أَزْمَة المُمَارَسَة الِديمُقْرَاطِية وَتَمَثُّلَات السُّلْطَة فِي الوَطَنِ الْعَرَبِي

خالد التاج
ettaj@outlook.fr

2016 / 7 / 18

يعتبر مبدأ الاعتراف بالأخطاء المهنية أو التقصير الوظيفي أو الإخلال بالواجبات الملقاة على عاتق المسؤول الذي يضطلع بتدبير الشأن العام بمثابة مؤشر قوي على مدى النضج السياسي من جهة، وعلى قوة ومثانة البناء الديمقراطي في المجتمع الذي ينتمي إليه من جهة أخرى، فضلا عن اعتباره مؤشرا لمدى فعالية آليات الرقابة و المحاسبة سواء منها المؤسساتية أو التشريعية أو الإعلامية أو المنتظمة في منظمات المجتمع المدني، أو أحيانا الشعبية الغير مؤطرة كما هو حال النشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي و فضاءات العالم الافتراضي.
فإذا كان تحمل المسؤولية يعتبر في الديمقراطيات العريقة تكليفا يستدعي التوفر على مؤهلات علمية وأكاديمية خاصة، إلى جانب المرور عبر مسار انتخابي طويل ومعقد داخل المؤسسة الحزبية التي ينتمي إليها السياسي أو المرشح لشغر منصب التسيير في هياكل الدولة أو عبر انتخابات عامة شفافة ونزيهة كما هو حال الانتخابات البرلمانية أو الجماعية أو المهنية...الخ. فضلا عن التقيد ببرامج محددة ووعود انتخابية واضحة ترمي إلى خدمة الوطن أولا والمجتمع والعمل على تحسين ظروفه المعيشية والخدماتية ثانيا، إلا أن واقع الحال في كثير من الدول العربية لا زال يختلف بشكل كبير عن هذا المبدأ.
ففي الغالب ما يكون تبوأ مناصب المسؤولية وما يترتب عنها بالتالي من امتيازات تسيل لعاب الكثيرين بمثابة هدف استراتيجي لكثير من "المناضلين" الحزبيين أو تتويج للمجهودات المضنية فضلا عن استعمال كافة الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف عملا بالمبدأ الميكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة"، أو يمكن القول بتعبير آخر أن تمثل النضال الحزبي و العمل السياسي بحسب المخيال الشعبي في كثير من الدول العربية قد أصبح مرادفا لكل الأعمال السكيزوفرينية أو الغير أخلاقية أو الانتهازية التي ترمي إلى مراكمة أكبر قدر ممكن من الثروات بشكل غير مشروع أو الشطط في استعمال السلطة أو الحصول على امتيازات خارج مبادئ الاستحقاق و الشفافية و تكافئ الفرص، أو القيام بصفقات مشبوهة وغير قانونية حتى لو كانت تداعياتها خطيرة على سمعة الوطن وصحة وسلامة مواطنيه وبيئته على غرار الصفقة الغامضة والمثيرة للجدل في المغرب و المتعلقة باستيراد النفايات الإيطالية حيث لم يحترم فيها ذكاء المغاربة من حيث الروايات المتناقضة والمتضاربة أو محاولة تبرير هذه الصفقة و التقليل من خطورتها باعتبارها وقودا بديلا وليس نفايات عابرة للحدود أثبتت العديد من الدراسات والخبرات خطورتها على البيئة الإيطالية قبل ذلك، مما استدعى العمل على تصديرها و التخلص منها خارج الحدود عبر طرق التفافية.
هذه الإشكالية المتعلقة بالجانب السلوكي للكثير من الساهرين على تدبير الشأن العام في وطننا العربي بشكل عام، تعتبر مدعاةً لطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء تفشي هذه الظاهرة ومدى ارتباطها بالجانب الثقافي لمجتمعاتنا العربية-الإسلامية سواء من حيث العلاقة بالسلطة، أو من ناحية منظور كل واحد منا وتمثله لمفهوم السلطة سواء باعتبارها كغنيمة يمكن الفوز بها وبالتالي القيام بأي شيء بدون حسيب أو رقيب، أو باعتبارها تكليفا وتجندا من أجل خدمة الوطن والشأن العام كما ينبغي أن تكون.
هذه الصورة النمطية أو المثال الأقرب لمفهوم العمل السياسي الذي يرمي إلى خدمة الوطن و المواطنين كما حددتها روح وفلسفة الممارسة الديمقراطية التي يصبو إليها أي مجتمع على وجه البسيطة، يمكن استجلاءها بوضوح في النموذج البريطاني على سبيل المثال لا الحصر على اعتبار أن سر قوة هذه المدرسة يكمن في ديمقراطيتها العريقة وآليات الرقابة الذاتية أو المؤسساتية الفعالة ومراكمتها لأعراف ديمقراطية مشهود بقدمها و تجذرها في المجتمع، حيث رأينا جميعا كيف أن رئيس الوزراء السابق ديفيد كامرون لم يتردد في تقديم استقالته لدى الشعب البريطاني بعد أقل من 24 ساعة فقط من الإعلان عن نتائج "البريكسيت" الذي كان قد دعا إليه، والذي جاءت نتائجه عكس ما كان يطمح إليه كامرون، معبرا عن احترامه لهذا الخيار الشعبي الذي انبثق عن صناديق الاقتراع على الرغم من تكاليفه الباهظة وتداعياته المحتملة، محملا نفسه جانبا من المسؤولية في هذا القرار التاريخي، ومعتبرا في نفس الوقت وبكل ثقة وروح رياضية بأنه لا يعتبر نفسه القبطان المناسب الذي يمكن أن يعبر ببريطانيا إلى بر الأمان في فترة ما بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، وأنه ينبغي على حزب المحافظين انتخاب زعيم جديد لتدبير هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المملكة المتحدة، ومن منا لم يرى كيف أنه حمل حقائبه الشخصية بنفسه بعد مغادرته لمكتب داوننغ ستريت (Downing Street) بعد انتخاب تيريزا ماي خلفا له.
كما يمكن أن نضيف في نفس السياق نشر نتائج تقرير "تشيلكوت" في 6 يوليو-تموز والذي جاء كمحاسبة أدبية قد يكون لها ما بعدها حتى وإن جاءت متأخرة لتوني بلير عن تضليله للبرلمان البريطاني والرأي العام حول المخاطر المفترضة لأسلحة الدمار الشامل العراقية والخطر المزعوم الذي يشكله نظام صدام حسين على أمن بريطانيا واضطرار بلير تحت ضغط التقرير للاعتذار للبريطانيين عن إقحام بلاده في الحرب على العراق سنة 2003 وما ترتب عنها من تداعيات خطيرة لا زالت آثارها على أمن و استقرار الشرق الأوسط والعالم في طور التفاعل.
ما أحوجنا إذن في الوطن العربي لإجراء نقذ ذاتي و إعادة النظر في مفهوم السلطة باعتبارها تجندا لخدمة الوطن و المواطنين و ليس لتحقيق أهداف شخصية و استلهام مثل هذه التجارب في الممارسة الديمقراطية التي تقر بمبدأ تحمل المسؤولية عن الأخطاء التي يمكن أن تنجم عن تدبير الشأن العام سواء عن قصد أو غير قصد، وما أحوجنا أيضا إلى إرساء آليات الحكامة الجيدة والرقابة و المحاسبة ومحاربة كل مظاهر الفساد التي تلازم التدبير السياسي، هذه الأليات تعتبر وحدها الكفيلة بتحصين ما تبقى من أوطاننا من أي انزلاق نحو المجهول والحفاظ على تماسكها في زمن مليء بالتقلبات و العواصف التي تتربص بنا من كل جانب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن