الفيلم الوثائقي الاستقصائي (نوري المالكي. . . الصورة الكاملة)

عدنان حسين أحمد
adnanahmed9@hotmail.com

2016 / 6 / 17

يُعدّ الفيلم الوثائقي المعنوّن "نوري المالكي. . . الصورة الكاملة" الذي أنتجته قناة الجزيرة من الأفلام الاستقصائية الصادمة التي عرّت بعض الشخصيات السياسية العراقية الغارقة في عمالتها للأجنبي. كما كشفت زيف حزب الدعوة الإسلامية الذي لا يتطلع قادته ورموزه اللاحقون في الأقل إلاّ إلى الخارج من دون أن يخجلوا من تبعيتهم لإيران التي لا تستحق غير توصيف الدولة الطائفية المارقة ذات الأطماع التوسعية في كل البلدان المحيطة بها أو حتى في البلدان البعيدة عنها جغرافيا.
إنَ ما يميّز هذا الفيلم عن سواه من الأفلام الوثائقية الاستقصائية هو رصانة بنائه الفني، وطريقته السردية المُقنعة في تقديم الوقائع والأحداث التي أوحت للمُشاهِد وكأنه يتابع رواية بوليسية تحبس الأنفاس وذلك لحبكتها القوية، ونَفَسها الجاسوسي، واحتشادها بعناصر الشدّ والترقّب والتشويق خصوصًا وأن بطلها الرئيسي هو نوري المالكي الذي لا يجد حرجًا في تنفيذ عمليات القتل والتصفيات الجسدية بنفسه مثلما تقوم الشخصيات المؤازرة له بنشر الإرهاب، وترويع العراقيين والعرب في بعض الأحيان كما فعل جمال الإبراهيمي وهادي العامري ومئات العناصر الإرهابية الأخرى التي اتخذت من إيران ملاذًا آمنًا لها.

الإسلام السياسي
لا يتمحور الفيلم على نوري المالكي فقط حتى وإن كان بطله الرئيس بلا منازع وإنما يمتد إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي نشأ في العراق ثم هرب منتسبوه إلى سوريا وإيران، وتدربوا في معسكر الصدر في الأهواز ليصطفوا إلى جانب العدو، ويقاتلوا الجيش العراقي في ظاهرة غير مسبوقة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا.
لم يُثِر تأسيس حزب الدعوة الإسلامية عام 1957 حفيظة أحد خصوصًا وأن أحد أعضاء هيأته التأسيسية الثمانية السيد محمد باقر الصدر كان قد طرح فكرة التوازن الفكري مع الأحزاب اليسارية والقومية والعلمانية التي كانت رائجة آنذاك غير أن المواقف تتبدل فسوف يُحرِّم السيد الصدر حتى الانتماء الصوري لحزب البعث الذي أمسك السلطة بيدٍ من حديد وبسط نفوذه على خارطة العراق برمتها. وحينما تسنّم صدام حسين سُدّة الحكم لم يكن متهاونًا مع معارضيه فزجّهم في السجون والمعتقلات وكان نوري المالكي أحدهم لكنه سرعان ما أُخلي سبيله مع أعضاء وكوادر الحزب الذين فرّوا إلى إيران وسوريا ومنهما إلى بعض العواصم الأوروبية.
بلغ الاحتدام ذروته حينما نجحت الثورة الإسلامية في إيران وأعلنت بكل صفاقة عن مشروع تصدير الثورة إلى خارج الحدود وبالذات إلى العراق وبعثت برسالة إلى السيد محمد باقر الصدر تصفه بقائد الثورة الإسلامية في العراق الأمر الذي دفع صدام حسين لإعدامه في نيسان 1980 قبل أن تندلع الحرب العراقية - الإيرانية ببضعة أشهر.

غياب الطموح السياسي
بدأ المالكي مشواره السياسي حينما انتمى إلى صفوف حزب الدعوة عام 1968لكنه لم يكن شخصًا لافتًا للانتباه، ولم تظهر عليه علامات الطموح السياسي. كما أن خشيته من نظام البعث والدولة العراقية العميقة دفعته لأن يلوذ باسم مستعار فاختار اسم جواد المالكي الذي سيلازمه لمدة طويلة.
أحدث إعدام الصدر تغييرًا جذريًا في منهاج عمل حزب الدعوة حيث قررت قيادة الخارج تشكيل جناح عسكري باسم اللجنة الجهادية التي رأسها المالكي وكان هدفها ضرب المصالح العراقية في الداخل والخارج. ومن بين الأعمال الإرهابية التي نفّذها حزب الدعوة إلقاء عدد من القنابل اليدوية على طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء العراقي آنذاك في أثناء زيارته إلى الجامعة المستنصرية وراح ضحية الحادث عددًا من الطلبة الأبرياء. وفي اليوم الثاني تكرر الاعتداء حيث أُلقيت قنابل أخرى على جموع المشيّعين لزيادة عدد الضحايا الأمر الذي دفع صدام حسين للقَسَم العلني أمام العراقيين بأن دماء الشهداء لن تذهب سُدى. ثم تكررت الأعمال الإرهابية التي نفّذتها أيدٍ آثمة من أعضاء حزب الدعوة من بينها تفجير السفارة العراقية في بيروت التي راح ضحيتها أكثر من ستين قتيلاً وجريحًا من المدنيين بينهم السيدة بلقيس الراوي، عقيلة الشاعر الراحل نزار قباني، وتفجير سينما النصر الذي أودى بحياة العشرات من المواطنين الأبرياء، وتفجير وزارة التخطيط، ومبنى الإذاعة والتلفزيون.
لم تنجُ الكويت من الأعمال الإرهابية لحزب الدعوة حيث استهدف المدعو جمال جعفر محمد علي الإبراهيمي، الملقب بأبي مهدي المهندس موكب الأمير الكويتي جابر الصباح الذي نجا من الحادث الإجرامي في حينه. وبعد كل هذه الأدلة الدامغة يظهر السيد غالب الشابندر، وهو قيادي سابق في حزب الدعوة الإسلامي وقد انتمى إلى الحزب عام 1965 ليتحدث عن "طهورية وبتولية ورسولية" أعضاء حزب الدعوة في مراحله الأولى ويدّعي بأن الحزب كان يستهدف الشخصيات السياسية البارزة مثل صدام حسين وطارق عزيز وسواهما كما يستهدف السفارات أو المراكز الأمنية التابعة للدولة وحزبها الحاكم.
تكمن أهمية هذا الفيلم أيضًا في الشخصيات المهمة التي استقطبها فريق العمل للحديث عن المالكي خاصة أو حزب الدعوة بشكل عام ومن بينها كينيث بولاك، خبير الأمن القومي في وكالة المخابرات الأميركية سابقا، وستراون ستيفنسون، رئيس لجنة العراق في البرلمان الأوروبي، والعميد وليد الراوي، مدير مكتب وزير الدفاع العراقي قبل الغزو الأميركي، والدكتور حسين رويوران، الخبير الإستراتيجي في جامعة طهران، والأستاذ غالب الشابندر، القيادي السابق في حزب الدعوة قبل أن يتشرذم وتتناهبه الأهواء والمصالح الشخصية لإبراهيم الجعفري ونوري المالكي ومن لفّ لفهما.

السقوط في دوّامة الانفعال
يرصد كينيث بولاك شخصية المالكي الذي هرب من العراق واستقر في سوريا وإيران وكيف انعكست تجربة الغربة عليه بشكل سلبي لأنه عاش سبع عشرة سنة وهو فارٌ من مخابرات صدام حسين لينتقل إلى دولة بوليسية أخرى مثل سوريا التي كانت ترزح تحت ظل نظام حافظ الأسد، أو دولة ثيوقراطية مثل إيران تعيش في ظل نظام آية الله. يخلص بولاك إلى القول بأن "المالكي أصبح متشككًا، ويعاني من الارتياب، وشخص تحت هذه الظروف لن يكون طبيعيا" وهذا هو سرّ احتقانه المستمر، وعصبيته الدائمة، وسقوطة في دوّامة الانفعال. تُرى، هل يستطيع شخص مثل المالكي الذي تنقّل بين ثلاثة أنظمة قمعية أن يفكر بالديمقراطية والحريات الشخصية والعامة خصوصًا وهو يتطلع إلى استنساخ تجربة الحكم الطائفية في إيران؟ لا يقتصر هذا الأمر على المالكي وإنما يمتد إلى هادي العامري الذي كان يقاتل مع الجيش الإيراني ضد أبناء جلدته ولا يجد حرجًا في القول بالفم الملآن "إذا قال الإمام حرب. . . حرب، أو صُلْ . . .صُلْ" فهو لا يرى حتى نفسه لأنه يرى صورة الإمام الخميني تحتل كامل عينيه، وتستحوذ على مساحة ذهنه كلها!". أما صلاح عبد الرزاق الذي ظهر مُلثمًا ومختبئًا وراء نظارة سوداء لم تفلح في تمويهه أو إخفاء معالم وجهه فقد قال بالإنكليزية قولاً صريحًا لا مواربة فيه: "نحن نقولها ونكرِّرها مرات عديدة بأن هذا الإمام هو القائد لجميع المسلمين حول العالم، ونحن كحزب الدعوة الإسلامية نؤكد بأن الإمام هو قائدنا كذلك، وهو ممثل ولاية الفقيه القائد العام للحزب".
لابد من الإشارة إلى أن غالب الشابندر لا يحبّذ ارتباط حزب الدعوة بولاية الفقيه لأنه لا يؤمن بالتبعية أصلاً مثل السادة الثلاثة الذين أشرنا إليهم توًا، فحزب الدعوة يجب أن تكون له خصوصية عراقية وعربية لا أن يُلقي نفسه في الحضن الإيراني ويتبع الإيرانيين مثل طفل قاصر لم يبلغ سن الرشد بعد.
لقد أمعنت إيران في الإساءة إلى العراق والعراقيين ولعل إشارة العميد وليد الراوي بأن عدد المتدربين من أعضاء حزب الدعوة في الأهواز قد بلغ سبعة آلاف عضو تدربوا على القتال وأعمال التفجير والتخريب في دولة لا نستطيع أن نضعها إلاّ في "محور الشرّ" الذي يمعن في الإساءة إلى عالمنا العربي.
لا يزال المالكي يتصرف وكأنه القائد الفعلي للعراق على الرغم من فقْده لكل مناصبه الرسمية لكنه يُعتبر حتى هذه اللحظة رجل الظل الأقوى القابض على مفاصل الدولة بفضل مليشيا عصائب أهل الحق الإرهابية التي تدعمها إيران ماديًا ومعنويًا ويغدق عليها المالكي من المليارات التي نهبها من أموال الشعب العراقي. تُرى، إلى أي كفة يميل المالكي؟ هل هو رجل إيران الذي دعمته مُعارضًا وحاكمًا، أم هو رجل الولايات المتحدة التي أتت به إلى السلطة؟ أم أن المصادفة العمياء هي التي خدمته ووضعته في الصف الأول بعدما كان غارقًا في الصفوف الخلفية المعتمة التي لا تصلها الأضواء إلاّ لمِاما؟
تكشف زيارة المالكي الأخيرة إلى طهران عن الدعم الإيراني المتواصل له طالما أنه يمعن بتمزيق العراق وإضعافه، ويوغل في تبعيته المُذلة لإيران. فهو رجل إيران الذي لن تتخلى عنه بسهولة لكن ضغط الشارع العراقي وعشرات الآلآف من الضحايا العراقيين لن يتركوه حُرًا طليقًا، كما لم تتركه الأصوات الشريفة، والأقلام غير المأجورة التي ستستمر بفضح جرائمة وانتهاكاته وخروقاته كما فعل فريق هذا الفيلم الشجاع وبعض شخصياته البطلة مثل النائب ستراون ستيفنسون الذي لن يكف عن تعرية المالكي ما لم يمثل هذا الأخير أمام القضاء العراقي النزيه الذي يجب أن يعيد الحق إلى أصحابه على الرغم من تقادم السنوات.

سلسلة الاغتيالات
لمعَ نجم المالكي حينما وقعَ اختيار بريمر عليه ليكون عضوًا في لجنة اجتثاث البعث والقضاء على أي أثر لهذا الحزب القومي الذي حكم العراق طوال خمس وثلاثين سنة. وتحت ذريعة محاربة البعث قامت هيأة الاجتثاث بعمليات تصفية للكثير من المواطنين العراقيين الذين لا علاقة لهم بحزب البعث أو بنظامه السابق وبدأ سلسلة الاغتيالات الغامضة التي كان ينفّذ بعضها المالكي شخصيًا كما حدث مع الدكتور مجبل الشيخ عيسى، أحد أعضاء لجنة صياغة الدستور حيث تمّت تصفيته من قبل المالكي بهدف إقصائه من المشاركة في كتابة الدستور العراقي الجديد لأنه كان أبرز ممثلي السنة داخل اللجنة التي أنجبت في خاتمة المطاف دستورًا مشوّهًا وبدائيًا لا يرقى إلى مستوى دساتير أكثر الدول تخلّفًا في العالم.
دعمت الإدارة الأميركية إبراهيم الجعفري كي يكون أول رئيس للوزراء في العراق لكنه كان ضعيفًا ولا يتوفر على شخصية قيادية تؤهله لحكم بلدٍ مثل العراق. وبما أن المالكي لم يكن من الصف القيادي الأول لحزب الدعوة ولا يشكِّل خطرًا على بقية الأحزاب الشيعية في حينه فقد تمّ تقديمه كمرشح لرئاسة الوزارة في العراق بعد أن انتقل حزب الدعوة من حالة الشورى إلى نهج الأمانة العامة التي سيختار أعضاؤها نوري المالكي أمينًا عامًا للحزب ليضع العراق في عين العاصفة الطائفية التي سوف تجتاح خارطة العراق شيئًا فشيئا. يؤكد بولاك بأن اختيار المالكي لم يكن أفضل القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية ولم يكن أسوأها أيضا.
استهل المالكي حقبته بانتهاك صارخ للقانون حينما وقّع على قرار إعدام صدام حسين. وقد جاء في أحد الكتب السرية والشخصية بأن قرار "إعدام المتهمين صدام حسين وبرزان إبراهيم وعوّاد البندر يجب أن يُعرض على هيئة الرئاسة والمصادقة عليه بالاجماع قبل تنفيذ حكم الإعدام وإلاّ سوف يكون التنفيذ غير قانوني وغير دستوري."
بدأ المالكي بالهيمنة على السلطة واعتبر نفسه النقطة الوحيدة التي تلتقي عندها كل الأجهزة الأمنية التي تغولت كثيرًا في حياة العراقيين وألحقت بهم ضررًا لم يعرفوه من قبل. فما الذي نتوقعه من أجهزة محتقنة ومعبأة بالحقد يقودها شخص طائفي مثل المالكي يلهج ليلَ نهار بأنه "شيعي أولاً، وعراقي ثانيًا"؟
تكشف آلاف الوثائق السريّة الخاصة بالعراق التي سربتها ويكيليكس بأن المالكي قد أدار فرقًا للموت والاعتقال تأتمر بأوامره فقط وهي تستهدف المكوِّن السني وبعض المجاميع الشيعية المناوئة لنهجه الوحشي الذي يفرِّق العراقيين إلى نحلٍ وطوائف وأديان وقوميات. وقد رصدت إحدى الوثائق أكثر من 100.000 (مائة ألف) سجين عراقي احتجزوا في سجون سرّية ترتبط مباشرة بمكتب المالكي.

شخصية مُعتبَرة
ربما تكون شخصية ستراوس ستيفنسون هي الأكثر جذبًا في هذا الفيلم الوثائقي الاستقصائي الذي يُعّري شخصية مُتهمة بالقتل والترويع ونهب المال العام مثل المالكي حيث يقول: "لقد أنشأ سلسلة كاملة من السجون السريّة التي تمّ تمويلها بأموال الضرائب العراقية، تلك المليارات التي اختفت ببساطة. معظم هذه السجون تُدار من قبل الميليشيات الشيعية المعروفة بوحشيتها واستباحتها للتعذيب وللقتل خارج إطار القانون دون أي رقابة. الآلاف من العراقيين السُنة محتجزون في هذه السجون". ثم يضيف السيد ستيفنسون، حسب رواية لضابط بريطاني رفيع المستوى كان يعمل في الأمم المتحدة لمراقبة نظام السجون في العراق، حيث أخبره قائلاً: "أن عددًا كبيرًا من هؤلاء المعتقَلين يؤخذون إلى سجون سريّة ثم يختفون ببساطة ولا تعلم عنهم عائلاتهم شيئًا، هكذا دون أي تهمة. كثير من هؤلاء المعتقلين تمّ إعدامهم بعد تعذيبهم بوحشية."
كشوفات هذا الفيلم الوثائقي كثيرة من بينها ورود أكثر من 200 مختصر عسكري سرّي أشبه بالشيفرة التي زادت الأمر تعقيدًا على فريق العمل لكن المختصر الأكثر تكرارًا هو Frago 242 والمرتبط بالمالكي شخصيًا يكشف عن "أمرٍ عسكري يقضي بعدم تدخّل الجيش الأميركي لمنع عمليات التعذيب والاعتقال والقتل الصادرة عن الحكومة العراقية ومسؤوليها والعمل على تجاهلها، وهي رخصة للقتل والتعذيب ممنوحة من قبل الإدارة الأميركية لحكومة المالكي!" ألا يُدين هذا الكلام الخطير المالكي والإدارة الأميركية نفسها؟
بلغ عدد القتلى العراقيين جرّاء العنف الممنهج خلال ولاية المالكي الأولى فقط 75.249 قتيلاً ومعظم حالات القتل كانت اغتيالاً بهدف الإقصاء والترويع وتعميق الهوّة الطائفية. إذن، كم مرة يجب أن يمثل المالكي أما المحاكم العراقية؟ وكم هي الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق العراقيين؟ ألم يكفهِ قتل 350 عالِماً نوويًا عراقيًا و 80 ضابطًا من ضباط القوة الجوية العراقية لكي يُحال إلى محكمة عراقية نزيهة كي تعيد الحق إلى أصحابه؟
يكشف الفيلم أيضًا بأن المالكي شخصيًا هو الذي زوّد إيران وفرق الاغتيال التابعة للموساد الإسرائيلي بالسير الذاتية للعلماء العراقيين وسهّل طرق الوصول إليهم بهدف تصفيتهم كما توضِّح العديد من الوثائق المُسربّة. وهناك بعض الوثائق التي تحمل توقيع المالكي نفسه في عام 2007 وتفضح تنسيقه المباشر مع الحرس الثوري الإيراني لتصفية شخصيات برلمانية عراقية على وجه التحديد.
رسّخ المالكي المليشيات العراقية التي اجتاحت الشوارع وروّعت المدنيين عشرات المرات فامتلأت السجون بالأبرياء لأسباب كيدية يختلقها المخبر السرّي. كما عصف الفساد بمختلف مؤسسات الدولة وسُجِلت اختلاسات فلكية تجاوزت الـ 350 مليار دولار. وإذا كان الساسة العراقيون يسكتون على هذه الجرائم المروعة فإن ستيفنسون، صاحب الرأي الشجاع، يشكِّل غالبية لوحده! فقد بعث إليه المالكي بوسيط يحمل رسالة مفادها: ما الذي تريد حتى تصمت وتكفّ عن انتقادي؟ متخيلاً أن السيد ستيفنسون مثل بعض السياسيين العراقيين الذي جاءت بهم المصادفات وجثمت بهم على صدور العراقيين الأنقياء. فهذا الرجل لا يساوم ولا يعقد الصفقات فلاغرابة أن يكون ردّه سريعًا وصادمًا: "الأمر الوحيد الذي سيجعلني أصمت هو اعتقاله وتوجيه تُهم له بجرائم ضد الإنسانية". وهذا ما يطالب به غالبية العراقيين الذين يريدون إحقاق الحق وإزهاق الباطل. فالعراق يحتل الآن المرتبة السادسة ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم كما يذهب ستيفنسون ويتساءل بمرارة: أين تذهب كل المليارات التي جناها العراق في حقبة المالكي؟ أين ذهبت 500 مليار دولار من عائدات النفط منذ عام 2006؟ ويأتي الجواب بسيطًا وسلسًا لا مواربة فيه" أنه كان ينفقها على ميليشيات شيعية توجهها قيادات إيرانية فتكت بالبلاد والعباد.
تدخلات الحكومة الإيرانية الثيوقراطية لا حدود فخامنئي نفسه هو وضع خطًا أحمر على إياد علاوي الذي فاز في الانتخابات وعلى الرغم من كونه شيعيًا إلاّ أن ذلك لم يُرضِ خامنئي لأنه يرى فيه قائدًا قوميًا عربيًا غير مذهبي يمكن أن يجمع كل أطياف الشعب العراقي تحت خيمة الوطن وهذا ما لا تريده الأجندة الإيرانية التي فضلت إعادة ترشيح المالكي كي يُمعن في تمزيق النسيج العراقي، ويهدد وحدته الوطنية. كما أن الإدارة الأميركية التي قررت الانسحاب من العراق فضّلت إعادة ترشيح المالكي لكي تضمن مصالحها في العراق مقابل أن تدعه يتعامل مع المحتجين والمنتفضين بالطريقة الوحشية التي لا يتقن غيرها خصوصاً وأن خامنئي قد أمرهُ بأن "يكون صارمًا مع السنة" كما يذهب ستيفنسون، ومع الذين كانوا يهتفون علانية "حزب الدعو كلهم حرامية" و "مجرم وسفّاح نوري المالكي" و "طالبوا بإعدام نوري المالكي" وشعارات صريحة أخرى رددها الشيعة قبل السنة تفضح المالكي والحزب الذي ينتمي إليه.
ينتهي الفيلم نهاية ذكية مدروسة حينما يقرر فريق العمل اختيار اعتصامات الأنبار التي يحتج فيها المتظاهرون على سوء الأوضاع الخدمية، ويطالبون بإطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء الأبرياء الذين زجهم المالكي في السجون السرية والعلنية. وبدلاً من الاستجابة لمطالبات المحتجين وصف المظاهرة بـ "النتنة" تارة، وبالـ "فقّاعة" تارة أخرى، وطلب منهم أن "ينتهوا قبل أن يُنهَوا" ثم اقتحم بقواته الأمنية مواقع الاعتصام وحرق خيم المحتجين ليرسم نهاية مأساوية مُفجعة لن تمرّ مرور الكرام بمنعه من تمديد ولايته الثالثة فقط ما لم يمثل أمام القضاء العراقي الذي يجب أن يعيد الحق لأصحابه ويقتصّ من قتلة الشعب العراقي وخصوصًا أولئك الذين يتطلعون بأعينهم صوب الحدود الشرقية التي لم يأتِ منها سوى الخراب والدمار على مرّ العصور.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن