك. اليهود الأصليون، العبرانيون، اليهود الأنقياء، اندثروا منذ أكثر من أربعة آلاف عام، كما تقولين، ربما أقل أو أكثر، هم على أي حال لم يعودوا موجودين، ككل شعوب العهود القديمة، لكن الشريعة الموسوية انتشرت بين الشعوب. لهذا تقول لك وجوهنا إننا أولاً مغاربة، أو فرنسيون، أو روس، أو أفريقيون، أو بولونيون، أو عراقيون، أو فلسطينيون)
وهو كلام أو حجة، كما يرى القارئ، يعتمد أو تعتمد على النظرية العرقية في نقض الصهيونية التي تمثل النزعة القومية لليهود؛ وهو الحجة التي يعتمدها ماركسيونا المشار إليهم في نقض الحق القومي لليهود أيضاً. فشالوم يعتقد أن العبرانيين كعرق اندثروا، لم يبق من أثر لهم سوى الدين. ولما كان الدين لا يصلح أن يكون عاملاً من عوامل القومية، فقد بات القول بحق اليهود باطلاً.
ورب سائل ههنا يسأل: أليس شالوم محقاً عندما يؤكد انقراض العرق العبراني أو ذوبانه في الشعوب الأخرى؟
فأجيبه بلا ونعم: فهو محق من حيث أراد أنه لا وجود لشعب نقي العرق خالصه، إلا فيما ندر.. في الغابات الممطرة مثلاً. ولكنه ليس محقاً من حيث أراد أن ذلك موجب لنقض حق اليهود في أن يكونوا شعباً. فإن العرق مثل الدين لا يصح أن يكون اليوم عاملاً من عوامل القومية. وما يقول بالعرق عاملاً من عوامل القومية إلا العرقيون العنصريون. فما بال الماركسي ينجرف مع تيار العرقيين العنصريين!؟
هذا من وجه، ومن وجه آخر: فإن نقض حق اليهود بالاستعانة بعامل العرق، ينقض حق الفلسطينيين أيضاً. فإن الفلسطينيين كاليهود، كجميع الشعوب، ليس لهم عرق صاف نقي.
وقد يبرر مبرر اتِّباع الماركسيين المشار إليهم هذا المنهج، بأنهم إنما يتبعونه لينقضوا مزاعم اليهود بأن عرقهم لم يعتكر عبر العصور في الشتات.
ولهذا المبرِّر أقول: فماذا لو تنكر اليهود لهذا الزعم؛ أي إذا بطل لديهم الاعتقاد بأنهم عرق نقي لم يدخله شوبٌ؟ هل سيكون لليهود حينئذ حق في أن يكونوا شعباً؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن