الإفطار العلنيّ في رمضان, بين ارهاب الدّولة و ارهاب المُجتمع..

حسام تيمور
Houssam.Taimour72@gmail.com

2016 / 6 / 23

يمكن اعتبار شهر رمضان منجما خصبا للمبحث السوسيولوجي, حيث تطفو خلال هذا الشهر كلّ عاهات المجتمع الاسلامي المستترة طوال الشهور العادية, في طقس دينيّ سمته الرّئيسية التلذذ بتعذيب الذات و بتعذيب الآخر, بإرغامه على "التظاهر" !! و التظاهر هنا ليس بمعنى "الاحتجاج" ضد "مُجوّعي" الشّعوب طوال السّنة, أو على تردي الخدمات و نقص المستشفيات و هشاشة البنى التحتية, و لا ضد ناهبي الأموال و الثروات, و مدبّري الشأن العام المحلي و الوطني.., بل التظاهر بالصّيام و الإيمان !! و الانصياع لسلطة "السّائد" بالذوبان في طقس النفاق الاجتماعي و الموسم السّنوي لكسب الأجر و الثّواب.

في شهر رمضان يجد غير المسلم نفسه مُجبرا على ركن كل الأسطوانات المشروخة عن تسامح المسلمين الذين يُسمّون أنفسهم "مُعتدلين" أو معتلّين" بتعبير أدق. و يرمي بكلّ الدّساتير التي تُقرّ بتبنّيها للمنظومة الكونية لحقوق الانسان (بما لا يتعارض مع الخصوصية المحلية) فقط تحت الضّغط, و تسوّلا لرضا الغرب و ما تيسّر معه من مساعدات تنموية تذهب حصرا لجيوب الحاكم و عصاباته, و أيضا لكلّ خطابات المؤسّسات الدينية "الارهابية" كالأزهر و أخواتها, و وزارات الشّؤون الإسلامية, التي تقدّم للعالم "الآخر" نصف الإسلام فقط, و تحتفظ بالنّصف الثاني للقطيع المُضبّع المغسول الدّماغ و المُغيّب الوعي, لتهييجه وقت الحاجة ضدّ كل من يُعكّر صفو تجارتهم تحت يافطة الاعتداء على قدسية الاسلام و زعزعة عقيدة المسلمين.

رمضان شهر الحقيقة, فطوال السّنة و المسلمون يتبرّؤون من داعش, و يلعنون ممارساتها الارهابية, و يتهرّبون من مرجعيّاتها الفقهية و سنداتها الدينية, و نظرية المؤامرة الصهيونية الامبريالية دائما في الخدمة. لكن بمجرّد حلول الشهر الفضيل, يخرج الوحش من القفص, و يُستدعى اللاّوعي, و تستحيل المدن و الشوارع و الأحياء -الشعبية بالخصوص- لإمارات اسلامية, للمسلم فيها الحق في تنفيذ الحدود الشرعية على كلّ من سوّلت له نفسه ارتشاف قليل من الماء في يوم صيفيّ قائظ, أو تدخين سيجارة. مدعوما طبعا بغطاء السّلطة التي دائما ما تصطفّ بجانبه في هكذا حالات, بحكم أنّه لم يفعل غير ما كان على "وليّ الأمر" أو هيئاته و مؤسساته فعله.

إن الحديث عن احترام مشاعر المسلمين بعدم الإفطار أمامهم, هو خطاب أجوف مثقوب لا يصدّقه عاقل. فهل يُستفزّ المسلمون الصّائمون في الغرب, و هم يرون كلّ مظاهر ما يعتبره المرضى النفسيون فسقا و فجورا و انحلالا؟ و إذا كانت تلك ديار الكفر, و هذه ديار الإيمان, فلماذا لا يُستفزّ من يصوم مُنفردا خارج إطار شهر رمضان في مناسبات متعدّدة؟

إذا كان لرمضان حرمة و قدسية تُبرر الدّفاع عنهما بالعنف المادي و المعنوي, و الارهاب المجتمعيّ و السلطويّ بحكم أنّه ركن من أركان الاسلام.., فالصّلاة كذلك ركن أهمّ, و الإسلام ككلّ يستوجب بنفس المنطق فرضه بالقوّة, و بالحدود الشّرعية المتخفية وراء ما يُريد حرّاس المعبد إقناعنا بأنها مجرّد انفعالات غوغائية على مستوى المجتمع, و مجرّد قوانين "جنائية" على مستوى السّلطة, أو فتاوي تبرر الحجر على أبسط الحقوق الإنسانية الطبيعية, بذريعة درء الفتن و الفوضى على حدّ تعبير الأزهر. إنّ الفرق الوحيد في هذه الحالة, هو انعدام شرطيّ "الكمّ" و "الكيف" لفرض الإسلام "الحقيقيّ" كما هو بالقوّة, و ليس فهما مُتنوّرا للإسلام كما يُريدون إيهام الجميع!!

من هُنا يمكن إيجاد معلم ارتكاز لفهم الظاهرة الدّاعشية خصوصا, و الظاهرة "الاسلامية" عموما. أفليست داعش هُنا, إلا انتقالا من مرحلة الكمون أو التقيّة, الى مرحلة الجهر بالقول و الفعل, بعد توفّر الشّرط الموضوعيّ؟ و على غرار الانتقال النّبوي, من الاسلام المكّي إلى الاسلام المدني؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن