فرنسا: حركة الاحتجاجات الليلية كابوس بالنسبة للأقلية الحاكمة

سوزان ميشيل

2016 / 7 / 16


منذ انطلاقها، في باريس يوم 31 مارس الماضي، عرفت حركة الاحتجاجات الليلية (les Nuits Debout) نجاحا باهرا، وسرعان ما انتشرت هذه الحركة إلى مدن فرنسية أخرى.

حركة الاحتلال الجماهيري للساحات العمومية [في فرنسا] تذكرنا بوضوح بحركة الساخطين الإسبانية وحركة احتلوا وول ستريت بالولايات المتحدة واحتلال ساحة سانتاغما بأثينا. كل هذه الحركات انطلقت سنة 2011، في أعقاب الانفجار الثوري بمصر، حيث لعب احتلال ساحة التحرير دورا مركزيا.

تجذر الشباب

أثناء اندلاع تلك الحركات، كانت هناك في فرنسا محاولة فاشلة لاحتلال متنزه La Défense. خمس سنوات بعد ذلك، وبمناسبة الاحتجاجات ضد قانون الشغل، اتخذت حركة الاحتجاجات الليلية طابعا جماهيريا. تمتلك هذه الحركة نفس المميزات الأساسية للحركات التي شهدتها سنة 2011. إنها ترتكز أساسا على فئة الشباب، الذي بدأ يتجذر بسبب أزمة الرأسمالية و نهج سياسات التقشف. في باريس تتحول ساحة الجمهورية كل ليلة إلى اجتماع كبير يعبر عن الرفض لنظام مفلس يخدم مصلحة فئة صغيرة جدا من الساكنة (1%) فقط.

تعبر حركة الاحتجاجات الليلية أيضا عن الرفض العميق للنظام القائم وأحزابه التقليدية، بما في ذلك بالطبع الحزب الاشتراكي الحاكم، وانتقاد "الديمقراطية" البرجوازية. جاء هذا الحراك مفاجئا لـ"الملاحظين" و"الخبراء" في القنوات الإعلامية الكبرى، الذين فسروا الامتناع الهائل للشباب عن التصويت في الانتخابات الأخيرة بكونه نوعا من "اللامبالاة" السياسية أو حتى النزعة "الفردانية".

معظم المتحدثين في تلك الجموعات ليست لهم أية تجربة في الانتماء للأحزاب السياسية، لكن أغلبهم مرتبطون بجمعيات أو حركات تناضل ضد هذا النوع أو ذاك من الظلم. يتقاسمون خبراتهم ويشرحون الصعوبات التي يواجهونها ويدعون كل المهتمين إلى الانضمام. يعتبر سحب قانون الشغل واحدا من المطالب، لكن الحركة في الواقع تستهدف النظام ككل. إن الأبعاد الثورية لهذه الحركة واضحة جدا، ويشكل تحرك الشباب هذا إشارة إلى أن مواجهات كبيرة بدأت تتهيأ.

منظورات

على الرغم من الطابع العفوي الذي يسود حركة الاحتجاجات الليلية، فقد حضر المناضلون والمثقفون ليلة 31 مارس بطاقة ونشاط كبيرين، و قد طرحوا فكرتين صحيحتين، الأولى هي أن السبب ليس هو قانون الشغل فقط، بل المشكل في "عالمهم"، أي النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يحتاج إلى مثل هذه الإصلاحات المضادة؛ أما الثانية فهي أن النضال ضد هذا القانون ضروري، لكن الحكومة لن تتراجع أمام "أيام الحراك" هذه، ما دامت هذه الأخيرة بدون خطة واضحة. وقد تلقى الأستاذ الجامعي فريدريك لوردون تصفيقا واسعا عندما شرح، في ساحة الجمهورية، أن الإضراب العام هو الفرصة الأخيرة لتحقيق النصر.

هذه نفس الفكرة التي سبق لنا أن شرحناها في مقال سابق حول نقاط قوة ونقاط ضعف حركة الاحتجاجات ضد قانون الشغل. إن الحكومة لن تتراجع إلا إذا واجهت إضرابا عاما قابلا للتجديد [هذا تقليد جد كفاحي في فرنسا حيث يتم التصويت على القرارات بمواصلة الإضراب كل يوم في جموعات عامة جماهيرية] يضم عددا متزايدا من القطاعات الاقتصادية، أو على الأقل إذا رأت أن هذه الحركة على وشك البدء. لهذا السبب تقمع بعنف تحركات الشباب، التي تخشى من أنها قد تدفع العمال إلى التحرك. لكن قيادات النقابات ليست لديهم أي نية في تنظيم أي إضراب مفتوح، إنهم لا يعطون أي أفق للحراك، سوى يوم حراك آخر بتاريخ 28 ابريل. وماذا سيأتي بعده؟ "يوم حراك" آخر؟ وماذا بعد...؟

لا يمكن لحركة الاحتجاجات الليلية أن تكون بديلا عن تنظيم حركة إضراب متجدد، في كل أماكن العمل. لكنها لن تسير في هذا الاتجاه إلا إذا ارتبطت بحركة العمال. وبالإضافة إلى ذلك تشكل هذه الحركة تجربة سياسية رائعة لعشرات الآلاف من الشباب والعمال المشاركين فيها، وعلى الخصوص توضح الطريق لكل الحركة العمالية نحو القطع مع "النظام". إن هذه الفكرة الصحيحة حول أن قادة الأحزاب اليسارية و النقابات خذلوا الجماهير، يجب أن يتم تطويرها على شكل برنامج ثوري. نعم يجب علينا هدم "عالم قانون الشغل" و تعويضه بعالم آخر ،عالم حيث الشباب والطبقة العاملة هم الذين يتحكمون ديمقراطيا في الاقتصاد و الدولة، لكي تتم إدارتهما لمصلحة الأغلبية وليس لمصلحة تلك الأقلية من الرأسماليين الكبار، عالم اشتراكي بالمعنى الماركسي للكلمة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن