لينين و قضايا الثقافة

مارك مجدي
marcmagdi@yahoo.com

2016 / 8 / 11

لينين و قضايا الثقافة
اذا كانت المرحلة السابقة من تطورنا قد شهدت لاسباب ذاتية و موضوعية , غلبة الاتجاه الداعي الي تنمية الاقتصاد و تغيير البني التحتية و ترك الثقافة لالية العلاقة بين البناء التحتي و البناء الفوقي , و هو اتجاه ساد علي مدار تجربة اليسار المصري و العربي عموما , متناسيا ان المجتمعات لعربية مجتمعات متخلفة بحاجة الي مرحلة من التنوير و النهضة كي تتدارك تتخلف مئات السنين . و نحن بقولنا هذا نقر حقيقة فرضتها طبيعة الظروف التاريخية التي مرت بها المجتمعات العربية حيث لا نهدف الي وضع معوقات في مسيرة التحويل الفكري للمجتمع , بل علي العكس من ذلك , فأن اكتشاف الواقع كما هو , ليس كما نحلم بة او كما نقرأه في الكتب , هو السبيل نحو تغيير الواقع بشكل جذري و ألزالة القيم التي تعرقل بالفعل مسيرة التطور . ان النظرة الواقعية هي سمة الثوريين الحقيقيين , اما النظرات الرومانسية الحالمة ليست سوي تجليات مثقفي البرجوازية الصغيرة الذين يندفعون وراء التغييرات السريعة التي تترك اثرا دعائيا عالي الصوت و لكنة قليل الفعالية في نفس الوقت .
تحدث لينين تعليقا علي كتاب"التعليم الشعبي في روسيا ": " بينما نثرثر بصدد الثقافة البروليتارية و علاقاتها بالثقافة البرجوازية , تقدم لنا الواقع بارقاما تدل علي ان الامور تسير صورة سيئة جدا حتي فيما يخص الثقافة البرجوازية . و الحقيقة , كما كان ينبغي توقعها , هي انننا لا نزال بعيدين جدا عن المعرفة الشاملة للقراءة و الكتابة , وأن تقدمنا بالذات بالنسبة للعهد القيصري لا يزال بطيء جدا . و هذا تحذير صارم و لوم لاولئك الذين كانوا و لا زالوا يحلقون في سماء "الثقافة البروليتارية" فأن هذة الارقام تبين لنا اي عمل شاق و عاجل لايزال يترتب علينا القيام به لكي نبلغ مستوي بلد متمدن عادي في اوروبا الغربية " رغم حديث لينين من موقعة في السلطة ,و رغم قوة و اهمية احداث الثورة البلشفية التي تعبر عن تقدم ملحوظ للطبقة العاملة علي مستوي التكوين المادي و درجة الوعي . الا ان النظرة الواقعية طاغية علي رسائل لينين دائما . فبمثل هذة النظرة الواقعية لطبيعة المجتمع , يمكن التوصل الي أدراك وسائل تغييرة , و اذا كانت المرحلة التاريخية التي نمر بها كدول تعاني التخلف قد فرضت علي مجتمعاتنا ان تمر بتغيرات سريعة في شتي المجالات , و في طليعة تلك المجالات المسألة الثقافية . لا يمكننا معالجة تخلف مجتمعاتنا علي طريقة القفز الاعمي الي الامام . ينبغي ان نضع عقولنا في رؤؤسنا في الوقت اللازم ينبغي ان نتمتع بحذر بالغ من كل ركض الي الامام دون رؤية .
حققت التجربة البلشفية تقدما ملحوظا جنبا الي جنب مع بعض التجارب الاخري , تقدما ملحوظا في تحويل بلد متخلف مثل روسيا الي بلد متقدم يقتسم مع بقية دول العالم الاول الريادة في مجالات كثيرة . و رغم ان تجارب اخري حققت ذلك بدرجات متفاوتة مثل التجربة الصينية بقيادة ماوتسي تونج , التي جعلت من بلد اكثر تخلفا من روسيا القيصرية بمراحل زمنية مهولة الي بلد ينافس في الاقتصاد العالمي , و مع بروز تجارب اخري في النصف الثاني من القرن ال21 و ظهور نظريات اكثر عمقا في التحليل الثقافي , تبقي التجربة اللينينية مرشد مبسط لكل من يسعي ليكون لة دورا في تنوير و تثقيف مجتمعة . مع الاخذ في الاعتبار ان كل قراءة لافكار لينين و مواقفة يجب ان تكون قراءة واعية و ليست نصوصية تتم بذهن مفتوح مستفيدين منها في تحقيق موقف مميز من اهم القضايا الثقافية التي تواجهنا في أشكالنا الثقافي الراهن .
ظهر لينين في فترة انتقالية مميزة من تاريخ روسيا , فالمجتمع الروسي في اواخر القرن التاسع عشر يستعد للأبحار , ورياح التغيير تهب من كل الجهات ,و النظام القيصري يواجه كل ذلك في محاولة للتغلب علي الظروف الجديدة التي ستأتي بالتغيير الثوري في المجتمع .
و في هذا المجتمع المليء بالصراعات السياسية و الاجتماعية , كانت الثقافية منها متسارعة و متضاربة , و قد تبلورت الصراعات الفكرية في تيارين كبيرين هما : الدعوة السلافية و الدعوة الي المدنية الغربية . انتشرت الدعوة السلافية في الفكر الاجتماعي الروسي لتعظم من شأن و من اصالة النظم و القيم الروسية وحدها , و كان هدفها منع تسرب الفكر الغربي .
اما دعاة المدنية الغربية فم علي النفيض من سابقهم يرون ان اذا ارادات روسيا ان تنهض و ان تصبح قوة كبيرة , فعليها ان تخرج من عزلتها الاقليمية و ان تبحث عن مثلها في الثقافة الغربية , و ظل هذان التيارين يتقاسمان الوسط الثقافي حتي نهاية القيصرية . حيث استطاع لينين ان يطور صياغة نظرية تستوعب في مضمونها الوفاء بمطلبي الخصوصية و الكونية . اهتم بضرورة استيعاب التراث الفكري الغربي السابق لماركس و اكد في اكثر من موقع ان الماركسية هي استمررار لتراث فكري سابق , و ان نظرية ماركس " هي الوريث الشرعي لما انتجتة البشرية في القرن التاسع عشر : الفلسفة الالمانية , الاقتاصد السياسي الانجليزي , و الاشتراكية الفرنسية .
و كذلك يؤكد لينين مرارا ان المجتمع الروسي , ينبغي ان يتدارك التأخر الطويل في مضمار الثقافة الذي فرضتة القوي الرجعية علي الشعب الروسي . و هو بذلك يشير الي اهمية انتقال الثقافة البرجوازية التي لم تنتقل الي روسيا بسبب طبيعة التطور اللا متكافيئ للرأسمالية في روسيا حيث تأخر ظهور البرجوازية في روسيا عن نظيرتها في اوروبا , و بالتالي تأخر ظهور الثقافة البرجوازية في روسيا .
و لذلك كانت المسالة الاولي في رأي لينين في ميدان الثقافة ليس في خلق ثقافة بروليتارية و لكن اكتساب الثقافة البرجوازية اولا , اي القيام بالدور الذي كان ينبغي ان تقوم بة الليبرالية الروسية . ان لينين يعرف تماما ان التغيير الثقافي لا ينشأ بقرار و لا بنوايا حسنة و حماس مفرط , فالثقافة لا تعرف حرق المراحل و لكن ينبغي ان تكتسب خطوة خطوة .
و لذلك فهو يكتب في مقال " من الافضل اقل , شرط ان يكون احسن " : ... و لكن السنوات الخمس الاولي قد حشت رؤوسنا بقدر كبير من الحذر و لارتياب . فنحن ميالون عفوا الي التشرب بهذا الشعور ازاء أولئك الذين يسهبون في الكلام كثيرا جدا و بسهولة فائقة حول الثقافة البروليتارية ..مثلا , فحسبنا في البداية ان تكون لنا ثقافة برجوازية حقيقية , حسبنا في البداية ان نعرف كيف نستغني عن النماذج الفظة الفظيعة جدا من الثقافات السابقة للثقافات البرجوازية , اي من الثقافة الدواوينية , من الثقافة الاقطاعية , الخ .. ان العجلة المفرطة و المزايدة هي الاشد خطرا في مجال الثقافة "
و هو بهذا الموقف من الثقافة البرجوازية انما يطور مفاهيم التطور الجدلي للاشكال الاجتماعية ليجعل قوانين التطور هذة اكثر شمولية , بحيث تستوعب القضايا الثقافية و افاق تطورها .
" ان ماهية التطور الديالكتيكي للاشكال الاجتماعية يتلخص فيما يلي : لا تنشأ الاشكال الجديدة للعلاقات الاجتماعية من لا شيء ابدا : (كل شيء يحمل في داخلة بذرة نقيضة , كذلك كل مفهوم . و لهذا فان اي شكل جديد يصبح , اذ ينفي الشكل القديم , نقيضه و نفيا له ) متضمنا في ذاتة قطعا اجزاء من الشكل القديم , و يتحول اذ يتحد بها من نفي أي الي أي شيء كامل هو التأليف , و لديالكتيك التطور المفعول نفسة بالنسبة للصراع الايدولجي فالقضية هي الثقافة البرجوازية الطبقية , و نقيضها هي الثقافة للبروليتاريا اما التأليف بينهما , و هو الثقافة ذات الطابع الانساني العام , فيتم بعد القضاء علي المجتمع الطبقي فقط . في عهد الاشتراكية . وهذا يدحض ما نهم بة من اننا نهدف بسعينا الي انشاء ثقافة طبقية الي هدم القوي المادية للثقافة البرجوازية "
الثقافة البروليتارية اذن لا تظهر من الفراغ الثقافي و لا تخترع اختراعا , انها تطوير لافضل النماذج و التقايد التي انجبتها الثقافة الانسانية خلال مراحل تطورها و من هنا تأكيد لينين علي اهمية استيعاب التراث بشكل جاد , ان استيعاب التراث عند لينين هو غير ترديدة بل التفكير فية مجددا بافق المسائل النظرية و العلمية الجديدة التي تطرحها الحركة الثورية , و هوبهذا الموقف يقرأ التراث قراءة تاريخية واعية , اي يأخذ بنظر الاعتبار الظروف التاريخية الي احاطت بكاتب او مفكر في مرحلة من المراحل و بهذة الطريقة تمكن لينين نت قراءة التراث الفكري لروسيا بصورة دقيقة و استطاع ان يستخلص العناصر الهامة لتطوير و نمو الثقافة الروسية التقدمية . فقد قرأ تراث روسيا و تراث الفكر الانساني كما هو , اي كما عبر عنة المفكرون و الكتاب في مختلف العصور و لم يقم بعكس ذلك اي بقاءة افكار في التراث و البحث عن تبريرات تراثية لافكار معاصرة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن