تكفير التفكير (قضية -ناهض حتر-)

خالد محمد دزدار
kduzdar@gmail.com

2016 / 9 / 28


خالد دزدار
جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "ناهض حتر" اثناء خروجه من القصر العدلي، ممتثلا لطلب ادعاء مدع عام عمان الاول، "القاضي عبد الله ابو الغنم" والذي وجه له سابقا جرم إثارة النعرات المذهبية والعنصرية وبتحريض وايعاز من رئيس الوزراء الاردني "هاني الملقي"، الذي اعتبر ناهض حتر متهما إذ أن المشتكى عليه أسند إليه كذلك جرم نشر ما هو مطبوع أو مخطوط أو صورة أو رسم من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور والمعتقد الديني وفقاً لأحكام قانون العقوبات ومادته من قانون الجرائم الالكترونية ... هنا يبان الخيط الرفيع الذي يربط الفكر الديني الفطري وذاك الفكر التكفيري المتشدد ... ليس لكون القاتل إمام جامع وقرر قتل انسان اخر يخالفه الرأي بعد عودته من قضاء فريضة الحج ... بل لأن الشريك في الجريمة هو من فرض الحكم على ناهض حتر وأدانه مسبقا وهو رئيس الوزراء الأردني نفسه "هاني الملقي".
هذه الجريمة تضاف للعديد غيرها من جرائم الرأي ومحاولات الاغتيال وتهديدات الاغتيال والاعتداءات المتكررة ولسنوات، على أصحاب الفكر والعلم والرأي ... وكذلك محاولة اسكات القلم وتكميم الأفواه تحت ادعاءات الدفاع عن الذات الالهية، وكأن الذات الإلهية تحتاج لجيوش من المدافعين عنها كونها عاجزة عن حماية نفسها ... هذا النهج هو ذات الفكر الذي أخرج التكفيريين والذي انتهى بخروج الدواعش من أنابيب الصرف، وادعائهم جهلا بأحقيتهم بالخلافة وإعادتها ... وهو ذات الادعاء الذي بنى عليه أتباع الحركة السلفية وإن كانوا يدعون الفضيلة ويلبسون ثوب الورع، حتى استطاعوا تأليب الالاف من المغررين واستخدام الفطرة الدينية في المجتمعات الاسلامية وتحريض الأمم، تحت ادعاء حماية الدين من حرب دينية أو مؤامرة تهدف لزعزعة اسس الدين وتدين المجتمع ... اولئك الائمة الذين ما توانوا يحشدون العوام وتحضيرهم لحرب ضد المجهول بادعاء ان الدين في خطر، بعد ان زرعوا فتنة في نفوس العامة بان الإسلام يواجه مؤامرة خارجية تهدف لزعزعته.
"ناهض حتر" قد سبق اتهامه بتهمة التطاول والمساس بالذات الالهية والازدراء، وقضى فترات معتقلا لنشره فكره وتعريته التفكير الداعشي، كما كانت هنالك محاولة سابقة لاغتياله ... وجميع هذه المحاولات لم تسكته كما لم تسكته جريمة قتله ... فالجريمة أبرزت اسم وفكر "ناهض حتر"، وما نشره من كاريكاتور منقول على صفحته الاجتماعية أصبح متداولا كالنار في الهشيم، بل غزى الصفحات الإلكترونية ... فمن اراد إسكات "ناهض" ساهم أكثر في نشر فكره وإذاعة صيته، وهو ما اراده "ناهض" ... كان قد سبق للحكومة الأردنية وبتحريض من الإسلاميون بمنع ناهض من الكتابة والنشر في الأردن، وهو قرار غبي بكل معنى الكلمة في ظل التطور في وسائل وتكنولوجيا المعلومات وتوفرها. وأولئك المتوارين تحت أستار من الورع والفضيلة وحماية المجتمع، من امثال المجموعات "السلفية الجهادية" و "حركة الإخوان المسلمين"، التي سارعت في إدانة جريمة اغتيال "ناهض"، علما بأنهم كانوا من اوائل المحرضون عليه والقصاص منه، في بيان كانوا قد نشروه قبل اعتقال "ناهض حتر" واتهامه من قبل الحكومة ورئيس وزرائها ... وشن الإسلاميون الأردنيون (وخاصة جماعة "الإخوان") حملة اتهامات وانتقادات ضد "ناهض حتر"، وأصدروا بيانًا تحريضيا دعوا فيه السلطات الأردنية وأجهزتها المعنية باتخاذ أقصى العقوبات ضد "ناهض حتر" بتهمة التطاول على المعتقدات الإسلامية، وقال بيان للجماعة: "في سابقة خطيرة تابعنا اليوم ما صدر من إساءة سافرة وتطاول على الذات الإلهية، واستهزاء بمعاني اليوم الآخر، من قبل المدعو ناهض حتر، الأمر الذي يعتبر استفزازًا لكل أردني، وتطاولاً على معتقداته، وإساءة لدستور الدولة الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام". وأضافت الجماعة: "كما تشكل هذه الجريمة إثارة للنعرات، وعبثًا بالقيم، وتفتح بابًا للفتنة؛ لذا ندعو الجهات الرسمية المعنية باتخاذ اقصى العقوبات بحق كل من يتطاول على معتقداتنا وديننا، كما نطالب دائرة قاضي القضاة، ووزارة الأوقاف، بالقيام بدورهما لمواجهة الحملة المنظمة التي تستهدف هويتنا وعقيدتنا الاسلامية، كما نهيب بعلمائنا أخذ دورهم والقيام بواجبهم لمواجهة فكر الإلحاد والتشويه لهذا الدين الحنيف".
لقد تحولت تهمة التكفير لآداة بأيدي مجموعات من الجهلة، تهمر فتاوي الردة والتكفير من كل حدب وصوب لكل من يخالفهم قولا ورأيا، أو لكل من يطالب في الحد من غلواء تطرفهم ونزعتهم الوحشية لسفك دماء كل من عارضهم ... وما اسهل كيل تهمة الفكر والردة والخروج عن الملة لإختلاف الرأي في ظل أحكام وقوانين تتدثر بدعوى "دين الدولة دستوريا"، فتفتح المجال لسليبي العقل من اتخاذها وازعا، تحميه وتفرضه قوانين بالية خالية من العدل روحا وجوهرا ... ولا ننسى الحملة التي أثارتها قوى الجهل والظلام ضد الاستاذة الصحافية "زليخة ابو ريشة" لمطالبتها الحكومة توخي الحذر من مدارس القرآن والقائمين عليها، لاتخاذهم هذه المدارس ستارا لاستخدامها في دعواهم التكفيرية الجاهلية وبث سموم التطرف في عقول الشباب الاردني.
ان كان التكفير الديني حديث العهد في الاردن، فهو ينمو وبخطوات متسارعة متماشيا ومتزامنا مع نمو الفكر التطرفي الديني في المجتمع الاردني ... متمثلا بنجاحات التطرف الديني وتطوره في مصر وغيرها من الدول العربية، والتي وقعت في أتون جدال ونزاع فكري سلطوي ما بين الدين والدولة، أسقطه المتشددين الدينيين. فلقد كانت مصر وائمة الظلام فيها سباقون في هذا النهج بل من أباطرته، بقيادة الزعامة اﻷزهرية -ناشرة التطرف والفكر التكفيري- فكانت من نتائجها اغتيال المفكر "فرج فودة" ومحاولة اغتيال الأديب "نجيب محفوظ" وإتهام الاديب "طه حسين" بالكفر وكذلك الامر في قضية "نصر حامد ابو زيد" وتطليقه من زوجته.
وكان من أوائل المتهمين في مصر "محمّد أحمد خلف الله" سنة 1947 إثر مناقشة رسالته للدكتوراه عن "الفنّ القصصي في القرآن الكريم"، وهو الذي لديه العديد من المؤلفات في الدين والقرآن لم تتناسب مع فكر اﻷزهر الرجعي ... أما المفكر الجامعي د. "منصور فهمي" فقد سافر إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة من "السوربون". وكانت أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه بعنوان "أحوال المرأة في الإسلام" عام 1913 والتي أثارت الجدل وعلى أثرها مُنِع "منصور فهمي" من التدريس بالجامعة المصرية آنذاك بعد عمله بها لمدة عام. كما كان "لقاسم أمين" نصيب من المعادة الفكرية ونال قدرا من الاتهامات لكون "قاسم امين" يدعوا لتحرير المرأة وتعليمها لأنها أساس المجتمعات الصالحة، ومن كتبه كتاب "أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ" وتبعه بكتاب "تحرير المرأة" نشره عام 1899، بدعم من الإمام "محمد عبده" والذي لم يسلم هو أيضا من التكفير وكذلك كان حال تلميذه الإمام "جمال الدين الافغاني".
اما عميد الأدب العربي، د ."طه حسين"، وهو الظاهرة الثقافية الادبية التي اثرت المكتية العربية بغزير الإنتاج الأدبي، لم يسلم من أحبار التكفير في زمنه وكان كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي صدر في إبريل من عام 1926، المبرر للحملة الظالمة ضده وضد فكره وبحثه ... وجل ما توصل إليه "طه حسين" بحثا وعلما، هو إنكار ما نُسِبَ إلى الحياة الجاهلية من شعر، وأثبت أن الشعر الجاهلي تم وضعه بعد الإسلام وتمت نسبته إلى الجاهليين لأسباب سياسية ودينية وعصبية قبلية، مثبتا إياها باﻷدلة ومستدلا بذلك من تاريخ اللغة العربية، فلغة عرب الجنوب الحميرية تختلف عن لغة عرب الشمال الفصحى في ألفاظها وقواعد نحوها وصرفها، فكيف ينسب شعر لشعراء من الجنوب بلغة أهل الشمال؟!.. وعندما لم يتسنى ﻷعداء الفكر مجادلته في بحثه اتخذوا أبسط السبل لمهاجمته وهي اتهامه بالكفر والردة لعجزهم عن مقارعته علما وفكرا، وهي الحالة السائدة في جميع اتهامات الردة والتكفير وتعكس مدى جهل وقلة تفكير أصحاب الاتهام وانعدام معرفتهم وأدلتهم ... فبدلا من أن يجادلوه في فحوى دراسته أخذوا عليه عدم افتتاح كتابه باسم اللّه والصلاة على نبيه ... حققت النيابة مع "طه حسين" في أكتوبر من العام 1926، وحُفِظت القضية لسخافة مضمون الدعوة.
لم يسع الحظ الكاتب والمفكر المصري "فرج فودة" الحاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، ان يحاكم عدلا فقد سبق العدل اغتياله على يد "الجماعة الإسلامية" عام 1992، وقد أثارت كتابات د. "فرج فودة" جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، فقد طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع. وعليه أعلن الأزهر فتوى بتكفيره قادها "محمود المزروعي" نائب رئيس جبهة علماء اﻷزهر والذي فر الى السعودية بعد عملية الاغتيال ... وقام بتنفيذ عملية الاغتيال، شابان من "الجماعة الإسلامية"، وبالتحقيق مع احد القتلة، أعلن أنه قتل "فرج فودة" بسبب فتوى الدكتور "عمر عبد الرحمن" مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986 ... واغتيال "فرج فودة" لحقه بيان "لمحمد الغزالي" والشيخ الشعراوي"، وكان الشيخ الأزهري "محمد الغزالي" و الذى يصفه كثيرون من الناس بالوسطية والموضوعية، تطوع بالتوجه إلى النيابة للشهادة دون طلب أو استدعاء، وخلال الشهادة التي سجلها "الغزالي" أمام النيابة، قال نصًّا: “إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم ومرتدًّا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعي عن كاهل الأمة، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، ولا توجد عقوبة في الإسلام للافتئات على الحاكم، إن بقاء المرتد في المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس”. لم يكتف "محمد الغزالي" بشهادته جواز إراقة الدم وإزهاق الأرواح، بل كتب ونشر بيانًا مساندًا لـ “محمود المزروعي” دعا فيها بشكل صريح إباحة قتل "فرج فودة" ... وقد وقّع على بيان الدعم والتأييد لقاتل "فرج فودة" بالإضافة "للغزالي": الشيخ "محمد متولى الشعراوي"، ومحمد عمارة"، وآخرون من أعضاء "جماعة الإخوان المسلمين"، وأعضاء "الجماعة الإسلامية"، ومن "جبهة علماء الأزهر".
لاحقا أثارت كتابات الباحث المصري "نصر حامد ابو زيد" ضجة إعلامية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. عندما قدم "أبو زيد" أبحاثه بعنوان "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د."عبدالصبور شاهين"، الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى، منذ 1995 ... وانشغلت الأوساط العلمية والفكرية في مصر والعالم العربي بالقضية، خصوصـًا أن د."عبدالصبور شاهين" أرفق اتهامه بالردة "لأبي زيد" تقريرًا اتهمه فيها بالعداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما ... وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين أنصار "أبو زيد" وبين المؤيدين لتقرير "شاهين"، وطالبته لجنة مكونة من 20 عالمـًا من الأزهر بإعلان التوبة عن بعض الأفكار التي وردت في كتابه "مفهوم النص" ورأوا أنها مخالفة لأحكام الدين الإسلامي. ... ونظراً لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد عمل خصوم "نصر حامد أبو زيد" من التكفيريين على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يطبق فيها فقه الإمام "أبو حنيفة"، والذي وجدوا فيه مبدأ يسمى "الحسبة" طالبوا على أساسه من المحكمة التفريق بين "أبو زيد" وزوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين "نصر حامد أبو زيد" وزوجته قسراً، على أساس "أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم". فحياة الزوجين باتت بعد ذلك في خطر، وفى نهاية المطاف غادر "نصر حامد أبو زيد" وزوجته د. "ابتهال يونس" الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفى إلى هولندا، ليقيما هناك حيث عمل "نصر حامد أبو زيد" أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة "لايدن". وهذا يؤكد ان الملاحقين "لنصر ابو زيد" ارادوا له الأذية حقدا وليس ﻷثم اقترفه الرجل ...
ولم تشفع جائزة نوبل والمكانة الأدبية الرفيعة التي وصل إليها الروائي العالمي "نجيب محفوظ" لدي أعداء الثقافة والعلم، فقد تعرض "محفوظ" لمحاولة اغتيال عام 1995 ، نفذه أيضا عضو بتنظيم "الجماعة الإسلامية"، حيث قام بطعن "محفوظ" بسكين في رقبته بعد فتوي أيضا من شيخ الجهادية السلفية "عمر عبد الرحمن"، الذي أحل دم "محفوظ" لخروجه عن الملة، بسبب روايته " أولاد حارتنا "، والتي منعت في مصر ... "محفوظ" قدم عدة أعمال بعد محاولة اغتياله كان أهمها "سيرة عبد ربه التائه" و "أحلام فترة النقاهة".
وحاليا هنالك اتهامات ضد المفكر "سيد القمني" و "اسلام البحيري" وفاطمة ناعوت" ويوسف زيدان" ونوال السعداوي" والصحفي المصري "مجدي الدقاق" رئيس تحرير "مجلة اكتوبر" في حزيران2010، الذي أيضا اتهمه جبهة علماء الأزهر الاسلامية المحافظة، بالردة عن الدين الاسلامي بعد اتهامه من قبل عدد من العاملين معه بالتطاول على الذات الالهية. ويعني الحكم بالردة وفقا لاجتهادات العديد من الفقهاء. كما حُكم على الكاتب المصري "أحمد ناجي" في العام 2015 بالسجن عامين بتهمة "خدش الحياء العام" بسبب محتوى كتابه. كما حُكم على "طارق الطاهر" رئيس تحرير الصحيفة الأدبية التي نُشرت فيها الرواية بدفع غرامة 10 آلاف جنيه.
المفكر الدكتور "سيد القمني" الذي أصدر عدة كتب في التاريخ الإسلامي من بينها "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" و "الأسطورة والتراث" و "حروب دولة الرسول" وغيرها ، فقد صدرت ضده عدة فتاوى تكفيرية، وشنت ضده جماعة الإخوان حملة ضارية بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية عام 2009 ، وطالب "حمدي حسن" المتحدث باسم نواب الإخوان في مجلس الشعب وقتها بسحب الجائزة من "القمني"، وحاليا الدعوى المقام ضده بعد محاضرته التي القاها في آب من العام 2016 في مدينة "بروكسل" حول "أصول العنف الاسلامي" والتي أثارت ضجة كبيرة وتكالبت عليه قوى الظلام متهمتا اياه بالالحاد والكفر والردة، ولدرجة ان يقوم الشيخ السلفي الداعشي "محمود لطفي عامر" بالتهديد علنا ومن على شاشات التلفاز بقتل "سيد القمني" بقوله: "لو كان معي سلاح ﻷفرغته فيه"، وبالطبع لم تأخذ الحكومة المصرية أية اجراءات ضد الشيخ "عامر" وتحريضه على القتل.
قائمة الكتاب والمثقفين الذين طالتهم فتاوى التكفير طويلة ، فقد تم تكفير المستشار "محمد سعيد العشماوي" صاحب الكتب المتنوعة في التاريخ الإسلامي ، والشاعر الراحل "حلمي سالم" بسبب قصيدته "شرفة ليلي مراد" والشاعر "أحمد الشهاوي" بسبب ديوانه "الوصايا في عشق النساء"، كما نجد الأزهر سببا في منع رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري "حيدر حيدر" بدعوى الإساءة إلى الدين الإسلامي.
فالكتاب العرب لم يسلموا أيضا من فتاوى التكفير ورصاصات الإرهاب، فتم تكفير الروائي السعودي الراحل "عبد الرحمن منيف" وسحب جنسيته، كما تم اغتيال المفكر اللبناني ومؤسس صحيفة الحياة "حسين مروة" صاحب موسوعة "النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلامية"، والروائي اللبناني "عبده وازن" والفيلسوف التونسي "يوسف صديق" والاستاذة "زليخة ابو الريش" و المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" الذي كفر ومنعت مؤلفاته وفكره وتشكك في إيمانه، و العلامة الشيخ الدكتور "صبحي الصالح" وهو عالم فقيه مجتهد ويعد أحد أهم علماء الدين السنة اللبنانيين البارزين والمحدثين والذي اغتيل في العام 1986 لمواقفه وآرائه في التجديد والتحديث الديني في لبنان، وكذلك الدكتور "حسن عبد الله حمدان" المعروف باسم "مهدي عامل" والذي اغتالته "حزب الله" في الثامن عشر من أيار عام 1987 واغتيل في أحد شوارع بيروت وهو في طريقه إلى جامعته "الجامعة اللبنانية"، حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات، ومن أقواله "لست مهزوما ما دمت تقاوم".
كما واجهت الاستاذة "آمال قرامي" هي أستاذة جامعية تونسية متخصصة في "الجنسيات في الإسلام" دعوات التكفير كما الحال مع المفكر التونسي "احمد الملولي" بعد مداخلته التي القاها بداية العام 2016 بالملتقى الإقليمي في عمان حول "اصلاح المناهج والبرامج كآلية لمقاومة الارهاب والتعصب"، فقامت عليه حملات تكفير وتحريض، وايضا سبق تكفير الكاتب والمفكر التونسي "محمد الشرفي" سنة 1989 بعد نشره كتاب "الاسلام والحرية" والكاتبة والباحثة التونسية "رجاء بن سلامة" و"سلوى الشرفي" سنة 2007 والكاتبة الباحثة د. "الفة يوسف" سنة 2009 والدكتور "محمد الطالبي" وهو أستاذ جامعي وعالم إسلامي تونسي، ومن السعودية هنالك الكاتب السعودي "عبدالله بن بجاد العتيبي" والذي كفر بفتوى أصدرها الشيخ "عبدالرحمن بن ناصر البراك" (وهو احد شيوخ التطرف الجهادي) لإصداره مقالة بعنوان "اسلام النص واسلام الصراع" وضمن التكفير مقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب "يوسف أبا الخيل" بعنوان "الآخر في ميزان الاسلام" وطلب محاكمة كل منهما واستتابتهما "فإذا لم يرجعا عن قولهما "وجب قتله مرتدا فلا يغسل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون".
وتبقى قمة المأساة ان يقوم الداعية السعودي الدكتور "سعيد بن ناصر الغامدي" بإصدار كتابا بعنوان "الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" وهو في الأصل رسالة مقدمة إلى كلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة "الإمام محمد بن سعود" الإسلامية لنيل درجة الدكتوراه، ونال بها المؤلف درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى ... ومن أخطر ما يتضمنه الكتاب دعوة صريحة للاغتيال ورفع عصمة الدم عن المبدعين العرب حيث يقول "سعيد الغامدي": "ومع أن أقوالهم وأعمالهم وعقائدهم التي أذاعوها توجب الحكم عليهم بالردة ،وترفع عصمة الدم عنهم إلا أنهم في الأجواء السياسية العلمانية المستوردة من الغرب ،أذاعوا كل ما في صدورهم العفنة من كفر وإلحاد ،في مراغمة ومعاندة للدين وأحكامه وشرائعه وعلمائه ودعاته !! "
ويضع "الغامدي" قائمة طويلة من الكتاب والمبدعين العرب اﻷحياء منهم واﻷموات في دائرة التكفير ، من بينهم الشاعر العراقي الراحل "بدر شاكر السياب" والشاعرة "نازك الملائكة" ورائد التنوير الشيخ "رفاعة الطهطاوي" والإمامين "محمد عبده" و"الأفغاني" والشاعرين اللبنانيين "جبران خليل جبران" و"ميخائيل نعيمة" والشاعر "معروف الرصافي" وعميد الأدب العربي "طه حسين" وأستاذ الجيل "لطفي السيد" وصاحب تحرير المرأة "قاسم أمين" والمفكر "شبل يشميل" والأديب العالمي "نجيب محفوظ" والشاعر السوري "أدونيس" والمفكر الدكتور "حسن حنفي" ووزير الثقافة السابق "جابر عصفور" والشعراء "نزارقباني" و "محمود درويش" و"أمل دنقل" و"محمد الفيتوري" إضافة إلي الروائي المغربي "محمد شكري".
وهكذا فإن المتأسلمين لم يواجهوا الفكر بالفكر أو الرأي بالرأي والحجة بالحجة، بل حجتهم دائما منع الخوض في الدين بتاتا ... فكان سلاح التكفير والاغتيال والمصادرة هو المشهر دائما في وجه الثقافة والمثقفين والمفكرين المحدثين، فهل ندرك نحن أهمية الثقافة في مواجهة التطرف والإرهاب، وهل تتخذ الثقافة موقعها الملائم في الحرب ضد التطرف لتكون حربا شاملا تقتلع جذور تلك الأفكار المدمرة من التربة العربية .
لهذه الأسباب اغتيل "ناهض حتر" وغيره
كما اغتيل "حتر" عندما لم تهدم القوانين البدائية المذلة والمهينة للإنسان كفرد حر وتعادي الانسانية وحرية الرأي
اغتيل "حتر" عندما غضت الحكومات ابصارها عن التكفيريين والسلفيين والمتطرفين خوفا من مواجهتهم وعندما اطلقت لهم العنان إعلاميا بنشر دعواتهم الهدامة دون رقيب
اغتيل "حتر" عندما وضعنا حدود للحريات وحرية التفكير
اغتيل "حتر" عندما رفعت الرقابة عن الجوامع وخطبائها ومدارس القرآن والجمعيات الدينية والتي تعمل سرا في تجنيد وتعبئة اصحاب الفكر المتشدد المتطرف وتعبأ جنود الجهاد ضد الانسانية
المحرض على قتل "حتر" هو شريك في قتله فمن ادان حتر وحكم على رايه بالكفر فهو شريك في قتله ومن شمت في قتل "حتر" شريك في قتله ومن ايد قتل "حتر" فهو شريك في قتله ومن قتل "حتر" كان داعشي الفكر والفعل ومن ايده شركاء في الفكر الداعشي ... وهذا يثبت ان داعش في داخل الفكر الفطري وداعش جاءت من عوام الامة الاسلامية وفكرها وصنيعها فما تقوم به داعش هو ذاته ما يدعون اليه المتأسلمون من قتل والقضاء على كل من يخالفهم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن