مدلول التوجه الى الجماهير

محمد علي الماوي
seifsefi2011@hotmail.fr

2016 / 9 / 25

مدلول التوجه الى الجماهير
مقدمة
لقد عرف شعار "التوجه الى الجماهير" العديد من التجسيدات المختلفة خلال تجربة الشيوعيين الماويين في تونس واحتل في كل مراحل النضال المقام الاول بحيث لم تخل اية خطة دون التعرض الى قضية "الانصهار والبلترةّ" او "التمركز والانتشار" او التواجد في "البؤر الثورية"-بؤر التوتر الاجتماعي واحتداد التناقضات- او كذلك اكتساح المواقع في المنظمات الجماهيرية الخ...
ودون الرجوع الى تجربة السبعينات التي اتسمت بطابع تآمري بحيت طغت عليها النزعة الانعزالية والارادية من خلال التوزيع العشوائي للمناشير في الاحياء الشعبية والمصانع دون متابعة ودون ارتباط فعلي بالمعنيين بالثورة ودون الرجوع الى خطة ترحيل المناضلين الى البؤر الثورية –لبنان وفلسطين- والتي اتسمت بطابع تصفوي يخدم في الحقيقة سياسة الجبهات التي لاعلاقة لها بالماوية -سنكتفي بتقييم فترة التسعينات-اي قبل الانتفاضة والتي اتسمت بمنحى شرعوي في ابهى تجلياته بتعلة التوجه الى الجماهير.
لقد رفع هذا الشعار في كل مرة بمعزل عن برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الذي يقع وضعه على الرف وفي قطيعة تامة مع محتوى الخطط التي تم صياغتها وفق الاوضاع السائدة.وقد خال للبعض ان التوجه الى الجماهير يعني اساسا التواجد في المنظمات الجماهيرية مثل اتحاد الشغل واتحاد الطلبة والجمعيات المدنية والنوادي على اختلاف مشاربها.وبالفعل تمكن "الطرح الوطني الديمقراطي"-(باشراف شيوعي ماوي) من التواجد في جل النقابات واسس العديد من النوادي والجمعيات ونشط في الاحياء ودور الثقافة ودور اتحاد الشغل... وكسب بعض الاشعاع بحيث توسع حزام المتعاطفين لكن ظل هذا الحزام الواسع دون تنظيم ودون ارتباط مباشر بالعمل الشيوعي فبقي "متعاطفا" يحضر في المناسبات مثل المسيرات او الاحتفالات او الاجتماعات العامة ثم يندثر ويغيب عن الساحة كليا.
الجماهير صانعة التاريخ لكن من بالتحديد؟
لقد اكد الشيوعيون الماويون مرارا وتكرارا ان الهدف من العمل الجماهيري –النقابات والجمعيات- يهدف اساسا الى الارتباط بالعمال والفلاحين الفقراء وبالتواجد في المناطق الصناعية والاحياء الشعبية والارياف المهمشمة غير ان العناصر التي كانت شيوعية والمكلفة آنذاك بالعمل النقابي او الجمعياتي انحرفت عن الاهداف المرسومة في الخطط المتعاقبة واكتفت بتشكيل معارضات نقابية او ثقافية وبفعل الانحرفات الشرعوية
والتخوف من اعلان الهوية الشيوعية ظلت هذه المعارضات في مستوى نقابي بحت ولم تفلح العناصر المشرفة على تكوين خلايا المعامل او الاحياء وضمان استمرارية العمل الثوري كما لم تعمل هذه العناصر على نشر الفكر والمواقف الشيوعية خوفا من افتضاح انتمائها وبتعلة اخفاء الهوية الشيوعية يقع الاكتفاء بالمستوى النقابي او الجمعياتي ورفض الارتقاء بحزام الاشعاع الى مستوى وطني ديمقراطي او شيوعي وهو ما ادى الى تفسخ جل العناصر والتحاقها بالبيروقراطية النقابية وبمنظمات المجتمع المدني وبالاحزاب الاشتراكية الديمقراطية على غرار حزب الوطد الموحد.
لقد بينت التجربة السابقة ان النشاط النقابي والعمل الجماهيري عامة والمشاركة في المسيرات والاحتجاجات والتظاهرات وحضور الاجتماعات العامة في النقابات والساحات لاعلاقة له بمفهوم التوجه الى الجماهير.ان مثل هذه الانشطة ضرورية بالتاكيد ولابد من التواجد في مثل هذه التجمعات التي تحتوي على العديد من العناصر الثورية غير ان التواجد من اجل التواجد لايفيد لان المطروح هو رصد القوى الثورية والعناصر النشيطة ومحاولة تنظيمها.
ان المقصود بالعمل الجماهيري كما ورد ذلك في تراث الاممية الشيوعية وفي كتابات ماو هو تنظيم العمال والفلاحين الفقراء اساسا وهو ما يعني التواجد في معاقل العمال والفلاحين الفقراء اي في اهم المصانع والاحياء الشعبية التي تسكنها العمال وفي الارياف التي يتواجد بها الفلاحون الفقراء كما انه يعني التواجد في النضالات التي يخوضها العمال والاحتجاجات التي ينظمها الفلاحون الفقراء والشباب المهمش في الارياف ولايجب ان يكون هذا التواجد سلبيا بل انه من الضروري توزيع المناشير حول القضايا المطروحة والاتصال بالعناصر النشيطة من اجل دعمها وفتح الحوار معها على امل الاعتماد عليها لتنظيم صفوف المحتجين.
ان الهدف من العمل الجماهيري في المنظمات القانونية او غيرها يهدف بالاساس الى تركيز خلايا شيوعية في كل المواقع الشعبية –خلايا معملية وخلايا احياء- وخلايا شوارع وخلايا في الارياف...تضمن استمرارية العمل الثوري وتعمل على تنظيم التحركات والاحتجاجات وتكون في طليعة النضالات.
وباختصار لايهدف العمل الجماهيري الى تحسين اوضاع الجماهير فقط من خلال بعض الاصلاحات التي تقدمها الرجعية بل توعية الجماهير باتجاه الحسم في نظام الاستعماري الجديد وتنظيم صفوفها استعدادا للمعارك الكبرى –معارك التحرر النهائي من الهيمنة الاستعمارية وافتكاك السلطة من اجل حكومة ثورية وقتية تشرف على انتخابات شعبية تفضي الى اعلان الجمهورية الديمقراطية الشعبية بقيادة العمال والفلاحين الفقراء وباقي الفيئات المضطهدة.


الخط الجماهيري
"تنقسم الجماهير بصورة عامة حيثما وجدت الى ثلاث فئات:فئة نشيطة نسبيا وفئة متوسطة وفئة متخلفة نسبيا.لذلك يجب على القادة ان يحسنوا العمل في الاتحاد مع النشطين القلائل ويعتمدوا عليهم باتخاذهم عمودا فقريا للقيادة في رفع وعي العناصر المتوسطة وكسب العناصر المتخلفة"(حول بعض المسائل الخاصة بأساليب القيادة-اول جوان 1942 المجلد الثالث –ماو)
-"علينا ان نتوجه الى الجماهير ونتعلم منها ونلخص تجاربها وننسقها ونجعلها مبادئ ووسائل افضل ثم ننقلها الى الجماهير (عبر الدعاية) وندعوها الى تطبيقها لتستعين بها على حل مشاكلها حتى يمكنها ان تتحرر وتنعم بالسعادة" (الى التنظيم-29 نوفمبر 1943-المجلد الثالث- ماو)
"ان خبراتنا خلال اربعة وعشرين عاما قد علمتنا ان جميع المهمات والسياسات واساليب العمل الصحيحة هي التي تتفق مع مطالب الجماهير في وقتها ومكانها وتوثق صلاتنا بها وان جميع ماهو خاطئ منها هو الذي يتنافى مع مطالب الجماهير في وقتها ومكانها ويعزلنا عنها.وان السبب في كون الجمود العقائدي والتجريبية واسلوب الاكتفاء باصدار الاوامر والذيلية والانعزالية والبيروقراطية والعجرفة في العمل وغيرها من المساوئ مضرة بالتأكيد, ولايجوز الابقاء عليها مطلقا,ولابد من تداركها ..."(الحكومة الائتلافية 24 افريل 1945-المجلد الثالث-ماو)
"اذا اراد الشيوعيون حقا ان يقوموا بالدعاية وجب ان يأخذوا جمهورهم بعين الاعتبار وان يفكروا في من سيقراون مقالاتهم وكتاباتهم ومن سيصغون الى خطبهم واحاديثهم والا فذلك يعني انهم قد عقدوا عزمهم على الا يقراها ويصغي اليها اي شخص ...وحين يطلق المرء سهاما يجب ان يصوبها نحو الهدف وحين يعزف على العود عليه ان ياخذ المستمعين بعين الاعتبار .فكيف يمكن للمرء اذن ان يكتب المقالات ويلقي الخطب دون ان ياخذ القراء او المستمعين في حسابه؟...."
" لاتستطيع الجماهير العريضة ان تستوعب قراراتنا اذا لم نتقن كيف نتكلم اللغة التي تفهمها الجماهير واننا لازلنا بعيدين عن اتقان التحدث على الدوام بشكل بسيط وملموس وفي صورة مالوفة ومفهومة عند الجماهير ...يجب عليك ان تفكر دائما في ذلك العامل العادي الذي يجب ان يفهمك ويؤمن بنداءك ويعقد عزمه على السير وراءك...هذه هي الوصفة الطبية التي حررتها لنا الاممية الشيوعية والتي ينبغي اتباعها"(ضد القوالب الجامدة في الحزب –المجلد الثالث-ماو

أسلوب عمل المحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير
ان المحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير ونقاش جميع المواضيع معها عادة جيدة فى أسلوب عمل حزبنا وهي منبع القوة التى سمحت له بالحاق الهزيمة بأعدائه وبتخطى الصعوبات .
ان الماركسية تعتبر أن جماهير الشعب هي صانعة التاريخ وهي القوة المحددة التى تدفع بالمجتمع الى الأمام . وجماهير الشعب ليست خالقة الثروة المادية والروحية للعالم وحسب بل إن صراعاتها الثورية هي القوى المحركة الدافعة لتقدم المجتمع. العبيد هم صناع التاريخ ، هذه هي وجهة نظر مادية تاريخية جوهرية. لقد أشار ماركس وإنجلز الى أن "حركة التاريخ من صنع الجماهير " [العائلة المقدسة]وكتب لينين :" الاشتراكية الحيوية و الخلاقة تنتجها الجماهير نفسها"[اجتماع اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا، نوفمبر 1917]و قد أشار ماو الى أن:" الشعب ، والشعب وحده هو القوة المحركة فى خلق تاريخ العالم" [م3،"الحكومة الائتلافية]. للحفاظ على علاقات وثيقة مع الجماهير ،ينبغى أن نتشبع بصلابة بفكرة أن :"الجماهير هم الأبطال الحقيقيون"[م3 "تحقيقات فى الريف"]وأن نقتنع بأن قوة الثورة تكمن فى جماهير الشعب ونعترف تماما بدورها المجيد فى صناعة التاريخ. فاذا إستطاع حزبنا أن يقود الجماهير الشعبية فذلك يعود بالضبط الى أنه يمثل مصالح الجماهير و يخدمها بكامل الاخلاص ويثق بها ويعول عليها ويحافظ على علاقات وثيقة معها ويناضل من أجل تحقيق الشيوعية.
ان المحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير عادة مجيدة فى حزبنا . زمن الثورة الديمقراطية ، أسس حزبنا ، فى ظل قيادة الخط الثوري للرئيس ماو ، أسس جيش التحرير الشعبي وأرسى مناطق إرتكاز ثورية عبر التعبئة التامة للجماهير وبالتعويل عليها للمحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير ، يتعين أن نناقش الأمور معها وأن نستمع بتواضع الى آرائها . يعلمنا الرئيس ماو أن " الذين يملكون المعرفة المباشرة الحقيقية هم من ينخرطون فى الممارسة العملية " .[م1ص438]. ان النضال فى طليعة الحركات الثورية الثلاث العظمى يمكن ا لجماهير الواسعة من امتلاك معرفة عملية غنية . فقط بالاستماع بتواضع لآراء الجماهير وبنقاش الأمور معها ، نستطيع أن نشحذ ذكاءها وأن نستغل تجديداتها وأن نلخص تجاربها وأن نستخلص المعرفة الصحيحة الضرورية لقيادة الممارسة الثورية . ولنقاش الأمور مع الجماهير ، يجب أن نستمع الى آرائها . علينا أن نستمع إليها عندما تنقصنا المهارة فى العمل وعندما تظهر صعوبات أو عندما يكون لدينا نقص فى التجربة و هذا أكثر ضرورة حتى حين نعرف جيدا الوضع و حين يكون العمل على أحسن ما يرام وقد حققنا انتصارات في هذا المجال. يجب أن نستمع لكافة الآراء ،أكنا متفقين معها أم لا. ويجب أن نجمع معرفة الجماهير وأن نفرق بين ما هو قيم وليس بالقيم وعلى أساس فكر ماوتسى تونغ نحقق وحدة التفكير . فقط بهكذا طريقة نستطيع أن نفسح المجال لمبادرة الجماهير و طاقاتها الخلاقة وأن نشحذ ذكاءها الى أقصى حد وأن نعطي مزيد الدفع لتطور الثورة والبناء يحبذ بعض الرفاق الحديث ولا يدعون فرصة للجماهير كي تعبر عن وجهات نظرها. أكان الأمر متعلقا بعمل بحثى أم بحل مشكل ، يودون أن يكونوا الوحيدين الذين يفضوه- لا يدعون أحدا يتكلم- وعلى الآخرين الاستماع اليهم وتنفيذ أوامرهم لا غير. ان هذا الاسلوب في العمل لا يؤدي الا الى الانعزال عن الجماهير ومنعها من التعبير عن ارائها.
للمحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير ، يتعين أن نتخذ موقفا صحيحا تجاهها وأن نعاملها بصورة صحيحة . لقد دافعت الماركسية دوما عن أن بالثقة فى الجماهير والتعويل عليها والحفاظ على علاقات وثيقة معها ، يمكن للفرد أن يلعب دوره بالتمام وأن يساهم على أفضل وجه فى قضية الجماهير الشعبية .وإذا بالغنا فى دور الفرد ، قلصنا من شأن قوة الجماهير الشعبية ، واذا استمرينا فى الاعتقاد بأن كل ما نقوم به جيد وكل ما تقوم به الجماهير لا قيمة له ، فإننا سنقلب المواقع الخاصة بالجماهير وبالأفراد وننزلق الي مجرد المثالية التاريخية بخصوص أعضاء الحزب وكوادره وعلينا ان ننصهر صلب الجماهير و ان نتعلم منها وان نعارض نظرية:"القيادة تعلم كل شيئ والجماهير لا تعلم شيئا". وينبغى أن نلحق الهزيمة بالأسلوب السيئ للعمل البيروقراطي والزعاماتى ، ومن جهة أخرى ينبغى أن نعارض خط "إذا أرادت الجماهير أن يكون الأمر كذلك فليكن!" و أن نهزم التيار الذيلي الضار . إنها الطريقة الوحيدة التى تمكننا من تكريس الخط الثوري الصحيح وانجازعمل الحزب. وعلى كوادر الحزب أن يستمروا فى المشاركة فى العمل المنتج الجماعي وأن يحافظوا دائما على مميزات الشعب الكادح وأن يجعلوا أنفسهم عناصر ضمن الجماهير.
للتعامل السليم مع الجماهير ، يجب أيضا أن نستعمل الم-الل-(فكر ماو تسي تونغ) لقيادتها . بالنسبة لأعضاء الحزب الشيوعي ، المحافظة على علاقات وثيقة بالجماهير يعنى التعلم منها و يعنى كذلك نشر الم-الل-(فكر ماوتسي تونغ) فى صفوفها لغرض تسليحها وتنظيمها.
للمحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير، يتعين أن نمارس أسلوب العمل بتواضع و يقظة والنضال الشاق. فى كل الأوقات ، يجب علينا ،نحن أعضاء الحزب الشيوعي ،أن نتنفس ذات الهواء نحن والجماهير وأن نتقاسم معها ذات المصير ولا يمكننا أن نبحث عن رفاهتنا ولذاتنا ونحتقر الحياة الشاقة باستمرار. حتى إن حصلنا على ترقية لا ينبغى أن يغيب عن نظرنا أسلوب العمل بتواضع ويقظة والمحافظة على علاقات وثيقة مع الجماهير ، حتى إن تحصلنا على ظروف حياة أفضل ، لا ينبغى أن نتخلى عن الصراع الشاق .وباتباع هذه الطريقة يمكن ان نتغلب على التفسخ والتبرجز والانعزال عن الجماهير الكادحة وهكذا يكون الحزب في علاقته بالجماهير كالسمكة في الماء .
( من كتاب "المعرفة الاساسية للحزب" شنغاي-1974)
تقديم وترجمة: محمد علي الماوي
24 سبتمبر 2016



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن