نقد الشافعي, الحلقة (22 / 29): دعوى الاجماع الجزء 3

انور سلطان
anwarsultan935@gmail.com

2016 / 7 / 16

بقية الأدلة على الإجماع

الدليل الرابع:
قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (آل عمران: 103).
ووجه الاستدلال أن مخالفة الإجماع تفرق. وبالتالي فهي نهي عن مخالفة الإجماع.
إذا صح هذا الكلام، ألم تكن الآية تخاطب الصحابة عند نزولها، فهل كان لهم إجماع في عهد الرسول تأمرهم بعدم مخالفته؟ وإذا لم يكن لها هذا المعنى عند نزولها في عهد الرسول لن يكون لها بعدئذ.
ومن ناحية أخرى، فهذا القول مصادرة على المطلوب. فالمطلوب أولا إثبات وجود إجماع، وأنه مصدر للدين، قبل الاستدلال على النهي عن مخالفته.
والإجماع، في النهاية، يضع حكما، ومخالفة الحكم لا يعني تفرق، كمخالفة النهي عن شرب الخمر. وهذا المعنى يعود إلى ما ذكره الشافعي في الاستدلال بحديث لزوم الجماعة. والأولى، إذا كانت الآية تتحدث عن إتفاق الرأي، أن تكون نهيا عن تعدد الآراء، وتكون دليلا على إبطال الفقه برمته الذي أساسه الاختلاف في الدين.
المعنى الصحيح لهذه الآية هو حث الصحابة على وحدة الكلمة خلف الرسول، لا سيما أن هناك منافقين يسعون بالفرقة ويريدون تفتيت الصف.
الآية تأمر الصحابة بوحدة الكلمة، وهذا المعنى واضح من الآية، ولكن عند الاستدلال يتم اقتطاع جزء من الآية وهو (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وحذف بقية الآية الذي يدل على معناها حقيقة.
والآية كاملة هي: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعكم تهتدون)

الدليل الخامس:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (النساء: 59).
ووجه الاستدلال هو أن عدم وجود تنازع يعني، بمفهوم المخالفة، وجود إجماع.
أولا مفهوم المخالفة من أضعف الأدلة الضنية. ولا يصح وضع أصل خطير في الدين على دليل ضني.
ثم إذا صح هذا الكلام، الم تكن الآية تخاطب الصحابة عند نزولها، فهل كان لهم إجماع بالاتفاق على الحكم في عهد الرسول؟ وإذا لم يكن لها هذا المعنى عند نزولها في عهد الرسول لن يكون لها بعدئذ.
هذه الآية نزلت في أمراء السرايا، فإذا تنازع أفراد السرية مع أميرهم, عليهم رد الأمر إلى الرسول نفسه صاحب الأمر. وفرق بين التنازع في مهمة كلفت بها جماعة وبين اختلاف الرأي في المسائل الفقهية. فالآية تتحدث عن تنازع في أمر دنيوي يخص السرية وأفرادها، لا اختلاف في حكم فقهي، ولا يتصور اختلاف الصحابة في وضع حكم مسألة في عهد النبي، فهذا اختلاف لا مكان له، وإن حدث وحصل، فهو يقع في فهم كلام النبي ومراده، لا في وضع حكم، وهذا لا يسمى نزاعا، والكل يعمل بما يرى حتى يرجعون إلى الرسول. كما حدث في سرية عندما احتلم أحدهم وهو جريح، فأراد التيمم، ولكن أصحابه أفتوه بعدم جواز التيمم، ولم يجبروه عليه، فاغتسل فمات. فأنبهم النبي على فتواهم والتمسك الحرفي بالنص.
لا يسمى الخلاف الفقهي تنازعا، ولا يحدث في مسائل يمكن إرجاعها إلى الكتاب والسنة، بل يحدث في فهم نصوص الكتاب والسنة، أو في مسائل لا نصوص فيها، وفي كلا الحالتين لا يمكن إرجاع الاختلاف إلى الكتاب والسنة. وهذا يؤكد المعنى الحقيقي الذي نزلت به الآية، وهو التنازع الذي يحدث في السرايا، وأن الإرجاع يكون للنبي في حياته، وأن الآية خطاب خاص بالصحابة في حياة النبي.
وإذا سلمنا بذلك، فإن عدم وجود تنازع لا يعني وجود إجماع. وهل يعقل أنه إذا لم يحدث تنازع يسع الناس عدم الرجوع للكتاب والسنة، ولا يتم الرجوع إلا إذا حدث تنازع؟ هل خير الإسلام المسلمين بأن يتفقوا على ما يريدون، وأن اتفاقهم كاف، فإن لم يتفقوا يعودون للقران والسنة؟

الدليل السادس:
قال تعالى: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) (الشورى: 10).
ووجه الاستدلال أن عدم الاختلاف يدل على الإجماع.
هذه آية مقتطعة من سياقها، فهي والآيات التي قبلها من الآية السادسة، نصا واحدا يتحدث عن المشركين واختلافهم مع المؤمنين في الدين. والاختلاف في الدين حكمه إلى الله يوم القيامة كما نصت هذه الآية. وفصلها عن سياقها يظهر مدى التحريف الممنهج عن سبق إصرار وترصد.
وإذل أغفلنا السياق لا يمكن أن تدل على الإرجاع إلى كتاب الله كما سبق ايضاحه في الرد السابق.

الدليل السابع:
حديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).
ووجه الاستدلال أن الطائفة الظاهرة على الحق، تعني الإجماع.
وإذا صح المعنى، فالحديث يفرق بين طائفة من الأمة والأمة، وهذا يعني أن الأمة كلها على ضلال ما عدا الطائفة. وهذه الطائفة ليست فرقة ناجية، لأن الحديث عن الأمة كاملة. وهذا نقض لمفهوم الإجماع.
إن المعنى الصحيح هو التمسك بالحق الذي جاء به الدين، وإن خالفته الأمة، وهذا يدل ألا عصمة للأمة.
هذه أهم الأدلة التي وقفت عليها, ولا نستغرب تعدد الأدلة, ولا اكتشاف أدلة جديدة, لأن المسألة بحث عن دليل لما استقر في الأذهان لا الفهم من الدليل. وكما نرى, هناك استماته في تحريف الإسلام بإدخال أصل خطير فيه. والسر خلف هذا هو المصلحة السياسية. فالقول بالإجماع كان الغرض منه سياسي في المقام الأول والأخير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن