تطور وانحطاط الفكر/سارتر-جارودي

ماجد الشمري
alshmary.alshmary64@gmail.com

2016 / 6 / 12

"قد تركت لك هذه الكتب،فأن رأيتها تخونك فأجعلها طعمة للنار"/ابو سعيد السيرافي-من وصيه لولده...

(الماركسية هي فلسفة القرن العشرين ولا يمكن تجاوزها)...
سارتر

(ان للحضارة الغربية رأسماليتها وماركسيتها مصير واحد هو مزبلة التاريخ)
جارودي

......................................................................................
الافكار...تلك الهوامات والومضات الطائرةوالتي تعج بها رؤوسنا!!.من رغبات واهواء واماني،من خيالات واخيلة ومخيال وصور،من فضول ونزعات وتطلع،من اعتقاد وقناعة وتلبس،من اكتساب وميراث وانعكاس،من كبت وقمع وزجر لاصوات الاغوار المعتمة!،من معلوم ومجهول وموجود وعدم،من ذاتية قحة وموضوعية مكافحة،من اباطيل وسفاسف وحقائق وانعكاسات وظنون وشك وتأويل،من انحسار ومد وتخوم وسدود،من صعود وسقوط وانبطاح ونهوض.....فراشات ملونه تمتص رحيق الزهور،وذباب يقتات على الجيف والمزابل!...الافكار..تلك الصور الملونة من جمل وصيغ والظلال الباهتة لشمس الواقع،تلك الشوامخ والاطلال،نزيهة مخلصة لاتخوننا بل نحن من نخونها!بعضها شفاف بالغ النقاء والعذوبة،والبعض الأخر غليظ وقاسي وصلب كالرخام،بعضها مقاتل يدافع عن وجوده،ويخوض نزالات وسجالات محمومة اذا ما واجهت خصما او غريم او مخالف او مضاد،والبعض الأخر مسالم مستكين يمارس التقية،ويتجنب التلميح ناهيك عن التصريح،يعاني من الوحدة والسرية وينبض في سرداب العقل!!والفكرة المنطقية المتماسكة والمتمكنه،والتي تملك حجة اقناع سديدة للذات هي التي تسود وتسيطر-اذا توفر الوعي الناضج والحيوية الفكرية-،وتهمش الافكار الباقية-ان وجدت- الافكار الهشة والمتداعية والتي تتحالف مع الجهل والوهم!تملك الافكار حياة خاصة بها،فهي في سيرورة وارتقاء تولد وتنمو وربما تتفرع وتنقسم وتنتشر وتترحل وتهاجر ثم تضمر وتشيخ وتموت.واحيانا تبقى حية لعصور،واحيانا تموت قبل موت حاملها،او تبقى بعد موت مبدعها او معتنقها،وقد تبعث من جديد بعد موتها-وان بصورة وشكل مختلف-وقدرتها على التوسع والانتشار في ادمغة لا حصر لها ترتبط بوجود البيئة الاجتماعية المناسبة،والظرف الملائم والخصب لنمائها وازدهارها...يجري تقديسها والتسامي بها وتبجيلها والتفاني من اجلها وتحصينها من الافكار المغايرة والمهرطقة،كما تتعرض للتدنيس والتسفيه والتسفيل والتشويه والتحريف والابتذال من قبل الافراد والجماعات التي تتبناها وتعتقد بها،او التي تتخلى عنها كحذاء قديم!عندما تحتضن اخرى مختلفة...وكل الافكار بلا استثناءمن:فلسفات واديان ومعتقدات واساطير وخرافات،الى النظريات والقوانين والمعارف والعلوم والحقائق:كأكتشاف او ابداع او تراكم او توليد،كل ذلك هو نتاج للعقول البشرية،اي من صنع وانتاج البشر!!تراكم كمي وتطور نوعي لما سبق من معرفة وثقافة وحضارة في جانب منه،وابداع وابتكار وخلق ذاتي محض-وان حكمته الصدفة احيانا-وجزء كبير منه هو انعكاس للبنية التحتية لنمط الانتاج الاجتماعي الاقتصادي في مجتمع محدد وحقبة او فترة تاريخية محددة ايضا-مع استغلال الطبيعة والتفاعل معها-........هناك فرقا شاسعا بين مفهوم التطور الفكري،وبين التخلي عن افكار واعتناق اخرى!فالتطور الفكري يقترب الى حد ما ونسبيا من شكلانية التطور البايولوجي والطبيعي،فهو ينتقل من الافكار البسيطة الساذجة والمندهشة من الوجود والكون الى المركبة والمعقدة والاشد تعقيدا.اي من الافكار الغيبية الخرافية والاسطورية الى التجريد الفلسفي-ميتافيزيقيا ومعتقدات ومطلقات ومثاليات ولاهوت-الى العقلانية والتنوير،والعلمانية،والعلوم الحديثة،والحداثة ومابعدها والمستقبليات.وهي في حراك عقلي متجدد ومستمر ومتصاعد ومتقدم كتعاقب تاريخي وتزامني..والافكار الغيبية والاسطورية تعتمد الصورة والخيال والوهم والاعتقاد بالمطلق،لاتشك ولا تتساءل،ولا تعرف معنى السببية وارتباط العلل بالمعلولات.اذا هي افكار بسيطة،وتنتمي لطفولة البشرية،وترتقي كلما ابتعدت عن التخيل السالب والوهم،واقتربت من التصور المادي والواقعي والطبيعي لما يحيط بها من اشياء..اما التنكر لفكر اعتنقه الانسان لسنوات وعقود،وفجاة،او بتأثيرات خارجية-خارج الذات-،او من الاخر،يكف عن تبنيه،ويقفز الى افكار اخرى مغايرة ومضادة ونقيضة،بل ومتخلفة جدا عن افكاره السابقه،او محاولة التلفيق والتوفيق بين متناقضات،والخلط والجمع بين شتاء وصيف تحت سقف واحد!!فهذا لايسمى تطورا فكريا!بل يطلق عليه-نكوص او تدهورنفسي وعقلي،او سقوطا وتراجعاا معرفيا وفكريا،وانحطاطا او تقهقر ونكسة على مستوى الافكار!..وهذا له عوامل عديدة منها الخيبة واليأس،وانطفاء الحيوية،وضمور النشاط الذهني نتيجة التعب او التقدم في السن او المصلحة الخاصة وغيرها من اسباب..وهذا طبعا لا يعني الحجر او خنق او كبت او نفي حريات الافراد والجماعات في العقيدة والرأي والتعبير وغيرها من حقوق طبيعية ومدنية وسياسية.وحتى حرية الايمان بالخرافة والاوهام مكفولة لمن يرغبون بها او تتفق مع ميولهم واهوائهم،او تربوا على الايمان بها،او توصلوا لها ذاتيا،او بتأثيرات الوسط الاجتماعي او الفكري والثقافي في محيط بيئتهم!ولكن ان تتخلى عن فكرك السابق والذي يكون احيانا ارقى واقرب للحقيقةوالصواب،فهذا من حقك،وانت حر في افكارك ومعتقداتك وقناعاتك،اما ان تهاجم فكرك السابق او تنتقده بقصد التجريح او السخرية منه وتسفيهه،او تعتبر افكارك الجديدة او ايمانك الاخيرهو كل الخير والصواب وهو الحقيقة الكاملة والشاملة وتقسر غيرك على حملها لانها الحقيقة المطلقة و كل ماعداها ترهات!!فهذا ما لايحق لك قطعا.............
سأتناول هنا بأيجاز جانبا من بيوغرافيا مفكران مختلفان في افكارهما،وتوجهاتهما الفلسفية والايديولوجية،وان التقيا في بعض المواقف،وتوحد نقدهما لبعض الممارسات والاحداث التاريخية والسياسية والفكرية......الاول:هو فيلسوفا وجوديا لم تكف افكاره الحيوية عن التطور ثم استقر نهائيا عندالفكر الماركسي وان بشكل عام ومن خارج الدائرة التنظيمية-اي بلا تحزب وارتباط-،وظل امينا ونزيها ومخلصا لقناعاته الفلسفية والفكرية حتى وفاته.اما الاخر:فكان ماركسيا شيوعيا،اتسم فكره بالتناقض وتبديل الافكار والمعتقدات،ورزح تحت ثقل الازدواجية والدوغمائية والقلق الفكري،وبقى متذبذبا لم يستقر على حال حتى وفاته.
نبدأ بالاول:وهو جان بول سارتر/1905-1980،الفيلسوف الوجودي الابرز،الذي اشتهر بالوجودية واشتهرت الوجودية به،رغم وجود الكثير من الفلاسفة الوجودببن غيره.والوجودية فكر فلسفي،ونزعة فلسفية بقدر ماهي مذهب لاهوتي فلسفي.وتعتبر الوجودية(ثورة فكرية)ضد كل ما يستلب حرية الانسان،وهي تؤكد على الذاتية،والحاضر الزمني،دون القلق من الماضي او على المستقبل،وهي تركز على الذات كموضوع معرفي وجودي،وكمركز للتأمل الفلسفي..بدأت في الربع الثاني من القرن التاسع عشر على يد سورين كيركغارد1813-1855 مؤسس الفلسفة الوجودية.الذي اكد على العاطفة والانفعال كمعرفة اكيدة.وتنقسم الوجودية الى اتجاهين:احدهما ايماني/وعلى رأسه:كيركغارد،وبيردائييف،وغابرييل مارسيل.والأخر الحادي:ويشمل بألاضافة لسارتر،كارل ياسبرز،ومارتن هيدجر،وسيمون دي بوفوار،وموريس ميرلوبونتي..ولد سارتر في باريس،وبدأ حياته العملية استاذا،ودرس الفلسفة في المانيا في بداية الحرب العالمية الثانية،وعند احتلال النازيين لفرنسا ساهم في المقاومة السرية،وكان من ابرز المثقفين الفرنسيين ذو التوجه اليساري.منح جائزة نوبل عام1964،ولكنه رفضها!ترفعا عن التشريف الرسمي المكرس من قبل(مؤسسة ثقافية برجوازية)!وتخضع اختياراتها لتوجهات سياسية ودعائية.معلقا:"ان هدفه من الكتابه ليس التشريفات الرسمية والجوائز،بل ينبع من التزامه الادبي بحمله آلام العصر"..يعد سارتر واحدا من اكثر المفكرين الاوربيين اثارة للجدل في منتصف القرن العشرين.كان فيلسوفا:كتب العديد من الابحاث القلسفية المهمة مثل:الوجود والعدم/الوجودية مذهب انساني/المادية والثورة/نقد العقل الديالكتيكي -والذي كان نقطة التحول الحاسمة له نحو الماركسية-وغيرها من دراسات ..وكان روائيا:كتب العديد من الروايات منها:الغثيان/الجدار/دروب الحرية-بثلاثة اجزاء-وغيرها.وكان ايضا كاتبا مسرحيا كتب الكثير من النصوص منها:الذباب-التي عرضت على المسرح بظل الاحتلال النازي-/ اللامخرج/المنتصرون/سجناء التونا،وغيرها.وكانت مسرحياته كرواياته،تعالج القضايا الاقرب للميتافيزيقيا والقلق الوجودي منها الى السياسة،وبالرغم من وجود بعض المسرحيات المناهضة للنازية والرأسمالية.وكتب مذكراته بعنوان:الكلمات.وكان محور فلسفته الوجودية يدور حول الذات الفردية،وادراك الحرية ووعيها،والتزامه المترتب على الحرية كمسؤولية وقدر.فالانسان قبل ان يعي حريته هو وجود بلا ماهية او هو مجرد(مشيء)!اي اقرب الى الاشياء.والجانب الذاتي الوجودي المحض هو اهم صفة للفرد وغاية بذاته،ولااهداف ما ورائية لوجوده!بل هو الذي يحدد اهدافه لنفسه،وحريته مطلقة لا حدود لها!...بعد الحرب اسس مجلة(الازمنة الحديثة)بعد ان ترك التدريس،وخصص وقته للكتابة والنشاط السياسي،وكانت المجلة منبرا بارزا للقكر اليساري التقدمي.وجه سارتر بأستمرار سهام نقده نحو النظام الرأسمالي المتعفن والبالغ الخسة،وفساد وتحلل البرجوازية وقذارتها وخبثها،واشعالها لحروبها الامبريالية،والتي تعتاش عليها،وديمومة انتاجها لاسلحة الدمار واستخدامها،وخصوصا في كوريا وفيتنام..كان للاشتراكية في ذهنه تصورا اكثر حرية وانسانية واقرب لفكر ماركس.وكان واثقا دوما بان الاشتراكية هي وحدها دون غيرها قادرة على تحرير الانسان وفي الصدارة البروليتاريا،وبناء مجتمع حر يتمتع فيه الجميع بالامان الاقتصادي والتفتح الانساني.وليس مجتمعا حرا من كان فيه فردواحد مقموعا!ويجب ان يتمتع الجميع بالحرية وممارستها دون قمع او كبت!وكان تصوره لطبيعة الاشتراكية ووسائل تحقيقها انه"لايمكن للاشتراكية ان تظهر الا على يد الطبقة العاملة،ولا يمكن لها ان تنجز شيئا ما لم تعط الاولوية المطلقة لحاجات هذه الطبقة".كانت علاقته بالفكر الماركسي(الماركسية) يشوبها دائما النقد الاكثر راديكالية وحدة.ليس المنهج الماركسي الجدلي،بل تلك التجارب المسخ!والتي نفذت وطبقت في بلد اكتوبر(المغدور)!..تلك التطبيقات الخرقاء لما يسمى تجوزاب(الاشتراكية)!وخاصه في الحقبة الستالينية ومابعدها..ولكنه رغم عدم انتمائه للحزب،واستقلاليته كمفكر ماركسي حر،ظل امينا للفكر الماركسي فيما بعد .وكان يعتبر نفسه واحدامن مجموعة من المثقفين اليساريين،ومعاديا بلا هوادة للنظام الرأسمالي(الغول)باستغلاله للبروليتاريا،ونهبه لشعوب المستعمرات،وكانت علاقته مع الحزب الشيوعي الفرنسي متشنجة وقلقة،وخصوصا من طرف الحزب!ونقدية لحد الادانة لبلد اكتوبر(المغدور)!!وظل رغم نقده الحاد للممارسات و الجرائم التي ارتكبت وبالذات في عهد ستالين،يرى كفة(الاشتراكية) رغم تطبيقها المشوه!هي الارجح على كفة الديمقراطيات البرجوازية!!وصعد من حدة انتقاداته للشيوعيين الفرنسيين بعد احتلال النازيين لفرنسا1941،وتأييد الحزب لمعاهدة عدم الاعتداء المعقودة بين ستالين وهتلر في عام1939،واعلان فرنسا وانكلترا الحرب على المانيا عشية احتلال النازيين لبولندا.والذي اعتبره الحزب(مؤامرة امبريالية)!!وتغير الموقف من الحرب بعد بعد غزو هتلر لبلد اكتوبر(المغدور)عام1941 ليصبح الحزب بين عشية وضحاها داعيا لمقاومة الغزو النازي الامبريالي!!وعقب ذلك تفاقمت درجة نقده للاوتوقراطية البيروقراطية الستالينية وللشيوعيين الفرنسيين،ووصلت للقطيعة بعد احتلال ستالين لاوربا الشرقية بعد انتهاء الحرب وبدء الحرب الباردة،وبعد غزو المجر وقمع حركة الانعتاق فيها عام1956 ازداد الموقف صرامة،وكتب سارتر مقالته الشهيرة(شبح ستالين)!وفيها ادان التدخل،وعده اعتداء سافر من قبل ورثة الستالينية!ولكنه بقى مخلصا وامينا لفكرة (الاشتراكية وضرورة تحرير الطبقة العاملة)،وآزر الحزب الشيوعي،واصطف الى جانبه في كثير من المواقف.يقول سارتر:"ان الطبقة العاملة حققت وعيا بذاتها من خلال الحزب الشيوعي وحده"...وظل محافظا على تعلقه الفكري ونزاهته المبدئية للماركسية والتي يقول عنها:"هي الفلسفة الوحيدة للقرن العشرين ولا يمكن تجاوزها"!.ولم يتنكر للماركسية او ينبذها رغم اخفاقات التجارب المزيفة وطبيعتها القامعة والاستبدادية،وانعدام ديمقراطيتها.ورغب بتلقيح الماركسية من خلال الحزب الشيوعي بقدر من اللبرالية والانفتاح ،ورغم وجوديته الى حد النخاع!قال عن فلسفته-وهذا منتهى النزاهة والنبل الفكري-(لايمكن للوجودية ان تحل محل الماركسية،والماركسية هي وحدها الفلسفة الصحيحة في العالم الحديث)كون الوجودية بجوهرها اليائس وقنوطها الروحي تتناقض مع الفلسفة الاجتماعية والنشاط والممارسة السياسية.بعد غزو حلف وارشو لتشيكوسلوفاكيا عام1968 وسحقه(لاشتراكية)دوبتشك الاصلاحية،واندحار الثورة الطلابية والتي اجتاحت الجامعات الفرنسية وبعض الجامعات الاوربية،غرق سارترا بيأس ونهلستية اكثر عمقا،واستدار نحو العالم الثالث وحركات التحرر الوطني في المستعمرات وثورات الشعوب..لقدكان سارتر مخلصا للطبقة العاملة ونضالها ضد الرأسمالية،وللماركسية بوجهها الانساني،ولفكر ماركس الذي تعرض لتشويهات السدنة الدوغمائيين،وحماقات التطبيق!!توفي سارترعام1980 واحرقت جثته بناءا على طلبه.كان سارتر فيلسوفا واديبا،قضيته الاولى والوحيدة هي الانسان وحريته،ويعتبرواحدا من ابرز مفكري القرن العشرين والاكثر حضورا.
نتناول بعد سارتر.الفيلسوف الآخر :وهو روجيه(رجاء)جارودي:ولد في مرسيليا1913-2012/ اعتنق المسيحية(الكاثوليكية)في مرحلة الشباب،ومنها تحول الى مذهب
(البروتستانتية).في عام1933 انضم الى الحزب الشيوعي الفرنسي كمناضل مسيحي بروتستانتي!!-على حد وصفه في مذكراته-.درس الفلسفة متأثرا بكيركجارد وماركس.في عام1953 حصل على الدكتوراه عن دراسته"النظرية المادية في المعرفة"،ومن موسكو في عام1954 عن دراسته(في الحرية).كان في صراع مستمر مع حزبه،واصطدم به عدة مرات لنقده (الستالينية)،وتجربة روسيا(الاشتراكية).وايضا موقفه من ثورة1968 الطلابية،وسلبية الحزب تجاهها،واجتياح قوات حلف وارشو بزعامة البيروقراطية الروسية لتشيكوسلوفاكيا.وقد انسجم في هذه المواقف مع سارتر-دون التطابق الكامل-.انتقد نفسه كمنظر كبير للفكر الماركسي،لترويجه الفكر الدوغماتي لستالين!.لان الدوغمائية تولد الادانة الجنائية!يقول"اذاكنت املك الحقيقة المطلقة النهائية والتامة،فكل شخص لا يشارك فيها يكون مريضا يجب توجيهه الى مستشفى الطب العقلي،او منحرفا يستحق السجن او المشنقة،لذلك هو قدر كل موظف للمطلق في خدمة كنيسة..طائفة..حزب"!!..انتهت علاقته بالحزب بعد طرده منه عام1970..في عام 1972 بدأ ما اسماه ب(حوار الحضارات) .وفي عام 1982 اعلن اسلامه امام المؤسسة الثقافية الاسلامية في جنيف!.-ذات التمويل السعودي!-.وجه نقدا عنيفا لوحدانية السوق الذي نزع العقل والاخلاق من النظام الرأسمالي الذي مركز بنيته بأتمتة لاحياة فيها ومستقبل مغلق،واعتبره لا وسيلة للتبادل وكمحدد للقيم والغايات،بل اصبح منظم المجتمع ومحركه الاوحد في كل العلاقات.ونقد الرأسمالية المتعولمة بمراكزها واطرافها،ورفض مادعاه نهاية انسانية الانسان وضياع غاياته.وامتد رفضه وادانته للتلفاز!والذي اعتبره جهازا لغسل الادمغة ومصدر معلومات مضلل ومشوه ومتجه للربح،ومربيا لانسان سلبي لاحر،انسان العصر الحالي!وفضح اوهام السوق عن الحرية المزعومة،وحلل آليات عمل صندوق النقد والبنك الدوليان اللذان يداران من قبل الدول الرأسمالية الكبرى..قال بعد اعتناقه للاسلام :"ان للحضارة الغربية برأسماليتها وماركسيتها مصير واحد هو مزبلة التاريخ"!!!وقال ان الحضارة الغربية قامت على مفهوم خاطيء للانسان فهي تعتمد النمو المادي التراكمي"-على ماذا يريدها ان تعتمد-؟؟!!وعن الحضارة (الاسلامية) قال:"انه لم يحدث الفصل والتجزئة بين الاشياء في الاسلام فالعلم متصل بالدين،والعمل متصل بالايمان،والفلسفة تستوحي النبوة،والنبوة متصلة بالعقل"!!!!!واين المفتاح؟؟لا بد انه عند الحداد؟؟!!!وغير ذلك من شطحات وهذر! انه التصور والفهم البالغ المثالية للاسلام ومن الخارج الذي غطس فيه جارودي!!..كتب جارودي اكثر من 70 كتاب منها:الماركسية والاخلاق/الانسانية الماركسية/واقعية بلا ضفاف/كارل ماركس/ ماركسية القرن العشرين/منعطف الاشتراكية الكبير- الذي كان منعطفه الفكري ايضا- !ومن كتبه بعد اسلامه:وعود الاسلام/الاسلام دين المستقبل/المسجد مرآة الاسلام وغيرها-وقد درت عليه هذه الكتب البركات والجوائز النقدية من سلاطين وامراء آل سعود الامناء على بيضة الاسلام-؟؟؟؟!!!!...في عام 1998 حوكم على تشكيكه بعدد اليهود الذين ماتوا في(الهولوكوست)النازي..دعى للعقيدة(الابراهيمية) ام واب(اليهودية والمسيحية والاسلام)!!يقول:"اخترت المسيحية،وانتسبت للحزب الشيوعي الفرنسي،وقادتني حكمة الحكماء،وفي مقدمتهم كيركجارد الى العقيدة الابراهمية،ورغم حيرتي وقلقي فقد حافظت على هذه الازدواجية طيلة خمسة وثلاثون عاما،ولست نادما على ذلك"!!!-وما يولدمن هذا التوليف والكوكتيل الفكري غبر الحيرة والقلق-؟؟؟؟!!!!....اعتبره البعض مرتداعن دينه عندما قال :"دخلت الاسلام وبأحدى يدي الانجيل وباليد الاخرى كتاب رأس المال ولست مستعدا للتخلي عن اي منهما"!!-المؤسف انه لايملك الا يدان ولو كان يملك اكثر لحمل اكثر- !!!..(بدأكاثولوكيا وانتقل الى البروتستانية،واصبح شيوعيا،وانتهى صوفيا متدينا)!!فيالها من رحلة طويلة بين الافكار!!تنقل من عقيدة ومنظومة فكرية،ومن نسق عقائدي الى آخر!!لقد ذكر احد كتاب سيرته الذاتية واصفا جارودي(جارودي ينتمي الى جيل من المثقفين والمناضلين الذين لا نستطيع مطلقا ان نحدد بدقة ما يمكن ان نستشرف آفاقهم الفكرية)!!...كيف اختار ان يتخلى عن كل التراث الفكري والمعرفي والثقافي الغربي ليعتنق(اسلاما) هشا ومتناقضا بين العديد من مذاهبه وطوائفه؟؟!!وبحثه المضني عن الارتكاز الذي يتوازن فيه العقل بالوجدان،او الفني الشعري بالعمل السياسي العقدي؟؟!!..لقد مكنه الاسلام من بلوغ نقطة التوحيد بينهما-حسب ادعائه-!!! لقد وصفه الاعلام الغربي بعد موته ب(الناكر للهولوكوست) و(المنقلب على نفسه)و(نموذج المفكر الغربي الذي سقط في خطوته الاخيرة).......اما الاعلام العربي فقد وصفه ب(المفكر الاسلامي الذي ترك المسيحية والشيوعية)-غريما الاسلام والاخر المنبوذ- و(المناهض للصهيونية)-انها عقدة التهليل لكل من يعلن اسلامه من الغوييم،ولعنه على من تخلى عن اسلامه وانضم للكفرة- وهو دليل ساطع على صدقية(الحقيقة المطلقة)الخاصة بهم!!وهو ايضا (مقولب في ذاته)حسب تعبير جارودي نفسه!.لم يستطع ان يعيش دون ايمان او دين-كما صرح هو-!فانتقل الى الصوفية ثم اهملها فيما بعد!!....ومن مواقفه السياسية العالمية دفاعه عن نظرية القذافي(العالم ثالثية)!!ودفاعه عن نظام صدام الفاشي!!وزار العراق في ذروة القمع الفكري والسياسي!!!.........والان اوشكت دورتنا السريعة على الانتهاء.في رحاب اثنان من اكبر مفكري القرن الماضي.ورأينا مصائر الافكار وتحولاتها من خلالهما:سارتر وجارودي..سارتر الوجودي الذي ادرك مبكرا عقم فلسفته،ونهايتها السريعة وسخر منها قائلا:"انه سيكون سعيدا جدا اذا ما قرأت كتبه بعد موته بعشر سنوات"!!وفعلا بعد ما كانت الوجودية في ستينات القرن الماضي تيارا رائجا وجارفاوعمت المعمورة شرقا وغربا،وكانت الموظة الفكرية والفلسفية السائدة للمثقفين الشباب،وامتلكت جاذبية عارمة اكتسحت الاوساط الادبية والفكرية والفنية.اضمحلت وتلاشت الوجودية بعد موته!ولم يعد يقرأها في نهاية الثمانينات سوى باحثي الفكر المعاصر ومؤرخي الفلسفة الهواة!وقبعت في قبو الارشيف الفكري الرطب لتنقدها الارضة!!!والتزم بالماركسية الفكر الاكثر حيوية وتجددا وديمومة.....ام جارودي المثير للشفقة!!بسبب تخبطه الفكري!فقد حاول ان يجمع ما لا يجمع!وانتقد تحول الماركسية على يد ستالين الى دين!ولكنه نسى نفسه في الوقت نفسه فقد كان اكثر دوغمائية من ستالين!!وكان تصوره للماركسية تشوبه الكثير من الاوهام المثالية،وجعل منها دينا ايضا ولو بشكل مغاير!كان اضطرابه الفكري واضحا!وزئبقيته مؤكدة وبأعترافه هو!لقد جعل من عقله كشكولا من افكار بالغة التنوع والتناقض!!وكما يقول المثل العراقي الشعبي(رمانتين ابفد ايد ماتنلزم )!!ولكنه حاول ان يحمل الكثير من الرمان بيد واحدة مرتعشة!!..في السبعينات من عمره اعلن اسلامه !!فهل تتطلع الشيخوخة نحو السماء باحثة عن جواب،لتهدئة الضمير وغلق باب الاسئلة والتفكير؟؟!! ربما!!! من ذرى الافكار الى قيعان الهلوسة واساطير الاباء المؤسسين للاديان الواحدية؟؟؟؟!!!!!عجبي!!!...............للافكار مصائر!!واي مصائر؟؟!!..فعندما تذوي الافكار في دائرة الافول،تتحول الى اشباح هائمة تحوم بيأس باحثةعن ملجأ دون جدوى !!.اذا كان طبيعا ان ترتقي الافكار وتتطورصعودا،فهل طبيعيا ايضا ان تتدهور وتنحط نحو حضيض الفكر الديني ؟!.سؤال للتأمل!..........
.................................
وعلى الاخاء نلتقي...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن