الأصل الوثني للوصايا العشرفي اليهودية والمسيحية

حسن محسن رمضان
kusecular@yahoo.com

2016 / 10 / 1




تتصرف الديانات الإبراهمية الثلاثة، وخصوصاً المسيحية والإسلام، مع العصر الذي سبق تجلي عقائدها مباشرة على أنه عصر يُمثل انحطاط في كل شيء تقريباً. هذا الموقف في جانب تلك الديانات يتيح لها أن تدّعي أن معاييرها الأخلاقية التي تجلت على لسان أنبياؤها، أو في حالة المسيحية على لسان إلههاالراباي اليهودي، هو تجلٍ إلهي أصيل ومباشر ولم يُسبَق إليه في التراث الأخلاقي أو الفلسفي البشري. ففي اليهودية، وإنْ كان شعور النقص واضحاً تجاه العقائد والممارسات والأخلاقيات الوثنية الفرعونية [كما سنرى أدناه في اقتباس المعايير الأخلاقية، وهو موضوع المقالة، هذا بالإضافة إلى أن أشهر مثال هو فكرة "تابوت" العهد، انظر سفر الخروج الأصحاح 25 وما بعده، وعبادة العجل المقدس، انظر الأصحاح 32]، فإن الكتاب المقدس العبري [يسمى في التراث المسيحي بـ "العهد القديم"] يتخذ موقفاً عدائياًمن كل شعوب الأرض بحيث تتدنى إنسانية تلك الشعوب الأخرى المختلفة عنه إلى حدود المباح ولتصل ذروتها كلما تقدم الزمن بهذه القبائل اليهودية البدوية تجاه الأمم المتحضرة [انظر على سبيل المثال سفر الخروج حيث يعلن لهم إلههم "يهوه": (الرب رجل الحرب)، ثم أسفار هذه الكتاب المتعددة حيث تتكرر عبارات: (الضرب بحد السيف وتحريم كل نفس حتى لم يبقَ شارد) أو (احرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار) أو (اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة) أو (احرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار) .. الخ]. أما المسيحية والإسلام فإنهما مختلفين بعض الشيء، ومنبع هذا الاختلاف هو أنهما يطرحان أنفسهما على أنهما أصحاب معايير أخلاقية أصيلة ومتعالية كانت غائبة تماماً عن عصر يسوع أو النبي محمد، وهذا ادعاء غير حقيقي ولا أصل له ولا يُعبر عن وقائع تاريخية. فالدراسات الحديثة أثبتت بما لا مجال معه للشك بأن (جميع) ما تلفظ به يسوع من معايير أخلاقية هو (نقل مباشر من مصادر متعددة) منها التراث الوثني اليوناني والروماني، والتراث الديني اليهودي، أوالفلاسفة الكلبيونالذي كان يسوع متأثراً ليس فقط بتعاليمهم ولكن ببعض نواحي طريقة حياتهم ومنهج تبشيرهم الوثني أيضاً [انظر على سبيل المثال الهامش رقم 1 لمناقشة مصادر يسوع الرابانية اليهودية، وانظر مقالات كاتب المقالة عن يسوع والفلاسفة الكلبيين]. وكل، أكرر: كل، ما يثبت عن يسوع من تعاليم أصيلة له هو اخترعها وليس مصدرها تلك المصادر السابقة هي (تمثل في حقيقتها حالة متطرفة عن التراث الديني اليهودي أثبت السياق الإنساني فشلها الذريع) مثل منعه الطلاق نهائياً إلا لعلة الزنا، وتأكيده بأن من تزوج مطلقة فإن ذلك الزواج هو نوع من أنواع الزنا، واعتباره النظر لامرأة بشهوة أيضاً نوع من أنواع الزنىوليؤكد لمستمعيه بأن علاج من لا يستطيع ذلك هو قلع العين [متى 5: 28-29]ومثل إدارة الخد الآخر للصفع وإلى آخر تلك التعاليم التي اخترعها وشذّ بها عن السياق الديني اليهودي، أما باقي تعاليمه الأخلاقية التي تدّعيها المسيحية اليوم، وتسوقها دعائياً، على أنها نتاج لتعاليم إلهها يسوع فهي، في حقيقتها، نقل مباشر، وأحياناً كثيرة جداً، وكما سنرى أدناه، أقل تعالياً وتميزاً من التراث الوثني بالذات أو اليهوديوالفلسفة الكلبية الذي كان ينقل عنهما. أما في الإسلام فالموقف من ما أسماه بـ "الجاهلية" شهير جداً مما يغني عن إعادته هنا.

في الأشهر الماضية كان جهدي منصباً على تتبع المصادر الوثنية للمعايير الأخلاقية اليهودية والمسيحية. وقد تفاجأت في الحقيقة بكمية النقل المباشر من تلك المصادر الوثنية ونسبتها إلى تلك الديانتين. أدناه، هو أحد الأمثلة الصارخة،وهو ترجمتي العربية لأحد تلك المصادر الوثنية والتي تعتبر المصدر الحقيقي الوثني لما أصبح يُعرف بـ "الوصايا العشر" في التراثين اليهودي والمسيحي. المصدر الحقيقي لتلك الوصايا العشر هو (التراث الأخلاقي الديني الفرعوني). أصول تلك التعاليم تعود إلى النقوش الحجرية في حوالي سنة 2325 قبل العصر الحاضر [أي قبل الميلاد، انظر الملاحظة أدناه]، أي قبل أكثر من ألف سنة من التاريخ المُدّعى لبروز اليهودية، وذلك في عهد المملكة الفرعونية القديمة للملك يونيس (Unis) من السلالة الفرعونية الخامسة. أما كتابات أوراق البردي فتعود أصول لما عثر عليها إلى حوالي سنة 1500 قبل العصر الحاضر [قبل الميلاد]، أي عصر المملكة الفرعونية الحديثة. ففي الترجمة أدناه، لأحد نصوص كتاب الموتى الفرعوني، سوف تقرأ عبارات يؤكد الميت من خلالها أمام آلهته الفرعونية الوثنية بأنه لم يقترفها، وهي تُمثل معايير أخلاقية دينية تستوجب العقاب الإلهي في حال انتهاكها:

(لم أفعل منكراً ضد بني البشر، لم أُفقِر ... لم أفعل شراً، لم أكلف إنساناً عملاً أنا نفسي لا أطيقه ... لم أحرم يتيماً من حقه، لم أفعل شيئاً يُغضب الآلهة، لم أتهم خادماً زوراً عند سيده، لم أتسبب بألم أحد، لم أتسبب بجوع أحد، لم أتسبب ببكاء أحد، لم أقتل، لم آمر أحداً بالقتل، لم أتسبب بمعاناة أحد ... لم أزني، لم أُسيئ التصرف، لم أقلل إمدادات الطعام (لم أتسبب بمجاعة جماعية) ... لم أستولي بغير حق على أراضي الحقول، لم أطفف في الموازين ... لم آخذ الحليب من أفواه الأطفال ... لم أبني سداً على مجرى الماء (لم أحتكر الماء لنفسي) ... لم أسطو .. لم أسرق ... لم أكن طماعاً جشعاً .. لم أخن الأمانة ... لم أكذب ... لم أشهد زوراً ... الخ الخ)

سوف تتفاجأ عند قراءة النص أعلاه أن تلك التعاليم الأخلاقية الفرعونية (الوثنية) ليس فقط قد نقلها التراث اليهودي في كتابه المقدس وادعتها المسيحية على أنها تجلٍ أصيل غير مسبوق لمعايير إلهها الخاص فقط، ولكن هذا النقل اليهودي، ومن ثم المسيحي، كان أقل تعالياً في المستوى الأخلاقي وأقل "إنسانية وتنظيماً" ومشوهاً ومختصراً بسبب الظرف اليهودي القبلي البدوي الرعوي الذي لم يكن يناسبه أن يتبنى (كل تلك الوصايا الفرعونية) التي كانت تُمثل بالنسبة لهم مدنية زراعية حاضرة قارة وأكثر تفاعلاً من حيث التشعب والاختلاف الإنساني.

أترككم الآن من النص المترجم.

ملاحظة: لقد توقف في كل الكتابات النقدية والتاريخية الحديثة استخدام عبارة (قبل الميلاد) أو (بعد الميلاد) لأسباب متعددة أبسطها هو انعدام الدقة المعرفية لهذا الميلادالأسطوري بالإضافة إلى أن العبارة هي في أصلها إشارة إيمانية عقائديةلمن يستخدمها وهي موضع إنكار وخلاف ولا يتفق عليها الجميع، بل أغلبية البشرية اليوم تختلف معها، ولذلك تم استبدالها في كل المراجع والأبحاث والكتب الحديثة بعبارة (Common Era or Current Era) (قبل / بعد العصر الحاضر). وعلى هذا، فإن المقالة هنا سوف تستخدم عبارة (قبل / بعد العصر الحاضر) كمرادف لما يُعرف في أذهان العامة بـ (قبل / بعد الميلاد).

في الترجمة أدناه:
ما بين [ ] هو إما اسم يتغير بتغير نسخ البردية [اسم المتوفى الذي كُتبت لأجله] أو من إضافتي لشرح المقصود.
ما بين ( ) هو ترجمة محتملة أخرى للكلمة أو جملة.


النص المترجم لما هو متعارف عليه في الترجمات الحديثة بـ (إعلان البراءة) في كتاب الموتى الفرعوني:
الترجمة عن الهيروغليفية إلى الإنجليزية: انظر الهامش رقم 2
الترجمة من الإنجليزية إلى العربية: حسن محسن رمضان

ملاحظة من كاتب المقالة: ولو أن قاعة العدالة عند قدماء المصريين التي يدخل فيها روح الميت [يُسمى: با] تحتوي على إثنان وأربعين إله بالإضافة إلى أوزيريس، إلا أن خطاب روح الميت يكون موجهاً، في الجزء الأول فقط، حصراً للإله أوزيريس، إله البعث والحساب ورئيس قاعة العدالة. وعلى هذا يجب أن يُفهم النص المترجم أدناه في جزءه الأول. أما جزءه الثاني فسوف يتغير الخطاب ليكون موجهاً لبقية الآلهة.

ما يجب أن يُقال عند الدخول إلى قاعة العدالة، ليتخلص [اسم المتوفى] من كل الشرور التي اقترفها، وليُبقي على أوجه الآلهة [نحوه]

المجد لك، أيها الإله العظيم، رب العدالة. أنا أتيت لك، يا سيدي (إلهي)، حتى تقربني (تقبلني عندك) حتى أرى جمالك، لأنني أعرفك، وأعرف اسمك. وأعرف أسماء الآلهة الإثنين وأربعين الذين معك في قاعة العدالة، الذين يعيشون على الذين يمارسون الشرور، الذين يتجرعون دمائهم في ذلك اليوم، يوم تمييز الأشخاص [المقصود: تمييزهم على حسب معاييرهم الأخلاقية إنْ كانت خيرة أو شريرة] في حضور وينيفر [وينيفر هو الكاهن الأعظم للآلهة أوزيريس في عهد رمسيس الثاني 1279 قبل العصر الحاضر إلى 1213 قبل العصر الحاضر].

انظر أيها الابن الثنائي للغناء الرائع، رب الحقيقة هو اسمك. انظر، لقد أتيت إليك، لقد جلبت إليك الحقيقة. لقد رفضتُ قول الزور لأجلك، لم أفعل منكراً ضد بني البشر، لم أُفقِر (لم أفعل ما يؤدي إلى خسارة مادية لـ) شركائي، لم أفعل خطيئة حيث كان يجب أن أفعل حسنة، لم أتعلم شيئاً ما كان يجب لي أن أعرفه (لم أتجسس)، لم أفعل شراً، لم أكلف إنساناً عملاً أنا نفسي لا أطيقه، اسمي لم يصل إلى نواحي الذين يتحكمون في العبيد، لم أحرم يتيماً من حقه، لم أفعل شيئاً يُغضب الآلهة، لم أتهم خادماً زوراً عند سيده، لم أتسبب بألم أحد، لم أتسبب بجوع أحد، لم أتسبب ببكاء أحد، لم أقتل، لم آمر أحداً بالقتل، لم أتسبب بمعاناة أحد، لم أتعمد تقليل نذور الطعام إلى المعابد، لم أُتلف الأرغفة المُقدمة إلى الآلهة، لم آخذ بعيداً (لم أستولي على) طعام الأرواح، لم أزني، لم أُسيئ التصرف، لم أقلل إمدادات الطعام (لم أتسبب بمجاعة جماعية)، لم أتلف أراضٍ زراعية، لم أستولي بغير حق على أراضي الحقول، لم أطفف في الموازين (لم أضع أي شيء على موازين كفتي الميزان)، لم آخذ أي شيء من معايير تصحيح كفتي الميزان [معيار التصحيح هو وزن يُعلق بين أحد كفتي الميزان ونقطة الارتكاز لتصحيح أخطاء الوزن]،لم آخذ الحليب من أفواه الأطفال، لم أحرم القطعان من مراعيها، لم أصطاد الطيور في الأراضي المحمية للآلهة، لم أصطاد الأسماك في المستنقعات المحمية للآلهة، لم أحوّل مجرى المياه في المواسم، لم أبني سداً على مجرى الماء (لم أحتكر الماء لنفسي)، لم أُلقي ماءً على النار المشتعلة [المقصود هو النار التي تُستخدم في الحياة اليومية، وضرورة الاقتصاد في الماء]، لم أهمل مواعيد تقدمات (نذور) اللحوم، لم أمنع الماشية من تقدمات الآلهة، لم أعارض إلهاً في تجليه (في تجلي مشيئته).

[ملاحظة من كاتب المقالة: ينتقل الخطاب هنا من أوزيريس، إله البعث والحساب ورئيس قاعة العدالة،إلى الذات وتأكيد البراءة الشخصية بصورة عامة، مبتدءاً الخطاب بـ: "أنا نقي، أنا نقي" مشبهاً نقاؤه بأبي الهول. وهذا الجزء لا يهم موضوع المقالة، ولذلك سوف أتجاوزه إلى جزئية انتقال الخطاب إلى الآلهة الآخرين الحضور في قاعة العدالة حيث تتجلى معايير، أو وصايا، أخلاقية أخرى. وأيضاً الترجمة هنا مجتزئة، إذ لا يمكن أن أضعها كلها في مقالة، ولكن أنقل فقط ما يهم المقالة مع حذف التكرار]

[إعلان البراءة أمام الآلهة الآخرين في قاعة العدالة]

يا بعيد الخطوات، الذي أتى قادماً من هيلوبولس، لم أفعل شيئاً منكراً.
يا محتضن النار، الذي أتى قادماً من [معبد] كيراها، لم أسطو.
يا نوسي، الذي أتى قادما من هيرموبولس، لم أكن طماعاً جشعاً.
يا مبتلع الظلال، الذي أتى قادماً من كافرن، لم أسرق.
يا ذو الخطر العظيم، الذي أتى قادماً من روستجاو، لم أقتل إنساناً.
يا ذو العينين الناريتين، الذي أتى قادماً من ليتوبولس، لم أخن الأمانة.
يا كاسر العظم، الذي أتى قادماً من هيراكليوبولس، لم أكذب.
يا أيها المنتمي إلى الفضاء السحيق، الذي أتى قادماً من الغرب، لم أكن عبوساً سيء الطباع.
يا أبيض الأسنان، الذي أتى قادماً من فيّوم، لم أتعدى حدود أرضي.
يا آكل الأحشاء، الذي أتى قادماً من بيت الثلاثين، لم أشهد زوراً.
يا أيها السائح (كثير التجوال)، الذي أتى قادماً من، باباستيس، لم أتجسس (لم أسترق السمع).
يا أيها الشاحب (ذو اللون الشاحب)، الذي أتى قادماً من هيلوبولس، لم أرتكب حماقة.
يا ذو الشر المضاعف (الذي يضاعف الشر على فاعله)، الذي أتى قادماً من آندجت، لم أخاصم أحداً [زوراً، كذباً] إلا [بالحق] في ما أملكه حقاً.
يا أيها الثعبان ويممتي، الذي أتى قادماً من مكان الإعدام، لم أمارس اللواط [الشذوذ الجنسي].
يا أيها الذي فوق [الإله] القديم، الذي أتى قادماً من إيماو، لم أتسبب بإرهاب أحد (برعب أحد).
يا أيها الشاب [القصود حورس]، الذي أتى قادماً من هيليوبوليتن، لم تكن أذني صماء عن كلمات الحق.
يا أيها المنتمي للمذبح [المقدس]، الذي أتى قادماً من المكان السري، لم أخدع أحداً.
يا أيها الذي وجهه خلفه، الذي أتى قادماً من فضاء الخطيئة، لم اقترف خطيئة ولم اعتدي جنسياً على صبي.
يا ذو القدم الحارة، الذي أتى قادماً من الغسق، لم أكن مهملاً.
يا أيها المظلم، الذي أتى قادماً من الظلمة الحالكة، لم أكن ذو جدال.
يا صاحب الأوجه، الذي أتى قادماً من ندجيفت، لم أكن فاقد الصبر.
يا أيها الضارب بالماء، الذي أتى قادماً من آبيس، لم يكن صوتي عالياً صاخباً.
يا قائد البشرية كلها، الذي أتى قادماً من بيته، لم ألعن (أنتقد بصورة مهينة) الرب.
يا مانح القوى، الذي أتى قادماً من المدينة، لم أفخر بنفسي.
يا أيها الثعبان المرفوع الرأس، الذي أتى قادماً من كافرن، لم أغتني إلا مما أملكه حقاً.
يا أيها الثعبان الذي يمنح ويُعطي، الذي أتى قادماً من أرض الصمت، لم أجدف على الرب في أرضي.



هــــــــــــــــــوامـــــــــــــش:

1- Jesus, the Sabbath and the Jewish Debate, Nina Collins, Bloomsbury T&T Clark, London & New York 2014

2- Ancient Egyptian Book of the Dead, Translated by R. O. Faulkner, Department of Egyptian Art, Metropolitan Museum of Art, Fall River Press, New York 2005



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن