الحلم والواقع في حوار الهبوط الناعم !!

تيسير حسن ادريس
tai2008idris@gmail.com

2016 / 8 / 23


المبتدأ:
(الأهداف ما لم تكن ظاهرةً في الوسائل لا يمكن إدراكُهَا) ف. إنجلز.

والخبر:
(1)
لو تقاضى المرء لوهلة عن أهمية شرط تهيئة المناخ كشرط أساسي لعقد أي حوار منتج بين السلطة والقوى المعارضة لحل الأزمة الوطنية وغض الطرف عن الفخ المنصوب بأديس أبابا لصيد (أرنب) مساومة قليلة الدسم تحت سقف نظام الأزمة ولصالحه؛ بل وأغمض المرء عينيه واستسلم لخدر حلم الهبوط الناعم وإمكانية تحقيق تسوية تاريخية تقيل عثرات الوطن وتجفف منابع مآسيه دون مخاشنة يأبى العقل المعارض المترع بالظنون حتى وهو تحت سيطرة خدر هذا الحلم الجميل إلا أن يتساءل عن الكيفية التي تنوي بها القوى المعارضة التي وقَّعت على خارطة الطريق إنزال هذا حلم الهبوط الناعم من عليائه لواقع التنفيذ على أرض الواقع وذاك لعمري هو مربط الفرس مع الأخذ في الاعتبار طبعا أن الأحلام بلا ثمن ويمكن لأينا أن يجتني منها ما شاء وسع خياله وهو يراوح مكانه على مقعده الوثير، وكما قال الفيلسوف فريدريك إنجلز (الأهداف ما لم تكن ظاهرة في الوسائل لا يمكن إدراكها).

(2)
يظل الحلمُ بالحل السلمي الذي يخلص البلاد من براثن الفوضى التي تهدد بقاءها وتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن حلمًا عظيمًا وأمنية غالية إذا ما توفَّرت إمكانية تحقيقه وأدى لتغيير حقيقي في بنية النظام الحاكم وليس لصفقة تتقاسم فيها الأطراف فتات كعكة السلطة، والمشكلة التي تواجه دعاة الهبوط الناعم تتمثل في أن الفكرة جاذبة نظريا ولكن يتعذر تنفيذها عمليا في ظل نظام يقر الجميع إلا هو بأن هناك أزمةً شاملةً؛ نظام لا يزال يصرُّ على كسب الوقت كإستراتيجية وحيدة للخروج من أزماته المتفاقمة؛ نظام كل همه البقاء في السلطة ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطن وسلاحه للبقاء ليس التنمية ولا حل الضائقة الاقتصادية بل ضرب القوى المعارضة وهدم كياناتها ليتثنى له شراء (من خف عقله وكلت قدماه)؛ نظام هذه هي طريقة تفكيره لن يقبل بحوار يفضي لسلام واستقرار في البلاد.

(3)
فقد ثبت أن الحوار في عرف النظام لا يعدو أن يكون سوى مسرحية عبثية كل الغرض منها تضليل الرأي العام المحلى والدولي بأكذوبة حرصه على إيجاد حل سلمي للأزمة الوطنية التي خلقها، والمتأمل بعين الحصافة السياسية للظروف التي دفعت النظام لوثوب وثبته والإقدام على الحوار قبل عامين يتبين أن الأمر برمته لم يأت نتيجة لقناعة باستحالة الاستمرار في الحكم منفردا؛ بل أتت وثبة النظام العرجاء تحت إلحاح ظروف محلية ودولية ضاغطة تمثلت محليا في انتفاضة الشباب في سبتمبر 2013م التي كسرت هيبته وزعزعت إيمانه في أمنه وأمانه، وأضِفْ إليها إقليميا ما جرى من إقصاء وهزيمة للتيار الثيوقراطي في مصر، وما وصلت له تداعيات الربيع العربي في كثير من دول الجوار التي مر بها (ليبيا واليمن وسوريا) والإحباط الذي ساد دوليا وهز النظام العالمي نتيجة هذه التداعيات الخطيرة، ظروف عديدة في تلك المرحلة شكّلتْ قوةَ ضغطٍ لم يكنْ في مقدور النظام مواجهتها فانحنى للعاصفة وركب موجة الحوار (تقية). هذه حقيقة يجب ألا تغيب عن ذاكرة قوى المعارضة إن أرادَتْ بحقٍ أن تخطوَ خطواتٍ جادةً نحو تضيق الخناق على النظام ومحاصرته.

(4)
عموما لم تضف الجلسة التنويرية الذي عقدتها قوى نداء السودان بأديس أبابا لتوضيح أسباب توقيعها على خارطة الطريق التي رفضتها من قبل سوى المزيد من الحيرة والتساؤلات التي قد تقود لتباعد المواقف بينها وبين القوى المعارضة الأخرى التي ترى أن التهافت لعقد حوار مع النظام كيفما اتفق لن يفضيَ لشيء سوى مساعدته على تحسين صورته عبر عروض العلاقات العامة التي برع في إقامتها والصرف عليها من جيب المواطن المنكوب كلما ضاقت عليه الحلقة ودارت عليه الدوائر ومن اطلع بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة على عناوين صحف النظام يجد تركيزًا واضحًا على خبر متفق عليه تصدر الصفحات الأولى محوره اتهامات موجّهة من الأمين العام للحركة الشعبية الأستاذ ياسر عرمان لنائبة رئيس حزب الأمة القومي الدكتورة مريم الصادق وكلا القائدين حليف موثوق للآخر في عملية الحوار والتفاوض الجاري!! مما يعزز من مصداقية رأي قوى المعارضة التي امتنعت عن محاورة النظام بينما هو يواصل وترسانته الإعلامية نهج (فرق تسد) لتهشيم مفاصل قوى المعارضة ولا يستثنى من ذلك حتى القوى التي تداعت لحواره وفق خارطة طريقه.

(5)
وهكذا يتأكد يوم إثر آخر بأن أي تفاوض مؤسس على خطاب الوثبة الرئاسية في 2014م لن ينتج مخرجات تلامس جذور الأزمة الوطنية دع عنك أمر حلها مهما وجد من سند إقليمي أو دولي ومهما وضعت له من الآليات رفيعة كانت أم دنيئة لأن المنطق البسيط يقول باستحالة حل الأزمة السودانية على يد نفس السلطة التي خلقتها، أما مطلب تفكيك النظام سلميا الذي تطالب به قوى المعارضة فلن يجد من النظام وأقطابه سوى الاستهجان والسخرية في ظل اختلال توازن القوى الحالي وبعد المعارضة عن جماهيرها وغيابها عن الشارع نتيجة تبعثر قواها وعدم توحدها وإصرار كل طرف من أطرافها على انتهاج طريق مختلف عن الآخر لتحقيق هدف مجمع عليه من الكل ألا وهو الضغط على النظام بهدف تفكيك مفاصله أو إسقاطه في حال تعنته وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 24/08/2016م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن