التقرير السياسى الصادر من الجمعية العمومية لحزب العيش والحرية المصرى - الجزء الثالث

سعيد ابوطالب
sshmsaid@gmail.com

2016 / 8 / 17

عامان على حكم السيسي-3 الوضع الاقتصادي عند بلوغ عبد الفتاح السيسى نصف مدته الرئاسية
حزب العيش والحرية·TUESDAY, AUGUST 16, 2016
التقرير السياسي الصادر عن الجمعية العمومية لحزب العيش والحرية -22 يوليو 2016

عامان على حكم السيسي بنظرة خاصة على الاقتصاد والقضاء

ثاثا-الوضع الاقتصادي عند بلوغ عبد الفتاح السيسي نصف مدته الرئاسية

منذ اللحظات الأولى لتولى عبد الفتاح السيسى رئاسة جمهورية مصر العربية فى يونيو 2014 وجدناه يصر على تبنى نهج إقتصادى توسعى Expansive Economy بزيادة غير مسبوقة لمشاركة القطاع الخاص المصرى والمستثمرين الأجانب، سواء كانوا عرب أو غربيين أو أسيويين. وهذا النوع من الاقتصاد الذى يعتمد فى الأساس على دعم زيادة تراكم الثروة فى أيدى النخب البرجوازية الحاكمة إن أراد أن يكون ناجحاً يجب عليه أن تتسم آلياته بقدر معين من محاباة للطبقات الرأسمالية ومتخذة موقف مبدئى معادى تجاه الطبقات العمالية والفقيرة. ويحدث ذلك بوتيرة لا نبالغ إذا قلنا أن مصر من حيث السرعة لم ترى مثلها من قبل ولا حتى فى عصر سياسة الإنفتاح الكارثية التى نعرفها من حقبة الرئيس الراحل أنور السادات.

وبينما يمكننا بالطبع أن نختلف أيديولوجياً مع هذا الطرح الإقتصادى من أساسه ونرفضه كلياً، خاصة من الجانب الأخلاقى، أو بالأصح غير الأخلاقى لا يمكننا فى الوقت نفسه إنكار أنه توجه موجود وله أسس علمية راسخة من ما قبل أدم سميث حتى وهو ليس خاطئ ولا صائب فى المطلق ويستند إجرائياً وشكلاً من حيث المبدأ إلى مجموعة من التجارب السابقة التى نجح بعضها وفشل بعضها الآخر وربما كانت أفضلها تجربة كوريا الجنوبية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى – مع التحفظ على طبيعة نتائجها بالنسبة لغالبية الشعب الكورى على المدى الطويل – وأسوأها التجربة الأرجنتينية أثناء الحكم العسكرى فى نفس الفترة تقريباً.

المشكلة فى مصر إذن ليست مشكلة نظرية أو مبدأ أو منهج، فجميعها قابلة للنجاح بدرجات متفاوتة، على الأقل بالنسبة لشرائح مجتمعية معينة – ولو همشت أخرى فى سبيل ذلك – ويمكنها خلق طبقة عمالية وفلاحية مقموعة ومستعبدة فى الواقع ولكن قادرة فى الوقت نفسه على البقاء حياً وهو أمر مرفوض بكل تأكيد ولكن حتى هذا الهدف القمئ لن يتمكن النظام المصرى الحالى من بلوغه إذا ما استمرت أوضاع الاختلال التام لكافة معايير وموازين أبسط مبادئ العادالة الاجتماعية على ما هى عليه الآن. الأزمة الكبرى فى الوضع الإقتصادى المصرى هى عدم وجود أى رؤية أو تصور بعيد المدى للشكل الذى يبتغى النظام المصرى الوصول إليه حتى بعد خمسة سنوات من الآن بالرغم من خوضه مشاريع قومية محتلفة يزعم أنها مُعدة خصيصاً كى تخدم الأجيال القادمة وطرحه لشعار "مصر 2030" دون أن يتمكن من ملء هذا الشعار بأية محتويات موضوعية يمكن الإرتكاز عليها ولا تمكن من الوصول إلى افتراضات منطقية أو أرقام واقعية من شأنها أن تدعم وعوده الوردية مثل أن يزيد إيراد قناة السويس بمقدار حوالى ثمانية مليارات دولار (حوالى 160%) فى ظرف ثمانية أعوام بعد تشغيل المجرى الملاحى الإضافى الجديد وهو ما يتطلب نمواً فلكياً ومستحيل التحقيق فى تجارة المحيطات العالمية يصل إلى 72% خلال نفس الفترة. وإنعدام الدراسات والإفتراضات المنطقية هى فى الحقيقة شيمات لكافة ما يطلق عليه النظام – دون مبرر منطقى – "مشروعات قومية كبرى" وهو مثلما ينطبق على ما أسموه قناة السويس الجديدة، يطبق أيضاً على استصلاح المليون ونصف المليون فدان والذى لا يوجد له تمويل مضمون ولا مخزون مياه أو ما يكفى من العمالة المؤهلة وبالرغم من ذلك كله يوجد إصرار عجيب على أن يُعرض للناس بإعتباره هو حل رئيسى لأزمات الاقتصاد المصرى المتنوعة فى شكل يذكرنا كثيراً بمشروع توشكى فى العهد الأول لرئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزورى (1996 – 1999).

صحيح أن المشروعات العملاقة هذه بما فيها تحديث وتوسيع شبكة الطرق والعاصمة الإدارية الجديدة وإنشاء محطات توليد الكهرباء بأشكالها المختلفة يمكنها على المدى القصير خلق فرص عمل جديدة وقد تكون بالتالى ذات فائدة على المستوى المُصغر Micro-Economic Levelلفترة زمنية محددة من باب تحفيز نسب الإنفاق الداخلى وتنشيط الأسواق ولكن هذا يتطلب إطار اقتصادى تتوافر فيه الحد الأدنى من مقومات النجاح وإلا كانت نتيجتها ما نراه الآن فى مصر من نسبة تضخم قاربت من 11% ونسبة بطالة تعدت حاجز 12% بوضوح، أى أن الخيارات الاقتصادية للسيسى وحكوماته لم تتمكن حتى من إحداث تأثير إيجابى مؤقت، ناهينا عن المستدام بخلاف التركيز على خلق بنية تشريعية توفر لرؤوس الأموال الحد الأقصى من الحماية (قانون الاستثمار الجديد، قانون تحصين تعاقدات الدولة، إلغاء قانون الضرائب على الأرباح الرأسمالية للبورصة, وضع الحد الأقصى للضريبة على الدخل عند 22.5% بما يفرغ تصاعديتها من معناها، إصدار قانون مطاط للحد الأقصى للأجور بما يجعله غير قابل للتطبيق، تخصيص الأراضى للمستثمرين بالمجان إلخ) بينما يرفض النظام فى نفس الوقت قوانين مثل إطلاق الحريات النقابية للدفاع عن مصالح العمال وقانون بحد أدنى آدمى للأجور ويصر على أخرى مثل قانون الخدمة المدنية الجديد مجحفة فى حق فئات واسعة من بسطاء المواطنين.

حتى مشروعات الطاقة التى يفتخر بها نظام السيسى كثيراً تعتبر إنجازات فنية وهندسية أكثر منها اقتصادية حيث يتم الآن تحميل كلفتها للفئات متوسطة ومحدودة الدخل التى هى بطبيعتها الأكثر تضرراً من عملية زيادة أسعار الكهرباء وتخفيض الدعم على الطاقة بشكل ملحوظ، أى أن المستفيد فى النهاية هو صاحب المصنع أو المنشأة التجارية والتى لا تشكل فاتورة الطاقة سوى نسبة محدودة للغاية من إجمالى التكلفة وحتى إن زادت، لا يعوض صاحب المصنع هذه الزيادة خصماً من أرباحه وإنما يقوم بتحميلها على سعر البيع للمستهلك أو يُقدم على خفض رواتب العاملين أو الاستغناء عنهم تماماً.

وواضح أيضاً أن الهدف الرئيسى الذى يسعى له السيسى من إعلانه لمشروعات قومية كبرى عديدة ليس اقتصادى فى المقام الأول ولكن وظيفته الرئيسية هى الحفاظ على شعبيته الهشة فى ظل تآكلها المستمر على خلفية تردى مستويات المعيشة من ناحية ومن باب الرغبة فى مجاملة كبار أصحاب الأعمال تحت وصاية القوات المسلحة من ناحية أخرى حيث أصبح اقتصاد الدولة مملوك شبه كاملاً للقوات المسلحة، وخاصة هيئتها الهندسية، وتحول باقى قطاع الأعمال فى مصر إلى مقاولين من الباطن يرتهن استمرار وجودهم بمدى رضاء القوات المسلحة عنهم وعن الأرباح التى تدخل خزانتها من خلال ذلك. والحقيقة أن تعاظم دور القوات المسلحة فى المنظومة الاقتصادية االمدنية بمصر لم يعد هو وحده العنصر المثير للقلق، بل يزيد عليه انعدام الشفافية وافتقاد المعلومات الكامل المصاحب لهذه المسألة وتتداخل ميزانية الجيش فى المشروعات المدنية مع ميزانيات الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بما لا يسمح غالباً بفصلهما عن بعضهما البعض، لاسيما فى المراحل المتطورة نوعاً من المشروعات. ويبدو واضحاً أن المسألة برمتها بالنسبة للقوات المسلحة لا تقتصر بالمرة على تحقيق مكاسب اقتصادية ولكنها أصبحت تنظر إلى الاقتصاد على أنه أداة للتمكين السياسى وهو ما يزيد بالطبع من خطورة الأمر, خاصة على المدى الطويل كلما زادت درجة التشابك وتزيد معها صعوبة خروج الجيش من المعادلة الاقتصادية فيما بعد حتى لو أخذت الدولة فى يوم من الأيام منحى أكثر ديمقراطية ومدنية مما نراه الآن.

وتؤدى المشروعات القومية الكبرى سالفة الذكر أيضاً إلى خلق صورة مُشوهة تماماً للشكل الاقتصادى فى مصر على وجه العموم من حيث أن زيادة الإنفاق المطرد المرتبط بها يؤدى إلى إرتفاع معدلات النمو والسيطرة بدرجة ما على نسب البطالة إن لم يكن خفضها ولكن دون أن يكون لأى من هذا انعكاس على الاقتصاد القومى ككل لأنه غير مستدام ولا يرتبط بإنتاجية حقيقية لأنها مجرد ظواهر مؤثتة تختفى وينتهى تأثيرها بمجرد انتهاء العمل بها والدلائل التاريخية على كارثية هذا النهج فى الاقتصاد عديدة وتمتد من أوائل دولة هتلر النازية حتى حكم الجنرالات فى الأرجنتين أى أنها كانت دائماً بحكم أنظمة سياسية مستبدة وأودت إلى المأساة الكاملة فى نهاية الأمر.

كما شهد عصر السيسى زيادة سعر الدولار بمقدار يقترب من 3.50 جم فى بعض الأحيان فى ظرف عام واحد فقط وإتساع الفارق ما بين السوق الرسمى والسوق الموازى إلى أكثر من جنيهين مقابل 10 قروش فى منتصف عام 2015. ويعود ذلك إلى الصرف الجنونى من الموارد الدولارية على المشروعات القومية وما تضمن ذلك من ضغط على احتياطى النقد الأجنبى، الأمر الذى كان محل اعتراض واضح من محافظ البنك المركزى الأسبق، هشام رامز ويُرجح أن تكون استقالته أو إقالته قد أتت على هذه الخلفية.

هذا وتمكنت مصر على مدار عامى حكم السيسى من تحسين تصنيفها الائتمانى بشكل عام وإن كان ذلك لا يرجع فى مجمله لأسباب اقتصادية وإنما له دوافع سياسية دولية تتعلق بضغوط تمارسها الشركات المتعددة الجنسيات على مؤسسات التصنيف لتتمكن من الحصول على تسهيلات مصرفية دولية لمشروعاتها فى مصر ولتضمن سداد مصر لما تحصل عليه من قروض لأن أداء الاقتصاد المصرى فى حد ذاته غير مُبشر، خاصة بعد إنهيار رأس المال السوقى للبورصة المصرية بما يزيد بقليل عن 124 مليار جنيه على مدار السنة الأخيرة وهو أداء لا يعكس بالضرورة قيمة الشركات المُقيدة ولكنه بكل تأكيد مُعبر عن أوضاع السوق ويؤثر بالتالى على قدر الثقة فيه من ناحية مؤسسات التمويل الدولية. هذا بعيداً عن أن حصول الحكومة المصرية على المزيد من القروض ليس شيئاً حميداً من الأساس لأن هذه القروض قد تنقذ النظام الآن من الغضب الشعبى لفترة محددة ولكنها أقساطها وفوائدها ستدفعها الأجيال القادمة وخاصة الطبقات الفقيرة والمُهمشة والمقموعة.

وورط نظام السيسى مصر أيضاً فى سياسة فائدة مصرفية لم يعد لها لا ضابط ولا رابط وخرجت عن السيطرة تماماً حيث وصلت مستويات تقارب الــ 15% على الودائع بمختلف الأوعية الادخارية والحسابات البنكية لمواجهة أزمة نقص الدولار التى تسبب فيها النظام نفسه كما أشرت، وهو الأمر الذى انعكس بالسلب على مستويات الإنفاق الداخلى وكذا تكلفة الإقراض. هذا بالرغم من أن أداء المحافظ الائتمانية بالقطاع المصرفى ذات توجه إيجابى بعد مجموعة من الضوابط التى أصدرها البنك المركزى مؤخراً وكان من شأنها التركيز على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهو مُحفز اقتصادى فى حد ذاته وإن كان يحتاج إلى بعض العوامل الأخرى لتسانده.

وبالرغم من أن ارتفاع الدين الخارجى بحوالى مليار و600 مليون دولار من يونيو 2014 وحتى ديسمبر 2015 لا يثير القلق فى حد ذاته إلا أن لجوء الحكومة لزيادة هذا الدين بمفاوضات تجريها حالياً مع مؤسسات تمويل دولية حول قروض بحوالى 5 أو 6 مليارات أخرى يطرح تساؤلات جادة حول وجود أى طرح جدى لدى الحكومة لسد عجز الموازنة غير الإقتراض من الخارج وزيادة الإقتراض الداخلى أيضاً حيث إرتفع الدين الداخلى من ديسمبر 2014 إلى ديسمبر 2015 بمقدار 44 مليار جنيه تقريباً بسبب توسع النظام بدرجة كبيرة فى إصدار أدوات دين حكومية. ويصل الدين العام الكلى بذلك إلى رقم يقترب من 2 تريليون و800 مليار جنيه وهو رقم كارثى بجميع المقاييس لما كان يزيد بقليل عن ثلاثة أضعاف إجمالى الموازنة العامة وهو ما يشير بوضوح إلى أن مصر قد تدخل فى أى لحظة إلى مرحلة الدولة الفاشلة إن عجزت عن خدمة المديونيات المختلفة أو سداد أقساطها. صحيح أن مثل هذا الأمر ليس وارد بقوة فى ظرف العام المالى القادم ولكنه وارد الحدوث فيما بعد يونيو 2017 إن لم تتخذ الحكومة إجراءات فورية وفعالة للحيلولة دون ذلك بأسرع ما يمكن. (2)

ومن المُقلق أيضاً النزيف المستمر لإحتياطى النقد الأجنبى الذى خسر فى فترة حكم السيسى حتى الآن حوالى 400 مليون دولار أمريكى ولولا ما وصل البنك المركزى من ودائع إماراتية وسعودية بالدولار لإنخفض لأكثر من ذلك بكثير، أى أن موارد العملة الأجنبية للدولة لم تزيد ولم تبقى حتى على حالها القديم، بل فى الحقيقة قلت بمقدار 8 مليار دولار تقريباً وهو ما يتسق تماماً مع الزيادة المخيفة وغير المسبوقة للعجز الكلى بالموازنة العامة الذى ارتفع بمقدار حوالى 65 مليار جنيه من الحساب الختامى للعام المالى 2015/2016 إلى ما تتوقعه وزارة المالية فى العام المالى 2016/2017 وغالباً ما يزيد هذا المبلغ مع الحساب الختامى ولو قل فيكون بهوامش بسيطة جداً. وهى زيادة فى العجز أتت بالرغم من عدم مراعاة هذه الموازنة للنسب المقررة دستورياً للإنفاق على الصحة والتعليم (3 و4% على التوالى من الناتج الإجمالى المحلى)، أى أن الحكومة أصرت على التوفير تحديداً فيما يتعلق بالخدمات الرئيسية التى تؤديها لمتوسطى ومحدودى ومعدومى الدخل الذين يتوقف وجودهم على هذه الخدمات. وأضيف إلى ذلك ما يحدث من تقليص للدعم على مستويات مختلفة لا يفرق ولا يميز ما بين الغنى والفقير, بل يحمل الأثنين بنفس القدر. (1)

وسجل الاستثمار الأجنبى المباشر زيادة بلغت 1 مليار و300 مليون دولار فى العام المالى 2014/2015 ثم انخفض مجدداً بمقدار 600 مليون دولار فى العام المالى 2015/2016 وهى جميعها تأرجحات فى نطاق آمن بدرجة كبيرة وتعطى انطباع إيجابى فى المجمل ولكننا فى نفس الوقت لا يمكن أن ننظر إليها بمعزل عن قضية الأجور، أو بالأحرى مأسآة الأجور المتدنية للغاية حيث أن رُخص الأيدى العاملة وعدم وجود قوانين تحميها ولا تضمن لها حد أدنى للدخل هى إحدى العناصر التى بها تجذب الحكومة المصرية المستثمر بالإضافة إلى مُحفزات أخرى مُبالغ فيها سبق الإشارة إليها. ولا يمكن بالطبع فى هذا السياق نسيان ذكر أن الاستثمار الأجنبى المباشر كان يمكن أن برتفع كثيراً لولا الظروف السياسية والمجتمعية فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط ككل التى قللت من جاذبيتها الاستثمارية بشكل عام لصالح دول أخرى فى شرق أفريقيا وعلى رأسها تنزانيا وكينيا ورواندا الأكثر استقراراً وأماناً وهى عناصر صارت هامة للغاية فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التى نعيشها حيث يبحث المستثمرون عن الأمان أولاً وأخيراً سواء من حيث البيئة التشريعية المستقرة أو البعد عن العنف السياسى.

ويوضح لنا هذا أن رهانات نظام السيسى كافة على أن ينتشل الاستثمار الأجنبى البلاد من كبوتها كانت رهانات خاطئة، خاصة فى ظل غياب تصور تنموى متكامل يشمل تحسين بيئة الاستثمار وتطوير العمالة. وقد أشار إلى ذلك الكثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين وقت أن تولى السيسى السلطة ولكن تجاهل النظام كل تحذيراتهم هذه.

هذا كله بعيداً عن أن إنخفاض أجور العمالة فى القطاعين العام والخاص والأعمال وموظفى الدولة وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة الهادفة نحو تحسين ظروف معيشتهم البائسة يأتى فى وقت تشهد فيه معاشات وأجور ومكافأت أعضاء السلك القضائى وأفراد المنظومة الشرطية والقوات المسلحة زيادات مُطردة تصل إلى 160% فى بعض الأحيان ومنح للأعياد والمناسبات عشرة آلاف جنيه فى أحيانٍ أخرى وهو ما لا يخل فقط بأبسط قواعد العدالة الاجتماعية ولكنه فى الواقع يهدد السلم المجتمعى ككل. وتأتى أخيراً النواحى الاقتصادية لعلاقات مصر الخارجية والتى غالباً ما تتسم بعدم التكافؤ وإعطاء الاستفادة الأكبر للطرف الأجنبى مهما حاول النظام إظهار مصر على أنها تتعامل الند بالند ولكن تختلف الأشياء على أرض الواقع حينما نجد أن الكثير من المعاملات التجارية فى ظاهرها لا تعود بأية فائدة مالية على مصر، بل هى عبارة عن محاولات تبدو بائسة لشراء الدعم السياسى فى أوقات والمادى فى أوقاتٍ أخرى بعدما أدرك النظام أنه قاب قوسين أو أدنى من العزلة الدولية بسبب مغامراته غير المحسوبة وانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان وجميع المواثيق والمعاهدات الدولية بما فى ذلك ما وقعت عليه مصر طوعاً. وربما تعطى علاقات مصر مع روسيا وفرنسا أمثلة جلية على صحة ما أقول، خاصة إذا ما قورنت بعلاقاتنا مع دول غربية أخرى مثل إيطاليا والمملكة المتحدة. أما حالة الانبطاح والتذلل التى نعيشها فى ما يربطنا بدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لنتسول منهم القليل من الدولارات، فوصلت إلى حالة لم تعد معه مقبولة شكلاً ومضموناً.

وبالرغم من عدم وجود أى أرقام أو بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها تذهب تقديرات معظم الخبراء تذهب إلى أن الاقتصاد غير الرسمى أو "الاقتصاد الموازى" يشكل ما لا يقل عن ثلث الحجم الكلى للاقتصاد وتقول الدولة أنها تسعى لتقنينه ودمجه بداخل مثيله الرسمى حتى يستفيد القائمون عليه بوضع قانونى وبالتالى تجارى مستقر من ناحية وتزيد المتحصلات الضريبية للدولة من جانب آخر. إلا أن الجهة الإدارية حتى الآن لم تبرز أى تصور واضح عن الآليات والخطوات والإجراءات المطلوبة لإنجاز ذلك. كما يجب التنويه إلى أن ما ورد بأعلى ليس سوى تلخيصاً للصفحات القادمة التى أنصح بالاطلاع عليها من يريد الاستزادة أو الخوض فى أرقام تفصيلية أو الحصول على والتحقق من مصادر المعلومات عبر الهوامش الموجودة فى نهاية هذه الورقة التى لم تتطرق إلا للموضوعات الاقتصادية البحتة وبالتالى لا يوجد بها ما يتحدث عن الحقوق الاجتماعية كمعاش الضمان الاجتماعى أو التخفيضات الموسمية التى تقدمها القوات المسلحة للمدنيين على بعض المنتجات أو إشكالية توافر البضائع بالمجمعات الاستهلاكية إلخ.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن