(2/1) سُهيلة و بورقيبة يصححان رمضان لبعض العالم الإسلامي

كمال آيت بن يوبا
kamalaitbenyuba@yahoo.com

2016 / 7 / 6

شعارنا حرية – مساواة -- أخوة
سُهيلة طفلة مغربية كانت في سبع سنوات من العمرالسنة الماضية .و هي إبنة معارف لي و لا علاقة لها ب"وسيلة" الزوجة السابقة لرئيس تونس السابق الحبيب بورقيبة بالنسبة لمن يعرفون زوجته .و بالتالي فلا يتعلق الأمر بخطأ في العنوان .
في السنة الماضية و قبل عيد "الفطر" بيوم واحد في دولة المغرب فاجأتني سُهيلة ، الطفلة الذكية جدا والجميلة جدا ذات العينين الواسعتين و البسمة الدائمة و تسريحة الشعر الكستنائي الدائمة على شكل ذيل حصان والتي نجحت آخر السنة الماضية كما نجحت هذه السنة ،سنتها الثانية إبتدائي بمعدل دراسي عام يفوق 20/16، فاجأتني في حديقة الحيوان ونحن نتجول كما وعدتها وبعد ما شبعَتْ مشاهدةً لحيوانات لم ترها من قبل و جلسنا قرب أقفاص الطيور نرتاح قليلا، حينما قالت لي "غدا سنبدأ بطهي وجبة الغَذاء".
فسألتها لماذا قلتِ وجبة الغَذاء ؟
قالت "لأنه طيلة رمضان تعطيني ماما بعض المال في النهار لأتغذى بها فأشتري ما آكل من المتجر القريب و لا يكون ذلك مثل ما تطهو ماما لا هو لذيذ ولا هو يشبعني". (في المغرب يُستعمل الفعل تَغَذَّى في الدارجة المغربية للدلالة على تناول وجبة الغَذاء).
فقلت بصوت مسموع كأني أحدث نفسي و أنا أنظر للطيور في أقفاصها " أهاه ، زدني علما ، و الكبار منفيون مثل هذه الطيور في أقفاصهم الداخلية يفكرون في مشاكل خاصة بالكبار لا ينتبهون لما يحصل للأطفال "
لأول مرة في حياتي أسمع مثل هذا الكلام من طفلة إسمها سهيلة . و كنت أريد أن أكتب عن الموضوع .لكن ربما إنشغلت بشيء آخر.
هذه السنة قرأت عنوان مقال في الجريدة الإلكترونية هسبريس المغربية حول معاناة الأطفال الذين هم دون سن 15 سنة و يجبرهم محيطهم على الصوم خلال رمضان فتحصل لهم مشاكل صحية .لم أقرأ المقال. و لكنه ذكرني بسهيلة وبالسنة الماضية.
ربما ليست سهيلة وحدها في العالم الإسلامي من تعاني هكذا من الجوع و الاهمال طيلة نهارات رمضان .
عدت لأسأل سُهيلة :
- وهل كنت تأخذين وجبة الفطورهذه الأيام ؟
فأجابت بسؤال :
- أتقصد وجبة فطور الصباح أم وجبة بعد مغيب الشمس. لأنهم يُسمون الفطور أيضا الوجبة التي تأتي بعد آذان المغرب. والحقيقة أنه كان عليهم تسمية هذه الأخيرة وجبة الغَذاء.لأنه هو الذي لا يوجد من وجبات اليوم في رمضان و ليس الفطور الصباحي.فهذا الأخير يُسَبِّقونه في وقت السحور .أليس كذلك ؟
أدهشتني سهيلة بردودها .لذلك قلت في بداية المقال أنها طفلة شديدة الذكاء .
أدرت نظري نحو الطيور التي كانت في الاقفاص وقلت بصوت مسموع "ها نحن قد دخلنا منطقة الضباب و خلط الأمور.و ها هي سهيلة تصحح للعالم الإسلامي ..يا سلام "
إنفجرت سهيلة ضاحكة ضحكة غاية في الجمال.
فأسرعت قائلا لها :
- نعم هذا صحيح .و لأنك صغيرة لا تصومين و تعرفين أني أعرف أنك لا تصومين ، كان سؤالي عن وجبة فطورك أنت الصباحي .
قالت : لا ، لا أعود أعرف وقتا لوجبة الفطور أو وجبة الغذاء لأنهم يسهرون كثيرا و نبقى جميعا سهرانين حتى الرابعة صباحا فننام ولا نعود نستيقظ كما العادة إلا متأخرين .كل شيء يتلخبط في رمضان.
قلت لها :
- لذلك فرحتِ بزوال رمضان ؟
فردت مبتسمة :
- نعم .
تركت سهيلة تتحدث إلى بعض الأطفال الذين إقتربوا منا و قلت لها "حين تنتهين من أصدقائك سألحق بك و نذهب .أنا هنا و أشرت لها عن قفص الأسود" . فردت علي "أوكي".
و أنا متجه صوب أقفاص الأسود و أبتعد عن سهيلة و أقفاص الطيور، تذكرت تلك العبارة التي قرأت في الفيسبوك والتي تقول : إن الطيور التي تتربى في الأقفاص تعتبر الطيران خارج الأقفاص جريمة.
كانت عبارة رائعة تعبر عن الحرية ..
شاهدت الأسُود تنقض بفظاعة على ما تبقى من قطع اللحم المقدم لها . وكان أحد الشباب الملتحي و معه إحدى النساء تلبس البرقع (البرقع غطاء يغطي رأس السيدة و أكتافها بحيث لا تظهر إلا عيونها) و أخرى شابة عارية الرأس يتفرجون على الأسود و هي تأكل .
إنفصل الشاب عن النساء و إقترب مني و هو ينظر للأسود بينما إبتعدت السيدتين نحو أقفاص الطيور المجاور.
في هذه الأثناء بدأت عملية تزاوج في القفص بين لبوة و أسد يبدوان شابين.فبدأ الشاب الملتحي يبتسم و يتلفت يمنة و يسرة وكأنه يريد أن يرى إن كان هناك من ينظر للقفص غيره .فوجدني أنظر للأسود دون أن يلاحظ في ملامحي أي تأثر.
فقال لي :
- إنهما لا يخجلان من أحد.
فقلت له :
- ظاهرة عادية .هكذا أراد الله لها أن تفعل كي تُخَلف أشبالا وتستمر في النوع كما جميع الثدييات .و نحن كذلك .
فقال و هو يستجمع خجله:
- صحيح .الله سبحانه وتعالى قدر كل شيء .
فسألته :
- إنك صائم و كنت ترى الأسود و هي تأكل .و الآن أنت تراها و هي تتزاوج .و حين قلت لك أن الظاهرة عادية قلت هذا صحيح .لكن لماذا تقولون أن أكل إخوانكم في الشارع الذين لا يصومون يمس مشاعركم و توافقون على المادة 222 المغربية ومنها ما يشبهها في دول أخرى والتي وضعها الاستعمار الفرنسي للمغرب و تحرمهم من الفضاء العمومي في تمييز واضح و مناقض لفصول أخرى من الدستورتتحدث عن الحرية بل تناقض حتى القرآن الذي يُنطلَق منه لفرض الصيام و الذي يقول لا إكراه في الدين ؟ هل الأسود أسمى من إخوانكم ؟ و لماذا لا تتأثرون لأكل الأطفال في الشارع مثلا ؟
و ماذا عن أولئك الذين يصومون و يصلون في شوارع دول لا تقول أن دينها الإسلام مثل فرنسا و الأغلبية الساحقة فيها يعيشون حياة عادية يأكلون و يشربون و ربما يتزاوجون أيضا في الشوارع مثل هذه الأسود ؟ هل يقول مواطنو تلك الدول أن صيام الصائمين أو صلاتهم تمس مشاعرهم ؟ هل يجب أن نغير العالم حتى ينسجم مع ما يقال أنها تقاليد قديمة مبنية على أفكار تفتقد للدليل العلمي الحديث وتتبناها أقلية في العالم تسمى مسلمة قسرا و يراد لها أن تقتنع بأن هذه الفصول أسمى من القرآن أو على الأقل أن "لا إكراه في الدين" لا تعنيها ، وحينما نردهم للنص الذي يقولون أنه مقدس لديهم كما سيأتي بعده يرفضون الإعتراف بالحقيقة؟
فقال :
- إن الحرية مكفولة .من أراد أن يأكل و يفطر رمضان فلا أحد يمنعه شريطة أن يكون ذلك في بيته .

قلت له :
شكرا على الجواب . تحياتي.سلام.
ثم إبتعدت عن أقفاص الأسود نحو سهيلة و أصدقائها قرب أقفاص الطيور. فوجدتها لا زالت في مكانها تلعب معهم .أخذتها من ذراعها و غادرنا الحديقة.
في الطريق للبيت كان لدي استنتاج واحد خرجت به من الحديقة و هو أن " الشاب لم يفهم أسئلتي الإنكارية"
ثم قلت في نفسي "لا منطق أو حوار ينفع لتوضيح ما هو واضح و مسطر في القرآن . لأن الإستبداد لا يعتمد أصلا على المنطق .و لذلك أَوَّلَ النصوص بطريقة عكسية منذ قرون و بقي الأمر مسترسلا إلى اليوم ".
و تذكرت عبارة جمال عبد الناصر الخالدة و حَوَّلتها لسؤال " هل يمكن للمترددين والخائفين (وأضفت لها "والعبيد") أن يصنعوا الحرية " ؟
كان هذا في نهاية رمضان من السنة الماضية 2015.
أما في بداية رمضان لهذا العام 2016 فقد تناقلت وسائل الإعلام خبر من تونس عن قيام وزير الداخلية بإقالة 4 أمنيين لتعنيفهم شباب تونسيين "مفطرين" (حسب تعبير الخبر) في نهار رمضان ببعض المقاهي التي تبقى مفتوحة طيلة السنة هناك (الرابط أسفل المقال) .
في المغرب هذه المرة وقع العكس أي مساءلة شباب من مدن زاكورة و الرباط و مراكش و الدار البيضاء لقيامهم بنفس الشيء أي الإفطار في رمضان حسب تعبير الخبر.
إذا كانت طقوس ما يقدمون على أنه الإسلام الصحيح حسب ما يقولون أنهم يعتقدون لا تهم الذين يريدون العيش حياة شخصية طبيعية حرة لا يتدخل فيها متدخل بإعلان بداية أو نهاية وجبات الأكل الخاصة بهم و التي لا يريدون اي انقلاب في نظامها أو اضطراب نوم أو كسل حفاظا على صحتهم و من حقهم ذلك ، و بالتالي فمصطلحات هذا النوع من الطقوس و الثقافة التي هي إحتجاج على الله في الاصل حسب اعتقاد الديانة اليهودية القديمة ، لا تهمهم على الاطلاق ، فكيف إذن يسوغ أن تُطلق عليهم هذه المصطلحات مثل ما يقولون "أفطروا في نهار رمضان"؟
هل الأعتقاد بالغصب ؟ هذا غير معقول و غير مشروع منطقيا.
في 11 يونيو الماضي صرح رئيس الحكومة المغربي في البيت الإتحادي (بيت حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي) أنه لكل شخص الحرية في اختيار الديانة التي يريد (أنظر الرابط أسفل المقال) .
السؤال هو كيف تُفهم هذه الحرية التي في واقع الأمر ينص عليها الدستور المغربي في ديباجته حيث يقول
" إن الدولة المغربية تمنع وتحارب كل تمييز بسبب الجنس أو اللون .. أوالمعتقد أو أي وضع شخصي كيفما كان "
و في الفصل 25 ينص على أن "حرية الفكر والتعبير بكل أشكاله مضمونة " بينما المادة 222 من القانون تنص على أن "كل من عُرف عنه أنه مسلم و تجاهر بالإفطار في نهار رمضان يعاقب ب كذا وكذا ....." و الذي يتم تطبيقه على غير المسلمين يجعل أولا من نشاط غذائي عادي لدى البشر جريمة يعاقب عليها القانون في حين لا تنص على عقوبة نصوص المصحف العثماني الذي يُنسب كلامه لله والتي يُنطلق منها لفرض الصوم على من يقال أنهم مسلمون من المغاربة إلا بِ "صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا " مما يفهم منه أنه شأن خاص بالافراد لا يتدخل فيه متدخل؟
أليس قائل نصوص المصحف العثماني حسب الرواية يفترض وجود الله و لذلك لا يتدخل بين المؤمن و ربه لانه هو كناقل مفترض للرسالة من قال له ان الله موجود و اذا تدخل سيورط نفسه في التناقض ؟
بينما الفرنسيون الذين كتبوا المادة 222 لا يفترضون هذا الوجود لأن الدولة الفرنسية علمانية وليست دينية .
إن المادة 222 مثلها في ذلك المواد المشابهة لها في دول الشرق الأوسط الكثيرة بإستثناء البعض منها ، تفرمل و تناقض الحرية التي تحدث عنها رئيس الحكومة المغربية و يتحدث عنها المصحف العثماني (لا اكراه في الدين) و تجعل كلام هذا الاخير يعتبر مجرد كلام يمكن مخالفته .و تناقض حرية الافراد في التنقل بكل حرية في كل ربوع البلد و التي ينص عليها الدستور. إذ كيف سيتنقل بكل حرية في البلد المغاربة الذين عُرف عنهم أنهم ليسوا مسلمين وما أكثرهم و هم محرومون بسبب هذا الفصل من أنشطتهم العادية وتدابيرهم الغذائية الخاصة مثلا بوضعيات تهم صحتهم بشكل شخصي (و التي تدخل ضمن دائرتها عبارة "أو أي وضع شخصي كيفما كان" ) .أليس هذا تمييزا تقول ديباجة الدستور أنه غير شرعي؟
إن الذين يعرف عنهم أنهم ليسوا مسلمين في المجتمع المغربي كثيرون منهم حركة مالي"الحركة البديلة للحريات الفردية " وأعضاء حركة "الملحدين المغاربة" و أعضاء حركة "من أجل مغرب علماني" وأعضاء حركة "اللادينيون المغاربة " وحركة تنوير و حركة مغاربة بدون ديانة وحركات كثيرة أخرى والمسيحيون المغاربة واليهود و البهائيون وعبدة الشيطان المغاربة ...و اللائحة طويلة..
فهل هؤلاء أقلية ؟
إذا أعتبرنا باجمال عدد المسلمين حسب ما يزعم الذين يحسبون السنة مع الشيعة والاحمديين المتخاصمين دائما و ابدا هو مليار نسمة .و اعتبرنا عدد سكان العالم هو 7 مليارات نسمة .فإن عدد المسلمين يمثل واحد على سبعة 7/1أي سبع سكان العالم .هذا يعني انهم أقلية.
بينما الباقي أي ستة على سبعة 7/6 غير المعنيين بالصيام ولا بالموافقة على تغيير عاداتهم الغذائية و غير ذلك عددهم هو 6 مليارات نسمة .فهم بالتالي الأغلبية العظمى .
إذن كل منتم للحركات التي تحدثنا عنها سابقا و التي من المعروف عنها ان اعضاءها ليسوا مسلمين في المغرب و الحركات المشابهة في الدول الاخرى ، يوجد اتوماتيكيا في دائرة الاغلبية العالمية غير المسلمة حتى لو كان في بلد يقول ان دينه هو الاسلام الصحيح حسب طبعته للاسلام .
يوم السبت 25/06/2016 قامت حركات مختلفة بالتظاهر في العاصمة الرباط أمام البرلمان للمطالبة بالغاء المادة 222 التي تجعل من الاكل جريمة في نهار رمضان .و هي المطالب التي رفعا بعض الشباب منذ 2009 دون أن تلقى اي استجابة إلى اليوم .
بينما في تونس لا يُعتبر الأكل في نهار رمضان جريمة رغم كون دستور تونس ينص على أن الدولة مسلمة .مما يعني أن لا إكراه في الدين حرفيا.
والغريب أن حرية العقيدة هذه قد عرفتها تونس منذ الستينات وحرية الأكل والشرب طيلة السنة و غير ذلك لمن لا يعتقد ان الصيام ضروري للحياة كانت ولا تزال مكفولة في تونس دون ان يطالب بها أحد منذ الستينات أيام الرئيس الحبيب بورقيبة الخالد .
و أقدم هنا بالمناسبة فتوى تاريخية حول حسب ما جاء في مصطلحاتها الآتية "الإفطار في نهار رمضان" مبنية على توجيهات من خطاب الرئيس السابق الحبيب بورقيبة و خطاب هذا الأخير نفسه..
المقتطف من خطاب ايقونة تونس المعاصرة الذي هو رئيسها السابق الحبيب بورقيبة و الذي خلد مقولته في السيدات
" احسن أن نقوم بتكوين فتاة تونسية علميا على أن نشتري طائرة نفاثة" هو للاستئناس و التامل الهادئ بالنظر لتاريخ الخطاب بداية الستينات ليعرف المرء هل نحن امام موجة ارتداد للخلف اذا اخذنا بعين الاعتبار ان البعض لا يزال لحد الساعة يناقش هذه المسألة و هي ما يُطلق عليه "الافطار في نهار رمضان" .
لقد تبع هذا الخطاب الشجاع هجوم عنيف على الرئيس الحبيب بورقيبة من الطبقة الرجعية المظلمة امثال كشك من مصر و غيره.لكن الرئيس بقي صامدا صلبا متشبتا برأيه لا يلتفت للرجعيين الذين تبعوا التأويلات المخالفة للقرآن.
للأسف لم يتبعه باقي الحكام "العرب" ،الذين هم الآن أموات ، في اعلان حرية العقيدة آنذاك لتحرير العقول .و يبدو انهم لم يكونوا يعيرون اهتماما لهذه العقول على الاطلاق الا بالقدر الذي يمكنهم منعها من الحرية المشروعة. لأنهم لو فعلوا لكنا في غنى عن مناقشة هذا الموضوع اليوم .

لذلك عرفت تونس ثورة حقيقية و إعادة بناء الدولة شرفت شمال افريقيا و لم تعرف مثل ذلك لا دول الغازوال في الشرق الاوسط و لا غيرها.
(المقتطف و الفتوى في الجزء الثاني الموالي من المقال).

رابط الخبر عن تونس:
http://www.ajel.sa/international/1599386
رابط الخبر من المغرب حول شاب الدار البيضاء :
http://www.alyaoum24.com/630541.html
رابط الخبر حول شباب زاكورة :
http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-237708.htm

رابط تصريحات بنكيران حول حرية العقيدة :
http://www.lakome2.com/politique/15155.html



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن