قراءة الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي في الفن التشكيلي عند ابن فياض

ابوذر الجبوري

2016 / 6 / 15

قراءة الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي في الفن التشكيلي عند ابن فياض


يحاول هذا البحث أن يضيف دراسة علاقة نموذج قراءة الاقتصاد المعرفي/ رأس المال الاجتماعي كمدخل تحليلي في أعادة صياغة المفاهيم العامة للعلاقة بين الموارد الاقتصادية المعرفية ونظم تحليل وتخزين المعلومات وعلاقته المقارنة بالفن التشكيلي لفك رمزية مسار أتخاذ وصناعة القرار، وذلك بعقد مقارنة بين تطور النظام الفلسفي الاقتصادي لرأس المال الاجتماعي ونظيره التي أتخذ منها الفنان التشكيلي السوري المرموق (عبدالحميد الفياض) عنوان للوحته الموسومة بـ"رأس السنة" أنموذجا. كذلك تهدف المقالة في بيان تماثلية المقارنة والمقارة الملتبسة في تقويم عملية صياغة هذه العلاقة وترجمتها بما يتناسب مع طبيعة الاختلاف بين المنظورين والتجربتين بينهما.

تعد لوحة (رأس السنة)، أو الذاكرة الموشومة La mémoire tatouée نقدا جدليا وتدافع تدوين التفكير في المنطق، ومراجعة دقة الحقائق تحت طائلة المعرفة والمعلومات، ومساءلة مداركنا في ظل ما تمنطقت وتفلسفت في حقائقنا المتخيلة والمتخفية بطائل زيف ظواهرنا، حملناها بقصدية ام بعفوية عبر الأشياء ذاتها التي قد نألفها او ننبذها باللون، بالصور، والدلائل والآثار والحروف والعلامات كالإشاعات. غير أن فياض، في الوقت نفسه، يجهد ليفتق قراءة جديدة يخلخل معلوماتنا ومعارفنا التقليدية، لأنه يغيّر مكان هذه الأشكال التي أعتدنا نراها او كما تعودنا ان نراها او نألفها في الفن التشكيلي بتنظيرات اصبحت كأغنية القبائل القديمة نرددها، فسعي مخالفا المسار، أن يأخذنا بعيدا عن ذواتنا، نحو افق عالمه هو، إلى حدّ أننا نحسّ أننا في الطرف الأقصى من عالم الاقتصاد المعرفي والرقمي للمعلومات في علاقته مع الفن التشكيلي ابداعيا.

ظلّ عالم اقتصاد المعرفة والمعلومات الرقمي يتقلب في وسط مناطقة علماء الاقتصاد والادارة المعاصرة والفلاسفة من جهة والفنانين والادباء من جهة أخرى، منذ وقوفي بالمشاهدة لعمل الفنان فياض بعمله المبدع (رأس السنة) او الذاكرة الموشومة أن صح التعبير، مددت بأعتقادي أنّ يدرس معادلة معرفية في عالم الاقتصاد في ظل المنطق المعلوماتي في التحليل و التكامل الابداعي الرقمي، ولد متكاملاً في العمل المذكور كما قاسها (أ.د عبدالرحمن الجبوري- تحليل التماثل المعرفي في الاقتصادي الرقمي لبنوك منطقة البحر الكاريبي ) المستنبطة من تفكبك رموز اللوحة ذاتها، وأنّ قابلية معالجة دخوله لتفكيك الارقام تحت طائلة المراجعة أمر يكاد يكون محالاً؛ وأمام ما شهدته نظريات علوم الادارة المالية والأقتصادية من تحولات ناقضت أحياناً العقل مع ذاته في السوق، ابتداء من النظرية الحركية للتداولات النقدية، والنظرية الكينزية، وخصوصاً ظهور مشكلات مست مسألة الحتمية "لفائض القيمة" لماركس؛ ومذ أن عرفت عمقها بتفكيك وتفسيرها لقضية رد المعارف أو اختزالها بارقام رياضياتها، فتشت في المنطق الشبكي لتصاميم المعلومات لفك نوعاً من التشكيك الرمزي للوشم؛ وجدت نفسي أمام معادلة طرحت على الفكر في مجالاته الدقيقة، قضية قابلية الحقائق المنطقية المعرفية، المراجعة المعلوماتية في تحليل بيانات السوق، وما استلزمته اللوحة من تقليب للنظر من منطلقات أنطولوجية ولغوية محاسبية ومنطقية بخصوص الخوارزميات، واستيضاح ما عرف بالمنطق الاقتصادي الرياضي في الميل الحدي المنحرف.

رغم أن كل رمز موشوم تحت مفاضلة اقتصادية رياضية كما ورد في اللوحة، تنطوي على نسبة من القياس الاحصائي بدرجة من ميزة المبالغة واضرارها، فبإمكاننا أن نؤكد أن الرموز المشار إليها هي "فجوة المخاطر للميل الحدي السعري في تداول المعلومات او ما يمكن تسميته تجريح ذاكرة التحليل للمعلومات الرقمية كما اورد تحليلها بالتقابل اللسانيات الاقتصادية للمعرفة عند أ.د عبدالرحمن الجبوري، مؤكد ما هو أهمّ ما يجدر الوقوف عليه في المزاوجة بين الاقتصاد المعرفي والرقمي والمعلوماتي مع الفن التشكيلي، والذي اوقفه بفاعليه ابداعية ومضة المبدع السوري (عبدالحميد فياض)، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق على مستوى ملاقحة الفن مع العلوم الرياضية للاحصاء والمال والاعمال. لا تكمن هذه الأهمّية فحسب في ما كان للفنان من مفعول، وما خلفه من أثر امتدّ خارج سوريا، بل خارج الثقافة الفنية التشكيلية العربية، يشهد على ذلك ما كتب وحاضر عنها أ.د الجبوري معترفا بأنه، وإن كان اللوحة تقتسم مع الفنان الاهتمام بالأشكال نفسها، إلا أنه غارق في اسلوبية متفردة لثقافة فقدت بحداثتها المفرطة، راهنتيتها التقليدية، لذا فنحن مدينون لأبن فياض لكونه فك طلاسم مهمة للعقل الانساني في حل مشكلات الفقر والبطالة في المعادلات المثارة في مؤتمر المناخ وبعض من إشكاليات التنمية المستدامة، لأنها تبتعد عن نفسه في الجغرافية وقريبة منها في الانتماء. سمات الانتماء في محتويات المزاولة بالتفكير والعبور للطريق إلى الأنا-الحاجة/الرغبة في علم الاقتصاد السياسي والاجتماع نحو الطريق إلى الآخرمن المشاركة للانسانية بالموقف نحو العمل الفني التشكيلي بأصالته في قراءة ما فسح المجال لقراءته على هامش الفلسفة التحليل الاقتصادي المعرفي، والاحصاء والمحاسبة والتدقيقلتحليل ما تقولون إزمات العالم الثالث المؤشكل في سياسة الامن والتنمية والعمران ، وجعل فتح قنوات الحلول ان تشترك بها جميع ما يتطلبه العقل الإنساني من تفكير منضبط نحو تحرك عن طريق الفن التشكيلي او فنون الاداب بإيصال رسائلها الحقيقية، وهنا الفنان الاستاذ (عبدالحميد الفياض) فسج مجال المشاركة الخلاقة اللينة للفن ان يمتد منالرغبة إلى رعاية الحاجة الاقتصادية المعرفية في تحليل الاستنساخ من الذاكرة الموشومة إلى إعادة قراتها تنمويا في حقل تصميم شبكة المعلومات لصناعة القرار ومتخذوه..

وعليه، قد أظهرت هذه التجربة أشكال جديدة من المنطق في قراءة وتحليل معايير الاقتصاد المعرفي والرقمي والمعلوماتي بعلاقة، وتعددت أنساقه المترابطة برابط عمق الصلة بالفن التشكيلي في حل المشاكل العالقة بالتنمية، ولم يعد الفن التشكيلي منطقاً واحداً بصيغة المفرد الرغبوي، بل صار منطقيات ملزمة التمعن بصيغة الجمع والحاجة المركبة مع الرغبة؛ وهكذا ظهر الفنان المبدع أبن فياض المنطق الثلاثي الابعاد للاقتصاد المعرفي في تصميم شبكة الرقمية للمعلومات بفك وتحليل القيم الاقتصادية في العرض والطلب والمنطق المتعدد القيم للاستهلاك، ثم المنطق الحدسي مع التخطيط الاستراتيجي، والمنطق العقلاني في درجة المخاطرة المتوقعه، وتعززت تعدُّدية المنطق بنظريات متباينة بخصوص المطابقة والاتساق والمواضعة..إلخ. يرى "أ.د عبدالرحمن الجبوري" أنّ المنطق للرياضيات الاحصائية المنحرف سواء في شكله المتعلق بالعرض للحاجات او الرغبات العقلانية أو في صورته المحاسبية المالية خصوصا مع مشاريع "الفقر والتعليم والصحة" وأشياعه التنمية البشرية إنما يكون على حساب ادارة القيم البسيطة لمصفوفات التنمية الاستراتيجية في التخطيط للمصنفات "بورتر" ومقوماته الخمسة للعناصر الفاعلة. فلا المنطق الاقتصادي المعلوماتي ولا النزعة المعرفية الحدسية التي يعتبرها "بيتر دروكر"، إحدى مدارس النزعة البنيوية القادرة على تجاوزة قواعد مقامات المرفوع الحسابي، مثلاً، دون اقتضائه فإذا كان المنطق المنحرف يرفض الثنائية القوي /الضعيف أو النفي بحسب كلاسيكية ريكاردو، فإننا نلمس أنه من الصعب للغاية إقصاء أي شيء يكون أساسياً مثلما هو شأن النفي الكلاسيكي في المعالجات الكينزية. فنحن عندما نقبل على تفسير منطقنا الثلاثي القيم من خلال لوحة الفنان (عبدالحميد الفياض) كأن نشرح النفي المتخفي بكونه "القوي" الصادق، إذا وفقط إذا كانت القيمة الفائضة تمثل المعطاة ليست صادقة، فإننا نستعمل "لرموز غير الرقمية، ونكتفي فقط بالحروف الكتابية"، لاجل إظهار عامل العرض بـ"النفي" او الضعف بحسب الكينزية الكلاسيكية، التي يرفضها من يخرق المنطق الكلاسيكي بمنطق ريكاردو او مدرسة شيكاغو الاقتصادية.

وأخير، لعل أهم مظاهر هذه اللوحة في ميزتها التنافسية، هو هذه الزحزحة في التلقي التقليدي بفهم الفن التشكيلي، واللوحة جاءت بأعمال الفنان الابداعية خصوبة في إعادة الإعتبار لهذه المعارف وعلاقة العلوم والفن في إعادة الاعتبار لـ"الانسان" القيم المشتركة المعاشة وبدعوة لتظافرها، والاستعاضة "بعولمة الحلول للمفهوم للفن التشكيلي والاقتصاد المعرفي، والنظر إلى مختلف المنظومات المعرفية الدالة للمعلومات التي يندرج فيها بهدف متابعة القنوات التنموية والمسالك الملتوية في اتحليل المعلومات التي تنهجها الثقافة في تصميم نظم المعلومات وتحليل البيانات للتعبير عن ذاتها داخل السوق لدى صانع القرار، اللوحة جعلت لدينا مراجعة حقيقية في خلق الفرص، وردع التصدعات من أنحرف العقل المعرفي، ومكانته العلمية والاخلاقية في ما ضمره بين ثوابت ومحدداد اطار التجديد القادم، ومراجعة ما يترسخ كتقليد، اللوحة فتحت مسارا ذهنيا وثقافيا واسعا، لتدارك ما تعمل به مختلف القنوات الابداعية بتحويله إلى تطابق لا يتنكر ميزات العقل لتقبل العمل مع المختلف، وإيجاد صيغة تحليلية مناسبة من التصاميم في منجز التنمية الانساني القادم، لبناء عالم انساني بالمشاركة، انه عالم فك الذاكرة الموشومة من رأس السنة، بجديد اقتصادي معرفي منضبط.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن